خورطقت النغم الشجي واللحن الذي لا يمل

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

سكب أستاذنا الكاتب المبدع

محمد عثمان محمد جبرالله

عن تلك الإيام الخوالى عن فأنشد يقول :

خور طقت الفيحاء أمنا الرءوم , مجدنا التليد , حلمنا الموءود , و فرحتنا التي لم تكتمل. والتي كم رفعنا شعار ( سنعيدها سيرتها الأولى) وليتنا نفعل .

خور طقت أيتها الغانية من أين لك هذا الألق ؟ من أين لك بهذا السحر ؟ من أين لك هذه الجاذبية ؟ حقيقة أن لكي تأثير بالغ ولكي جاذبية تفوق الجاذبية الأرضية . لأن جاذبيتك تتحدي الزمان والمكان . فعشاقك من كل الأعمار، من كل الأجناس و على اختلاف اللهجات والسحنات . فقد كنت الوعاء الجامع والبوتقة التي ذابت فيها كل العناصر وصارت نسيجا واحدا زاهي الألوان زاده إختلاف ألواننا حسنا على حسن فصارت كسجادة أعجمية تداخلت فيها الألوان والخيوط مما جعلها لوحة زاهية تسحق أن تزين بها غرف الملوك والأمراء . وأجمل ما في مجتمع طقت أنه لا يتعامل مع النعرات القبلية بتاتا , فكانت بنود التعارف المتفق عليه هي إسمك ومدينتك والمدرسة التي أتيت منها فكنا نعرف أن هؤلاء أولاد الدلنج وهؤلاء أولاد الرهد ..

وإني لجد مستغرب من أن حبك لا يخبو أبدا , وألقك لا ينتهي أبدا , فجميع عشاقك يودعونك بالدموع بيد أنهم منتقلون لما هو أعلى منك ومرتحلون لما كانوا يسهرون ليالي الشتاء الطويلة لتحقيقه .

لقد كنا الدفعة التي أعقبت الإحتفال باليوبيل الفضي مباشرة.وليتكم تعلمون كم كان إنبهارنا بما كان يحكى لنا من زملائنا عن أحداث اليوبيل الفضي . وأن كيف قام الخريجون بتغيير جميع معدات المدرسة ، وأن هذه الأكواب المصنعة من الميلامين وعليها شعار المدرسة ، وهذه الصحون والطاسات كلها من خيرات اليوبيل الفضي . بل تم صرف ردائين وقميصين بالمقاس لكل طالب , وتم تغيير جميع السرائر .

لقد وصفوا لنا مشاركة الخريجين الأوائل في الإحتفال باليوبيل الفضي. كيف ناموا في الداخليات وكيف شاركوهم تناول الطعام في الصفرة وكيف إستعادوا ذكرياتهم من مرح ولعب ،ورجعوا طلابا أشقياء ، قاموا بإعادة الشريط كاملا . وهم الكبار في كل شيء سنا ومكانة وشأنا , كيف لا ومنهم خريجي أول دفعة ومنهم المهندس والمدير والطبيب والتاجر, وبمعنى آخر فهم أكبر من أن يعيشوا حياة الداخلية الصعبة ، يأكلون معنا الفول والعدس وطبيخ البامية القرون بالرغيف . ولذلك كنا نستمع لهم بشف ومتعة بالغة ونسأل بعض الأسئلة الساذجة. معقول دكتور فلان كان معاهم ؟؟؟ والمهندس علان نام في سريري دا ذاتو ،وعمك فلان لعب كرة السلة ؟؟؟ كنا نستغرب ونتعجب من شغفهم بخور طقت ولم ندر أنها تأسر كل من تطاول ودخل من بوابتها العريقة العريضة والتي لا يدخلها إلا المميزون. بل وما يزال من بقي منهم على قيد الحياة متيما ومفتونا بحبها والذي لم تستطع جميع المحطات الأخرى من إزاحته .وها نحن نقع في نفس الكلبشات ونحن الذين كنا نعتقد بأنها سوف تكون مثل كل المحطات السابقة خصوصا إننا تخطينا المرحلتين السابقتين بسلام ولم نحتفظ منهما إلا بالقليل من المواقف الهزلية أو المضحكة وأحيانا شر البلية ما يضحك . وكما يقال في المثل السوداني { كان الكرامة فأتتك إتمرمغ في ترابها ) وها نحن قد تمرمغنا في تراب اليوبيل الفضي . وقد عرفنا بأن اليوبيل الذهبى بعد ربع قرن إن شاء الله ، وبحساباتنا البسيطة رأينا أن هذا لجد بعيد ولكن لو ربنا مد في العمر سوف نأتي مع الخريجين هذا لو فضينا أو سمحت ظروفنا بذلك . لأننا لم نكن ندري بأن العدوى سوف تمتد إلينا ونكون من الأسرى ونكون من العشاق .وكانت أهم ما فاتنا في ذلك الأحتفال هو الليلة الساهرة الكبرى والتي تغنى فيها لفيف من فناني كردفان وأجمل ما فيها تلك الوصلة التي قدمها تيمان الدونكي وتغنوا فيها بالرائعة التي نذكر منها :

بين المدارس أنت الأميرة

فرص النجاح أمامنا وفيرة

لي طقت أمانينا الكثيرة

وكم حكي لي الأخ مكي محمود والذي كان ملح تلك الأمسية حيث أدى فاصلا غنائيا رائعا أبدع فيه أي ما إبداع, كيف لا وهو الذي يملك صوتا شجيا ويعتبر من أجمل الأصوات التي مرت على خورطقت حتى لقب بابن البادية ،وبهذه المناسبة أهنئه بالحصول على درجة البكالوريوس في القانون . ولقد كان الأخ مكي معنا في داخلية دقنة وكنا نتحصل في ليالي الداخليات على الدرجة الكاملة في فقرة الغناء الحديث . (فكما دوام الحال من المحال فقد ترك الأخ مكي مجال الفن تماما رغم تمكنه في هذا المجال )وعلى ذكر ليالي الداخليات فقد حدثت لنا حادثة طريفة جدا, فكما هو معلوم فإن جدول الليالي يعد قبل فترة كافية لتعرف أي داخلية ميعاد ليلتها .وعادة ما يكون الإستعداد في منتهي السرية

