الاستجابة الدولية لمكافحة وباء كورونا في سورية

تمهيد

قبيل يوم واحد من الإعلان عن تسجيل أوّل إصابة بفايروس كورونا رسميّاً في سورية ضمن مناطق سيطرة النظام، كانت الأمم المتّحدة قد حذّرت في 21 آذار/ مارس 2020، على لسان مسؤولة الشؤون السياسية روزماري ديكارلو من تأثير مُدمّر ومحتمل لتفشّي الجائحة في سورية ولا سيما في محافظة إدلب. 

وفي 23 آذار/ مارس 2020، أطلق الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيرش نداءً من أجل وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم؛ بغرض حماية المدنيين الأكثر ضعفاً في الدول التي تشهد نزاعات –مثل سورية– مع انتشار وباء فيروس كورونا. 

وجدّد المبعوث الخاص إلى سورية غير بيدرسون هذه الدعوة في 24 آذار/ مارس 2020؛ بزعم أنّ التهدئة تتيح المجال لتمكين الجهود الشاملة في مواجهة واحتواء الوباء، وحذّر من الآثار الوخيمة على سورية وعلى الاستجابة العالمية لـ كـوفيد-19.

وقد تبدو مخاوف الأمم المتّحدة من انتشار الوباء في سورية في محلّها، نظراً لغياب المسؤولية والشفافية والقدرة أو الكفاءة على المكافحة بالمواجهة أو الاحتواء من قبل كافة أطراف الصراع.

أولاً: الدور في مكافحة الوباء 

1) وزارة الصحّة التركية 

قامت وزارة الصحّة التركية بالتعاون مع منظمة آفاد وSRD –وهي منظمة سورية محلية غير حكومية– ومع وزارة الصحّة في الحكومة السورية المؤقتة، بعدد من الإجراءات في إطار مكافحة فايروس كورونا في مناطق شمال غرب سورية مثلما هو موضّح أدناه:

• في 14 آذار/ مارس 2020، تم الشروع بإنشاء 3 مراكز للحجر الصحي في كل من سلقين، دارة عزّة والباب، سعة كل وحدة 20 سريراً، وهي عبارة عن خيم خاصة للحجر في المرحلة الأولى، إضافة لتجهيز مختبر لفحص واكتشاف الحالات المشبوهة، وأيضاً إنشاء 28 وحدة استشفاء مجتمعية للحالات الخفيفة، وكذلك تشييد خيمة لكشف وتقصي الحالات المشتبه بها في كل معبر حدودي(4). 

• في 15 آذار/ مارس 2020، تم الشروع بتوزيع أجهزة فحص درجة حرارة المارة من المعابر الحدودية الداخلية، ومواد لتعقيم السيارات ووسائط النقل بالمنطقة.

• في 17 آذار/ مارس 2020، أجرت مديرية الصحة في ولاية هاطاي، أوّل فحص لفايروس كورونا في عفرين شمال حلب(5). 

• في 20 آذار/ مارس 2020، وزّعت فرق طبية تركية، 500 نسخة لمنشورات توعية يتألف الواحد من 6 صفحات مكتوبة باللغة العربية، تدعو السكان لوقاية أنفسهم من فيروس كورونا، وذلك ضمن 3 مناطق في عفرين شمال حلب(6). 

• حتى 4 نيسان/ أبريل 2020، تم إجراء 25 اختباراً، وجميع نتائجها كانت سلبية، أي لا تحمل الفيروس(7).

2) وزارة الصحّة الروسية

قامت وزارة الصحّة الروسية بالتعاون مع وزارة الدفاع في 24 آذار/ مارس 2020، بإرسال 3 سيارات إسعاف عسكرية على متن السفينة العسكرية ديفينيتسا 50 التي كانت متّجهة إلى قاعدة حميميم في الساحل السوري(8). 

ومن الواضح، أنّ هذا الدعم –الذي تم رصده دون إعلان رسمي– موجّه إلى القوّات الروسية المتواجدة في سورية. وربّما لجأت روسيا أو قد تلجأ إلى تقديم مزيد من الدعم الطبي العسكري في مجال مكافحة وباء كورونا إلى النظام السوري، لا سيما مع انتشار الفايروس في صفوف القطّاع العسكري ومؤسسات النظام المختلفة، وخاصة تلك التي تتعامل بشكل مباشر مع القوات الإيرانية المتواجدة في سورية.

3) منظمة الصحّة العالمية 

في 8 آذار/ مارس 2020، أعلنت منظمة الصحّة العالمية أنّها تعمل على منع تفشي وباء كورونا في الشمال السوري من خلال خطة استجابة متكاملة تتضمن تدريبات وتجهيز مختبرات في إدلب وأنقرة للتشخيص وإجراء الفحوصات(9).

واعتباراً من 10 آذار/ مارس 2020، تم تشكيل فريق عمل بقيادة منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الجائحة، ويضم الحكومة السورية المؤقتة وممثلين عن منظمات محليّة سوريّة غير حكومية، حيث تم عقد اجتماع في مدينة غازي عينتاب خلص إلى تخصيص 30 مليون دولار بغرض مكافحة الوباء شمال غرب سورية(10). 

وبناء عليه، قامت منظمة الصحة العالمية في 26 آذار/ مارس 2020، ، بتسليم وحدة التنسيق الدعم 600 وحدة فحص طبي لفايروس كورونا، والتي بدورها قامت بتسليمهم إلى فريق العمل، وذلك بعد أسبوع من تقديم وعود بالدعم. وقدّمت وعوداً بافتتاح 3 مراكز عزل طبي وتدبير حالة(11). 

ويلاحظ أن جهود المنظمة ما تزال محدودة للغاية، ولا تتناسب مع حجم الكارثة المتوقعة التي حذّرت منها، ولا تتناسب مع إمكانيات المنظمة، كما يُلاحظ أن الاستجابة إلى فريق العمل الذي تم تشكيله تكاد تكون معدومة، رغم المطالب السورية المتكررة لتعجيل تفعيل الخطة وعملية التنفيذ. 

4) الصليب الأحمر الدولي

اقتصرت جهود منظمة الصليب الأحمر الدولي في إطار مكافحة وباء كورونا على بعض التدابير التي اتّخذتها اللجنة المكلّفة بالعمل في مخيم الهول للاجئين السوريين في محافظة الحسكة شرق سورية الخاضعة لسيطرة قوّات سورية الديمقراطية، حيث قامت بتقديم بعض المستلزمات لوقاية وحماية النازحين من الفايروس من نشرات توعية وأدوات التنظيف والتعقيم وغيرها، وذلك عبر المشفى الميداني في مخيم الهول. علماً، أنّ اللجنة الدولية أبدت استعدادها لتقديم الدعم الممكن لمراكز الحجر الصحي ومراكز الطوارئ في كل سورية ودعم مختلف التدابير الوقائية ضد كورونا(12).

5) لجنة الإنقاذ الدولية 

قالت لجنة الإنقاذ الدولية في 8 آذار/مارس إنّها تصب جهودها على الإجراءات الوقائية وتوفير المواد الطبية اللازمة، وتعزيز نظم مراقبة الأمراض، والعمل مع الكوادر الصحية في الشمال السوري لتفعيل الاستجابة في حال تم الإبلاغ عن إصابة(13). 

وحذّرت اللجنة في 1 نيسان/ أبريل 2020، من تعرّض مخيمات اللاجئين والنازحين مثل مخيّم الهول في سورية إلى مخاطر فتّاكة. وناشدت اللجنة على لسان كبير مستشاري السياسات ماركوس سكينر، المجتمع الدولي بتوفير تمويل عاجل للمخيمات في سورية، اليونان وبنغلادش بقيمة 30 مليون دولار، من أجل حماية المدنيين من التأثير المدمّر الذي قد يحدثه تفشي فايروس كورونا في المخيّمات(14). 

على أن يساهم هذا التمويل في زيادة الوصول إلى المياه الجارية لغسل الأيدي بانتظام وتحديد مناطق العزل لمن تظهر عليهم أعراض الفايروس، إضافة لإمكانية إعادة تصميم وبناء ملاجئ جديدة من أجل تقليل عدد العائلات التي تعيش في خيام صغيرة أو ملاجئ وتدعم بشكل أكبر التباعد الاجتماعي.

