الإسلامُ والإصلاحُ والصلاحُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يقولُ بعضُ مُفكريّ العَربِ والمسلمين:أنَّ اللجوءَ إلى خياراتِ نُظمِ الغربِ أو الآخرين بِشكلٍ عامٍ..جاءَ بسببِ تَخلُفِ وعجزِ أنظمةِ الحُكْمِ العربيِّ والإسلاميِّ..ثم يَقولون:الهويَّةُ الثقافيَّةُ للنظامِ ليست إشكاليَّة..فنحن بشر وما يُصلِحُ أحوالَ غَيرِنَا لهو جديرٌ بأنْ يُصلِحَ أحوالَنا..بِكُلِّ تَأكيدٍ الإصلاحُ والصلاحُ وتحقيقُ المَصالحِ أمرٌ مطلوبٌ وأساسٌ في حياةِ الأفرادِ والشعوبِ..والمسلمون ونظامُ الإسلامِ وشرعتُه تؤكدُ الإصلاحَ وتؤيدُه حَيثُما كانَ ومِنْ أيِّ جهةٍ جاءِ وقامَ..ولكنْ هل النظمُ البشريَّةُ سواءٌ في تحقيق الصلاحِ والإصلاحِ..؟فإن كانت كذلك..؟فما هو مصدرُ تنوعِها واختلافِ مُسميَّاِتها إذاً..؟لستُ أدري لِصالحٍ مَنْ حَالةِ التعويمِ الفكريِّ والثقافيِّ الجارية لأجيال أمتنا ..؟ألم يَعُد لَدينا بُوصلَةٌ تَحكمُ وَتُوجّهُ سيرَنَا..؟حتى تاهت بِنا السبلُ في دروبِ الفكرِ والثقافةِ والمعرفةِ..لِيخرجَ نَفرٌ مِنْ أبناءِ جلدَتِنا ليقولَ:لا إشكالية في أنْ يِكونَ نِظامُ الحُكْمِ في بُلدَانِنا علمانيَّاً،رأسماليَّاً،ماركسيَّاً،اشتراكيَّاً،دكتاتوريَّاً،ليبراليَّاً إلخ)هل الأمة العربيَّةُ والإسلاميَّةُ أصبحت بِلا هُويةٍ فكريَّةٍ وبِلا مرجعيَّةٍ ثقافيَّةٍ أو دينيَّةٍ أو معرفيَّةٍ لدرجة أن أبناءَها ليس على ألسنتِهم إلا مُنتجاتُ الآخرِ الفكريَّةِ والثقافيَّةِ والقيميّةِ..؟؟؟نعم نحن أمة منفتحة ثقافياً ومعرفياً على الآخر نأخذُ مِنْه ما يُناسبُ ويتكاملُ معَ ثقاتِنا ومصالِحِنا..بل إنَّ التواصلَ والتكاملَ الثقافيُّ والمعرفيُّ الإيجابيُّ معَ الآخرِ مُقررٌ بِمنهجِ الإسلامِ وقيمهِ ورسالتِه..ونحنُ في إطارِ ثقافتِنا وقيمنِا وأعرافِنا لا نصرُ على تسميةٍ مُحددةٍ لِنظامِ الحُكْمِ..بل نُؤمنُ ويترسَّخُ في اعتقادِنا ووجدانِنا وعقولِنا أنَّ أساسَ نِظَامِ الحُكْمِ في حياتِنا يَنبغي أنْ يَقومَ عَلَى التعاقديَّة،والشوريَّة،والتعدديَّة،والأخلاقيَّة،والعدلِ،وأنسنةِ الكرامةِ،والحريَّةِ،والفكرِ،والثقافةِ،والمعرفةِ،والمصالحِ..ولو تأمل أحدٌ(وثيقة المدينة)لِكونِها أولَ مِيثاقٍ وطنيٍّ اجتماعيٍّ تعاقُديٍّ أبرمَه رَسُولُ الهُدى سَيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم معَ مُكوناتِ مُجتمع يَثرب عاصمةُ الدولَّةِ إذاك..فإنَّه لا يجدُ فيها مُسمى لِنظامِ الحُكْمِ ولكنْ فيه أسسٌ راسخةٌ لبناءِ نِظامِ الحُكْمِ وآلياتِه وضوابطِه..وفيه عبارةٌ عظيمةٌ تؤسسُ لِجوهرِ أخلاقيَّةِ بِناء المجتمعات البشريَّةِ..يَجبُ أنْ يتَأملَها كُلُّ عَرَبيٍّ وَكُلُّ مُسلمٍ بل وَكُلُّ إنْسَانٍ..لِيُدركِ الجميعُ عَظمةَ إنْسانيَّةِ رِسَالةِ الإسلامِ وسمو مقاصِدها..ونصُ العبَارةِ:"المُسلمون مِنْ مَكةَ وَمَنْ تَبعهُم(أي من القبائل المشركة)والمُسلمون مِنْ يَثرب وَمَنْ تَبعهُم(أي من المشركين والمنافقين)واليهودُ(على تنوعهم)أمةٌ واحدةٌ .

وسوم: العدد 703