السقـف

 زهير سالم

عند مجمع البحرين العذب الفرات والملح الأجاج عاش الضفدع. لينغمس في الماء العذب، ويسرح بطرفه فوق آفاق اللازورد.. دهمته العاصفة يوماً فألقت به الريح بعيداً في قلب الرمال.

قفز المسكين وقفز حتى قادته قفزاته إلى بئر صغير فيه وشل وقليل ماء. في قعر البئر وجد ضفدعاً آخر استقبله وأحسن ضيافته يلتفت ضفدع البئر إلى ضيفه المكفهر المغبر.. يسأله من أين أتيت ؟

ـ من هناك، من مجمع البحرين..

يدقق في السؤال: وما مجمع البحرين ؟ وما البحر ؟‍!

ـ البحر ماء كثير. يجيب الضفدع المغبر.

ـ ماء كثير أهو هكذا، ويحلق الضفدع المولود في قاع البئر بإصبعه حلقة صغيرة في قلب البئر..

ـ لا.. لا البحر ماء كثير كثير..

ـ أهو هكذا يفتح دائرته قليلاً في الوشل الذي هو فيه..

ـ يقول الضيف بشيء من الضيق.. قلت لك إن البحر ماء كثير كثير جداً..

ـ مرة ثالثة يدير ابن (البئر) إصبعه على حواف عالمه وحدوده.. يسأل أهو هكذا ؟

ـ يجيب الضيف قلت لك إنه أكبر من ذلك وأكثر..

يجيب وليد البئر بنزق: ما هذا وهل أكبر وأكثر من هذا يكون.. ؟!

شقاء الإنسانية ودمارها حين يحكمها أبناء العوالم الصغيرة، الذين لا تتصور عقولهم أن أكبر من عوالمهم أو قواقعهم يكون. عن هؤلاء قال الله تعالى: (.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا..).

       

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية