مراعاة المصالح في التعاطي مع الأزمة السورية

مراعاة المصالح في التعاطي مع الأزمة السورية

محمد عبد الرازق

( الولايات المتحدة، لا يعنيها من يكون الرئيس القادم في مصر، ولكنها تهتم بمصالحها في منطقة الشرق الأوسط ومصالح حليفتها إسرائيل ). بهذه الكلمات لخص (مويس بون أميجو) مدير حملة المرشح الرئاسي الأمريكي (ميت رومنى) عن الحزب الجمهوري منطلقات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

 و بالنظر إلى الحالة السورية إنطلاقًا من ( أن أمريكا لا تخاف من صعود الإخوان للسلطة، ولكن تخشى على مصالحها فقط )، يمكننا فهم التعاطي ( البارد ) من قبلها فيما يحصل من توحّش مفرط لنظام الأسد ضد شعبه المنتفض من أجل استعادة حريته التي فقدها منذ مجيء نظام الأسد ( أبًا، و ابنًا ).

 فأمريكا تنظر إلى الساحة السورية؛ فلا تجد لها مصالح تذكر تجعلها تحزم حقائبها، و تتجه لتحطَّ في ساحة (الأمويين )، و تنزل ( هبل ) سورية على مرأى من الحشود، كما فعلت في ساحة ( الفردوس ) مع تمثال ( صدام )؛ و السبب واضح في ذلك، و لا يحتاج إلى كثير من إعمال الفكر، و الذهاب شرقًا و غربًا في البحث عنه، لقد قالها (الطيب أردوغان) من بدايات الأزمة: ( ليس هناك ما يدفع العالم للحماس من أجل الذهاب إلى سورية مناصرة للشعب السورية على غرار ما كان في ليبيا؛ ليس في سورية نفط يسيل اللعاب ).

 و لذلك على السوريين أن يتحملوا تبعات بالنظر إلى موضوع النفط، فضلاً على إفقارهم من قبل نظام الأسد ( أبًا، و ابنًا ).

 و عليه فإنها تركتهم لقدرهم، مكتفية بتصريحات خفت حدتها مع مرور الأيام؛ فمن ضرورة الرحيل، و فقدان الشرعية، و عدم إمكانية النظر إلى وجود ( الأسد ) على طاولة الحل، وصولاً إلى المفاوضات مع ( روسيا ) حول إيجاد أفضل السبل لتطبيق خطة عنان؛ بالقفز فوق بنودها، من غير شرط التسلسل في تنفيذ بنودها.

 أمَّا فيما يتعلق بالموقف الروسي؛ فإنّ الأمر لا يشي بكثير حرص على مصالحهم في تعاطيهم مع الملف السوري؛ و لا أدلَّ على ذلك من عدم النظر في النتائج المتحصلة على المدى القريب، فها هي مصالحهم التجارية قد أصبحت مهتزة في أكبر سوق خليجية ( السعودية )، و في الداخل السوري فإن عموم المواطنين ما كانوا يرون في البضائع الروسية ما يغري على الاقتناء، فكيف و قد أصبحت روسيا متورطة في نزاعهم مع نظام ( الأسد )؛ و لذلك فإن الأمر سيكون أشدَّ سلبية في النظر إليها مستقبلاً.

 فعلى المدى البعيد تدل المؤشرات جميعها إلى أن ( روسيا بوتين ) قد أصبحت غارقة في المستنقع السوري على الرغم من ضحالة مستوى مائه، و لاسيما أن الأمور تتجه نحو الحسم من كلا الجانبين، مع ملاحظة أن ميزان القوى آخذ في الميل نحو كفة الحراك الشعبي ، و لن تتعدى أن تكون نهاية ( الأسد ): ( قذافية، أو شاوسيسكية )؛ و عندها قد لا تتسع السفن الروسية لترحيل كثير من رعاياها الذين لم يعودوا في موضع ترحيب و قبول لدى فئات كثيرة من السوريين الذين دُكت بيوتهم و قراهم، و ودَّعوا أبناءهم إلى مثواهم الأخير على وقع قعقعة السلاح الروسي المورد حديثًا إلى النظام، فقد قصفت ( حمص ) في اليومين الأخريين بنوع من الصواريخ يقول الخبراء: إنه لم يكن موجودًا في مخازن الجيش السوري من قبل.

 فما الذي يبقى للإشارة إليه من مراعاة المصالح في التعاطي مع الأزمة السورية ؟

 يبدو أنه لم يبق إلاَّ مراعاة المصالح ( الإسرائيلية ) التي جاء ذكرها مقترنًا بالمصالح (الأمريكية) في كلام مدير حملة ( ميت رومني )، و ليست هذه المصالح بعيدة عن تعاطي الروس مع الأمر، و هو أمر بات من الوضوح بحيث لم يعُد الخلاف فيه ذا جدوى، و ليس ببعيد أن تندرج زيارة ( بوتين )، و هي الثانية له منذ عام ( 2005م)، اليوم (الاثنين:25حزيران ) إلى ( إسرائيل ) ضمن البحث فيها؛ و لا سيما في ظل اقتناع بات موضع إجماع بخروج ( سورية ) من دائرة الصراع معها ـ مؤقتًا ـ ؛ إذْ تشير التقديرات الأولية إلى انشغال السوريين بإعادة التأهيل لمدة لا تقل عن ( عشر سنوات )، و بتكلفة مادية تتجاوز (العشرين مليار دولار) بالحد الأدنى؛ ناهيك عن فقدان المؤسسة العسكرية المساندةَ الشعبية التي يجب توفرها عند خوض الجيوش في أي حرب مع العدو؛ بسبب زجها في أتون الصراع الداخلي الذي لم يفلح النظام في إنهائه رغم توفر ( فائض القوة ) لديه؛ هذا فضلاً على ما أخذت تشهده من تفكك و انقسام ينذر بإنهائها، و فقدان فاعليتها في خدمة ( الأسد ) فيما يسعى إليه من السرعة من الحسم العسكري بحسب الرسالة التي أخطر بها ( عنان ) في ( 15 حزيران )، فها هي مهلة ( اليومين) قد انقضت، و النتيجة أشدَّ استفحالاً عليه من قبلها؛ فخسائره في ازدياد، و نوعية الانشقاقات تطورت إلى نوع آخر ( انشقاق طيار مع طائرته، و زيادة عدد الطيارين الواصلين إلى الأردن إلى تسعة، و انشقاق كتيبة بكامل ضباطها ـ لواء، و عقيدين، و رائدين، و ملازم، و ثلاثة و ثلاثين جنديًا )، و دخولهم إلى تركية مع عوائلهم، و نجاح الجيش الحر في تنظيم صفوفه، و تحسن تسليحه نوعيًا، و كماً؛ ممَّا جعل سيطرته على الأرض تزداد، و تتمكن.

 و الغريب في أمر مراعاة المصالح الإسرائيلية أنها موضع اتفاق من قبل الجهات الثلاث: أمريكا، و روسيا، و النظام ( تصريح رامي مخلوف: أمن إسرائيل من أمن سورية ).

 و السؤال في ظل ما تقدم: هل أصبحت ( إسرائيل ) مقتنعة برحيل ( نظام الأسد )، أم أن هناك ما تزال تخشى من وجوده على مصالها، و هي بانتظار إخراجه من دائرة الهواجس و المخاوف لديها؟