خواطر من الكون المجاور الخاطرة 125: فلسفة اللون اﻷخضر

المتخصصون بعلم الألوان ورموزها وتأثيراتها على اﻹنسان روحيا وجسديا ينظرون إلى اللون اﻷخضر على أنه لون ثانوي ينتج من إتحاد اللونين الرئيسيين ( اﻷصفر والازرق ) ، هذه النظرة المادية في فهم الألوان جعلت من هذا اللون يفقد مضمونه أو بشكل أصح جعلته يفقد معنى سبب وجوده من حولنا وطبيعة علاقته بتكويننا الروحي ، فصحيح أن اللون اﻷخضر في الألوان المادية ( ألوان رسم أو صباغة ) هو لون ثانوي ، ولكن طالما أننا ندرس تأثيره على اﻹنسان فمن الخطأ أن نعتبره هنا لون مادي ويجب أن ننظر إليه كلون ضوئي ( روحي ) يؤثر على روح اﻹنسان ، فاللون اﻷخضر في هذه الحالة هو لون رئيسي حيث من إتحاده مع اللونين الرئيسيين اﻷحمر واﻷزرق يمكن الحصول على جميع اﻷلوان الثانوية والتي إحداها هو اللون اﻷصفر نفسه .

هناك فرق كبير في مبدأ البحث بين النظرة المادية للألوان والنظرة الشاملة لها ، فمن السهل علينا أن نتصور في مخيلتنا أن إتحاد اللون اﻷصفر مع اللون اﻷزرق يعطي اللون اﻷخضر ، ﻷنه يبدو لنا فعلا أن اللون الأخضر هو لون أزرق مصفر ، أو هو لون أصفر مزرق ، فمن السهل علينا أن نتصور ذلك وأن نقتنع بصحة هذه الفكرة. ولكن هل يمكن ﻷحد أن يتصور في مخيلته أن اللون اﻷصفر هو لون ناتج عن إتحاد اللونين اﻷحمر واﻷخضر ؟ من المستحيل أن نقول أن اللون اﻷصفر هو لون أحمر مخضر أو هو لون أخضر محمر ، ﻷنه هناك إختلاف شاسع بين هذه اﻷلوان الثلاثة. ولولا التحليل الضوئي الذي يثبت صحة هذه الفكرة لكان هذا اﻹعتقاد أشبه بالخرافات أو نوع من أنواع السحر. ولكن هكذا هي اﻷمور بالضبط في العالم الروحي الذي يحيط بنا والذي من قوانينه خلقت كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون الفسيح.

 للأسف نعيش في عصر يعاني من إنحطاط روحي يعتمد قوانين فيزيائية مادية فقيرة يمكن لها أن تفسر جزء بسيط جدا من الظواهر الكونية ومما يحصل حولنا، ولكنها عاجزة وستبقى عاجزة عن رؤية الكون كرواية واحدة أحداثها مترابطة ترابط وثيق فيما بينها وجميعها منذ البداية وحتى اﻵن تسير ضمن مخطط إلهي يهدف إلى شيء واحد وهو وصول اﻹنسان إلى الكمال الروحي والجسدي.

حتى نفهم ببساطة حقيقة دور اللون اﻷخضر وطريقة تأثيره في اﻹنسان وفي كل ما يجري حولنا ، لا بد في البداية أن نشرح طبيعة الفرق بين الألوان المادية ( أحمر ، أصفر ، أزرق ) واﻷلوان الضوئية ( أحمر ، أخضر ،أزرق ) .

كما ذكرنا من قبل أن القوانين الروحية هي اﻷصل ،وذكرنا أيضا أن اللون اﻷصفر في اﻷلوان الضوئية هو لون ثانوي ينتج عن إتحاد اللونين اﻷحمر واﻷخضر ، أي أن اللون اﻷصفر في الحقيقة هنا نصفه أحمر ونصفه الآخر أخضر ، فبما أن اﻷلوان الرئيسية في اﻷلوان المادية هي ( أحمر، أصفر ، أزرق ) هذا يعني أنه لدينا بشكل كمي ( واحد ونصف أحمر ، نصف أخضر ، واحد أزرق ) أي هنا لدينا اللون المسيطر هو اللون اﻷحمر ﻷن كميته تعادل (واحد ونصف ) أي أنه أكبر من كمية اللون اﻷخضر أو كمية اللون اﻷزرق ، وعندما يكون اللون اﻷحمر هو المسيطر على البقية يصبح رمز العنف والحروب ونتيجة الحروب هو الدمار لذلك فمن الطبيعي إن يكون ناتج إتحاد اﻷلوان المادية الرئيسية الثلاثة ( أحمر، أصفر، أزرق ) هو اللون اﻷسود والذي يرمز إلى الموت أو الفناء المطلق.

أما في الحالة الثانية -ونقصد اﻷلوان الضوئية - فطالما أن اللون اﻷخضر هو لون رئيسي وأنه مع اللون اﻷزرق يشكلان القسم المؤنث من اﻷلوان ، بينما اللون اﻷحمر هو الذي يشكل القسم المذكر ، فهذا يعني هنا أن القسم المؤنث هو المسيطر ، وبما أن القسم المؤنث هو رمز الروح نجد أن إتحاد هذه اﻷلوان الرئيسية ينتج عنه اللون اﻷبيض وهو لون الكمال والصفاء والخلود.

فاللون اﻷخضر في الحقيقة هو ذلك اللون الذي يخلق نوع من التوازن بين اللون اﻷحمر ( الساخن ) واللون اﻷزرق ( البارد) ، ودوره هو السيطرة على اللون اﻷحمر الذي يرمز للغرائز ليجعلها تعمل في صالح اللون اﻷزرق الذي يرمز للعواطف.

لتوضيح هذه الفكرة أكثر سنتكلم عن لوحة مريم الصخور ( الصورة ) التي رسمها ليوناردو دافينشي الذي يعتبر من أكبر مؤسسي عصر النهضة. فللأسف رغم وجود العديد من الباحثين الذين حاولوا دراسة أعمال ليوناردو دافينشي ، ولكن لم يحاول أحد منهم أنه ينظر إلى أعماله من خلال نظرة مشابهة لنظرة ليوناردو دافينشي لما حوله ليعلم الباحث بالضبط ماذا أرادت روح دافينشي نفسها أن تعبر عنه في تلك اللوحات التي تركها لنا ، فذهب كل باحث وبإستخدام رؤية سطحية يحاول تحليل أعمال ليوناردو دافينشي فخرج كل واحد منهم بأفكار فقيرة غير قادرة على فهم حقيقة ذلك النور الفكري الذي أخرج الشعوب اﻷوربية من ظلام عصور الوسطى إلى حضارة عصر النهضة. وبفضل هذه التحليلات الفقيرة ﻷعمال دافينشي وغيره من عباقرة عصر النهضة وبدلا من أن تساعدنا تحليلاتهم لندخل عصر جديد مزدهر روحيا وماديا ، دخلنا عصرا حققت به العلوم المادية قفزات واسعة على حساب التقدم الروحي ، فكان نتيجته إنحطاط روحي فظيع تعاني منه جميع شعوب العالم ، ولو رمزنا لما حصل عن طريق إستخدام اﻷلوان كرموز للتعبير عن حالة عصرنا ، لقلنا أن اللون اﻷخضر لم يلعب دوره الحقيقي لما يحصل في عصرنا الحاضر ، فما يعاني منه عصرنا اليوم هو إنفصال كامل بين اللونين اﻷحمر واﻷزرق ، حيث كل منهما يعمل بمفرده فكانت النتيجة أن يحل اللون اﻷصفر مكان اللون اﻷخضر كلون رئيسي مما أعطى اللون اﻷحمر القدرة في السيطرة على جميع الألوان اﻷخرى (كما شرحنا قبل قليل ).

الجميع يعتقد أن العالم الفيزيائي الشهير إسحاق نيوتن هو أول من تكلم عن إنحلال الضوء اﻷبيض ليخرج بنظريته المعروفة بأن الضوء اﻷبيض هو لون مركب وهو في الحقيقة عبارة عن إتحاد جميع ألوان الطيف ( ألوان قوس قزح ) . وفعلا إسحاق النيوتن يعتبر أول من طرح هذه الفكرة كمعلومة فيزيائية أي كمعلومة مادية ، ولكن لو تمعنا في لوحة ( مريم الصخور ) سنجد أن ليوناردو دافينشي قد سبق إسحاق نيوتن ب200 عام في التعبير عن مكونات اللون اﻷبيض ولكن ليوناردو لم يطرحها كمعلومة مادية تخاطب العقل ولكن كمعلومة روحية تخاطب روح اﻹنسان وتبين علاقة اﻷلوان مع التكوين الروحي للإنسان ، ليوناردو دافينشي قد إستخدم الرؤية الشاملة (الروحية والمادية ) في شرح اﻷلوان، بينما إسحاق نيوتن إستخدم الرؤية المادية لذلك ظلت معلومة إسحاق نيوتن عن الألوان تتعلق فقط بعلم الفيزياء وفروعها.و كذلك كما حصل مع علم الفلك في العصر الحديث حيث أنه إنقسم إلى فرعين منفصلين متعارضين (علم الفضاء وعلم التنجيم ) حيث علم الفضاء يدرس الفضاء كعالم مادي خال من الروح ،بينما علم التنجيم تحول إلى شعوذة وخرافات، هكذا أيضا حدث مع علم الألوان حيث تحول إلى معلومات عشوائية لا تعتمد أي قاعدة علمية صحيحة تستطيع تفسير حقيقة تأثير هذه الألوان على اﻹنسان وما يوجد في بيئته التي يعيش فيها.

الآن لنعود ثانية إلى لوحة مريم الصخور ، في هذه اللوحة نجد اﻷلوان الرئيسية الثلاثة ( أحمر، أخضر، أزرق ) تأخذ ترتيبها بالتسلسل نحو مدخل الكهف أو بشكل أصح نحو بوابة الخروج من هذا الكهف حيث يكمن هناك النور اﻷبيض، وكأن هذه الألوان بتواجدها بهذا التسلسل وإختلاف مكان تواجد كل لون ( أسفل أعلى ) يجعلها تتحد مع بعضها البعض في مخيلتنا لتعطي النور اﻷبيض الذي نراه خارج الكهف والذي يرمز إلى الخلاص والتحرر من قيود تلك الخطيئة التي كانت سببا في خروج اﻹنسان من الجنة والتي جعلته يعيش في ذلك الكهف المظلم ليكفر عن خطيئته ويعيد بناء تكوينه الروحي من جديد ليستحق العودة ثانية إلى الوطن اﻷم والذي هو الجنة.

ليوناردو دافينشي من خلال استخدام اﻷلوان حاول أن يعبر عن التكوين الروحي للإنسان ففي اللوحة نجد إمرأتين وطفلين عاريين . الإمرأتان هنا معا هما رمز حواء نفسها ولكنها قسمت إلى قسمين المرأة اﻷولى ( على اليمين ) والتي ترتدي اﻷحمر واﻷخضر هو رمز حواء التي إرتكبت الخطيئة وكانت السبب في خروج اﻹنسان من الجنة أي أنها هنا هي رمز جسم المرأة ( الغرائز ) ، أما المرأة الثانية والتي ترتدي الثوب اﻷزرق فهي حواء التائبة ( العواطف ) ، وهي تمثل رأس المرأة. أما الطفلان فهما رمز أبناء حواء قابيل وهابيل في تكوينهما الجديد بعد أن إستطاعت حواء التكفير عن خطيئتها ، فنجد حواء ( العواطف ) تساعد الطفل قابيل الجديد في النهوض فينهض بطريقة وكأنه يطلب من أخيه ان يسامحه ، ونجد المرأة الثانية ( الغرائز ) تشير إلى قابيل ليراه هابيل الصغير ويبارك نهضة أخيه قابيل في تكوينه الجديد.

في هذه اللوحة نجد موضع اللون اﻷحمر في أسفل اللوحة وهو يمثل القسم اﻷسفل من جسم المرأة ، بينما اللون اﻷخضر فنجد موضعه يأتي أعلى من موضع اللون اﻷحمر ليغطي الكتف و قسم من الذراع ، لذلك فهو رمز عظمة الترقوة والذراعين وهذه المنطقة هي في الحقيقة تابعة للكائن العلوي في اﻹنسان ( كما توضح الصورة الثانية ) وتم فصلها عنه لتعبر عن حدوث الخطيئة التي كانت السبب في تواجد اﻹنسان في هذا الكهف ، ولكن وجود الطفل هابيل الذي يرمز إلى القيم السامية في حضن هذه المرأة التي تمثل الغرائز يجعلها تبدو وكأن دورها حماية الطفل هابيل أي أن قسم الغرائز أصبح تحت سيطرة قسم العواطف الموجود في المرأة الثانية التي ترتدي الثوب اﻷزرق لذلك نجد اللون اﻷزرق يتواجد في اﻷعلى وبكمية كبيرة ليؤكد سيطرته على جميع اﻷلوان حيث أنه هنا يمثل العواطف والقيم السامية التي تكمن في اﻹنسان والتي مكانها في الرأس أي في أعلى جزء من جسم اﻹنسان .

