الخاطرة 137 : د. ذاكر وتجارة اﻷديان

خواطر من الكون المجاور

المقالة الماضية كان موضوعها تساؤل عن هل الديانة اﻹسلامية يجب أن تكون ديانة جميع شعوب العالم ، وهل يجب على جميع علماء المسلمين أن يقوموا بإقناع جميع غير المسلمين بهجر دينهم وإعتناق اﻹسلام كما يفعل د.ذاكر نايك من خلال محاضراته ومناظراته التي يبثها من خلال قنواته التلفزيونية لتصل إلى ملايين المسلمين وغير المسلمين.

ولكن جوهر المقالة كان بالنسبة لي : هل ما يفعله د. ذاكر هو نوع من الفتنة أم لا ؟ لذلك في تلك المقالة حاولت أن أوضح للقراء ما أرادت أن تقوله روح تلك الفتاة غير المسلمة التي أتت إلى المحاضرة فقط لتقول لدكتور ذاكر بما معناه بأنها ترى نور الله في ديانتها ومهما قدم لها من إثباتات وأدلة فهو لن يستطيع إطفاء ذلك النور في دينها الذي لا يستطيع د. ذاكر رؤيته ،وأنه بأعماله هذه بنشر دين اﻹسلام في شعبها بهذه الطريقة يثير الكراهية بين أتباع الديانات المختلفة. ولكن بسبب قلة معارفها وقلة خبرتها في المجادلة لم تستطع مواجهة الدكتور ذاكر لتعبر عن رأيها بشكل واضح لتقنعه ومن حوله بصحة إعتقادها، والدكتور ذاكر نفسه عندما شعر بأنها أتت فقط لتنتقده ، غير أسلوبه معها فبدلا من أن يكون هادئا ومبتسما كعادته ليساعدها في التخلص من إرتباكها فعل العكس تماما فأصبح أسلوبه أكثر قساوة معها ليجعلها سخرية أمام الجميع ،فتركت الفتاة المجادلة معه دون أن تحقق غرض ذهابها إلى تلك المحاضرة . وأنا بفقرات مقالتي الماضية حاولت إثبات صحة أحاسيس هذه الفتاة بأن د.ذاكر يرتكب عملا إجراميا بحق السلام والمحبة بين الشعوب ،ﻷن الله لم يرسل دين اﻹسلام ليكون ديانة شعوب العالم بأكمله ولكن لتكمل هذه الديانات ، فعرضت إثبات محاولة فتح القسطنطينية التي حدثت في عهد سليمان عبد الملك وشرحت حجم الخسارة الفادحة في هذه المحاولة التي لم يعرف المسلمون مثلها لا من قبل ولا من بعد ، فبدلا من أن يسخِّر الله قوى الطبيعة في صالح المسلمين كما حدث في كثير من فتوحاتهم في تلك الفترة ، نجد في هذه المحاولة لفتح القسطنطينية قد حدث العكس تماما حيث أن الله سخر الطبيعة لصالح المسيحيين ضد المسلمين ليمنعهم من دخول أوروبا من خلال هذه المنطقة التي كانت أفضل بوابة للدخول في أوروبا وكما ذكرنا بأن ظروف الطقس أصبحت قاسية جدا بحيث جعلت الجنود المسلمين يموتون من الجوع والبرد واﻷمراض والغرق في مياه البحار بسبب الرياح العاتية التي حطمت سفنهم ،بحيث جعلت المسلمين يشعرون بأن غضب الله نزل عليهم ، ولهذا السبب لم يتجرأ أي حاكم مسلم اﻹقتراب من القسطنطينية لمدة 700 عام.

هذه المعركة التي يصفها المؤرخون بأنها من أهم المعارك في تاريخ اﻹنسانية حيث غيرت مسار اﻹنسانية بأكملها. ﻷنها منعت من تحول القارة اﻷوروبية إلى قارة إسلامية ،وبالتالي منعت تحول العالم أجمع إلى عالم إسلامي. أخبار هذه المعركة إنتقلت إلى جميع المسيحيين وكانت بالنسبة لهم بمثابة معجزة إلهية تؤكد لهم أن دينهم على حق ويجب عليهم التمسك به والدفاع عنه.

لا يمكن أن النظر إلى اﻷحداث التاريخية الهامة على أنها أحداث عشوائية بلا معنى وأنها قد حدثت بالصدفة وإلا فالكون بأجمعه أيضا قد حدث بالصدفة وهذا المنطق مرفوض ﻷنه بشكل آخر ينكر وجود الله ، فاﻷحداث التاريخية الهامة التي لعبت دور كبير في مسير اﻹنسانية هي فقرات من رواية إلهية كتبها الله عز وجل لتكون بمثابة آيات يراها العلماء لتساعدهم في فهم سنة الله في الخلق وفي تطور اﻹنسانية ، فالمجتمعات اﻹنسانية بدأت تنفصل عن المجتمعات الحيوانية لتأخذ شكلها اﻹنساني عندما بدأ اﻹنسان يشعر بأن تعاقب اﻷشياء واﻷحداث لا يحدث صدفة ولكن ضمن خطة لها معنى ، هذه الرؤية التي عبر عنها الحكيم المصري هرمس ثلاثي القوة والتي تقول " لكل سبب نتيجة ولكل نتيجة سبب ، كل يحدث حسب القانون، الحظ ( الصدفة ) ليس إلا إسما لقانون نجهله حتى اﻵن ". لذلك فإن محاولة إخفاء أبعاد هذه الحادثة عن المسلمين في الماضي كان له مبرر فيه خير للمسلمين لتأخذ اﻷمة اﻹسلامية بعض القوة لتستطيع أن تصمد وتبقى إلى يوم الدين، ولكن بالنسبة للعصر الحاضر فالأمر مختلف تماما ، فاليوم كل عالم مسلم يخفي هذه الحادثة عن قصد ليجعل المسلم البسيط يعتقد أن الأمة اﻹسلامية هي شعب الله المختار وأن جميع الديانات الأخرى على كفر أو ضلال ، كما يفعل د. ذاكر في محاضراته ، فهو نوع من تحريف الآيات ( العلامات اﻹلهية ) التي وضعها الله في تاريخ اﻹنسانية لتنير فكر اﻹنسان ليفهم المخطط اﻹلهي الذي تسير عليه اﻹنسانية. يقول الله تعالى " سنريهم آياتنا في اﻵفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد... 53 فصلت " وكذلك في اﻵية " ما أصاب من مصيبة في اﻷرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها..22 الحديد"

كم تمنيت أن يرد أحد معجبي الدكتور ذاكر الذين يدافعون عنه، على مقالتي بتعليق ينتقد معنى حادثة فتح القسطنطينية كعلامة إلهية قدمتها كإثبات على أخطاء الدكتور ذاكر التي تقود في نهاية المطاف إلى الفتنة. ولكن للأسف مضى أسبوع على المقالة ولم يأتي من معجبي د.ذاكر سوى الشتائم أو تعليقات ليس لها علاقة بموضوع المقالة نهائيا سوى أنهم حاولوا التقليل من شأني بدون ذكر أي حجة. وللأسف إضطررت إلى حذف بعض هذه الشتائم فقط ﻷنها تعارض نهائيا تعاليم القرآن ورسوله في المجادلة والحوار.والشيء العجيب هو أنني أذكر وأدافع عن عظمة أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجادلة والحوار الذي يهدف في الوصول إلى الحقيقة والذي بفضله إعتنقت مدينة كاملة اﻹسلام لذلك سميت المدينة ( المنورة ) ، أما معجبي د.ذاكر ، وأحمد ديدات فهم يهاجموني بإسلوب مناقض تماما لتعاليم الله ورسوله.

موضوع الفتنة بالنسبة لي يعتبر من أهم المواضيع التي يجب أن تشغل فكر جميع مثقفي وعلماء العالم وخاصة في الوقت الحاضر ، ﻷنها هي أسباب حدوث آلاف المجازر في مختلف مناطق العالم والتي للأسف معظمها في الفترة اﻷخيرة حدثت في دول إسلامية ، هذه المجازر كان نتيجتها نزوح عشرات الملايين من الناس من بيوتهم أو من بلادهم إلى بلاد أخرى، وهذا النوع من الهجرة الجماعية أدى إلى تدهور طبيعة المجتمع في البلدان المضيفة والتي جعلت أفرادهم يكرهون النازحين ، فأصبحت حياة الكثير من النازحين صعبة لا تطاق من الناحية الصحية واﻹجتماعية وأيضا من ناحية الكرامة و عزة النفس . في بعض المناطق أصبحت حياتهم أشبه بالمجتمعات الحيوانية يعيشون في معسكرات مغلقة حيث سوء اﻷحوال في هذه المعسكرات أدى إلى ظهور عصابات من الشباب فيها لتجعل من حياة النساء واﻷطفال في هذه المعسكرات جحيما لا يطاق من إغتصابات وسرقات وقتل وعمليات إنتحار ، والمسؤلين هناك من شدة إستيائهم من مشاكلهم ﻷنهم غرباء لم يعد يهمهم أمرهم طالما أن مشاكلهم بين بعضهم ولا تخرج خارج المعسكر. لكم أن تتخيلوا إلى أين وصل الشعور بالظلم ، المرأة في هذه المعسكرات تتعرض للإغتصاب ولا تستطيع أن تشتكي ﻷحد ، ﻷنه لا أحد يهمه أمرها.

لذلك قبل أن نتساءل مع أنفسنا هل يحق للمسلم في مثل هذه الظروف الوحشية أن ينشر دينه أم لا ، يجب أن نفكر بما هو أعمق ، هل يحق لنا باسم الدين أن نحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع حيواني.

للأسف الدكتور ذاكر. يبدو أن ضعف بصيرته لم تسمح له بأن يذهب فكره على اﻹطلاق إلى ما يعانيه الملايين من النازحين والمشردين الذين هربوا من بلادهم بسبب الفتنة ، وكل الذي كان يهمه هو أن يحصد إعجاب أكبر عدد من المسلمين ، وهذا بالضبط ما شد إنتباهه في أسلوب أستاذه أحمد ديدات الذي بإسلوبه المخادع إستطاع أن يجعل ملايين المسلمين بأن يصفقوا له ويعجبوا بأسلوبه ، ولكن لا أحد من هؤلاء المعجبين ولا علماء الدين حاول أن يتأكد هل أن إزدياد اﻹرهاب والفتن في اﻹسلام له علاقة بأعمال أحمد ديدات والدكتور ذاكر . ورغم أني قد أعطيت إثباتات تؤكد على ذلك في المقالتين ( الفتنة ومقارنة الديانات الجزء 1 والجزء 2 ) و المقالة ( د. ذاكر هل يدعو إلى اﻹسلام أم إلى الفتنة ) ولكن رغم ذلك يبدو أن إثباتاتي هذه لبعض القراء كانت إما أنها غير كافية أو أن عقولهم المبرمجة لا تسمح لهم بتقبل الحقيقة التي أكتبها هنا ، لذلك قبل أن أنتقل لموضوع آخر سأضرب لكم هذا المثال التشبيهي لعله يوضح اﻷمور أكثر :

في مصر حيث العداوة بينها وبين إسرائيل دفعت الشعب المصري إلى كره اليهود ، لنفرض أن أحد أفراد العائلات اليهودية المقيمين في مصر لديه شهادة جامعية عالية وعلوم غزيرة سمحت له بدراسة آيات القرآن والكتب المقدسة المسيحية واليهودية والتلاعب بمعانيها بذكاء ، وعن طريق مساعدة ممولين يهود أغنياء من خارج مصر راح هذا اليهودي المصري وحصل على عدة قنوات تلفزيونية عربية وإستأجر أكبر مسرح في القاهرة ، وراح يعرض فيه كل فترة وفترة محاضرة يمدح فيها كتب التوراة ويتكلم عن معجزاتها العلمية ويتهم بنفس الوقت القرآن بخرافية آياته ومعارفه وفي نهاية كل محاضرة يخصص وقتا ﻷسئلة الجمهور فيسأله بعض المسلمين البسطاء عن اليهودية واﻹسلام فيحاول هو بذكائه الحاد وعلومه الغزيرة أن يجيبهم بطريقة تقنعهم تماما بأن يهجروا إسلامهم ويعتنقوا اليهودية أمام الجميع ، ثم يذهب ويعرض هذه المحاضرات في برامج قنواته التلفزيونية ليراها المسلمين في مصر وفي مختلف الدول اﻹسلامية دون أن يراعي نهائيا لا شعورهم الديني كمسلمين ولا شعورهم الوطني حيث أن عدوهم اللدود هو إسرائيل الدولة اليهودية . ... والسؤال هنا موجه إلى جميع المسلمين وخاصة إلى أولئك الذين يدافعون عن الدكتور ذاكر ويعتبرونه من اﻷولياء الصالحين في العصر الحديث ، ماذا سيفعلون مع هذا اليهودي المصري الذي يتهم قرآنهم بالخرافة واﻷكاذيب ويحول المسلمين البسطاء إلى يهود ؟ هل سيقولون أن الحكومة المصرية يجب أن تؤمن بالديمقراطية وأن تعطي هذا المصري اليهودي الحرية الكاملة ليتابع أعماله ، أم سيطلبوا من الحكومة المصرية أن توقف أعماله وتغلق جميع قنواته التلفزيونية ؟

أنا متأكد تماما من أن هؤلاء المسلمين لن ينتظروا من الحكومة المصرية أن تفعل أي شيء ﻷنهم هم بأنفسهم سيحرقون المسرح الذي يستخدمه هذا اليهودي المصري ، ويحرقون قنواته التلفزيونية ويقتلونه ويقتلون معه عشرات أو مئات اليهود الموجودين في مصر ﻷن واحد منهم قد تجرأ على إهانة دينهم وقرآنهم . ردود فعل المتعصبين المسلمين معروفة في جميع العالم .. ولهذا السبب طبعا الحكومة المصرية من البداية ستعرف أن ردة فعل الكثير من المتعصبين المسلمين ستكون بما وصفناها ، لذلك فهي ستنظر إلى هذا اليهودي المصري على أنه إنسان معتوه لا يدرك خطورة ما سيفعل ، وستمنعه ولن تعطيه أي رخصة لا في إمتلاك قنوات تلفزيونية ولا في الحصول على أي مسرح ﻹلقاء محاضراته، فالحكومة المصرية لن تسمح له بالقيام بأي عمل من تلك التي ذكرناها ليس فقط لتدافع عن اﻹسلام ولكن لتحمي اليهود المصريين من غضب المسلمين الذي سيسببه ذلك اليهودي المصري لهم عن طريق إهانة القرآن و اﻹسلام بأعماله .

ما أراد أن يفعله هذا اليهودي المصري في مصر هو تماما ما يفعله د. ذاكر نايك في الهند ، لا يوجد فرق نهائيا بين الحالتين. فنسبة المسلمين في الهند لا تتجاوز 13% من شعب الهند، والعدو اللدود للهند هي باكستان الدولة المسلمة ، والدكتور ذاكر المسلم في محاضراته يتهم ديانتهم الهندوسية بالضلال ويقنع بسطاء العقول الغير المسلمين بهجر ديانتهم وإعتناق اﻹسلام . الوضع واحد بين الشعب الهندي وباكستان ، وبين الشعب المصري وإسرائيل. فكيف نصف اﻷول ب (معتوه) ، ونصف اﻵخر بأنه ولي من اﻷولياء الصالحين ، فمثلما نحن نقتنع بأن ديننا أفضل الديانات ، الهندوسيين أيضا يظنون أن دينهم أفضل الديانات.

مع اﻷسف يبدو أن إعجاب الدكتور ذاكر بذلك المجد الذي حصل عليه إستاذه أحمد ديدات قد عماه عن رؤية ما يعاني منه مسلمي الهند الذين يعيشون في المناطق الفقيرة من الهندوسيين المتعصبين ، في الهند هناك الكثير من الهندوسيين الطيبين ولكن هناك أيضا المتعصبين والذين ينتظرون أي سبب مهما كان تافها لإيذاء المسلمين ، يكفي أن نقول أنه منذ إستقلال الهند عام 1947 وحتى اﻵن قد حدثت العديد من اﻹشتباكات بين الهندوسيين والمسلمين بسبب الفتن وﻷسباب تافهة جدا أدت إلى حدوث مجازر بين الطرفين ، راح ضحيتها العديد من القتلى ومعظمهم من المسلمين ، وبعضها أدى إلى نزوح سكان قرى مسلمة بأكملها بعد أن تم إحراق بيوتهم وممتلكاتهم ،..وضع الهند الديني وضع حساس جدا فهناك العديد من المتطرفين الهندوسيين الذين ينظرون إلى المسلمين في الهند على أنهم من أحفاد اﻹستعمار اﻹسلامي لبلادهم الذي دام مئات السنين قبل قدوم البريطانيين ، لذلك يمكن ﻷي سبب تافه أن تنفجر الفتنة بين الهندوسيين والمسلمين فتؤدي إلى مآسي فظيعة يذهب ضحاياها النساء واﻷطفال اﻷبرياء، وكون المسلمين هناك الأقلية فهم سيكونون المتضررين اﻷكثر في هذه النزاعات الطائفية. فما يحتاجه اليوم الشعب الهندي وخاصة المسلمين هناك ليس داعية إلى اﻹسلام ، ولكن داعية إلى السلام يستطيع إطفاء نار الفتنة والكراهية بين الطوائف المختلفة ،فالقضية هناك - كما ذكرت قبل قليل - ليست " أي ديانة أصح اﻹسلام أم الهندوسية ؟ " ولكن " هل سيعيش أطفال الهند في مجتمع إنساني أم مجتمع حيواني ؟ "، فكما يقول الأديب الروسي فيودور ديستوفيسكي ( إذا لم يكن الله موجود فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط من نفسها وعندها يصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب إلى أكبر الجرائم ) وكما هو معروف أن الفتنة تجعل الشيطان يدخل نفوس الناس فيعميهم عن أي إحساس بوجود الله ، لذلك يتم إرتكاب أفظع الجرائم أثناء الفتنة.

الحكومة الهندية أخطأت خطأ فادح بسلوكها مع الدكتور ذاكر وكان عليها من البداية أن تمنعه من القيام بأي عمل من أعماله التي يقوم بها ﻷنها ستشعل نار الفتنة في تلك البلاد وسيكون المسلمين هم اﻷكثر المتضررين منها . ومن يدري ربما بعض المسؤولين المتطرفين في الحكومة الهندية تركوه عمدا ليفعل ما يشاء ليغيظ المتطرفين الهندوس ويعطيهم حافزا على قتل وتهجير المسلمين ، فمن يتمعن جيدا في التطور السياسي في الهند يلاحظ أنه منذ بدأ الدكتور ذاكر في دعوته اﻹسلامية في الهند ، أن حزب ( بهارتيا جاناتا ) المتطرف ، الذي يتزعمه الهندوسي نارندا مودي قد إزداد قوة ووصل إلى رئاسة وزراء الهند رغم إتهام زعيمه نارندا مودي من قبل عدة منظمات مدافعة عن حقوق اﻹنسان بأنه لعب دور غير مباشر في تفاقم أعمال العنف الدينية في غوجارات والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص ومعظمهم من المسلمين. ولكن للأسف من يرى ما يقوله معجبي د. ذاكر يظن أن أحوال المسلمين في الهند بفضل محاضراته وقنواته التلفزيونية تتحسن باستمرار ولكن الواقع معاكس تماما ، وأكبر دليل على ذلك هو وصول نارندا مودي الذي يكره المسلمين إلى رئاسة وزراء الهند.

من يتمعن في حجم الدعايات التي تقوم بها وسائل اﻹعلام والتواصل اﻹجتماعي اﻹسلامية في مدح الدكتور ذاكر نايك لتجعله يبدو وكأنه من اﻷولياء الصالحين ،يشعر إلى أي مدى وصل تخلف اﻷمة اﻹسلامية في عصرنا الحاضر، ويعلم أنها وللأسف تسير مع التيار الذي يجرفها إلى الدمار فاﻵن نصف الدول اﻹسلامية تعيش حروبا أهلية فظيعة دفعت الملايين من المسلمين إلى النزوح خارج بلادهم طلبا للأمان والحياة اﻹنسانية ، ومن يتابع أخبار هؤلاء النازحين سيجد أنه بسبب ما عاشوه في بلادهم من خوف وعذاب وشقاء ،وما عاشوه أيضا في طريقهم ليصلوا إلى الدول اﻷوربية التي أصبحت بالنسبة لهم وكأنها جزء من أرض الجنة ، أن اعداد المسلمين الذي خرجوا من دينهم نحو اﻹلحاد أو ﻹعتناق دين الدولة المضيفة ( الدين المسيحي) أكبر بعشرات المرات من أولئك الذين دخلوا اﻹسلام على يد الدكتور ذاكر. حتى أن اﻷمور دفعت إحدى المنظمات اﻹسلامية بإتهام بعض الكنائس بأنها تقوم بتنصير المسلمين ، فكان جواب قس أحد هذه الكنائس ( هم يأتون بمحض إرادتهم لنعمدهم ليصبحوا مسيحيين ، ماذا أفعل هل من المعقول أن أطردهم ؟) ....أحد أصدقائي علق على هذا الخبر عندما سمعه في نشرة اﻷخبار قائلا ( في زمن الرسول كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، اليوم وبفضل علماؤنا المسلمين المطففين، المسلمين يخرجون منه أفواجا ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، والمسلمين ووسائل اﻹعلام اﻹسلامية اليوم بدلا من أن يحاولوا أن يبحثوا عن أسباب تدهور أحوال اﻷمة الإسلامية ، نجدهم فرحين لدخول قلة من الناس البسطاء في دين اﻹسلام. فرحين لدخول عشرات من الناس اﻹسلام على يد الدكتور ذاكر وغير مهتمين لخروج المئات من المسلمين من الدين اﻹسلامي ومقتل مئات اﻵلاف وتشريد الملايين بسبب الحروب اﻷهلية ، فعلا أمرنا عجيب حقا!

