عن توفيق البوطي وأمل عرَفة .. استخدامُ الدّين والفنّ

موقع عربي21

في الجمعة الأولى بعد انسحاب قوات النظام السّوري والرّوسي من بلدة كفر نبوذة في ‏ريف حماة إثر هجمات عنيفة من الثّوار السّوريين كانت خطبة جامع بني أميّة الذي ‏اعتلى منبره الدكتور توفيق البوطي العميد السّابق لكليّة الشّريعة في جامعة دمشق والتي ‏تبثّ عبر قنوات إعلام النّظام عن غزوة أُحُد.‏

‏ في هذه الخطبة شبّه توفيق البوطي انسحاب قوّات النّظام السّوري "المجاهدين" على ‏حدّ وصفه بانشغال الرّماة من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجمع الغنائم ممّا ‏تسبّب بهزيمتهم!‏

توفيق البوطي يشبّه جيش الأسد ومن معه من الميليشيات الطّائفيّة بالصّحابة ويشبّه ‏الشعب السّوريّ في المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام بالمشركين، ويعدّ "التّعفيش" ‏الذي يمارسُه جيش الأسد بحقّ بيوت ومنازل المواطنين واستباحتها بعد إعادة النّظام ‏سيطرته على تلكم المناطق انشغالًا بجمع الغنائم يشبِه انشغال الصّحابة بجمع الغنائم ‏يوم أحد!!‏

بعدَ أيّام يسيرةٍ من هذه الخطبة عرضت القنوّات السّوريّة مقطعًا تمثيليًّا للفنّانة أمل عرفة ‏ومعها مجموعة من الفنانين المنحازين للنّظام السوري، يسخر بشكلٍ مبالغٍ فيه ‏وبإسفافٍ مستفزّ من مجازر الكيماوي التي وقعت للشّعب السوريّ كما يسخر من ‏فريق الدّفاع المدني في مناطق الثّورة والمعروف باسم "الخوذ البيضاء" وهي مؤسسة أبلَت ‏بلاءً كبيرًا إبّان الثّورة، وساهمت في تعرية النّظام وفضح جرائمه في عدد من المحافل ‏الدوليّة لذلك يحقد عليها النّظام حقدًا يفوق حقده على الفصائل المُسلّحة.‏

الموقفان وإن ظهر أنّهما صدرا عن شخصيّات متناقضة من حيثُ التوجّهات العامّة إلَّا ‏أنّهما يخرجان من مشكاة واحدة ويعبّران عن انتماء أخلاقيّ واحد وتكاملٍ في الأدوارِ ‏والمهمّات لكلّ من توفيق البوطي وأمل عرفة.‏

إنَّ كلًّا من مؤسسات الفنَّ والشّرع في ظلّ الاستبداد تفقد رساليّتها لتتحوَّلَ مجرّدَ ‏أدواتٍ في ظلَّ منظومة الاستبداد التي تسخّرُ كلّ المقدّرات والمؤسسات والموارد البشريّة ‏لخدمة المستبدّ وزبانيتِه ومهاجمة مخالفيه ومعارضيه.‏

وفي ظلّ الاستبداد ينتقلُ العلماءُ المسبّحون بحمد الطّاغية من خدمة الدّين إلى ‏استخدامه، كما ينتقل الفنّانون الذين يطوفون حول صنم الحاكم بأمرِه من خدمة الفنّ ‏إلى استخدامه.‏

واستخدام الدّين والفنَّ يكون بإعلاء شأن المستبدّ وتمجيده وتبرير جرائمه وقلب ‏الحقائق ليغدو الضّحيّة هو المجرم وتتمّ مهاجمته بلا هوادة وتقامُ حفلات الرّدح الدّينيّ ‏والفنّي بغية التّشنيع عليه.‏

فلا يمكن تبييض وجه النّظام الاستبداديّ دون العمل على تسويد وجوه مخالفيه ‏وشيطنتهم، ولذلك تغدو أموالهم غنائم مستباحة ودماؤهم مادَّةً للسّخرية وآلامهم ‏وأوجاعهم مرتكزًا للإضحاك، وهذا تمامًا ما فعلته أمل عرفة وتوفيق البوطي.‏

إنَّ توفيق البوطي وأمل عرفة وجهان مختلفان لجسدٍ واحد، وصورتان متباينتان لحقيقة ‏واحدة، فكلاهما جنديّان من جنود بشّار الأسد، تتعدّد وجوههما وتتنوّع أشكالهما ‏وتختلفُ ألسنتهما، ولكن تتفق قلوبهما وتتّحد مواقعهما في جبهة الاستبداد والإجرام ‏والطّغيان، فهما من "القوّات الرّديفة" للجيش الذي يلقي البراميل ويقصف الآمنين ‏بالكيماوي ويشيطن المدنيّين، والأمر لا يعدو كونه اختلافًا في المواقع حسب ما ‏تقتضيه المهمّة والاختصاص بين منبر الأمويّ واستديوهات المسلسلات الرّمضانيّة.‏

إنَّ الاستبداد يعمد إلى إتباع المؤسّسات الشرعيّة والفنيّة على حدّ سواء للأجهزة ‏الأمنيّة ليتمّ مسخ صورتها الرّساليّة من خلال تجنيدها في محاولات تشويه الوعي وتأليهِ ‏المستبدّ وشيطنة مخالفيه.‏

عندها تحدث ردّات فعلٍ عنيفة تجاه الدّين أو الفنّ بوصفه رسالةً تخدم المستبدّ فيعمد ‏البعض إلى الكفر بالدّين والفنّ إذ يراه خِلوًا من رسالة الحقّ والعدل التي يفترض به ‏تبنّيها والذّود عنها، ويراه جنديًّا من جنود الباطل والإجرام.‏

ومردُّ هذا إلى عدم التّفريق بين من يخدم الرّسالة السّامية سواء كانت في الدّين أو الفنّ ‏وبين من يستخدم هذه الرّسالةِ لخدمة غايات وضيعة ودنيئة.‏

إنَّ السّخط ينبغي أن يكون منصبًّا على المستبدّ الذي هو رأس الشّرور وأسّها، وعلى ‏من قبلوا على أنفسهم أن يكونوا أدواتٍ طيّعةً بيده، لا على المفاهيم الرّساليّة الكبيرة ‏من الدّين والفنّ.‏

كما أنَّ السّخط وحده لا يكفي، فلا بدّ من السّعي الحثيث لعدم ترك السّاحة ‏للمستبدّ يلعبُ فيها وحده، فأهل الشرع وأهل الفنّ ممن يخدمون الرّسالة ولا ‏يستخدمونها، ويخدمون القضايا العادلة ولا يتسلّقون عليها؛ مطلوبٌ منهم تقديم ‏خطاب ومشاريع مضادّة لهذه المشاريع والخطاب الذي تمثّله أدوات المستبدّ الشرعيّة ‏والفنيّة، وإلّا فإنَّهم يتحمّلون مسؤوليّة السّماح لأمثال توفيق البوطي وأمل عرفة بتحطيم ‏الصّورة الرّساليّة للشّرع والفنّ، وبتشويه الوعي الحاضر للجماهير، وتزوير التّاريخ ‏لأجيال المستقبل.‏

وسوم: العدد 827