حتي لا تتسرب مواد الليلة ويذاع سر الليلة وتفقد بريقها عند التقديم . وخاصة المسرحية الرئيسية تعامل كالعروس , يجب أن تحجب من الجميع حتى أفراد الداخلية الغير مشتركين لا يعلمون عنها شيئا إلا في عرض البروفة الأخير .وفي تلك السنة وفي الميعاد المحدد بدأنا التجهيزات المطلوبة وأولها وأهما المسرحية الأساسية لأنها تحتاج لحفظ وإخراج وإعداد, فلذلك إخترنا مسرحيتنا الأساسية بعناية تامة وبدأنا البروفات بسرية تامة وجودناها تماما . .وكانت مسرحية جميلة وكنا مسرورين جدا بتلك المسرحية وكنا متفائلين بأننا سوف نحرز بها درجة عالية ،

وتتكون الليلة من مسرحية أساسية واحدة وهزلية وفولكور وتراث شعبي وغناء شعبي وغناء حديث ومنوعات مختلفة بحيث لا تزيد مدة العرض عن ساعة ونصف. ولكل جزء من الحفل درجة محددة ترصدها لجنة التحكيم المناط بها تحكيم الليلة .وتقريبا كنا قد أكملنا استعدادنا لتلك الليلة . وكانت داخلية ود تكتوك قبلنا مباشرة في الترتيب وجاءت ليلة ودتكتوك لنفاجأ بأن مسرحيتنا المصون والمحفوظة نصا وإخراجا وإعداد هي بشحمها ولحمها تعرض أمامنا ،فانهارت أمالنا وتبددت أحلامنا وكما يقال في المثل( الضحك شرطنا) فاضطررنا لعمل ورشة عمل مستعجلة للخروج من هذه الورطة .وفعلا كونت ورشة العمل من الزملاء الأعزاء المهندس المليح البشير من عنبر فور والأخ إبراهيم عبدا لودود كرداوي من عنبر سكس وشخصي الضعيف من عنبر فور لعمل أي شيء وفعلا بدأنا في تعديل مسرحية أمدنا بها الزميل بشير فرح بريمة من عنبر فايف . فبدأنا في معالجتها إلي أن أنقذنا الزميل محمد النور جبريل وكان رئيس الداخلية بمسرحية من تأليف الكاتب محمد مفتاح الفيتوري , وكانت بعنوان أحزان أفريقيا ، وكانت قد قدمها طلاب الأبيض الصناعية بقيادة الطالب الدقوني والذي ساعدنا كثيرا في إخراجها . وفعلا قد كانت مسرحية رائعة قدمناها بصورة رائعة . أنستنا مسرحيتنا المنهوبة بواسطة ودتكتوك . وعلمتنا ألا نبكي علي اللبن المسكوب .وكان المفروض أن نحرز بها المرتبة الأولى ولكن للأسف منحونا المركز الثاني .

وكما ذكرت لكم عندما تحسرنا على فوات الإحتفال باليوبيل الفضي ,خففوا علينا وواسونا بأن اليوبيل الذهبي علي الأبواب وسوف يأتي بعد ربع قرن إن شاء الله وبرغم استبعادنا لذلك التأريخ ,إلا أنه قد أتى . وفعلا صدق من قال إن غدا لناظره قريب فهاهو الموعد يحل ولكن أين طقت ؟ أين منارة الغرب ؟ أين منجم الرجال أين منبع العلم ؟؟

فهاهي الضمائر الميتة , والأحاسيس المتبلدة ، والأيدي العابثة تمتد وبدون أدنى حياء لتجتث صرحا شامخا وإرثا قيما وجزءا مهما من تأريخ السودان . امتدت تلك الأيادي الآثمة وفي ليلة ظلماء لم يطلع فيها بدر لاقتلاع ذلك الشموخ وتلك الأبهة خور طقت.

في نفس الليلة وكما يفعل الغزاة الهمجيين عندما يدخلون العواصم المنيرة صاحوا في الطلاب أن أخرجوا وليحمل كل منكم ما خف حمله ولا يلتفت للخلف وليذهب لأي مدرسة يختارها . والغريب في الأمر كان ذلك في شهر يناير وهو تأريخ ميلاد خورطقت .

طيب لا مانع ولكن دعونا نكمل العام ولم يبق منه إلا شهرين , لا بل الآن !!! وفعلا تمت المؤامرة الدنيئة والتي سوف يلاحقهم عارها وخزيها أبد الآبدين . ولك العتبى حتى ترضى أبننا حمد محمد حمد فلقد أشتد بك الغيظ ورفضت استبدال منارة الغرب أميرة المدارس بأي مدرسة في السودان ,وفضلت حمل ما خف من متاعك وتوجهت لقريتك رأسا وصرت تاجر خضار فليبارك لك الله في رزقك وليعوضك الله خيرا وليؤجرك في مصيبة خيرا . فعلا إنها مصيبة .

هذه لوحات فنية قل أن يجود الزمان بها وكذلك فإن كثير من جيل اليوم يجهلوا تلك السنوات هذه الإبداعات الثقافية التى لا نزال نتفيأ ظلالها عبر تلك الأحقاب الزمنية !!!ليتنا نعيد سيرة تلك الإيام !!!