أَنقِذُوا سُمعةَ الطائفة؛ فإنَّها على المِحَكّ

أَنقِذُوا سُمعةَ الطائفة؛

فإنَّها على المِحَكّ

محمد عبد الرازق

ما تزال الذاكرة مشحونة بما فعلته قوات الردع ( السورية) من خراب، و بما قامت به من نهب، و سلب، و هتك الأعراض في لبنان، و الشيء نفسه قامت به القوات العراقية عندما اجتاحت الكويت؛ و قد سببت هذه التصرفات شرخًا، يصعُبُ تجسيره على المدى القريب.

 و يفسَّر هذا السلوك بالميل إلى نزعة ( التسلط، و الغلبة ) التي ينتشي بها( القوي ) عندما يرى (غريمه) يطلب النجاة بنفسه؛ فيتولَّد لديه الرغبة في قهره، فيفرغ فائض القوة لديه بالقيام بهذه السلوكيات، التي لو وجد ما يردعها لما أقدم على شيء من ذلك.

 و عودًا على بدء، إلى ما يحصل في سورية من الحراك الشعبي، و ما يواجهه من فائض القوة لدى ( نظام الأسد )؛ و لا سيما بعد سعيه لتوريط الطائفة العلوية في إخماده؛ فباسمها يقع الكثير مما يباعد بينها وبين الأغلبية السنية، فالنظام يبني ما يقوم به الآن على تجربته التاريخية في حرب لبنان الأهلية، ويحاول خلق حالة من الرعب والخوف الأهلي، الذي يمنع أيًّا من أبناء الطائفة العلوية، والأقليات الأخرى من الانشقاق عنه.

 لقد ضخ فيهم من الدعاية ما جعلهم يقولون: إنهم يشعرون أنه لا يوجد أمامهم خيار سوى دعم الأسد؛ خوفًا من أعمال قتل انتقامية، لمجرد انتمائهم إلى طائفة الرئيس، في ظل تحول الانتفاضة بشكل متزايد إلى صراع طائفي، فالسنة تعرضوا للاضطهاد، لكن العلويين سيكونون هم الضحايا لمجرد كونهم و الرئيس من الطائفة نفسها.

 و مثل هذه الهواجس أمر يعي قادة الحراك خطورته، فهم يعرفون أن النظام سيستخدم ورقة الطائفة العلوية بصورة أساسية لإبقائها متباعدة عن بقية السوريين؛ و هذا ما يجعل التوجه إلى الطائفة العلوية، وعدم القيام بممارسات قد تصب في مصلحة النظام، أمرًا رئيسيًّا في تقدم الثورة.

 و مع ذلك نجح النظام في شيء من ذلك؛ فما تزال الطائفة بعمومها تؤازره، و تسانده؛ لا بل أصبح أبناؤها في المناطق ذات التنوع الطائفي ( حمص، و مناطق سهول العاصي في حماة، و إدلب) يقومون بأعمال ستحتفظ بها ذاكرة السوريين لفترة ليست قصيرة من الزمن. و لقد تمَّ توثيق الكثير من صور تلك المجازر، ناهيك عن مئات مقاطع الفيديو لمشاهد القتل و التعذيب التي صورها أفراد الشبيحة أنفسهم، و قاموا بنشرها لبث الرعب، و الذعر في نفوس السوريين، معيدين في ذلك إلى الأذهان ما كان من حكايا عن الحشاشين.

 و تبعَ ذلك إطلاقُ النظام يدَهم في المناطق، و الأحياء، و القرى التي يتمُّ اجتياحها في عموم سورية؛ فقاموا بسلب كل ما تقع يدهم عليه، و أخذه إلى مناطقهم؛ على أنه ( فيء، و غنيمة ) من خصومهم. و لقد توترت الأخبار عن أن الذين قاموا بسلب البيوت قبل حرقها هم من فروع ( الأمن العسكري )، و لهجتهم تشير إلى أنهم من ( الطائفة العلوية )، ناهيك عن أن من كان يرافقهم من قوات الجيش من الطوائف الأخرى، قد تبرأوا من فِعالهم تلك، و غمزوا من قناتهم، و أشاروا بما يوحي إلى طائفتهم.

 و عادة ما يكون ذلك بعد أن يعيثوا فيها خرابًا و دمارًا، يأتي على ما تبقى منها بعد القصف العشوائي الذي لم يُستثنَ فيه أيُّ نوع من أسلحة جيش النظام، المعدّ أصلاً لحروب الجبهات الخارجية؛ فلقد بلغ الدمار في المدن السورية على يد ( نظام أسد ) حدًّا يصعب وصفه، كما قال (مود ) في مؤتمره الصحفي (الجمعة: 22حزيران ).

 فها هي (أحياء حمص السنية الستة عشر) قد تحولت إلى ركام، و ما عادت تصلح للسكن، و تمَّ تهجير مئات الألوف من أهلها (كان يعيش في حمص نحو مليون شخص، أما الآن فإن نصفهم على الأقل قد فرَّ منها)، و انقسمت المدينة على نفسها، فإلى جانب المنازل المحترقة والمتداعية، هناك أحياء محمية جيدًا (ثلاثة أحياء) تعيش فيها الأقلية العلوية التي تساند النظام بكل شراسة، و منها تقصف الأحياء المعارضة، و تبدو كقواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية، ولم يعد مكان المدفعية في ثكنات الجيش على مشارف حمص، وإنما وسط أحيائهم، وتكون القوات مستعدة لتحريكها، وإطلاق النار على مناطق سكنية (سنية).

 وإلى جانب قوات النظام الرسمية، فإن المئات من الميليشيات الموالية (الشبيحة) تنتشر في مناطقهم، و هم يجوبون الشوارع مرتدين زيًا عسكريًا للتمويه، ويتحدثون بازدراء عن الجنود ( النظاميين )، ويرون أنهم يتعاملون مع العدو بحذر شديد.

 كتبت رويترز تقول: (حين تتطلع من فوق الأسطح في مدينة حمص السورية يتجلى ميزان القوة بوضوح؛ ففي بعض الأحياء هناك حركة دائبة للأفراد والسيارات، وفي أخرى لم يعد هناك سوى منازل خاوية اخترقتها القذائف).

 و ينقل المراسل عن أحدهم قوله: (هؤلاء الآخرون هم الإرهابيون.. أستطيع أن أخبرك بما يحدث: إنها الحرب).

 : بهذا المنطق ( منطق الحرب ) أباح هؤلاء لأنفسهم أن يسطوا على البيوت، و المتاجر، و يأخذوا ما وقعت عليه أيديهم؛ فهو غنائم ( حرب ) من خصومهم في تلك الأحياء، و هم يُسمُّون مكان بيع تلك المسروقات ( السوق السُّنية للغنائم ).

 و يضيف قائلاً: ( مع تساقط الصواريخ، وتردد أصوات إطلاق النار في مدينة حمص يسرق موالون متشددون من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد بضائع من أحياء محطمة يعيش فيها السُّنة الذين يشكلون أغلبية في سوريا، ويقودون الانتفاضة ضد الأسد، وأصبحت محلات البقالة والمتاجر أسواقًا للبضائع المنهوبة ).

 و في جولة له في تلك الأحياء يلتقي بعدد من أبنائها، و ينقل عنهم رأيهم حول ما يحصل:

 تقول امرأة ( تبلغ من العمر خمسين عامًا)، وهي تسير في متجر يبيع الآن أثاثًا مسروقًا: ( قد أقتنص صفقة.. وجدت طاولة مطبخ جيدة بالفعل، ومصنوعة من خشب قديم رائع.. لكنه يريد مائتي دولار ليبيعها، عادة ما تكون أسعار قطع الأثاث حوالي خمسين دولارًا، أو أقل، وتباع الملابس والأحذية بسعر يتراوح بين خمسة دولارات، وعشرين دولارًا، وكل شيء قابل للمساومة ).

 و تجادل المرأة البائع وتقول له: (هذه هي غنائم الحرب ومن حقنا أخذها).

 و يقول أيمن ( شاب يبلغ من العمر خمسة و عشرين عامًا): ( هذه ليست سرقة.. إنه حقنا.. هؤلاء يدعمون الإرهاب وعلينا القضاء عليهم، أرسلنا قائدنا في اليوم التالي إلى مكان بالقرب من المركز الثقافي. كان متجرًا لبيع الأجهزة الالكترونية، مثل أجهزة التلفزيون والثلاجات وما شابه، عملنا فيه لثلاث ساعات ننقل الأشياء ونخزنها، حصلنا على عشرة آلاف ليرة، وجهاز تلفزيون،لم لا ؟ ).

 و يقول محمود (وقد ارتسم العبوس على وجهه.)، وهو بائع خضروات خارج المتجر، و أصبح يبيع سلعًا مسروقة: ( ليس الكل سعيدًا بهذا الأمر، إنهم حثالة المجتمع؛ الآن سينظر إلى العلويين على أنهم لصوص).

 وقال حسن (وهو بائع أثاث ): ( جاء رجل أعمال من (ميناء) طرطوس الأسبوع الماضي، واشترى بضائع بقيمة ثلاثة ملايين ليرة من السلع المسروقة، ونحن سعداء بهذه الصفقة.. ففي نهاية المطاف أنا رجل أعمال والناس تشتري، و لا يهمها من أين نأتي بالبضاعة، المهم السعر المناسب ).

 هذه ( يا أبناء الطائفة العلوية ) الصورة التي نقلتها وكالات الأنباء عن تصرفات أبنائكم في ( حمص )، و هي نموذج عمَّا كان منهم في مناطق ( سورية ) الأخرى. فهل هذا ما تريدون أن يترسخ في الذاكرة عن سجاياكم، و كريم طباعكم؟.

 لقد رأيتم، و رأينا التبعات التي أثقلت كاهل العراق حينما عبث جنوده بممتلكات أهالي الكويت؛ ناهيكم عمَّا تختزنه ذاكرة أشقائنا في لبنان عن مخازي قوات الردع ( الأسدية ) قبل أن تخرج مطرودة منه، و تبعها قرارات تجرع النظام زعافها، كان من أهمها: تبادل السفراء ( لأول مرة )، هذا فضلاً على ما ستشهده قضية ( اغتيال الحريري ) من تداعيات ستتعدى الضاحية الجنوبية.

 هل هانت عليكم سمعة طائفتكم؛ فلم تعودوا تأبهون لما سيُلحق بها هؤلاء الشراذم من عار الدهر، و مخازي الأيام؟.