مغالطات حول الثورة السورية

أحمد عمر العبد الله

مغالطات حول الثورة السورية

أحمد عمر العبد الله

أثار بعض المفكرين العرب استغرابي و اشمئزازي بسبب موقفهم من الثورات العربية ولا سيما السورية ، ومحاولاتهم الدفاع عن مغالطات أبسط ما يقال عنها : " غبية " فقد وصل الأمر ببعضهم للقول : إنّ هذه الثورات إنّما هي نتيجة مخطط أمريكي صهيوني يهدف إلى تغيير خارطة المنطقة و إقامة دويلات طائفية من أجل عيون إسرائيل اليهوديّة .

      طبعاً نحن لا نكذب الادعاء القائل : إنّ للولايات المتحدة مصالح وأجندة في المنطقة تريد تحقيقها وتسعى إلى تنفيذها ، كما لا يخفى علينا أنّ الكيان الصهيوني عدو لأبناء المنطقة جميعاً من عرب وترك وفرس .

ولا يخفى علينا أنّ هذا الكيان هو العدو الوحيد والمشترك لأبناء المنطقة ، ولكنّ هذا الأمر لا يعني بالضرورة أنّ هذه الثورات جاءت رغبة واستجابة للمخططات الأمريكية الصهيونية في المنطقة .

فكل عاقل متبصر يعلم أنّ هذه الثورات إنما جاءت نتيجة تراكمات طويلة من الظلم والقهر والاستعباد حتى لم يعد بوسع هذه الشعوب تحمل هذه الضغوط  ولا سيما أنها ترافقت مع سوء أحوال اقتصادية ومعيشية عاناها المواطن العربي المسكين في كل مفردة من مفردات حياته بحجة الممانعة والمقاومة وهو يرى بعينه أن الثروات تنهب وتسرق وأن الأرض مسلوبة محتلة لم يطلق النظام منذ عقود رصاصة واحدة لاستعادتها ويكتفي ببيع الشعارات .

       نعود للحديث حول المغالطات التي دارت حول الثورات العربية وهنا لابدّ من الإشارة والاستئناس برأي مفكرين عربيين معتدلين  عرفا بحبهما لأمتهما وبصدقهما في الدفاع عن قضايا الأمة القومية وهما : عبد  الباري عطوان و عزمي بشارة .

     هذان المفكران اللذان أكدا في أكثر من مناسبة أنه لا مبرر لقمع الداخل من أجل الحفاظ على مواقف ومكتسبات وطنية وقومية بل الأحرى والأجدر لنا أن نقوي الداخل ، لأن هذا الداخل هو الحامي الحقيقي وهو المدافع الحقيقي وهو صمام الأمان أمام المؤامرات والدسائس .

وكمثال على ذلك إسرائيل التي تعيش حرية لا مثيل لها في العالم وسط محيط من الأعداء وهي صاحبة باطل . طبعاً حرية بين أفراد المجتمع الصهيوني ، أما مع العرب فهي تمارس عنصرية مقيتة و اعتداء لا مثيل له إلا في سوريا ضد الثوار للأسف .

      فيجدر بحكامنا العرب أن يقيموا العدل والحرية بين شعوبهم ، و إذا أرادوا أن يمارسوا القسوة والعنف فليمارسوا ذلك على العدو لا على أبناء البلد .

نتابع الحديث عن هذه المغالطات التي دارت حول الثورات العربية ، هذه الثورات الشعبية أقول : الشعبية, وليست الإسلامية والسلفية والعصابات و المندسين . تسميات عدة حار النظام أيها يطلق على الشعب الحر الأعزل .

     أقول وبكل صراحة حاول بعضهم التقليل والتقزيم لهذه المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي خرجت تحت شعار واحد

الحرية

أرادها الشعب حرية ممزوجة مع كسرة الخبز ، أرادوها حرية تحفظ لهم عزتهم وكرامتهم .

     أراد الشعب ما أراد . وخرج بعض العلماء ممن يحسبون على التيار الإسلامي المعتدل ليقول لنا :

     إن صاحب الفخامة والسمو قد أذن ، أو أمر بإنشاء قناة إسلامية تمثل الإسلام الحق ، وإنه قد أمر بإعادة المحجبات وإنه وإنه وإنه...

وكلها أمور شكلية وإبر مخدرة لا تسمن ولا تغني من جوع . وكأن المسلمين ينقصهم بوق آخر من الأبواق التي تسخر الدين لخدمة المستبدين  لا لتحرير المستعبدين . وكأن الإسلام يندثر فجاءت هذه القناة لتحيي الإسلام من جديد  ، وكأن الثوار قاموا بما قاموا من أجل بضع عشرات أو مئات تمّ إحالتهن إلى وظائف أخرى بسبب النقاب . وعلى الرغم من إيجابية هذه الأمر الذي يحفظ الحرية الشخصية إلا أن الثوار قاموا بثورتهم من أجل الوطن كل الوطن .

       فمن المعيب والمشين والمخزي أن ينحدر أولئك المفكرون إلى هذه السطحية ، ويستخفوا بعقول العباد الذين لم يخرجوا إلا طلباً للحرية . أراد هذا الشعب أن يعيش حراً كريماً عزيزاً على أ رضه لم يرد ولم يرض أن يداس بالأحذية وأن يغلق فمه وأن يستعبد في زمان لا مكان فيه للعبودية .

أعود إلى أولئك المفكرين الذين يصورون الثورات وكأنها مخطط أمريكي و أقول لهم :

أيها السادة . إننا لا ننكر أن لأمريكا دوراً ومصالح في المنطقة ، ولكن ننكر عليكم أن تنكروا حق الشعوب في تقرير مصيرها . لأنكم بهذا الكلام تحكمون سلفاً أنّ الأنظمة والحكومات التي ستأتي نتيجة هذه الثورات ستكون عميلة لأمريكا  وأداة طيعة في يدها أي تحكمون مسبقاً أن الإرادة الأمريكية هي التي سوف تنتصر وتتحقق . وكلنا يعلم أن إرادة الشعوب أقوى من كل هذه الإرادات فبدلاً من أن يصطف أولئك المفكرون خلف هذه النظريات " الترهات " يجدر بهم أن يقفوا مع هذه الثورات صفاً واحداً داعمين ومساندين .