الثقافة البائسة

 زهير سالم

سادت المجتمعات الإسلامية في أطوارها المختلفة ضروب من الثقافات البائسة المنحلة. وتلبست في كثير من الأحيان بالدين والشريعة، ولعبت دورها في إدخال الوهن والتفكك على حياة الفرد والجماعة.

كانت (الإسرائيليات) ونظرياتها التلمودية ولاسيما ما يتعلق منها بالكون والحياة، وتفسير ظواهر الطبيعة واحدة من المجالي الرئيسية لهذه الثقافة.

ومن يقرأ كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) لابن إياس الحنفي يجد من الطامات ما تشيب له الولدان. حيث تنسب الأساطير التلمودية إلى الإسلام عن طريق أعلام الصحابة ولاسيما سيدنا ابن عباس. 

ثم كانت فلسفات يونان والهند والفرس على اختلاف مشاربها وما شاب توجهاتها العقلية والحكمية من فلسفات مجلى آخر من هذه (المجالي) البائسة المعتمة.

انضاف إلى هذين المجلَييْن، حركة الزنادقة والشعوبيين والمنافقين الذين لم يألوا جهداً في الدس على الإسلام، ومحاولة تحريف عقائده وقيمه، حيث تمادى بهم الأمر إلى محاولة تشويه الكتاب العزيز بالتفسيرات المغلوطة، بعد أن عجزوا عن تحريفه أو تغييبه، أو محاولة وضع الحديث الشريف على رسول الله صلى الله عليه وسلم. متحدين نذارته بتهديد المتقول عليه بمقعد في النار.

صحيح أن العلماء الثقاة الأثبات قد نخلوا المأثور الشرعي نخلاً دقيقاً، فمازوا طيبه من غيره، ورفضوا كل باطل وزيف ونبذوه.. إلا أن المجتمع المسلم حتى في عصوره الأولى لم يكن كل منتسبيه على درجة واحدة من الفقه والفهم والقدرة على التمييز. وهكذا شاعت على ألسن الناس مقولات ومسجوعات نميت باطلاً إلى حظيرة القدس، وتحولت من ثم إلى قيم وعادات وأنماط سلوك ؛ مع أنها بعيدة كل البعد عن القداسة، بل هي متصادمة مع مقاصد الشريعة ومقتضياتها.

حتى عهد قريب كان أهلونا ينهوننا عن قص الأظافر في الليل لأنه (حرام). ويرددون فيما يزعمون أنه حديث شريف بشأن النساء (شاوروهن وخالفوهن)، أو كان بعض البؤساء ينسب إلى مقام صحابي كابن عباس في حق المرأة (نعم الصهر القبر) وكأن الإسلام ما جاء ليشنع على الوأد والوائدين.

مقولات كثيرة أثقلت ظهر المسلم وقيدت سلوكه وحرفت توجهه نحو الإبداع والإتقان. شيء من الإسرائيليات، وآخر من التصوف الهندي، وثالث من الفلسفات البوذية المستسلمة، ورابع من سفسطات يونان وإذا الحال الذي نحن عليه.

الثقافة البائسة التي قادتنا إلى ما نحن فيه تحتاج إلى جهبذة في النقد وجرأة في الطرح وقدرة على البلاغ (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ..)

       

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية