لبنان من شقيق توأم إلى خنجر مسموم في ظهر السوريين

آخر ما فكر فيه السوريون أن يتحول لبنان الأخ الشقيق التوأم إلى خنجر مسموم في ظهر السوريين، ومن كان يظن أنه سيحدث ذلك وقد كنا معاً نعيش في السراء والضراء إخوة متحابون نتقاسم الحياة بحلوها ومرها، ولبنان كان على الدوام جزئاً من سورية حتى سلخته فرنسا وجعلت منه دولة، وبالتالي كان الشقيق الأصغر، كان السوريون يتغدون في عاليه وبحمدون ويصطحبون إخوتهم اللبنانيين كي يمضوا السهرة في بقين وبلودان والزبداني، كنا عائلة واحدة، فلا زلت أذكر صحبتي لوالدي في زياراته العديدة إلى أصدقائه في لبنان، التي لم أكن أشعر وأنا في ضيافة أحدهم، وهم كثُر، إلا وأنا فرداً من أفراد العائلة ألهو وألعب مع أولادهم بكل المحبة والود.

لقد مر لبنان في محن كثيرة وكان لا يجد إلا صدر السوريين الدافئ لاحتضانهم والتخفيف من آلامهم، فكلنا يذكر الفتنة الكبرى التي وقعت بين المارونيين والدروز عام 1860 والحرب الأهلية اللبنانية المجنونة عام 1975 وفرار مئات الألوف من اللبنانيين إلى سورية، وفتحنا لهم بيوتنا وتقاسمنا معهم رغيف الخبز وجرعة الماء، وكذلك حدث الشيء نفسه عند اجتياح الصهاينة للجنوب اللبناني وبيروت عام 1982، وعندما شن الصهاينة عدوانهم على لبنان عام 2006، حيث فرت ألوف العائلات اللبنانية إلى سورية ولم تكن حرارة الاستقبال بأقل من سابقاتها.   

ولمّا أصاب السوريين ما أصابهم من حاكم أرعن مجرم ومن نظام سادي متوحش وقرر الآلاف من السوريين الالتجاء إلى أشقائهم اللبنانيين لم يجدوا أمامهم إلا جواً من الرعب يعيشونه على يد من استضافوهم وأكرموهم في محنهم الكثيرة.

السوريون في لبنان اليوم يعيشون في جو من الرعب الحقيقي، وهم الذين اضطروا لترك قراهم ومدنهم بسبب القتل الجماعي التي اتبعها نظام الأسد، والتدمير المنهجي لكل أشكال الحياة، فلجأوا إلى إخوتهم اللبنانيين فما كان من هؤلاء الإخوة إلا أن أداروا ظهر المجن لهم بدل أن يردوا جزءاً من الدين الذي في أعناقهم لهم على مر التاريخ.

لبنان البلد الشقيق قام بدلاً من تقديم الحماية والأمن لأشقائهم السوريين قام بحملات عنصرية وطائفية مسيّسة تجاههم، وزيادة في النكاية قاموا بالتحالف مع قاتل السوريين ضدهم، ودخلت ميليشياتهم الطائفية سورية بكل ما لديها من حقد أسود أعمى تقتل وتدمر وتسفك الدماء وتجز الرقاب، وقد استكثر هؤلاء على السوريين حتى الخيام، وودوا لو منعوا عنهم الهواء والماء، فحاربوهم وحاربوا كل من فتح لهم بيته وقلبه من أبناء الشعب اللبناني، وفي الوقت الذي غضت الحكومة اللبنانية والسياسيون اللبنانيون، إلا ما رحم ربي، الطرف عما يفعله حزب اللات وميليشياته الطائفية البغيضة في سورية ومدنها، راحوا يلاحقون كل شريف لبناني وقف وقفة حق مع محنة إخوانه السوريين، وكلنا سمع بما حل بالشيخ أحمد الأسير الذي أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية عام 2017 حكماً بالإعدام عليه.

كما قضت المحكمة ذاتها بإعدام 8 آخرين والمؤبد بحق 8 والسجن 15 عاما غيابيا للفنان اللبناني المعتزل فضل شاكر. وصدرت أحكام بحق 12 آخرين تراوحت بين السجن 10 أعوام و15 عاماً.

