رحيق المنابر 19

رحيق المنابر

( 19 )

محمد جمعة أبو الرشيد

الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه الى يوم الدين ، وصلي اللهم وسلم عليه تسليما كثيرا .

اما بعد :

جدال مع النفس ومراغمة الشيطان:

خرجنا للتو من شهر الطاعات ، كنا نصوم نهاره ، ونقوم ليله ، ونحيي لياليه بالقرآن ، وأسحاره بذكر الرحمن ، الجمنا السنتنا عن ذكر معايب الناس ، وطهرنا قلوبنا عن الهم والتفكير في أذية الخلان ، لطفت سلوكياتنا مع مرتادي التجمعات والأسواق ، تعلمنا الصبر في الشدائد ، وانقادت ارواحنا طوعا وحبا ورضا لتنفيذ مرادات الرحمن ، والزمنا أنفسنا بإقتفاء سنة النبي العدنان( اللهم اجعلنا بالصلاة والسلام عليه من الفائزين والداخلين الجنان ) ، وتقلبنا في ابواب الخير، ذكرا ، وعلما ، وانفاقا، واخباتا ،وتبتلا، وتضرعا ، وتلاوة للقرآن .   

نية الدخول تبعث همة السير:

الناس تتفاوت في نية دخولها في باحة شهر الصيام ، وعلى قدر هذه النية يكون وقود السير يمنح صاحبه طاقة الإستمرار، ولهذا تفاوتت همم أهل الصيام .

1- من يدخل الشهر كعادة من العادات الموروثة عن الآباء والأجداد ، فذلك يتقيد به على قدررسوخ العادة وتعاظمها في نفسه.

2- من يدخل الشهر ناويا الإمتناع عن المأكولات والمشروبات وبقية المفطرات، وهذا يؤدي صوما مقبولا يؤجر فيه على قدر نيته ، وتطبيق الصيام بسننه وأركانه .

3- من يدخل الصيام مقبلا عليه بقلبه اخلاصا وبجوارحه تطبيقا والتزاما ، فهو يراقب بواطنه واراداته اكثر من مراقبته فمه وبطنه وفرجه ، فيبدء الصيام بهمة عالية وارادة خالصة تثمران قلبا خاشعا ، وعينا دامعة، ودعاءا متبتلا ، ونفسا على الخير مقبلة ، ولعبادة الله مشمرة ،ومن سوء ذنوبها خائفة وجلة، تقطع الليالي في مناجاة الجليل الرحمن ،تعاف أجسادهم المفارش ، وتغادرأعينهم الكري،وتنشط أعضاؤهم في الوقوف بين يدي الواحد الديان ، وتخبت قلوبهم لجلال آيات المنان ، تشتفي قلوبهم برحيق القرآن ، وتزكى ظواهرهم بسنة النبي العدنان ،تستنير قلوبهم بنور الإيمان ، فيحبهم الله، ويدافع عنهم ، وينطبق عليهم الحديث القدسي الذي رواه  أبو هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى قال : من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه -رواه البخاري.

احذر آفتين بعد رمضان :

الأفة الأولي : نفسك الذي بين جنبيك ، لأنها مركبة فيها حب الشهوات ، وغالب الناس تسوقهم شهواتهم ، ورمضان كان مدرسة تعلمنا فيها أن نمتنع عن مطلوبات انفسنا المباحة ،وعشنا تحت ظلال طاعة الله احلا الأوقات ، وأجمل الساعات ، فكيف  تغلبنا أنفسنا  وترغمنا في مزاوجة ومقارفة الأمور غير المباحة؟ واقول لإخواني المدخنين أنتم امتنعتم طوال شهر رمضان عن شرب ذلك الدخان القاتل ، ولم يحدث لكم شيئ ، انتم انتم بأسمائكم، وألقابكم ، وألوانكم ، ومظاهركم ، لم يمت منكم احد ، ولم يجن أحد، بل زدتم صحة في ابدانكم ، وطيبا في افواهكم ، وتوفيرا لأموالكم ، فلماذا غلبتكم أنفسكم على إتيان ما يضركم ولا ينفعكم ؟ يكفيها سوءا أنها  المشروب الوحيد الذي بعد استخدامه يرمي تحت الأقدام او في سلة القمامات !!!!.

الآفة الثانية : احذر من أن يلبيس  عليك عدوك وعدو آبائك الشيطان الخناس :

اخبرنا ربنا جل وعلا بأن الشيطان عدو لنا ، وطلب منا الإحتراز منه ، قال تعالى:      ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فكيف يغفل من يتربص به عدوه الليل والنهار! ويعد له العدة  ، ويخطط لإغوائه ، ويزين أساليبه ووسائله!!!!  .

 لاتهدم بيتك الذي شيدته :

قد شيدنا طوال شهر رمضان المبارك ( قصر التقوى ) ومن الحمق أن نهدمه في لحظة ، ونلقي انفسنا في قارعة الطريق ، كيف نهدمه ونحن احوج ما نكون لسكناه!!! .

الم نحرص على الصيام ؟ فلماذا ننقطع عن صيام التطوع؟

الم نصلى قيام الليل والتهجد ؟ فلماذا ننقطع عنه في باقي أيام السنة ؟.

الم نتلوا كتاب الله تعالى ونختمه عدَة مرات ؟ فلماذا نهجره باقي الأيام؟

الم نغض ابصارنا عن المحارم في رمضان ؟ فلماذا نطلقه في غير رمضان ؟

الم نتعلم التسامح والتغافر في رمضان ؟ فلماذا نتخاصم ونتقاطع في غير رمضان؟

أخي كن ربانيا ولا تكن رمضانيا :

وقفة صادقة مع النفس : أسالها أين تصلي صلاة العشاء ؟ هل تقرأ القرآن ؟ هل تكثر من أذكار الصباح والمساء ؟ هل تصلي ركيعات في جوف الليل ؟ ، لا تستحي منها اطرح عليها كل الأسئلة ، لماذا انقادت لك في رمضان واستعصت في شوال ؟

أنت لم تطلب منها أمر يصعب تحقيقه ، بل تريد منها أن تمضي في درب السعادة التي تذوقته في رمضان.

قل لها بقوة وحزم : أنا لم أطلب منك ان تأكلي القديد بعد أن اكلت فنون الطيبات .

أنا لم اطلب منك أن تمشي على رجليك بعد أن ركبت افضل المطايا والمواصلات.

انالم اطلب منك ان تلبسي المرقع بعد ان لبست انعم  واجمل واغلا الثياب.

انا لم اطلب منك أن تنامي على حصير بالي بعد أن نمتي على سرر مرفوعة العمدان.

قل لها تأملي في حياة حبيبنا محمد – عليه افضل الصلاة وازكى السلام - !!

اقل ما ينبغي الإلتزام به بعد رمضان :

1-  أن يظل قلبك معلق بالمساجد: عبادة وخدمة .

2-  تعاهد القرآن: حفظا وفهما وعملا .

3-  الحرص على صيام النوافل:  الإثنين والخميس او الأيام الثلاث البيض .

4-  الإنفاق ولو بالقليل : خاصة على ذوي القربي والأرحام .

5-  حضور حلقة علم في المجالس او الأجهزة : كالتلفاز او الراديوا او الإنترنيت .