أهذه هي إنسانيتنا ؟

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

لم يعد الجرح  بعمقه القاني كما كنا نعرف ، لم يعد الألمُ الجامحُ  آهاتِنا ينزف  ، لم تعد غيمات  أسانا تعرف على من قطرات حزنها تذرف !!..من نحن  من بني البشر ؟وأين نقف في سلم الإنسانية ؟؟ وماذا نصنع في عالم خلع ثوب  الرأفة وارتدى حلة التجبر والظلم والطغيان ؟ ولماذا نحني هاماتنا لكذاب أشِرجبان؟!!

سؤال يروادني بل أراه  يحاكمني ويقرّعني و يدينني ويضعني في قيد   اللوم وتأنيب الضمير الذي لا ينتهي !!

منذ فتحنا أعيننا على هذه الدنيا الحافلة بألوان الوجع .. كانت لنا قصة واحدة، قضية واحدة ،أهزوجة حزينة  تهدهد الأنين .. ترنيمة تهمس قصتها في الليل الحزين

شمس ذابلة تداعب أشعتها الهزيلة  قرّ البائسين.

كنت أستمع بشغف لوالدي  وهو يحدثني وإخوتي عن وجوب الجهاد في فلسطين وتحريرها من مغتصبها الأثيم .. ولا زلت أذكر إحساسا مشاكسا جميلا كان يخامرني عند سماعي لقوله :" حين يدعو الداعي للجهاد .. على الجميع أن يلبوا .. وليس للمرأة أن تستأذن ولي أمرها" .. كنت طفلة حينها .. وكانت هذه الكلمات تدغدغ مشاعري و تشعرني بالشوق إلى ذلك اليوم الذي لن أكون فيه أسيرة لقيود الوالدين واضطراري لاستئذانهما على كل صغيرة وكبيرة قي حياتي ..

كبرت و كبر معي إحساسي بقضية لا زالت هي أيضا تكبر معي..كبرت وأنا أنتظر هذا اليوم الذي سأشعر فيه بلذة الإحساس بالخروج للجهاد دون إذن الولي .. ولا  زال  داعي الجهاد راقدا في سبات طال و طالت معه عذاباتنا وآلامنا .

كان القلب موجها إلى هناك .. إلى الضفة الغربية من النهر حيث  رفات الأجداد و أرض عاث فيها الآثمون الفساد .. لم أكن أعلم أن هذا القلب سيتشظى وتسكنه مواجع أخرى هي أكبر من قدرته على التحمل أو الاستيعاب .. فهنا العراق .. وهناك سوريا .. وتلك مصر و هذه فلسطين .. و غيرهم من جريح بلاد المسلمين

ما عدت أعرف على من أذرف دمعتي .. لمن  سأخص دعوتي .. من هي منهم نكبتي ..

أصبحت أيامنا كلها حزينة مصطبغة بلون الدم .. معفّرة بتراب متطاير يحمل معه بقايا ما كان يسمى بيتا ..متلهفة رانية  نحو بقايا نخوة أو مروءة كامنة في غيمة سابحة في الأفق البعيد  .. أصبحنا نسترق ضحكات كالحات نداري بها عجزنا وضعفنا  .. نرسم بسمات باهتات  نحاول فيها نسيان  خيبتنا  .. نعاتب أنفسنا على شبعها وإخوتها يعانون الجوع .. على جميل كسوتها والأقربون يتسربلون بالدم والدموع !! على تفكيرها بالحياة و الأهل  يرزحون تحت ويلات الممات !!

عذرا فلسطين ، ما عاد تفكيرنا لك وحدك .. ما عاد قلبنا ينزف فقط لجرحك

ها هي أخواتك الجريحات   يزاحمنك على   قلبنا ، يتأوهن في  دواخلنا ، يستصرخن نخوتنا وشهامتنا .. فلا نملك إلا أن نغضي .. نطأطئ رأسنا

نغطي  حزين وجهنا بكف العجز الخجل .. نطبطب على  قلب وَجِل

نطلق الآهات زفيرا في ليل الظلمات .. فما عدنا نملك غير الدعوات وبضع كلمات !

حتى كلماتنا وحروفنا البائسة أصبحت مستهلكة لا قيمة لها .. فما قيمة الحرف أمام النزف .. ما قيمة الكلمة حيال الظروف المؤلمة .. ما قيمة دمعتنا إزاء عميق نكبتنا .. ما قيمة آهتنا  وهي  لا تجعلنا نبرح رفاه أمكنتنا ..

ماذاقدمنا لك  يا فلسطين  يا سورية  يا كل جرحناالنازف.. يا عراق  .. ماذا قدمنا غيردمع متحجر في المآق  ...أشبعنا العالم كلمات الشجب والتنديد والوعيد .. أطلقنا الكلمات والآهات  في دنيا النشيد..وقفنا بسذاجة نننتظر الزغاريد  من أم الشهيد ...و ظننا لبلاهتنا وعجزنا وضعف حيلتنا أننا بذلك قدمنا الكثير ..وكأننا أغثناهم بأعذب نمير !!

أهذه هي إنسانيتنا التي نتشدق بها ونقنع أنفسنا بأننا أدينا واجبنا بها ؟؟

ويح أنفسنا التي ظلمتنا و ظلمت إخوة لنا وهي قابعة في زنزانة الخوف والجبن و التهاون  والخذلان .. ويحنا إذ بتنا نرتضي الذل والهوان .. ويحنا حين  أصبحنا أعجز أهل الزمان!!

أتراك تغفر لنا يا الله  تقصيرنا وتفريطنا في حق أهلنا وأحبتنا ؟!