حول مرشحي انتخابات الرئاسة في مصر
حول مرشحي انتخابات الرئاسة في مصر

بدر محمد بدر
لا أعتقد أن من يرفض إرادة الأغلبية تحت أي دعوى يصلح ابتداء للترشح لرئاسة مصر في المرحلة المقبلة، ناهيك عن قدرته على تحقيق الفوز بالمقعد الأثير، ولا أتصور أن من لديه الاستعداد والقابلية كي يخون إرادة الشعب ويقفز عليها، قادر على تمثيله والتعبير عنه واحترام توجهاته مستقبلا، ولا أتفاءل خيرا بمن يتغنى بالحرية والديمقراطية ليل نهار، وفي أول اختبار عملي يسقط سقوطا مدويا، إنها نفس دعاوى وأكاذيب رجال العهد المستبد البائد، إذن ما هو الفرق بينهما؟!
أقول هذا بمناسبة الحوار الذي أجرته صحيفة "الأخبار" يوم الثلاثاء قبل الماضي مع الدكتور محمد البرادعي، واحتل العناوين الرئيسية للصفحة الأولى، وشعرت عقب قراءته بالصدمة ـ ويبدو أن ما يصدمني في شخصيات مصرية بارزة أصبح كثيرا هذه الأيام ـ لأنه تعامل في هذا الحوار، الذي نشر على صفحتين كاملتين، باستخفاف واستهانة مؤسفة مع نتيجة الاستفتاء، الذي حدد فيه الشعب المصري بكل وضوح طريقه نحو المستقبل، وخطوات استكمال البناء بعد الثورة.
كنت أتصور أن الدكتور البرادعي سوف يعوض عدم اقترابه من مكونات المجتمع المصري، ومعايشته لهموم وآمال وأحلام الناس، وإحساسه بآلام ومتاعب وطموحات رجل الشارع، بأنه قادم من بلاد الغرب، التي نهضت وتقدمت بفضل احترامها للرأي الآخر، والتزامها الراسخ بقيم ومبادئ الديمقراطية، وأنه ملتزم بتطبيق هذه القيمة الإنسانية الجميلة، وسوف يحترم هذا المبدأ الذي شاهده وعايشه في بلاد الفرنجة، وأنه يحلم بديمقراطية مماثلة تنقل مصر إلى المستقبل المشرق.
وأعتقد أن هذا الحوار الصحفي الكاشف، خصم كثيرا من رصيد الدكتور البرادعي لدي رجل الشارع المصري، ولدى أبناء الوطن المخلصين الأوفياء الذين يتوقون لممارسة الحرية والديمقراطية، وأعتقد أنه ربما قضى على آماله في الفوز برئاسة مصر، لأن مغازلة النخبة العلمانية واليسارية، التي لا تملك رصيدا يذكر في الشارع المصري، وكذلك الحرص على نيل رضا ومباركة الحكومات الغربية برفض رأي الأغلبية، هو رهان خاسر لا محالة، لأن مصر الثورة اختلفت كثيرا.
الأمر المؤسف حقا أن الدكتور البرادعي لا يقف وحده في هذا المربع الشائن، بل يشاركه معظم من أعلنوا رغبتهم في الترشح لانتخابات الرئاسة حتى الآن، فهل يمكن أن يحصل هؤلاء على ثقة شعب، أعلنوا بكل وضوح رفضهم لإرادته الحرة؟! وهل يمكن لأي من هؤلاء أن يزعم أنه يؤمن بالديمقراطية ويحترم الرأي الآخر، وفي نفس الوقت يسفه اختيار الأغلبية، ويستهين بآراء أكثر من ثلاثة أرباع الشعب المصري، الذين شاركوا ـ لأول مرة ـ في الاستفتاء الأخير؟!
إنني لن أصدم مرة أخرى في أي مثقف أو سياسي أو كاتب لا ينتمي بصدق إلى ضمير الأمة، ولا يعبر بحق عن أصالتها وعقيدتها وتاريخها، ولا يؤمن بوضوح بحقها الكامل في أن تعبر عن نفسها بكل حرية، ولا ينحاز بقوة إلى ثوابتها وقيمها الحضارية، بل سأبحث أولا عن رؤيته السياسية وقناعاته الفكرية، وأناقش بموضوعية أفكاره ومبادئه، ومدى تواصله مع ثقافة وحضارة أمته، حتى تكون ثقتي في محلها.
إن مصر ما بعد "ثورة التحرير" التاريخية، في حاجة إلى رئيس وطني حر، يؤمن بدورها ورسالتها وحضارتها، ويسعى من أجل رقيها ونهضتها وتقدمها، ويساعدها كي تحتفظ بقوتها ووحدتها وريادتها، ويجاهد من أجل تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي لكافة أبنائها، ويسعى إلى بناء نهضة حقيقية، قائمة على الإيمان والعلم والمعرفة والإبداع، وينطلق من ثوابت المشروع الحضاري الإسلامي، ليعمق صلتها بدينها وأمتها، ويواجه به خصومها وأعدائها.
![]()