إذا تمعنا جيدا في أولئك الذين أسلموا على يد الدكتور ذاكر والتي تم عرضها في مقاطع الفيديو في اﻹنترنت ، سيجد أن كل حادثة لها قصة ولكن جميعها تدل على على شيء واحد وهو أن الدكتور ذاكر هو فعلا أعمى البصيرة وأن كل ما يحفظه غيبا هو عن فهم ببغائي أخذه من علماء مسلمي عصر اﻹنحطاط اﻹسلامي، فبدلا من أن يصحح مفاهيمهم الخاطئة ساهم هو أيضا في تحول المسلمين من أمة تصنع الحضارة إلى أمة تسير مع تيار العصر نحو الوحشية والدمار.

سأعرض هنا عليكم بعض اﻷمثلة :

في مقطع فيديو يحمل عنوان ( إمرأة نصرانية تسأل الدكتور ذاكر عن خطيئة المرأة - ثم تسلم بعد اﻹجابة ) هذا المقطع يعرض فتاة تدعي أنها مسيحية وتسأله أن الله كما يذكر سفر التكوين جعل آدم وحواء بعد طردهم من الجنة يعانون من العذاب والشقاء وأن النساء بعضهن يمتن خلال فترة الحمل وأن آلامهن تزداد ، فلماذا النساء تحمل نفس عقاب حواء . .... ) وطبعا الدكتور ذاكر حتى يكسب حبها نحو اﻹسلام وتعتنقه أمام الكاميرا ليفرح ويصفق الجمهور ليحصل على أكبر نسبة من المشاهدات، ذهب وغير موضوع السؤال وحوله إلى موضوع يؤثر بشكل أكثر على عواطف النساء بشكل عام ، فأخبرها أن جميع الكتب المقدسة المسيحية واليهودية تضع الذنب على حواء ، وأنها هي التي أخطأت وهي السبب اﻷول في طرد اﻹنسان من الجنة ،أما القرآن الكريم فهو فقط الذي يضع الحق على اﻹثنين ، وأنه هناك آية قرآنية من سورة طه تذكر أن المسبب اﻷول للخطيئة هو آدم وليس حواء ، وتأكيدا على ذلك يذكر لها الحديث الشريف الذي ييبين مكانة اﻷم وفضلها في اﻹسلام ( جاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحق الناس بصحابتي ؟ قال: أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك) .

طبعا الفتاة أعجبها هذا الشرح فأسلمت ، ولكن هل سبب الذي دفع الفتاة في إعتناق اﻹسلام كما ذكره الدكتور ذاكر هو صحيح ؟ هل أن القرآن فعلا يتهم آدم بأنه هو المسبب اﻷول لطرد اﻹنسان من الجنة بعكس ما تقوله كتب التوراة واﻹنجيل ؟ طبعا لا وهذا تحريف ﻵيات القرآن الكريم ، فكما ذكرت في المقالة الماضية أن الدكتور ذاكر يقرأ القرآن بالنسخة الإنجليزية وليس العربية وكذلك هو يأخذ مفاهيم اﻵيات من علماء عصر اﻹنحطاط وليس من علماء عصر الحضارة اﻹسلامية. ، فكما تذكر كتب التوراة واﻹنجيل بأن الشيطان أغوى حواء وهي بدورها طلبت من آدم أن يأكل معها من الشجرة ، هذه المعلومة كان يؤمن بها أيضا المسلمون على زمن الرسول وفي فترة الحضارة اﻹسلامية ، ولكن بعد دخول الدول اﻹسلامية في عصور اﻹنحطاط ذهب بعض علماء المسلمين يحاولون وبناء على إجتهاداتهم الخاطئة أن يجعلوا القصص الدينية في اﻹسلام مخالفة لما ذكر في التوراة واﻹنجيل ليجعلوا من اﻹسلام دين مختلف تماما عن بقية الديانات ، فراحوا وغيروا قصة آدم وحواء وجعلوا آدم هو المخطئ اﻷول وذلك ظنا منهم بأنهم بهذا التغيير سيجعلون مكانة المرأة في اﻹسلام أعلى من مكانتها في بقية الديانات ، ولم يعلموا بأن ما فعلوه كان تحريفا لقصص القرآن نفسه. وهناك حديث شريف يؤكد على ذلك ( لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر )، فجميع قوانين الكون تسير على مبدأ أن اﻷنثى هي التي اخطأت لذلك فهي المسؤولة عن تصحيح هذا الخطأ، لذلك أصبحت مسؤوليتها في تطوير اﻹنسانية أرقى من مسؤولية الرجل ، فأخذ هو مسؤولية تأمين الحاجات المادية ، أما المرأة فأخذت مسؤولية تأمين الحاجات الروحية ، والحاجات الروحية كما نعلم أرقى من الحاجات المادية . (للمزيد من اﻹثباتات عن هذا الموضوع يرجى العودة إلى الخاطرة 53 ( فلسفة الخروج من الجنة ) .والخاطرة 54( الدور الحقيقي للمرأة ).

وهذا يعني أن سبب إعتناق تلك الفتاة اﻹسلام هو تحريف معاني آيات القرآن الكريم الذي سببه ضعف البصيرة في الدكتور ذاكر.وهذا يعني أن الدكتور ذاكر يدعو الناس إلى إسلام مختلف نهائيا عن الإسلام الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وربما هذا يفسر سبب إزدياد تدهور الأمة اﻹسلامية بعد ظهور أعمال الدكتور ذاكر على الساحة اﻹسلامية وتأثيرها السلبي على المسلمين..... والله تعالى أعلم.

في مقطع الفيديو الذي يحمل عنوان ( مؤثر : مسيحية تنهار بالبكاء أريد اﻹسلام وأخاف غضب والدتي! رد ذاكر نايك ؟ ) في هذا الفيديو نجد فتاة أندونيسية تدعي أنها مسيحية - الله أعلم إن كانت صادقة - وقد حضرت إلى المحاضرة لتعلن إسلامها ، إنظروا إلى ملامح وجهها و نبرة صوتها وهي تبكي ، أنا لست أخصائي نفساني وليست لي خبرة في تشخيص المرضى ، ولكن عندي ثقافة لا بأس بها عن الإضطرابات النفسية وكذلك بحكم دراستي للإخراج المسرحي والسينمائي لي دراسة عميقة في طريقة تعبير الممثل وكذلك لي خبرة في فهم عوامل فشل ونجاح مشهد مسرحي ، سأشرح لكم تفاصيل هذا المشهد ﻷن عروض الدكتور ذاكر جميعها فيها كثير من التشابه مع العروض المسرحية ، الفتاة تتكلم بصوت متوتر تحاول أن تظهر أمام الجميع بأنها تبكي ولكن لا نرى أي دمعة تنساب من عينيها ، تلقي كلامها وكأنها في تلك اللحظات تعيش حالة وهم صنعتها هي بنفسها ، من خلال النظر في عينيها وسماع نبرة صوتها و إسلوبها وهي تشرح وضعها. كل شيء فيها يدل على أنها مريضة نفسيا وأنها أتت إلى المحاضرة بغرض الظهور وكسب عطف الجمهور وليس بغرض إعتناق اﻹسلام. و أن سبب توترها ليس الخجل من الجمهور أو الخوف من والدة الفتاة كما تدعي وإنما هو تمثيل فاشل سببه إضطرابها النفسي.....إعرضوا هذا المقطع إلى المختصيين في التحليل النفسي لتتأكدوا أن الفتاة لم تأتي لتشهر إسلامها فربما هي مسلمة أصلا وليست مسيحية - والله أعلم - فسلوكها يبدوا وكأنها أتت كنوع من حب الظهور وكسب عواطف الناس نحوها. ربما لديها عقدة نقص، أو ربما إضطراب الشخصية الحدي ، أو ما شابه ذلك. ...الله أعلم ، ولكن الشيء الواضح تماما بأن السبب الحقيقي لقدومها ليس إعتناق اﻹسلام. ...ونرى بعد نطقها بالشهادة ، الدكتور ذاكر يتابع المشهد المسرحي فيصيح..تكبير. .فيرد عليه الجمهور صارخين. ..الله أكبر... ثم يعيد الدكتور ذاكر بصوت أقوى. .تكبير. ..فيصرخ الجمهور مرة أخرى. .. الله أكبر.. ويصفقون جميعا فرحين وكأنهم قد حصلوا على تذكرة تسمح لهم الدخول إلى الجنة.

عندما رأيت هذا المقطع شعرت وكأني أرى مشهد مسرحي رديء يعتمد على إثارة العواطف الساذجة شبيهة بتلك التي تعرض في المناطق المتخلفة لتسخر من العقول الضعيفة لتجمع أكبر ربح مالي ممكن. عندها تذكرت قول إبن رشد " التجارة باﻷديان هي التجارة الرائدة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل ".وهذا ما يفعله الدكتور ذاكر تماما.

حسب دراستي المفصلة لأسلوب عرض محاضرات ومناظرات الدكتور ذاكر وطريقة التعبير التي يستخدمها من خلال تعبير ملامح الوجه والتعبير الصوتي وحركة جسده على المنصة وأمام المايكروفون وكذلك من خلال نوعية التأثير على المشاهدين ، يتهيئ لي بأن الدكتور ذاكر في صغره قد تأثر كثيرا بالسينما الهندية ، وكان حلمه أن يصبح ممثل في السينما ، ولكنه شعر أن شكله لا يسمح له أن يلعب دور الفتى اﻷول ﻷنه لا يملك وسامة شامي كابور أو دارمندار أو أميتاب باتشان، لذلك إتجه لدراسة الطب ، ولكن عندما رأى أحمد ديدات على المنصة بحركاته المسرحية ودفاعه المثير للأعصاب ودهشة الجمهور والتصفيق الحاد،انبهر جدا وشعر أنه يستطيع تحقيق حلمه الطفولي ولكن بطريقة مختلفة عن السينما ، لذلك صب كل جهده وموهبته الخارقة في الحفظ غيبا ، ليستخدمها في المناظرات مع اﻵخرين فهذه المناظرات لها شكل مشابه تماما لتلك المشاهد السينمائية " شخصان يتشاجران والجمهور يشاهد بحماس وفي داخله يتمنى أن ينتصر البطل ليصفق له تصفيق حاد " ... الشيء نفسه يفعله الدكتور ذاكر ، فمحاضراته ومناظراته ليست إلا عروض مسرحية واﻹختلاف بينهم أن المسرح يعرض نصا أدبيا يقوم بتجسيد شخصياته عدد كبير من الممثلين ، أم مناظرات الدكتور ذاكر فيستخدم نصا دينيا ويلعب هو الدور الرئيسي بمفرده أو مع إشتراك شخص مناظر لذلك فهو لا يهتم كثيرا في معاني اﻵيات ، هو فقط يأخذ ما يذكره علماء المسلمين وما عليه سوى طرحه على الجمهور بطريقة مشوقة.... والله أعلم.

في المقالة القادمة - إن شاء الله - سنتكلم عن موضوع أسباب إنشقاق اﻹسلام.( سنة، شيعة ) لنبين للقراء بأن آراء الدكتور ذاكر عن هذا الموضوع تعمق الفجوة و تزيد الفتنة بين الطرفين ، وأن أسلوبه الخاطئ في فهم اﻵيات واﻷحاديث يجعله يدعو إلى إسلام الخوارج وليس إسلام محمد صلى الله عليه وسلم.

وسوم: العدد 725