المواجهة مع الإنجليز السمر!

المواجهة مع الإنجليز السمر!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ثورة يناير معركة متواصلة من أجل استقلال مصر عن الاحتلال الوطني ، أو تحرير مصر من الإنجليز السمر ، بعد تحريرها من الإنجليز الحمر قبل ستين عاما تقريبا . كانت المعركة مع الغزاة الأجانب قتالا وإضرابات ومظاهرات وتشجيعا للمنتجات المصرية . أما المعركة مع الغزاة المحليين فالقتال فيها محرم ، ولكن المواجهة تكون بالاحتجاج والقانون وتعميق الوعي وحمل الأكفان عند الضرورة !

الإنجليز السمر يخدمون الإنجليز الحمر بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، وغايتهم استئصال الإسلام في مصر ، وإقصاؤه على الأقل كما كانت الحال قبل ستين عاما ، والتهيئة لقبول التغريب قبولا تاما ، والتنازل عن الحرية لحساب أقليات تكره الإسلام والمسلمين والأخلاق والإنسانية ، وتتاجر بكل شيء : الكلمة والقيم والأديان والشرائع والقوانين وغيرها ، ويساعدها على ذلك جهاز دعائي يمثل قوة ضاربة تتحرك في الفضاء وعلى صفحات الصحف ، وعماد هذه الحركة هو الكذب وفقا لنظرية النازي جوبلز ، التي ترى الإلحاح على الكذب طريقا لترسيخ ما تريد من أفكار وتصورات .

في الأسابيع الماضية  رأينا سعارا محموما – لم يزل - ضد كل ما هو إسلامي ، ورميه بكل ما هو قبيح ودميم وشائه ، ووجدنا الأقليات المسعورة تتناسى كل ما تقوله عن الديمقراطية والرأي الآخر ، وحق التعبير والمشاركة ، وتتحول إلى ديكتاتورية صريحة ومكشوفة وفجة .. وتتباكى على شعار المشاركة لا المغالبة التي كانت تسخر منه وتزري به وبمن يتحدثون عنه ؛ ظنا منها أن الشعب سيختارها ، ويكافئها على ما تقوله في فضائيات الليل ،وصحف الضرار، ومنتديات الأكاذيب ..

قضيتان طرحتا على الناس ، فكانتا مثار السعار المحموم من جانب الإنجليز السمر ، مع أن التعامل معهما كان يمكن أن يتم في بساطة شديدة ويسر كبير ، الأولى هي المتعلقة بموضوع اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد ، والأخرى ترشيحات رئاسة الجمهورية ، والقضيتان كما نرى يمكن أن تحلا بالتوافق الذي يدعو إليه الإنجليز السمر ، ويتشدقون به ، ثم يزعمون أن الأغلبية لا يمكن أن تحكم وحدها ، ونسي القوم أن الأغلبية لا تملك شيئا حتى هذه اللحظة سوى مجلس نيابي لا يستطيع تنفيذ قرار اتخذه ، ولا يقدر على تعيين وزير أو خفير أو سحب الثقة من موظف في مصلحة البريد !

القوم يتهمون الأغلبية بالتكويش والاستحواذ والسطو والهيمنة بل السرقة ، وكأن القوة المسلحة هي التي جاءت بهم إلى المجلس التشريعي المجرد من القوة ، وتناسوا أن الشعب المصري الذي خرج بعشرات الملايين هو الذي انتخب الأغلبية الإسلامية ، ورفض أن يمنح تفويضه للأقليات التي تمثل الإنجليز السمر .

اللجنة التأسيسية للدستور ؛ يفترض أنها ستتوافق على نحو خمسة وتسعين بالمائة من دستور 1971 ، حيث إن هذه النسبة تضمن الحقوق والواجبات والحريات بشكل جيد ، والخمسة في المائة الباقية تدور حول شكل الدولة ونظامها ، وهل ستكون رئاسية أو برلمانية أو خليطا من الاثنين ، والعلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وهذه لن تستغرق وقتا طويلا في الصياغة والمناقشة إذا خلصت النوايا وصفت  القلوب. وقد بذل نواب الشعب والشورى جهدا توافقيا ملحوظا مع الأقليات انتهي إلى اختيار خمسين عضوا من المجلسين ، وخمسين من خارجهما ، وتمت أطول عملية انتخاب عرفها المجلسان ، وصلت إلى اختيار مائة عضو يمثلون كافة فئات المجتمع والأحزاب السياسية الممثلة تشريعيا . واستعدت اللجنة لتبدأ جلساتها لصياغة الدستور ، ولكن القوم هبوا فجأة  للإعلان أن اللجنة لا تمثل الشعب ، وأنها تعبر عن استحواذ الإسلاميين وتكويشهم ، ومغالبتهم وليس مشاركتهم.. وأريق حبر كثير على صفحات الصحف ، وحمل الهواء بيانات وتصريحات وحوارات كلها تصب في هجاء الإسلاميين وتسلطهم المزعوم . والسؤال لماذا وافقوا على ما توصل إليه النواب لانتخاب اللجنة؟ ولماذا شاركوا في هذه الانتخابات التي جاءت بهم ؟ لماذا أعلنوا انسحابهم الفج ، وكأن ما يسترو يحركهم من وراء ستار ؟ ثم أطلقوا شائعات رخيصة عن دستور جاهز ، ودستور لدولة دينية، وكأن إسلام مصر عار عليها وعلى شعبها المسلم بالعقيدة والحضارة ، ثم الإلحاح على أن التعديلات الدستورية كانت خطأ ، وأن الموافقة عليها كانت بسبب أنها تهيئ للدولة الدينية المزعومة ، ووصل الانحطاط إلى إهانة الفقيه القانوني البارز طارق البشري الذي شارك في وضع التعديلات الدستورية ، ووصفه من جانب بعض الصبية الشيوعيين بالمؤرخ الذي فقد تاريخه (؟!) .. ونسي هؤلاء أن أية لجنة تضع الدستور ، ولو كانت مكونة من حاخامات اليهود وكرادلة الفاتيكان ؛ ستعود بمشروعها إلى مجلسي الشعب والشورى قبل التصديق عليه وطرحه على الشعب المسلم للاستفتاء عليه .