ما يهمنا هنا من هذه اللوحة هو مكان وجود اللون اﻷخضر ، فكما يبدو في اللوحة فاللون اﻷخضر يمثل الذراعين ، وكما شرحنا في مقالات سابقة بأن الذراعين هما القسم اﻷسفل من الكائن العلوي في اﻹنسان، فالذراع في الحقيقة هو اﻷداة التي بواسطتها يستطيع فكر اﻹنسان التعبير عن إبداعاته فالذراع هي التي تكتب وهي التي تعزف وهي التي تصنع وهي التي تقوم في تطبيق معظم اﻷفكار لتخرج بشكلها الحقيقي لتقوم بوظيفتها وليراها اﻵخرين.

هكذا تماما هو سبب خلق اللون اﻷخضر ، فالدور الحقيقي للون اﻷخضر هو أن يساعد اللون اﻷزرق في السيطرة على بقية اﻷلوان ليقوم بدوره الروحي على أكمل وجه.وكمثال بسيط يساعد في فهم هذه الفكرة ، هو المبدأ الذي يعتمد عليه التركيب الضوئي في النباتات ، فحتى تستطيع الروح أن تتابع تطورها في تصفية نفسها من الشوائب التي جعلتها تخرج من الجنة تحتاج إلى جسم يحويها تستطيع من خلاله أن تعبر به عن نفسها ، والجسم حتى يستطيع القيام بالوظائف التي تطلبه منه الروح يحتاج إلى تغذية ، و نوعية التغذية بشكل عام تعتمد تسلسل نوعي معين فالحيوانات اللاحمة تتغذى على الحيوانات العاشبة والحيوانات العاشبة تتغذى على النباتات والنباتات تتغذى على العناصر البسيط الموجودة في التربة والهواء لتحولها إلى مركبات عضوية حية عن طريق إستخدام الضوء، وهذه العملية تتم بواسطة اللون اﻷخضر ( اليخضور ) ، حيث يقوم اللون اﻷخضر بتحويل الطاقة الموجودة في ضوء الشمس من طاقة كهرومغناطيسية إلى طاقة كيميائية تستخدم في صنع المادة الحية.

فبدون اللون اﻷخضر الموجود في النباتات لا يمكن إستخدام الطاقة الضوئية ،وبالتالي لا يمكن صناعة المواد العضوية من العناصر البسيطة ، وبدون المواد العضوية لا يمكن للجسم الحي أن يقوم بوظائفه الفسيولوجية ليتابع حياته ،أي أنه بدون اللون اﻷخضر لا يوجد نباتات وبدون النباتات لا يوجد حيوانات عاشبة وبدون الحيوانات العاشبة لا يوجد حيوانات لاحمة وبدون هذه الكائنات الحية جميعها لا يوجد إنسان ، بكلام آخر بدون اللون اﻷخضر لا يوجد حياة. ﻷن وجود اللون اﻷخضر في النباتات هو الذي يعطيها المقدرة على تحويل المركبات البسيطة إلى مركبات عضوية حية.

لذلك يعتبر اللون اﻷخضر رمزا للحياة ، والطاقة الموجودة في اللون اﻷخضر تمدنا بالحيوية والبهجة والسعادة الروحية والجسدية ، لنتابع طريقنا في الحياة لتحقيق أهدافنا بتفاؤل وعزم ، وليس من الصدفة أن اللون اﻷخضر يستخدم في إشارات المرور ليعبر عن هذا المعنى أي اﻷمان وطمأنينة للإستمرار في متابعة السير.

اللون اﻷخضر يجرد كل الشوائب السلبية الموجودة في طاقة اللون اﻷحمر ، ليحول هذه الطاقة من طاقة فردية هدفها المصلحة الشخصية إلى طاقة جماعية هدفها المصلحة العامة ،لذلك يعتبر اللون اﻷخضر رمز للسلام ﻷنه يجرد النشاط الجسدي من العنف والوحشية ليحوله إلى نشاط رياضي هدفه المتعة والصحة الجسدية ، لذلك نجد الملاعب وخاصة ملاعب كرة القدم تغطيها طبقة من المرج اﻷخضر ، فهو عدا أنه يجعل أرض الملعب طبقة ناعمة تحمي جسم اللاعب من اﻷذى أثناء سقوطه ، فلونه اﻷخضر أيضا يساعد اللاعب في توجيه نشاطه الجسدي نحو اللعبة والكرة وليس نحو أعضاء فريق الخصم ، فجميع أعمال العنف والشغب التي تحدث في الملاعب تحدث بين المشجعين بسبب التعصب ، ولكن لو كانت أرض الملعب بلون أحمر ، لحدثت أعمال العنف بين اللاعبين أنفسهم بشكل مستمر ، ولكانت لعبة كرة القدم تحولت إلى لعبة وحشية ولكانت السلطات قد ألغت هذه اللعبة بسبب تزايد وحشية اللاعبين أثناء المبارة.

ومن ناحية أخرى اللون اﻷخضر أيضا يعطي الطاقة الموجودة في اللون اﻷزرق طبيعتها الروحانية لتعبر عن عالم روحي واقعي ولتمنعها من التشتت في عالم اﻷوهام. وهذا يمكن الشعور به بسهولة ، فعندما نتواجد على شاطئ البحر و ننظر إلى إلى زرقة مياهه وزرقة السماء سنشعر أن اللون اﻷزرق يسرح بفكرنا إلى عالم روحي قوانينه مختلفة عن قوانين العالم الواقعي الذي نعيش به ، وشدة إختلاف هذا العالم الروحي يتوقف على نوعية ثقافة كل شخص وظروفه اﻹجتماعية ، فعندما تكون القاعدة الثقافية في الشخص غير صحيحة فرؤية زرقة البحر والسماء قد تجعله يسرح بفكره إلى عالم وهمي خرافي ، فرغم أن هذا العالم الوهمي بعيد عن العنف والوحشية ولكن سلبيته بأنه يبقى عالم وهمي منفصل عن عالمنا الروحي الذي نسعى له ولا يفيدنا في شيء.

أما عندما نتواجد في مكان نرى فيه سهوب خضراء على مساحات واسعة ومن فوقها لون السماء الزرقاء فعندها سنجد فكرنا يسرح بنا إلى عالم روحي بعيد ومهما كانت قوانين هذا العالم مختلفة عن العالم المادي الذي نعيش به ، يبقى هذا العالم الروحي الذي سرحنا به ذو صلة وثيقة مع العالم الواقعي الذي نعيش به. فاللون اﻷخضر هنا يعطي اللون اﻷزرق روحانيته الحقيقية ليمنعها من الدخول في عالم الخرافات والغموض والأوهام.

هذه الميزة في اللون اﻷخضر هي التي تجعله أيضا رمز لعلم الحكمة ، ﻷنه يربط المادة مع الروح ، الحلم مع الواقع ، والمضمون مع الشكل. الله عز وجل أشار إلى هذا الرمز عن اللون اﻷخضر في قرآنه الحكيم في سورة الكهف ، فنجد إسم الخضر ( من اللون اﻷخضر ) هو إسم النبي الذي وهبه الله علما مختلفا عن العلوم المألوفة ، فهناك العلوم المادية القائمة على تحديد اﻷسباب والتي تعتمد الرؤية المادية ، وهناك أيضا علم اﻷنبياء القائم على الوحي اﻹلهي أي الرؤية الروحية ،أما علم النبي الخضر عليه الصلاة السلام فهو يجمع بين النوعين من هذه العلوم بهدف تفسير اﻷمور والحقائق. فنجد في سورة الكهف موسى عليه الصلاة والسلام يسير مع الخضر فيرى ما يفعله ولا يستطيع أن يفسر سبب تصرفاته.

اللون اﻷخضر هو أيضا رمز للإسلام. لذلك كان الدين اﻹسلامي آخر الديانات وكان دوره الحقيقي حماية علوم الحضارات الشرقية والغربية وتوحيدها وتطويرها ، للأسف رغم ذلك نجد أن معظم علماء المسلمين بشتى فروع علومهم قد إتجه نصفهم إلى إعتماد القاعدة المادية لتفسير تعاليم اﻹسلام واﻹجتهاد بها ، والنصف اﻵخر إعتمد القاعدة الروحية في التفسير واﻹجتهاد ، فخرج كلا الطرفان عن تعاليم الدين اﻹسلامي كما إنزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فوصل دين اﻹسلام اليوم على هيئته الحالية دين عاجز عن حل المشاكل التي تعاني منها المجتمعات اﻹنسانية بأكملها ، وكما يقول الحديث الشريف ( بدأ اﻹسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) نحن اليوم نعيش هذه الأيام حيث أصبحت تعاليم الدين اﻹسلامي الحقيقية لا يتقبلها المسلمين انفسهم ويتهموها بأنها غريبة عن المسلمين وأنها ليست إلا نوع من الضلال أو الدجل فطوبى للغرباء الذين يرون في شعوب العالم أطفالهم أولا ويؤمنون بأن هؤلاء اﻷطفال هم مستقبل اﻹنسانية فيساهمون بكل جهودهم في تنمية السلام والمحبة والتعاون واﻹخاء بين جميع شعوب العالم.

لو أن كل لون وجد في مكانه المناسب الذي حدده الله له ، ربما لشعر اﻹنسان وكأنه يعيش في عالم جميل سعيد قريب إلى عالم الجنة.

وسوم: العدد 712