بعد غياب مشبوه ظهرت كاهنة دمشق تزبد وتربد
بعد غياب مشبوه
ظهرت كاهنة دمشق تزبد وتربد
محمد فاروق الإمام
[email protected]
بثينة شعبان مستشارة السيد الرئيس غابت عن المشهد السوري
وأحداثه لأكثر من شهر تقريباً.. حتى ظن الناس أن هذه المرأة السياسية اللعوب قد
حزمت أمرها وقررت الهروب من مستنقع الدم الذي أراده لسورية وشعب سورية بشار الأسد..
بعد أن يئست من سيدها وقد أدار ظهره وصم آذانه لكل النصائح التي ظنوا أنها قدمتها
له حقناً للدماء ووقف دفع سورية إلى المجهول الذي لا يعلم إلا الله مداه وتداعياته.
الناس السوريون الطيبون الذين ظنوا أن ضمير هذه الكاهنة التي
غابت كل هذه الأيام الطويلة عن مسرح الجريمة قد استفاق - وإن كان متأخراً - صدموا
بالحديث الذي أجرته مع صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية، وقد استدعت محرريها إلى
دمشق لإجراء هذا الحديث الخاص معها من دون الصحف العربية والغربية لغاية واحدة هي
طمأنة البيت الأبيض عن أن الفرصة التي أُعطيت للنظام تؤتي أكلها.
صُدم الناس بظهور بثينة شعبان بعد هذا الغياب الطويل، وقد جرت
خلالها في كل مدن وقرى سورية أنهار من الدماء، لتثبت من جديد أن صمتها لم يكن
استجابة لصحوة الضمير أو استفاقة من أوهام كما ظن الناس، بل كان خلوداً مع شيطانها
لفترة تستعيد فيها التوازن وتبدل ثوبها على عجل وتظهر على المسرح بابتسامتها
اللئيمة، فجاء ظهورها بوجهها الكالح لا يوحي إلا بمزيد من التهديد والوعيد وبمستنقع
دموي مفتوح بلا حدود يشمل سورية من النهر إلى النهر.
لقد خرجت علينا بثينة شعبان بثوب أفعى جديد لتزف للدولة العبرية
وأمريكا، الخائفتين على مصير النظام، البشرى.. ولتؤكد لهما أن النظام لا يزال عصياً
على أية ثورة شبابية، وأن سورية ليست كتونس أو مصر: فالأخطر في الثورة – كما قالت –
(مر وقد أصبح وراءنا).
بثينة شعبان أرادت بحديثها مع صحيفة (نيويورك تايمز) توجيه
رسالة اطمئنان لأسياد سيدها في واشنطن وتل أبيب أن الأخطر في الثورة التي عصفت
بسورية منذ حوالي شهرين قد مر (وأصبح وراءنا)، مؤكدة – كما يُهيأ لها – أن النظام
السوري (يعيش المرحلة النهائية من هذه القصة)، ولسان حالها يقول، رداً على طلب هلري
كلنتون (أنهوا مشاكلكم ثم عودوا إلينا): نشكر واشنطن التي وقفت إلى جانبنا وتصدت
لكل مطالب المجتمع الدولي بمعاقبة النظام السوري ورأسه، أعطونا مزيداً من الوقت كي
ننفذ خططنا في ذبح المعارضين وقتل المنتفضين واعتقال الآلاف ممن تجرؤا وطالبوا
بالحرية والكرامة ونادوا بسقوط النظام، وبعدها سنعود إليكم كما تطلبون.. ونقبل
أعتابكم وحذاءكم.
ولم تنس كاهنة البيت الأسدي من ترديد نفس الدعاوي التي دأب
مسئولي النظام وأبواقه من مرتزقة الإعلام الرسمي من إطلاقها (لا يمكن أن نكون
متسامحين مع أناس يقومون بتمرد مسلح)، مكررة نفس الاسطوانة من أن المتظاهرين
االسلميين هم (مزيج من الأصوليين والمتطرفين والمهربين والمدانين السابقين والذين
يتم استغلالهم لإثارة الاضطرابات) مقللة من قيمة العقوبات التي فرضها المجتمع
الدولي على النظام السوري ورموزه قائلة: (هي سلاح تم استخدامه مراراً بحق سورية)،
معتبرة (أن هذه العقوبات يمكن استيعابها وأن الأمور سوف تتغير حين تنتهي الأزمة).
بثينة شعبان تُشعر الآخرين وكأنها تتكلم من مركز قوة وراحة
أعصاب وثقة في النفس، ظناً منها أن المرحلة الأصعب مرت، ولم يدر بخلدها أن المرحلة
الأصعب قادمة وأن الشباب السوري الذي كسر حاجز الخوف وانتفض وعاهد الله والوطن على
مواصلة المسيرة حتى نهايتها المتمثلة بسقوط مدوي لهذا النظام السادي، لا يزال ينبض
بالحياة والإصرار واليقين من أن النصر دائماً حليف الشعوب.
هذا الشباب المنتفض الذي يخرج في كل المدن السورية، برغم
التهديد والوعيد من النظام القمعي العتيد، يخرج متحدياً رصاص الغدر، وهو يعلم أنه
مهدداً بالقتل والضرب والأذى في نفسه وماله وشيوخه ونسائه وأطفاله، يخرج ولا يدري
أيعود لبيته أم للسجن والتنكيل أو يشيع جثمانه إلى جوار ربه، يخرج موطّن النفس على
الصمود أمام همجية النظام ووحشيته، ويعرف أنه وحيداً والعالم كله عرباً وعجماً
يتفرج صامتاً متواطئاً أو لا مبالياً بالشبان الذين يسقطون بالعشرات والمئات بين
قتيل وجريح في طول البلاد وعرضها يومياً، وقد استأسد الأسد الصغير على صدورهم
العارية وأكفهم الخالية ونداءاتهم المسالمة، وقد دفن رأسه كالنعامة في مواجهة العدو
في دير الزور وعين الصحاب واللاذقية، كأبيه يوم ترك الجولان هدية للصهاينة دون دفع
أو مدافعة في حزيران 1967، مكرساً صمت الجبهة السورية مع العدو الصهيوني لأكثر من
أربعين عاماً.
خرجت علينا بثينة شعبان بعد طول غياب بكلام ممجوج ومستهلك سأمنا
منه وملّه السامعون، حتى أن أقرب أصدقاء النظام ورأسه رجب طيب أردوغان رئيس وزراء
تركيا قد ملّ ما يردده أبواق النظام من أكاذيب وأباطيل ومفتريات، وما يتلقى من
أجوبة مضللة مخادعة على تساؤلاته، واللامبالاة بكل نصائحه، أعلن صراحة (بأن لا أحد
بات يصدق أو يقتنع بما يقوله النظام السوري، الذي يعيد إلى الأذهان بما يقوم به على
الأرض ذكرى مجزرة حماة ومجزرة حلبجة).
أخيراً أقول لبثينة شعبان: على رسلك فلا تطمئن كثيراً فالقادم
من الأيام سيحمل لك ولسيدك وعائلته وبطانة السوء التي حوله أخباراً كظلمة الليل
وسواد دجاها متجسدة بأفعال وليست أقوال، وإن كان من نصيحة صادقة أخيرة يمكن أن
تقدميها لسيدك أن تقولي له (ارحل اليوم قبل الغد حيث لا شفيع لك ولا منقذ.. انج
ببدنك وأهلك ودع من حولك وقد كذبوك وضللوك.. وقد لا تتاح لك الفرصة وتقع في شرك
أعمالك كما وقع من هو أشد منك قوة وأعز مقاماً!!).