6) أطباء بلا حدود

لم يتم تسجيل أي موقف أو دعم مقدّم من قبل منظمة أطباء بلا حدود الدولية للاستجابة في مكافحة فايروس كورونا في سورية. رغم الدور الذي أدّته المنظمة الدولية في توفير الدعم للمرافق الصحية المختلفة التابعة للمعارضة السورية بين عامي 2012 و2018، إضافة إلى دورها الفعّال في القيام بحملات التطعيم الشاملة من أجل تحصين الأطفال من الأمراض مثل التهابات الجهاز التنفسي. 

علماً، أنّ أطباء بلا حدود خفضت تباعاً منذ عام 2014 من مستوى استجابتها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، لأسباب متعددة أبرزها؛ تعرّض طواقمها للخطر من فصائل المعارضة التي أقدمت على خطف أحد طواقهما الطبية شمال حلب مطلع عام 2014. 

7) المنظمات الدولية الأخرى

لم يتم تسجيل أي دعم مقدّم من المنظمات الدولية الرئيسية في إطار الجهود لمكافحة وباء كورونا في سورية، باستثناء بعض الوعود التي تم تقديمها للمنظمات المحليّة لتقديم دعم في إطار الوقاية والحماية.

في الواقع، انخفض مستوى دعم وعمل المنظمات الدولية في شمال سورية بشكل كبير؛ لأسباب متعددة منها سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب والإجراءات التي تم اتخاذها في مناطق عمليات تركيا التي حدّت وقيّدت على نحو كبير من عملها، إضافة إلى انتقال المانحين الجزئي والنسبي إلى تمويل بعض المنظمات المحلية بشكل مباشر دون العودة إلى المنظمات الدولية بما في ذلك في حالة فايروس كورونا حيث تم تشكيل فريق عمل بالتنسيق المباشر.

ثانياً: تحديات مواجهة الكارثة

يواجه مستقبل الاستجابة في مكافحة وباء كورونا في سورية عدّة تحدّيات وصعوبات قد تحول دون احتواء أو مواجهة الكارثة وهي على النحو الآتي: 

• بطء الاستجابة من قبل منظمة الصحة العالمية بسبب الآليات البيروقراطية الداخلية، وانخفاض أولوية سورية ككل ضمن برامج وكالات الأمم المتحدة بالعموم. 

• التقدير الخاطئ لحجم الاستجابة اللازمة من قبل منظمة الصحة العالمية، على سبيل المثال كانت هذه الأخيرة قد خصصت مبلغاً قدره 4.7 مليون دولار لمكافحة كورونا عبر فريق العمل المشكّلة حديثاً، إلّا أنّ الضغط الكبير رفع الرقم إلى 30 مليون دولار، وهو دون المستوى، رغم التوقعات بارتفاعه لاحقاً.

• الأضرار التي قد يُشكّلها قرار مجلس الأمن 2504 (2020) على مستوى الاستجابة الصحيّة بعد انتهاء مفعول القرار 2156 (2014).

• القيود التي قد تحدّ من تدخل المنظمات الدولية شمال غرب سورية في حال رفع مستوى التمويل من قبل المانحين، لا سيما في مناطق عمليات تركيا، فقد لا يكفي الاعتماد على مخصصات وزارة الصحة التركية أو عمل المنظمات المحلية للاستجابة في مكافحة الوباء.

• ما تزال المعارضة السورية غير قادرة على مكافحة الفايروس في مناطق سيطرتها، سواء في إدلب أو في بقية مناطق الشمال السوري، ما يعني أن عملية الاستجابة يجب ألا تقتصر على المساعدات الطبية والإنسانية المتعلّقة أو حتى التمويل، بل يجب أن تشمل تدريب الكوادر أو تأمين عودة كوادر قد خرجت من سورية نتيجة ارتفاع مستوى المخاطر. 

• ضعف الأنظمة الإدارية والسياسية والصحية لدى منظومات الحكم الثلاث في سورية (النظام، المعارضة، الإدارة الكردية)، الأمر الذي يزيد من التعقيدات التي تواجهها المنظمات الدولية من جهة، وتحدّ من قدرتها على التحرك بشكل فعّال. 

• لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنّ النظام السوري سيتولى إدارة المساعدات الطبية والإنسانية المتعلّقة بمكافحة فايروس كورونا بمسؤولية أو شفافية، ما يعني تفاقم الكارثة في حال وقوعها. 

خلاصة

يواجه القطاع الصحي في سورية ظروفاً صعبة؛ نتيجة لأعمال القتال الدائرة منذ تسع سنوات، وخاصة الاستهداف المتعمّد له من طرف قوات النظام السوري وحلفائه. وأدّت معطيات الحرب إلى إلحاق أضرار بالغة بالقطاع(15)، بما حدّ من قدرته حتى على التعامل مع الاحتياجات اليومية المعتادة للسكان. 

ومع تفشي فايروس كورونا، دخل القطاع الصحي في معظم دول العالم، بما في ذلك أكثرها تقدماً في سلم التنمية البشرية، في مرحلة العجز عن تلبية الاحتياجات التي فرضتها أزمة تفشي فايروس كورونا، ومن باب أولى أن يدخل القطاع الصحي في سورية مرحلة العجز مع المرحلة الأولى لأي تفشّي فعلي للفايروس في سورية، نظراً لحالة الضعف المزري الذي يُعاني منه، وخاصة في مناطق المعارضة ثم مناطق الإدارة الكردية. 

ويُلاحظ أنّ التحرك الدولي ما زال محدوداً للغاية فيما يتعلق بمكافحة الفايروس في مناطق الشمال السوري، وهي من المناطق الأعلى كثافة سكانياً بين كل المناطق السورية. وترتبط محدودية هذا التحرك ببيروقراطية المنظمات الدولية، وبضعف أولوية سورية على برامج عملها أصلاً، ويضاف إليها طبيعة أنظمة الحوكمة في مناطق الشمال السوري. 

الحواشي

1- حساب روزماري ديكارلو على تويتر، 21-3-2020  

2- كوفيد-19: الأمين العام يوجه نداء لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، أخبار الأمم المتّحدة، 23-3-2020، 

3- مع تزايد مخاطر الوباء الفيروسي العالمي، بيدرسون يدعو الأطراف السورية لوقف كامل وفوري لإطلاق النار، أخبار الأمم المتّحدة، 24-3-2020 

4- خبر على صفحة الحكومة السورية المؤقتة على فيسبوك، 14-3-2020

5- مقابلة مع أحد السكان في منطقة عفرين شمال حلب، مركز جسور للدراسات، 1-4-2020. 

6-كورونا.. تركيا توزع منشورات توعية على سكان عفرين السورية. وكالة الأناضول، 20-3-2020 

7- حساب الحكومة السورية المؤقتة على تويتر، 4-4-2020 

8- روسيا ترسل سفينة محملة بسيارات إسعاف باتجاه سوريا بعد تفشي كورونا". رويترز، 24-3-2020 

9-"وكالات الإغاثة تسعى لمنع تفشي كورونا المستجد في شمال، فرانس 24، 8-3-2020 

10- مقابلة مع مدير قسم التواصل والمناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية سامز، فادي حكيم، مركز جسور للدراسات، 1-4-2020.

11- مقابلة مع مدير قسم التواصل والمناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية سامز، فادي حكيم، مركز جسور للدراسات، 1-4-2020. 

12- الصليب الأحمر الدولي يبدي استعداده لمساعدة سوريا في مكافحة تفشي كورونا، روسيا اليوم

13- وكالات الإغاثة تسعى لمنع تفشي كورونا المستجد في شمال غرب سوريا، فرانس 24، 8-3-2020

14-  تحليل IRC الجديد يكشف عن خطر أن معدلات انتقال الفيروس التاجي في مخيمات اللاجئين، لجنة الإنقاذ الدولية، 1-4-2020

15-  كورونا: لجنة التحقيق تحذر من كارثة في سوريا إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة للتصدي للفيروس، أخبار الأمم المتّحدة، 28-3-2020

وسوم: العدد 872