لا تخلطوا الألوان

إن مزج الألوان مع بعضها البعض ، تنتج لنا لونا ، لا يمت بصلة للألوان الأصلية ، هذا  في عوالم المادة ، بينما في عالم العلاقات الإنسانية صورة أخرى ، فالعلاقات على تنوعها، يصعب مزجها و خلطها فكل علاقة لها روابطها  الخاصة بها ، فلا يمكن مزج علاقة صلة الرحم بعلاقات الصحبة والزمالة ، ولا يمكن بحال  ربط علاقات العمل بعلاقات الصداقة ، وقد تتجاوز هذه العلاقات ما ذكرنا. 

 في حياتنا الاجتماعية تنشأ علاقات وروابط  مشتركة ، كاشتراك الهوايات الإبداعية ، أو روابط  ترتبط بالميول  السياسية أو الفنية و النفعية   ، جميعها تسمى روابط ينتجها التواصل الإنساني ،   فيها روابط لا يكتب لها الاستمرار بانتهاء المرحلة التي أنشأت من أجلها العلاقة ، فزمالة العمل غالبا ما تنتهي بانتهاء دورة حياة الوظيفة  ، ما يبقى من آثارها إلا العلاقة الضاربة في العمق ، فتدوم وتستمر كونها ارتقت عن المطامح والأعراض  ، أو أنها تجاوز حدود علاقات العمل .

وقد وجدنا لفيف من البشر ، تصيبهم  دهشة كبيرة ، وهزات عنيفة حين تتلاشى  علاقات العمر الطويلة  ، تمضي في معب الريح ، تمضي  كرغوة صابون ، تمضي كأنها لم تكن ، ولكن لا عجب في الحقيقة  ، فهي علاقات منتهية الصلاحية ، كالمادة الاستهلاكية ، يدون في علب تغليفها  ، أو مادة  تصنيعها مدة نهاية الصلاحية ، وكذلك بعض علاقاتنا الاجتماعية تنتهي  وتمضي كأنها لم تكن ، والكثير منا عاش بعض صور هذه العلاقات ، ما بقى من أثرها سوى ما دون في سجل القيد ، الذي يسجل فيه تاريخ بدء العلاقة  وتاريخ التحول أو تاريخ الخروج منها .

 لهذا لا يجب علينا خلط الألوان ، ومزج الروابط  ، بل يفرض أن توضع كل علاقة في مكانها المناسب ، فهناك علاقات روابط عارضة كعلاقات التواصل في الأسواق ، نقضي حاجات مصروفنا ونمضي ، ولا  نترك في المكان سوى ريح  نفعنا وحسن تعاملنا  ونمضي في سبيلنا. 

وهناك روابط يفرض أن نعض عليها بالنواجد ، فنحرسها كما يحرس الراعي أغنامه من الحيوانات المفترسة ، وهي علاقات الرحم الموثقة بالمواثيق الإلهية. 

وهناك روابط أخرى يفرض أن  نحوطها بالاهتمام وحسن المعاملة ، نرعاها  بالوفاء والإخلاص ، وهي علاقة الصداقة الإنسانية ، وهي العلاقة النقية الغير مشوهة بالأخلاط الملوثة ، فهي مثل زجاجات العطر الطيبة ، كلما  طال عمرها زادت قيمتها ، وهي مع قلتها ،  سكن للروح ، لا غنى لنا عنها .

وهناك روابط إنسانية مهمة  من أرقى الروابط الإنسانية ، تتمثل في روابط الجيرة والجوار ، وهي من أقدس الروابط ، فالجار في المنزلة كالقريب من الرحم ، التفريط فيه خسارة ، وإياديته  محرمة بالشرع والقانون .

ودون هذه الروابط سراب ومضيعة ، بل يجنى في بعضها خسارة الدين والمذهب والمال ، لعلّ لمثلي موعظة آية  كريمة  حددت بوضوح  ، ميزان العلاقة الصحيحة في الروابط الإنسانية ،  فقد لخصتها   الآية السابعة والستين من سورة الحجر ،  هي   قوله تعالى   :

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ﴾

فمثل  هذه الرابطة تدوم ولا تنقطع ، تستمر ولو عكر صفوها محن الزمان ، فمثل هذه الروابط حق لي ولك لزوم حياضها وتحصينها بالمودات ، وحق لي ولك الحزن عند ضياعها ، أما دون ذلك علاقات آئلة للزوال .

وسوم: العدد 1072