ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

امحمد رحماني

[email protected]

يقول الله تعالى في محكم كتابه المبين ) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( ( الحشر : 09 ) .

فالله سبحانه وتعالى جعل في هذه الآية الكريمة الوطن ( أي الدار ) والإسلام ( أي الإيمان ) جعلهما مترابطين متصلين لا ينفكان عن بعضهما البعض في أثناء مدحه للأنصار الذين استقبلوا المهاجرين ) والذين تبوءوا الدار والإيمان ( وهذا الترابط إن دل على شيء فإنما يدل على أن الوطن لا يصلح إلا بالدين وان الدين لا يستقيم إلا بالوطن ، فأهل الكفر ( أي قريش ) كانوا بوطن هي مكة لكن بدون دين وأهل الإسلام كانوا بدين لكن بدون وطن ، ولذلك جاءت الهجرة النبوية كعروة وثقى تربط ما بين الدين والوطن ، فلا وجود لوطن بلا دين ولا قيام لدين بلا وطن ، وبذلك فقد صدق قول من قال « حب الأوطان من الإيمان » وقد استوجب الأنصار بتوفيرهم الوطن للمهاجرين دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ترد له دعوة فقد دعا فقال « اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار » وقال«والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار » .

فما فعل الأنصار حتى يتمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون واحدا منهم ؟ وإن ذهب الناس طرقا كثيرة اختار هو طريق الأنصار ؟ ما فعل الأنصار ليستميلوا قلب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل ؟

وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه صالح على الذين يتركون أوطانهم ليعيشوا في الجبال ) أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين ( ( الشعراء : 149 ) . وكأن الله يقول للإنسان : اعمل في العيون والزروع والنخل ولا تذهب إلى الجبال لتسكن فيها ، وهذا ينطبق على الكثير من شبابنا المخدوع بديمقراطية الغرب ، حيث أصبحت كل متمنيات الشاب المغربي أن يخرج من وطنه إلى البلاد الأوروبية ولو استدعى ذلك موته وهلاكه في البحر دون أن تدعوا الضرورة لذلك ، ليعيش هناك تحت القناطر أو في الكهوف والجبال حتى لا تراه السلطات الأوروبية ، بحجة أن المغرب لا عمل فيه وأن أوروبا خير منه وأحسن ، لكن حينما يهاجر يفاجئ بالواقع المر وبالديمقراطية المزيفة بحيث يعمل بنصف أجر العامل لأنه بدون أوراق ثبوتية ، أهذه هي الديمقراطية ؟ أهذا هو العدل ؟ فيصبح يفكر في الحالة التي كان فيها والحالة التي أصبح فيها فقد كان في وطنه آمنا مطمئنا ، يصبح على كل خير ، يرى أبويه وإخوته وأصدقائه وجيرانه ، ويتنسم هواء بلده ووطنه ، وقد أصبح في بلاد الغربة لا أنيس له ولا رفيق ، يخاف على نفسه وماله ، فيحرم من نعم كثيرة أقلها نعمة النظر إلى الأبوين الجليلين ، فيتمنى أن يعود إلى وطنه ولو على قارب موت .

غادرت الأوطان أبغي الأموال iiأجمعها
تـركـت  الأبـنـاء والأحفاد iiممتنيا
وإذ  أنـا بـحـسـرة كـدمـت iiبها
أبـغـي الرجوع وإن كان فيه iiمذمتي
أقـيـم صـلاة ربـي حـين iiأسمعها
وأقـبـل  جـبـيني أمي وأبي iiفرحا





فـلا  أنا بما أرجوا من مال ولا iiوطن
عودتي لأزف الفرحة في الأهل بالمنن
فـلا أنـا بـأفـرح بغيري من iiوطن
حـتـى أحـيـا بـيـن العز iiوالولد
طـالـبـا  مـنـه الصفح عن الزلل
فـتلك نعمة قل أن توجد في ذا iiالزمن

لذلك فإنه لا صلاح لوطننا إلا بصلاح أنفسنا ونياتنا ، إننا لن نستطيع نصر الإسلام إن لم ننصر بلادنا ولن نستطيع أن نوحد كلمة الإسلام إن لم نوحد كلمتنا ، وقد صدق الله سبحانه حينما قال ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (

إنه لمن العار علينا أن ننتمي لوطن نجهل تاريخه ، أن نقابل هذا الوطن بالجهل التام عن أحداثه في مقابل ما قدمه لنا من سعة في الأراضي وأمن في البلاد واطمئنان في الحال ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فعلى الرغم من أن قومه قد أخرجوه من وطنه وطردوه منه فقد قال « والله إنك لأحب البلاد إلى ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت » على الرغم من كل هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينسى تاريخ بلده ووطنه ولم يجهله ، وإنما كان به عليما أحسن من غيره فكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم عن تاريخ قريش كفى وشفى ، فقد حدث أصحابه عن حلف الفضول وقال« لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدْعَانَ حِلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت » وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله وهو مع أصحابه « لقد كان فيمن قبلكم » فقد كان صلى الله عليه وسلم موصولا بتاريخه يتذكره دائما بل ويذكره لصحابه حتى يحفظوه ويبلغوه عنه ، وها نحن قد وصلنا من أحداث تاريخه صلى الله عليه وسلم ما لم يصل إلينا عن غيره . وفي غير ما مرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن ما قدمه أجدادهم في سبيل الله ، فقد قال لهم مرة «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه » .