خواطر فؤاد البنا 871

تحتفل بلداننا سنوياً بما تسميه بأعياد الاستقلال، ولكن هل استقلت بالفعل عن هيمنة البلدان الغربية التي استعمرتها من قبل بصورة سافرة وخشنة؟ ..من يتمعن حقيقة ما يدور في الواقع يكتشف بدون عناء أن هذه البلدان قد تخلصت من الاستعمار المباشر ووقعت ضحية للاستعمار غير المباشر والذي يتم عبر وكلاء محليين صار بعضهم أشد وأنكى من أسيادهم. وتحررت من الاستعمار الخشن وعضّت بالنواجذ على الاستعمار الناعم، حيث تعاني من تبعية سياسية اقتصادية، ومن ذيلية ثقافية اجتماعية، وما تزال أسيرة لتقليد ثقافة المستعمر ومناهجه التربوية؛ ومن ثم فإن الاحتفال بأعياد الاستقلال ضحك على ذقون الجماهير التي تغرق في الجهل وتعاني من انعدام الوعي الصحيح، ومن يمتلك ذرة من وعي ووطنية يعرف هذا الأمر ويعترف به ولو كان من القادة، كما فعل الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي قال: " لقد عملنا من أجل الاستقلال، ولكن حلاوته سُرقت من شفاهنا"!

************************************

ما أغنى من لا يملك إلا القناعة، وما أفقر من لا يملك سوى المال، وما أقل من لا يملك إلا عصبية قبيلته أو وطنه ولا يدور في فلك أمته، وما أعلم من يعرف جهله وما أجهل من أوصلته شهادته العالية للظن بأنه أصبح دائرة معارف فيفتي في الفكر والسياسة والاقتصاد والطب والهندسة!!

************************************

يردد بعض المسلمين أن العاقبة للمتقين، وهو حق تدل عليه آيات القرآن الكريم بصورة قاطعة، ولكن الباطل هو أن ترى من يقولون ذلك وهم جالسين في مقاعد الانتظار يترقبون تحقق وعد الله بأن يجعل العاقبة للمتقين وفق سنن خارقة، إن هؤلاء لا يفقهون حقيقة هذا الدين المرتبط بالسنن الجارية التي تعبّد الناس بالعمل بها، بل ولا يفهمون معنى التقوى، فالتقوى بمعناها العام هي أن لا يجدك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، ومن ثم كيف يتوقع عاقبة التمكين من لم يأخذوا بأسباب النصر ولم يُعدّوا ما استطاعوا من قوة عسكرية واقتصادية وثقافية وإعلامية واجتماعية وقد أمر الله بالأخذ بها كافة؟ كيف ينتظر عاقبة النصر من لم ينتهوا عن الظلم والغش والكذب والتزوير والخيانة والبطالة مع أن الله قد نهى عنها؛ لأنها أحجار عثرة تقف ضد سير قطار النصر؟!

************************************

ظل تيار إسلامي عريض منذ عقود يرمي بكل ثقله في محاولة إصلاح السلطة أو الوصول إليها؛ لما تمثله في رأيه من مكانة مركزية في قضية الإصلاح الاجتماعي، ويستدل أبناء هذا التيار بحديث: "الناس على دين ملوكهم"، ومقولة عثمان: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وقد ردت السلطات الحاكمة بمحاربة هذا الاتجاه ووصل الأمر ببعض الأنظمة إلى محاربة بعض القيم الإسلامية نفسها. ولو كان هؤلاء الإسلاميون قد سلطوا تلك الجهود في تغيير الأفكار السلبية وزرع القيم الحضارية وتوسيع مساحات الوعي وتربية الجماهير على احترام ذاتها وتقديس قيم الحرية والعدالة والعلم والعمل والنظام، وذلك عبر المكتبات ودور النشر والمؤسسات الثقافية، وعبر المدارس والجامعات، وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لكان الأمر مختلفا تماماً اليوم، إذ لن يحدث صدام مع الأنظمة الحاكمة وستسعى كثير من التيارات السياسية والمكونات الاجتماعية لكسب ودّهم، ولربما كانت الكتلة الحرجة الضرورية للتغيير قد ظهرت، فهل يعي الإسلاميون أن المتغيرات المعاصرة قد جعلت الإعلام السلطة الأولى، لدرجة يمكن القول معها بأن الناس على دين إعلامهم؟!

************************************

يردد بعض المسلمين أن العاقبة للمتقين، وهو حق تدل عليه آيات القرآن الكريم بصورة قاطعة، ولكن الباطل هو أن ترى من يقولون ذلك وهم جالسين في مقاعد الانتظار يترقبون تحقق وعد الله بأن يجعل العاقبة للمتقين وفق سنن خارقة، إن هؤلاء لا يفقهون حقيقة هذا الدين المرتبط بالسنن الجارية التي تعبّد الناس بالعمل بها، بل ولا يفهمون معنى التقوى، فالتقوى بمعناها العام هي أن لا يجدك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، ومن ثم كيف يتوقع عاقبة التمكين من لم يأخذوا بأسباب النصر ولم يُعدّوا ما استطاعوا من قوة عسكرية واقتصادية وثقافية وإعلامية واجتماعية وقد أمر الله بالأخذ بها كافة؟ كيف ينتظر عاقبة النصر من لم ينتهوا عن الظلم والغش والكذب والتزوير والخيانة والبطالة مع أن الله قد نهى عنها؛ لأنها أحجار عثرة تقف ضد سير قطار النصر؟!

وسوم: العدد 871