إن الحرب التي يشنها الإنجليز السمر تهدف بمنتهى الوضوح والصراحة إلى إقصاء الإسلام ، وإلغاء الهوية الحضارية للأمة ، تحت مزاعم ما يسمى بالدولة المدنية ، وكأن الإسلام دولة كهنوتية أو دولة عسكرية أو دولة بوليسية فاشية مثل الدولة التي سقطت وكانوا نجوما في سمائها الملبدة بالعار والهزيمة والطغيان !

كان يمكن لو خلصت النوايا أن تلتئم اللجنة الدستورية ، وتستعين بمن تشاء من أصحاب الخبرة لصياغة الدستور وإنهاء الفترة الانتقالية ، واستقرار البلاد ، وعودة عجلة الإنتاج للدوران ، وتحرير مصر من الاحتلال الوطني ، ولكن أني لهم ذلك وهم غزاة استباحوا كرامة الوطن ، وخدموا الطغاة المحليين ، وتعودوا كراهية الإسلام وحب سادتهم الإنجليز الحمر؟

ولم تكن معركة الترشح على الرئاسة أقل من معركة لجنة صياغة الدستور ، فقد كانت الحملة على المرشحين الإسلاميين بادية البغضاء في قنوات غسيل الأموال ، وصحف الضرار ، مع الوقيعة المستمرة بين الإسلاميين والمجلس العسكري ، أو تلفيق أخبار الصفقات بين الطرفين دون دليل أو برهان ، وعندما تدخلت بعض الجهات بتسريب أنباء عن جنسية والدة أحد المرشحين الإسلاميين ، قامت القيامة ولم تقعد ،ورأينا كثيرين يقدمون دروسا مجانية في الأخلاق والصدق وعدم الكذب ، بعد أن اتهموا الإسلاميين دون استثناء بالكذب . لجأ المرشح إلى القضاء فألزم وزارة الداخلية بتقديم شهادة معتمدة أن والدة المرشح المذكور مصرية ولم تحمل جنسية أخرى  . شخص واحد فقط اعتذر للمرشح ، أما الآخرون فأصروا أن شهادة الخارجية الأميركية هي الصحيحة وواصلوا رحلتهم في هجاء الإسلاميين والإسلام !

مرشح شيوعي للرئاسة كان في أحد الأحزاب الحكومية المعارضة ، قدم طعنا ضد مرشح إسلامي حوكم ظلما أمام محكمة عسكرية استثنائية ، ويعلم الشيوعي فضلا عن عموم المصريين أن المرشح الإسلامي الذي طعن عليه بريء من التهم التي لفقت له ، وأنه كان ضحية نظام فاجر لا يعبأ بقانون أو دستور أو أخلاق .. ووجد الشيوعي فرصة غير محدودة ليبرر غدره وعدوانه على شاشات غسيل الأموال  والصفحات الملوثة !

ثم كانت مفاجأة الصندوق الأسود التي تفجرت في آخر أيام الترشيح حيث  ظهر مرشح من نظام الإنجليز السمر ، ليهدد كل من أمامه بفتح الصندوق الأسود الذي يكشف الفضائح والمخازي لأعدائه وخصومه . الشرفاء لم يعبأوا بصندوقه الأسود ، أما العملاء ، وخاصة في بعض المجالات ومنها الإعلام والصحافة فقد نكصوا على أعقابهم  وراحوا يلمعون صاحب الصندوق ويزعمون أنهم يواجهونه بما يقوله الناس ، ولكن الدنيا عرفت أن المجروحين في صحافة الابتزاز والفساد وعملاء النظام السابق في الإعلام والدعاية ، لم يجدوا مناصا غير الرضوخ للصندوق الأسود وتلميع صاحبه الذي كان جنديا مطيعا في جيش الطاغية المخلوع ، ومهاجمة قانون عزل الفلول .

لست معنيا بمن أخرجتهم لجنة الانتخابات من سباق الرئاسة ، أو مدى قبول تظلماتهم من عدمه ، ولكن الذي يعنيني أن المعركة مع الإنجليز السمر ؛ هي معركة استقلال وطني حقيقي ، يجب أن تحتشد لها الأمة دفاعا عن إسلامها وهويتها وحريتها ، ويجب ألا تسمح الأمة بتكرار ما حدث في عام 1954 ، ولو حملت الأكفان!