قانون الأخلاق

 زهير سالم

من أين تنبع الأخلاق ؟

سؤال قديم متجدد طرحه الفلاسفة والمفكرون وعلماء السياسة والاجتماع. أجاب عليه الرسل عليهم السلام، واختلف فيه البشر ومايزالون..

في الرؤية (الحداثية) المنبتة عن الجذور الإنسانية المهومة في آفاق الرغبة المنفلتة تنبع الأخلاق من (المجتمع).

فلكل مجتمع أن يصوغ قيمه وقوانينه الأخلاقية، ثم يفرضها على أبنائه، وعلى الآخرين إن كان يمتلك القوة المادية التي تخوله ذلك.

فمهما قلنا إن الحرب على أفغانستان والعراق كانت بوشية، ومهما حاولنا أن نحيد الإنسان الأمريكي عن معادلة إمبراطورية الشر في سعيها لفرض قيمها على الشعوب الأخرى، ومنها شعوبنا في إطار مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ؛ فإن هذه الحروب قد نالت موافقة الكونغرس الأمريكي، ومجلس العموم البريطاني على حد سواء. وهي حسب المنطوق الديموقراطي الرأسمالي، بوجهيها (العنيف) و(الديبلوماسي) حرب أخلاقية خيرة تعبر عن رؤية أكثرية متحضرة ومقتدرة.

المثل الذي ضربناه في هذا السياق مثل صارخ فاقع، ولكنه في الوقت نفسه صالح لبيان خطورة ما يطرحه البعض حول تحطيم كل الثوابت في حياة الأمم، والجري دائماً وراء رأي الأكثرية واعتباره المرجعية الأولى والأخيرة.. قد تشرب الأكثرية يوماً من نهر الجنون، وقد تصاب بعمى الألوان، وقد تغشى بصيرتها الرغبة أو الغضب ؛ وهنا تبرز الثوابت كعاصم ومستند تضع خطاً أحمر أمام غرور الإنسان واندفاعه وصلفه..

الشرائع الربانية أكدت على أن هذه الخطوط الحمراء تنبع من الشريعة نفسها (الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه..). والفلاسفة والمفكرون تحدثوا عن القانون الطبيعي (قانون الفطرة) في أصل الخلق. القانون الذي يجعل قطك حين تطعمه يأكل لقمته بجانبك، ويجعله حين يخطف تلك اللقمة من بين يديك يمضي بها بعيداً.

في شرعة الإسلام أخذت كل المقاييس أبعادها. فسبقت الشريعة إلى تحديد الحسن والقبيح والخير والشر.. وحين تختلط الأمور على الفرد في بعض الأحايين، رد الإنسان إلى الحقيقة الفطرية تعزز الحقيقة الشرعية: (استفت قلبك.. وإن أفتوك وأفتوك) وقال له ثانية (والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس).

ثم أعطى الجماعة (الأكثرية) دورها في تحديد بعض المساحات الخيرة والشريرة.. فسمى ما تعارف عليه الناس وألفوه (معروفاً) وما أعرضوا عنه واستهجنوه (منكراً).

حقيقة أن الضمير الفطري ضمير رباني، وليس ضميراً اجتماعياً فقط هي تلك التي يغالط فيها المغالطون، وهي ركيزة أساس في التفريق بين مجتمعات الرغبة والهوى ومجتمعات السداد والرشاد.

       

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية