خواطر من الكون المجاور..الخاطرة 102 : الدليل الإلهي

في المقالة الماضية حاولت أن أعيد ذكر بعض مبادئ المنهج العلمي الذي أتبعه في أبحاثي في تفسير الظواهر واﻷحداث المادية والروحية ، ليأخذ القراء الجدد فكرة واضحة عن طريقتي في البحث ، ولكن يبدو أنني قد نسيت ذكر أهم مبدأ أستخدمه في أبحاثي وهو مبدأ التدخل اﻹلهي. أو بكلمات أوضح ما أسميه بالدليل اﻹلهي. فكما يعلم القراء المتابعين في قراءة مقالاتي بأن معظم أفكاري تعتبر غريبة عن المألوف وتظهر ﻷول مرة ، ولهذا السبب وضعتها تحت عنوان خواطر من الكون المجاور ﻷنها تعتمد رؤية شاملة تختلف نهائيا عن رؤية علماء العصر الحديث. 

كثير من أفكاري ظهرت قبل نشرها بسنوات طويلة ، ولكن بسبب كونها تبدو وكأنها تعارض - وخاصة الدينية منها - ما تعلمته في المدارس أو ما سمعته بشكل عام مما يقال حولي ، جعلني أتريث وأبحث طويلا ، فهدفي اﻷول من البحث كان اﻹقتراب من الله وليس اﻹبتعاد عنه ، فكنت مؤمنا ومتيقينا بوجود الله وكنت مؤمنا أيضا بأنه من يطلب من الله المساعدة سيجدها إذا كان هدفه لخير اﻹنسانية جمعاء وليس المصلحة الفردية ، فمنذ صغري وبدون أن أقرأ شيئا ﻵراء الفيلسوف العربي ابن رشد كان سلوكي في الحياة يعتمد مبدأ إبن الرشد عن خلود الروح فكما يقول ( الروح الفردية غير خالدة ولكن تصبح خالدة عندما تتحد مع الروح العالمية ) بمعنى أن كل إنسان يساهم بطريقة ما في تطوير اﻹنسانية لتصل إلى الكمال الروحي و الجسدي تصبح روحه خالدة ، أما اﻹنسان المهتم بمنفعته الشخصية أو المهتم فقط بشعبه ودينه ، متمنيا الدمار للشعوب اﻷخرى فهو إنسان روحه فانية ﻷنها تعرقل تطور اﻹنسانية . وعلى هذا اﻹحساس الفطري الذي كان يسيطر على سلوكي ، كنت متأكدا بأنه من يبحث عن الحقيقة بنية صافية هدفها العام زرع المحبة والسلام والتعاون بين شعوب العالم فإن الله سيمهد له الظروف والأحداث من أجل تحقيق هذا الهدف.

وبما أن المنهج العلمي الذي أعتمد عليه يستخدم الرؤية الشاملة فبالإضافة إلى البحث من وجهة نظر العلوم المختلفة كانت الرؤية الدينية أيضا تلعب دوراً هاما في الوصول إلى حقيقة أي حدث، لذلك كان أي أختلاف عن المألوف دينياً في الرؤية الدينية للموضوع ، يدفعني ﻹيجاد إثباتات قوية تؤكد على عدم معارضتها لما هو موجود في الكتب المقدسة. وكان من ضمن أهم تلك اﻹثباتات بالنسبة لي والتي وجب علي رؤيتها هو اﻹثبات الذي أسميه اﻹثبات اﻹلهي. فاﻹنسان مهما كان ذكيا ومهما بذل جهداً طويلاً من أجل الوصول إلى حقيقة الشيء أو الحدث سيبقى كائناً ضعيفاً أمام أبسط أحداث الخلق ، لذلك دوما أثناء بحثي في المواضيع المختلفة كنت أطلب من الله عز وجل أن يرسل لي الدليل اﻹلهي لكي أكون واثقا من أنني أسير على الطريق الصحيح في البحث. فظهور الدليل اﻹلهي يعطي الباحث الشعور بالطمأنينة فهو يجعل الباحث يشعر وكأن الله عز وجل من خلال هذا الدليل يقول له " أنت على حق ،تابع أبحاثك "

لتوضيح معنى الدليل اﻹلهي بشكل أفضل سأذكر لكم هذا المثال البسيط : 

قبل عدة أيام أحد القراء الجدد أرسل تعليقا على مقالة قديمة فقراتها تحاول أن تؤكد على أن حواء هي التي أغواها الشيطان وهي بدورها التي حرضت آدم على إرتكاب الخطيئة ، وأنه لا يوجد خلاف بين القرآن والتوراة في هذه الناحية من القصة.ورغم ما ذكرت من أدلة على صحة هذه الفكرة ولكن يبدو أن القارئ قد أخذ حرفيا ما ذكره الدكتور علي منصور الكيلاني في أحد مقاطع الفيديو الموجودة في اﻹنترنت ووضعه في تعليقه ليثبت أن آدم هو الذي أخطأ أولا. .. ومن ضمن ما ذكر في هذا التعليق كانت هذه المقاطع مع الآيات ( قلنا يآدم إنه عدو لك ولزوجك. ....وعصى آدم ربه فغوى. ..ولم يقل و( عصيا ) ....فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. .. ولم يقل فتشقيا. .. أي أنت السبب لوحدك. ..حمل الله كامل المسؤلية ﻵدم. .. تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. ...ولم يقل فتاب عليهما. ... أي هو وحده المخطئ. ..) .

عادة في كل مرة أقرأ تعليق قارئ يعارض ما كتبته في مقالتي ، أتمعن بأسطر التعليق بشكل دقيق ثم أذهب إلى صفحة فيس بوك المعلق وأتفحص ما ينشره في صفحته ﻷفهم طريقة ومنطق تفكيره ، فكل إنسان له ميول فكرية معينة تحدد نوعية إهتماماته الثقافية. ومن خلال المواضيع المنشورة في صفحته أحاول أن أفهم سبب عدم إقتناعه بتلك اﻷدلة التي ذكرتها في مقالتي ﻷستطيع أن أرد على تعليقه بما يناسب طريقة تفكيره وميوله الثقافية . 

معظم التعليقات المعارضة لما أكتبه عادة أكون بانتظارها ، فرغم أن معظم اﻷفكار التي أنشرها في خواطري هي من أبحاثي الخاصة وهي جديدة على القراء ولا يوجد أي شخص آخر كتب مثلها قبلي ، ولكن رغم ذلك فقبل كل مقالة أنشرها أذهب إلى اﻹنترنت وأبحث في كل ما كتب عن هذا الموضوع ، وأطلع على جميع اﻵراء المعارضة لما أذكره في مقالتي. ﻷكون على علم لكل رأي معارض محتمل، لذلك عندما قرأت التعليق الذي تحدثنا عنه لم أشعر بالغرابة من اﻹثباتات الموجودة في التعليق ، ﻷنني كنت أتوقعها وكان بودي أن أذكرها في تلك المقالة ولكن بسبب طول المقالة فضلت عدم ذكرها حتى لا تبدو المقالة لبعض القراء طويلة جدا فلا يقرأه. ولكن في هذا التعليق إنتبهت إلى شيء آخر وهو لماذا الله دوما يذكر الله إسم آدم ولا يذكر إسم حواء. 

كما يذكر القارئ في تعليقه بأن مخاطبة الله عز وجل ﻵدم فقط هو نص صريح يؤكد على أن آدم هو الذي أخطأ أولا ، وطبعا هذا غير صحيح ، فلو تمعنا برؤية شاملة لهذه اﻵيات لوجدنا أن الله يخاطب آدم وليس حواء ﻷن الله خلقه أولا وعلمه اﻷسماء هو فقط ولم يعلم حواء لذلك آدم يعتبر بمثابة اﻷكبر أو اﻷعقل طالما أن الله علمه مبادئ الحياة ولم يعلمها لحواء . .. فمثلا عندما يأتي اﻷخ الصغير ويطلب من أخاه الكبير أن يقوم بسرقة شيء ما ، القاضي هنا لن يوجه كلامه إلى اﻷخ الأصغر عن العمل المنكر الذي قاما بفعله ولكن سيوجه كلامه إلى اﻷخ الأكبر ﻷنه هو اﻷعقل ، والشيء نفسه يحصل في القرآن الكريم فالله عز وجل علم آدم أصول الحياة ووجب على آدم أن يعلمها لحواء لا أن يشاركها الخطيئة ، لذلك من الطبيعي أن يوجه الله كلامه إلى آدم ...أما بالنسبة ﻵية التوبة. ..فالله تاب على آدم ﻷن الخطيئة قد شوهت تكوين حواء بسبب إرتكاب الخطيئة ( الزنى الروحي ) لذلك وجب على اﻷنثى ( رمز حواء ) أن تصلح نفسها . لذلك كانت اﻷنثى في جميع مراحل تطور الحياة هي التي تعاني من قساوة وشقاء الظروف والولادة ورعاية اﻷجيال من أجل ضمان إستمرار الحياة وإرتقاء النوع، وهذا القانون هو فلسفة تطور الحياة. وبشكل عام فإن ما يحصل واقعيا في الطبيعة يؤكد على أن اﻷنثى هي التي تحمل مسؤولية تطور النوع وتصحيحه ﻷنها هي التي أخطأت وكانت سببا في طرد اﻹنسان من الجنة ، وهذا يوافق تماما ما هو مذكور في التوراة عن قصة طرد اﻹنسان من الجنة. وكذلك يوافق رأي علماء اﻹسلام في عصر إزدهار الحضارة اﻹسلامية ، ولكن ما حصل بعد ذلك هو أن بعد دخول الشعوب اﻹسلامية في عصر اﻹنحطاط وبسبب ضعف البصيرة في علماء المسلمين وإعتمادهم الرؤية السطحية ﻵيات القرآن الكريم في ذلك الوقت بدأت تظهر آراء تخالف هذا الرأي وكان هذا التغيير هدفه اﻷول هو فقط من أجل معارضة الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية ليجعلوا من الدين اﻹسلامي دين مختلف نهائيا عن المسيحية واليهودية ،وبسبب إنفصال المجتمع اﻹسلامي بشكل كامل عن الشعوب اﻷخرى جعله ينغلق على نفسه ويزداد إنحطاطا وتخلفا في جميع نواحي الحياة ولا زالت آثاره تفتك باﻷمة اﻹسلامية حتى اﻵن.

ولكن موضوعنا هنا ليس ( من هو المخطئ اﻷول آدم أم حواء ) ولكن موضوعنا هو شرح معنى الدليل اﻹلهي ، فبعد قراءتي لهذا التعليق ذهبت لتحضير طعام الغداء ، وفي ذهني تتردد تلك اﻵيات التي تخاطب آدم فقط وكأن حواء غير موجودة أصلا ، فاخذت بصلة وعندما نزعت القشرة الخارجية عنها رأيت منظر غريب (الصورة ) ، كانت البصلة تتألف من قسمين نصفها من الصنف البصل اﻷحمر ( الحار ) ونصفها من الصنف اﻷبيض ( الحلو ) ، ومن المعروف أن هذين الصنفين منفصلين ، فالبصلة إما أنها ستكون حمراء أو ستكون بيضاء ، تماما مثل البرتقالة والليمونة ، فالثمرة إما أنها ستكون برتقالة أو أنها ستكون ليمونة ، ولكن هنا كانت نصفها ليمونة ونصفها برتقالة ، أي البصلة كانت نصفها ( أحمر ) حادة ونصفها حلوة ( أبيض ) وهذا نادر جدا أن يحدث . 

طبعا مثل هذا الحدث لو حصل مع شخص آخر ربما لن يعطيه أي أهمية ، وبالنسبة لي أيضا لو كانت هذه الحادثة قد حصلت في وقت آخر ربما لبحثت فيها كموضوع وراثي لا أكثر ولا أقل ، ولكن ظهور هذه البصلة الثنائية الشكل في تلك اللحظة التي كنت فيها أفكر في الحكمة اﻹلهية في طريقة تكوين اﻵية القرآنية ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) ،قد أعطى هذه البصلة معنى يساعد في تفسير اﻵية القرآنية ،وتفسير سبب ذكر إسم آدم فقط، فكما تذكر قصة الخلق بأن الله في البداية قد خلق آدم ولكن بعد ذلك ظهرت منه حواء ، أي أن آدم اﻷول أصبح أثنين آدم وحواء ، بمعنى آخر أنه رغم أنفصال حواء عن آدم ولكن يبقى إسم آدم يعني اﻹثنين معا ، وهذا يعني أنه عندما يخاطب الله آدم يعني بأنه يخاطب اﻹثنين معا ، وهكذا وجب أن يكون الرجل وزوجته كائن واحد حيث كل واحد منهما يكمل اﻵخر. وكلاهما معا يشكلان كائن متكامل. فعدم ذكر إسم حواء في اﻵيات القرآنية لا يعني مطلقا أن آدم هو وحده المخطئ كما يحاول بعض المفكرين المسلمين تفسيرها. ولكن يعني أن إرتكاب الخطيئة سيؤدي إلى إنفصال آدم عن زوجته حواء روحيا وجسديا. 

من المؤسف أن منطق المنهج العلمي الحديث يعتبر أن العقل وطريقة عمله هو اﻷساس في كل التطورات اﻹنسانية والعلمية التي حدثت على مر العصور ويُظْهِره لنا وكأنه لا وجود لأي تدخل إلهي ( كما وضحت في المثال السابق )، في تطور العلوم والمعارف وأن فكرة القضاء والقدر ليست إلا نوع من الخرافات لا تقنع سوى عقول أفراد المجتمعات المتخلفة، وللأسف هذا المنطق الذي يزرعه المنهج العلمي الحديث من خلال الكتب المدرسية منذ السنوات اﻷولى في المدارس في عقول اﻷطفال قد خلق نوع جديد من طريقة التفكير عند اﻹنسان ، حيث بدأ يجعله يعتقد بأنه كائن منفصل عن اﻵخرين وعن البيئة الطبيعية والروحية المحيطة به وبأنه وحده فقط يمكنه أن يفعل ما يشاء لنفسه ولمستقبله. فمشكلة عدم الشعور باﻵخرين ( الشعور باﻹنعزالية ) هو شكل آخر للخطيئة التي كانت سببا في خروج اﻹنسان من الجنة.

وما يحز في نفسي هو أن معظم العلماء والمفكرين أثناء بحثهم و تحليلهم لموضوع معين أو لمشكلة معينة نجدهم لا يتطرقون نهائيا لدور الشق الروحي للموضوع أو بمعنى آخر لدور التدخل اﻹلهي في هذه المشكلة أو في ذلك الموضوع ، وربما - لست أدري - أن الله عز وجل في الفترة اﻷخيرة لم يعد يتدخل في حل المشاكل الإنسانية التي وصلت إلى مرحلتها الوحشية ، فقط ليعبر لنا عن حقيقة منطق التفكير العام للإنسانية كما وصل إليه في هذه اﻷيام ، وكأنه يقول لنا " طالما أنكم تعتقدون بأنكم لستم بحاجة لي ، أروني كيف ستحلون مشاكلكم بأنفسكم"، وبدلا من أن يستطيع كبار العلماء بشتى فروع علومهم من حل هذه المشاكل التي تعاني منها المجتمعات اﻹنسانية نجدهم قد وصلوا إلى مرحلة نرى فيها جميع العلماء يرفعون أيديهم عاجزين عن حلها ﻷنها وصلت إلى مرحلة أعقد بكثير من المستوى العقلي للإنسان. و رغم أن نتيجة هذا المنهج العلمي الذي يتبعه مفكرو العصر الحديث أصبحت ظاهرة واقعية يمكن أن يراها ويشعر بها الجميع بسبب شدة تدهور البيئة الروحية في معظم مجتمعات شعوب العالم ولكن للأسف لا يزال هذا المنهج حتى اﻵن يسيطر على فكر معظم المفكرين والعلماء في أبحاثهم العلمية. 

خلاصة الحديث : هو أن ظهور هذه البصلة ذات الشكل الثنائي في ذلك اليوم لم يكن حدثا عابر بالنسبة لي ولكن كان تأكيدا على صحة المبدأ الذي إعتمدت عليه في محاولة فهم سبب الخروج من الجنة ، ففي هذه البصلة رأيت معنى الوحدة ، فبشكل عام فإن فكرة التوحيد بالنسبة لي هي الطريق الذي أسير عليه في أبحاثي فأنا دوما أنظر إلى اﻷمور التي تنمي روح التعاون واﻹخاء بين الشعوب والديانات وأحاول البحث فيها ، ومن يتمعن في سلوك علماء الحضارة اﻹسلامية والحضارات اﻷخرى سيجد أنهم ساروا على هذا المبدأ لذلك بارك الله في أعمالهم وأبحاثهم . وفي هذا العصر الذي تنهار فيه جميع الروابط اﻹنسانية يجب على كل إنسان يحترم التكوين اﻹنساني فيه أن يساهم في تنمية علاقة التعاون واﻹخاء بين الشعوب بغض النظر إلى لغة أو عرق أو دين هذه الشعوب. فحق أطفال العالم أن يعيشوا في بيئة روحية يملؤها المحبة والسلام فوق جميع الحقوق مهما كانت نوعيتها ، ﻷن الأطفال هم المستقبل.

وسوم: العدد 687