نظام مبارك ونظام السيسي

بلال القصاص

لم يشعر المصريين أنهم أمام حكم عسكري إلا بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك ففي 11 فبراير –شباط- 2011م.

فخلال الستون عامًا السابقة على الإطاحة بمبارك لم يعي الناس أن بلادهم يسيطر عليها ثلة من الضباط منذ انقلاب 23 يوليو –تموز– 1952م والذي تحول إلى ثورة مع الوقت نظرًا لما اتخذه من إجراءات نحو تغيير ما حدث من أجله الانقلاب.

فعسكر يوليو استطاعوا تحويل انقلابهم إلى ثورة باتخاذهم إجراءات مغايرة لما كان عليها حال البلاد قبل انقلابهم.

فجاءت قوانين الإصلاح الزراعي والقطاع العام والتحول إلى الصناعة على حساب الزراعة؛ وجاء إحلال دولة الضباط محل دولة الملك والأحزاب أو دولة السوبر باشوات محل دولة الباشوات على حد تعبير حسين مؤنس. لتحول الانقلاب العسكري على الملك إلى ثورة غيرت من شكل النظام لكنها لم تغير من روحه بل زادته سوءًأ على سوءه وفسادًأ على فساده واضمحلالًا للدولة جعلها تتأخر مئات السنين. فهل حدث مثل ذلك سواءً بعد الانقلاب على مبارك والإطاحة به أو بعد الانقلاب على مرسي وعزله مع اختلاف الأسباب والعوامل التي أدت إلى كلا الانقلابين؟!

الإجابة بالطبع لا؛ لم يحدث ذلك.

والسؤال متى يتحول الانقلاب إلى ثورة؟!

يتحول الانقلاب إلى ثورة متى اتخذت إجراءات مغايرة لما حدث من أجله الانقلاب.

فما من حراك شعبي إلا ويتبعه تأييد عسكري يتم به الإطاحة برأس النظام الحاكم ثم تتبعه ما تتبعه من أحداث سلبًا وإيجابًا. أو يكون الحراك الشعبي مسلح فيستطيع الإطاحة بالنظام وعسكره؛ وسرعان ما ينشب خلاف بين الثوار المسلحين حتى يسطير عليهم في النهاية أقواهم تنظيمًا وحركة.

فهل حدث مثل ذلك في النموذج المصري؟!

إذا نظرنا إلى ما حدث عقب حراك يناير وبدايات الثورة المصرية على النظام برمته سنجد أن الثورة اتخذت مسارات معينة في تطورها منذ 25 يناير – كانون الثاني- 2011م وحتى الآن. تحكم بها العسكر وأدار دفة الأمر في الاتجاه الذي يريده أكثر من مرة. وتحكم بها الثوار في اتجاههم مرات قليلة. وفي كل الحالات لم يتغير النظام.

ظل النظام كما هو منذ يوليو 1952م لم يتغير شكله بل تغيرت وجوهه وظل هو ثابتًا على فساده وظلمه وديكتاتوريته.

فنظام مبارك وهو امتداد طبيعي لدولة العسكر منذ 1952م حيث أعلن مبارك أكثر من مرة استمراره في تحقيق أهداف ثورة يوليو الست التي لم يتحقق منها سوى إبدال نظام فاسد بنظام أكثر منه فسادًا. وتم إحلال رجال الأعمال في دولة مبارك محل الضباط وإن كان معظم رجال أعمال مبارك في الأساس عسكر.

وجاءت فترة حكم الرئيس مرسي فلم يتغير من شكل النظام بل حاول إصلاحه لا تغييره وإصلاح الفساد فساد وإن تبدلت الأهداف والوسائل وإن صلحت النوايا وحسن العمل.

ثم جاء السيسي معلنًا خارطة طريق عبارة عن بث روح جديدة في جسد فساد نظام يوليو؛ فلم يستطع حتى الآن تنفيذها لعدة أسباب:

1- عدم اطمئنان دولة مبارك – دولة العسكر المتلبسة برجال الأعمال – إلى السيسي ورجاله.

2- احتمالية استبدال رجال النظام القديم برجال جدد وبأشكال جديدة.

3- تعمد رجال مبارك بطريقة غير مباشرة أحيانًأا ومباشرة أحيان أخرى في عدم سيطرة السيسي ورجاله على البلاد. لأنهم ما ساعدوه إلا لأجل أنفسهم لا من أجله هو.

4- الحراك الشعبي المستمر منذ الانقلاب. والذي يؤدي إلى عدم اطمئنان كلا الجانبين من تصاعده.

5- عدم وضوح رؤية لدى الانقلابيين لإدارة البلاد. فرجال مبارك يريدون إرجاع الوضع كما كانت عليه البلاد قبل يناير 2011م. ورجال السيسي يريدون تغييره حتى يقولون قضينا على نظام مبارك وأسقطنا النظام وبالتالي يستمدون شرعية لنظامهم.

إذا ما وضعنا هذه الأسباب في حسابنا سنجد أن الصراع بين نظام مبارك ونظام السيسي من أهم الأسباب المؤثرة على الوضع العام في مصر الآن. بينما لا تؤثر المسيرات اليومية على تحقيق خارطة الطريق تأثيرًا كبيرًا. فالمسيرات اليومية لا تحقق سوى أن التحالف والإخوان يقولون نحن هنا مازلنا على قيد الحياة مازلنا موجودين ومؤثرين.