الأسير وهو إمام مسجد في بلدة عبرا قرب مدينة صيدا الجنوبية، برز نجمه عام 2012 عندما دعا إلى التظاهر دعما للمعارضة السورية ضد النظام السوري وهو من المطالبين بتجريد حزب الله من سلاحه. ولمواقفه النبيلة هذه اعتقل واقتيد إلى السجن عام 2015 لأنه أعلن أنه سيكون إلى جانب إخوانه السوريين المظلومين.

لقد انتشرت على صفحات (فيس بوك) صوراً لعناصر في مناطق ميليشيا حزب اللات، وهم يعتدون على مجموعة من السوريين بالضرب الوحشي الجبان، الذي ينم عن لؤم وحقد.

وكانت مناطق لبنانية عديدة شهدت قطعاً للطرقات وإحراقاً للإطارات، لا سيما في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، ولم تلبث هذه الاحتجاجات أن تحولت لنشاطات عنصرية ضد اللاجئين السوريين، فظهرت عدة منشورات وبيانات، لم يعرف مصدرها، تهدد اللاجئين السوريين وتتوعدهم. كما تم حرق بعض مخيمات اللاجئين في الطيبة وبريتال والصوانية ودورس الجبل، وبعض المناطق المحيطة بعرسال.

وتتوارد يومياً أنباء عن تعرض اللاجئين السوريين للمضايقات والتهديدات بإخلاء عدة مناطق كبعلبك ومناطق في الضاحية والجنوب اللبناني، كما تعرض الكثير من السوريين للاعتقال من عناصر ميليشيا حزب اللات.

ومع ازدياد الاعتداءات وغياب أي مواقف رسمية أو تغطيات إعلامية، وترك اللاجئين السوريين نهبة للإشاعات وحملات التهديد والاعتداءات، حيث يعيش السوريون في رعب حقيقي على حياتهم وحياة أطفالهم، لا سيما مع انتشار بيانات التهديد وتعرض العديدين للتوقيف والاهانات.

وانتشرت عبر صفحات الفيس بوك وتويتر ومواقع تابعة لميليشيا حزب اللات وأنصار نظام الأسد، عدة بوستات ومنشورات عنصرية، تدعو لضرب السوريين وملاحقتهم، وتتميز هذه المنشورات بلغتها الحاقدة والتي تتطابق مع ما عهده السوريون من لغة تحريضية يستخدمها شبيحة الأسد.

لقد كان للإعلام اللبناني دوراً تحريضياً ضد السوريين وتواجدهم في لبنان، حيث أنها تترافق مع حملة عنصرية ضد السوريين على وسائل إعلام تابعة لميليشيا حزب اللات والتيار الحر وعلى مواقعهما في شبكة التواصل الاجتماعي، وهي تخلق رعباً وخوفاً عند اللاجئين، فمعظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

لقد ظهرت بيانات مكتوبة بلغة عنصرية حاقدة، في عدة أماكن كما تم نشرها على مواقع الكترونية، وتقول هذه البيانات أنها تمهل السوريين عدة أيام لمغادرة المنطقة، وإلا فالويل لهم ولأطفالهم ونسائهم! والمشترك بين كل هذه البيانات أنها تصدر باسم منطقة أو عائلة، وتنفي صلتها، كذباً، بميليشيا حزب اللات.

وكان الكثير من الغمز واللمز ظهر منذ فترة عبر تصريحات عنصرية محرضة على السوريين، حتى من قبل سياسيين ووزراء في الحكومة اللبنانية من ميليشيا حزب اللات وما يسمى التيار الحر الذي يتزعمه الجنرال عون رئيس الجمهورية.

لقد تعرض كثير من السوريين للضرب والاهانة فقط لأنهم سوريين، وشاهدنا ذلك على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، ويتفق العديد من الناشطين في لبنان على أن ما يجري هو أمر موجه ومنظم، ويتم تنفيذه من قبل عناصر حزب اللات وبعض العصابات التابعة لأنصار النظام في لبنان.

نتمنى على الإخوة اللبنانيين أن يعودوا إلى أصالتهم ويتذكروا (وما جزاء الإحسان إلا الإحسان) والزمن دوار يوم لك ويوم عليك!!

وسوم: العدد 825