الثورة السورية، والرِّهان على خِيارات الآخرين
الثورة السورية، والرِّهان على خِيارات الآخرين
محمد عبد الرازق
ما لذي تنوي ( تركيا ) فعله بعد إسقاط سورية إحدى طائراتها ( f4 ) في منطقة ( راس الذيب )، و من قبلُ أصابت لها طائرة إطفاء فوق أحراش ( خربة الجوز )، هل ستقدم على توجيه ضربة عسكرية تنتقم فيها لشرفها الذي أهانته كتائب ( الأسد ) في أكثر من مرة، أو هل ستقوم بتفعيل اتفاقية (أضنة ) الموقعة معه في عام ( 1998م) في جعل منطقة عازلة و منزوعة السلاح من جهة سورية بعمق (خمسة كم )، أو هل سترد بطريقة غير مباشرة من خلال تسهيل وصول السلاح إلى المعارضة السورية، و ما إلى ذلك من التساؤلات التي صارت تدور في مجالس المعنيين بالشأن السوري هذه الأيام.
ولماذا هذا التقاعس من جانب الغرب في الموضوع ذاته، أين حقوق الإنسان، هل مات الضمير الأوروبي الذي كنا نسمعه عن رهافته الشيء الكثير، لماذا لا يتعاملون مع المواطن السوري كما يتعاملون مع الحيوانات التي أصبحت قصص جمعيات الرفق بها موضوع تندر؛ لدرجة أن كثيرًا من أبناء جلدتنا قد شرَّعوا وجوههم صوب شطآنهم، قائلين: إذا كان هذا شأنهم مع الحيوانات؛ فما بالك مع الإنسان؟
و لماذا هذا البرود الأمريكي في أمر كُنَّا نظنُّ حرارة الصيف ستسرع من التعاطي معه بعد سبات شتوي قاسٍ مرَّ على أبناء سورية، كانت فيه حرارة تصريحاتهم أشدَّ منها الآن؟
و لماذا هذا التخاذل الرسمي العربي ممثلاً في جامعة الدول العربية، ما عدا بعض المواقف الخليجية التي حرَّكها قيظ الصيف اللاهب الذي تمرُّ به جزيرة العرب هذه الأيام، و لا سيما أن نظام الأسد كان قد توعدهم بقدومه مبكرًا إذا ظلوا على مناكفته؛ نصرةً للشعب السوري، و ها هي قد أدارت له ظهرها، و قالت له، و لسيدته ( روسيا )، و ولية نعمته ( إيران ): ( تبًا لك، و لوعيدك الأخرق، لقد ولَّى زمان كُنْتَ تُمنينا فيه بالأمن؛ فإذا به خوف كُنْتَ تُصدِّرهُ لنا ).
أين هي مواقف دول الربيع العربي، لقد خذلتْنا، و كانتْ لنا سرابًا تعلَّقنا به، ما عدا ما كان من الشقيقة ( ليبيا ) من دعم مادي لم نرَ منه الشيء الكثير، أمَّا تونس الخضراء بـ ( منصفها المرزوقي )، فلا فُضَّ فوها على الحِكَم التي أغدقت بها علينا، و أمَّا مصر فيبدو أنها ستعيد توجيه البوصلة بعد فوز (مرسي).
هذه التساؤلات، و غيرها كثيرًا ما نسمعها في مجالس السوريين، و هي لا تخلو من العتب المرِّ على أشقائهم، و أصدقائهم، و حلفائهم، فلقد مضى على مأساتهم ( عام و نصف )، و مازالوا يأمِّلون خيرًا في المواقف التي ستهب مناصرة لهم في وجه أعتى نظام ( أمني، و عسكري ) شهدته المنطقة، و ما زالت الأسئلة حيرى في عقولهم:
هل هذا ما كنَّا نتوقعه منه؛ لقاء مطالبتنا بالإصلاح في أول أمر الثورة، و هل هذه حساسية الغرب و أمريكا من ظلم الحكام، و جبروتهم تجاه شعوبهم، و هل هذه نخوة العرب التي قرأنا عنها الكثير في كتب التاريخ؟ و هل ، و هل ، و هل؟
إنَّ هذه التساؤلات، و غيرها من علامات التعجب من المواقف التي رأيناها على مدى أيام عمر الثورة السورية، ينبغي لنا أن نكفَّ عنها، فمن لم تُحرِّكه مآسي سورية لن يوقظ ضميره أيُّ شيء بعدها، و من لم يسمع آهات الثكالى، و صرخات اليتامى، و توجعات المكلومين، و ندب الأمهات على أمواتها؛ فلن يسمع بعدها أبدًا. لقد بلغت صرخات السوريين عنان السماء في جمعة ( خذلنا العرب، و المسلمون)، و جمعة ( إذا خذلنا الحكام؛ فأين الشعوب؟ )، و لو أراد أهل الأرض أن يسمعوها لكان لهم ذلك؛ فَدَعوهُمْ و شأنَهم.
لذا فما عليكم أيها ( السوريون ) إلاَّ أن تعودوا إلى حاضنتكم الطبيعية، فتستنهضوا هِمَمَ شعبكم، و تفجروا طاقاته، و تستثمروا ما حققتموه من انتصارات على نظام ( البطش، و الاستبداد )، و من آزره، و تحالف معه، و هي كثيرة جدًّا، تفوق الحصر، و العدَّ، و أديروا ظهركم لمن خابت مساعيكم في توجيه اهتمامه نحو عدالة قضيتكم، فالمواقف الدولية ليست مجانية، بل تحكمها المصالح، ثم المصالح، ثم المصالح؛ فمن يبعك اليوم موقفًا يريد منك ثمنه غاليًا في قابل الأيام، و دونكم التاريخ القريب، و البعيد لتقرؤوا منه الشيء الكثير عن الأثمان التي دُفِعت للمواقف التي كانت من هذه الدولة، أو تلك تجاه الشعوب التي اُضطرَّت للقبول بها في لحظة ضعف، فهل يعجبكم أن ترهنوا قراركم في المستقبل لِمن لم يعرف في حياته إلاَّ البيع ( العاجل )، و بفائدة تربو ما على دُفِع أضعافًا كثيرة، هل يسركم أن يجلس من يمثل سورية (الشعب ) في أي مؤتمر تُدعون إليه؛ فيقال: هذا من جاء على ظهر دبابة، و من أُنزِلَ بمظلة فوق القصر الجمهوري في قاسيون، ألا تزال ذاكرتكم مشحونة بقصص من هذا؟
و قديمًا قالت العرب: ( ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك؛ فتولَّ أنتَ جميعَ أمرك ).
و قالت جموع المتظاهرين: إذا ما جابها ربُّك؛ بلاها.
و نحن نقول: لا ترهنوا مستقبل أولادكم؛ برَشْفَة من كأس أعماركم.