يوميات الثورة السورية الكبرى2011م

د.محمد شمس الياسمين

التأمين الطبي لفعاليات الثورة المباركة

د.محمد شمس الياسمين

ربما كانت المهمة الأولى لهذه اليوميات – بغض النظر عن التأريخ والتوثيق- تسليط الضوء على مساحات وزوايا معتمة مقفرة من خارطة الثورة وتكتيكاتها على الأرض,, ندرك أحياناً أهمية بعض الاشياء والترتيبات لكننا نتجاهل الإهتمام بها عند التنفيذ ويأتي في مقدمتها في هذه الفترة موضوع" التأمين الطبي لفعاليات الثورة المباركة" وبالتأكيد لست في حاجة لتكرار إسطوانة أهمية الخدمات الطبية في زمن الحرب والسلم التي رفعت ضغظنا في دورات الخدمة الإلزامية لكونها نظريات لم نجد لها تطبيقاً على أرض الواقع,, أسوق هاهنا قبل الدخول في صلب موضوع اليوم ما بثته قناة الجزيرة إبان حرب الفرقان في غزة الصامدة العام 2088/2009م والتي دفعت فيها غزة بأرواح أكثر من 1200 شهيد سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي البربري عليها,, لقد قالت الجزيرة أنذاك على مسؤوليتها :إن تسعة من أصل عشرة شهداء كان يمكن إنقاذ حياتهم لو توفرت عمليات الإسعاف الأولى والنقل الطبي إلى المشافي- الأمران اللذين عطلتهما القوات الإسرائيلية بمنعهما لسيارات وطواقم الإسعاف من الوصول إلى أماكن القصف ناهيك عن الوضع الصحي السيء أصلاً في مشافي غزة وقلة كوادرها وتجهيزاتها الطبية بسبب الحصار " !

في سورية اليوم يمارس النظام عملية القتل بحق شعبنا مرتين!! مرة حين يطلق الرصاص الحي والمتفجر على المدنيين السلميين ومرة أخرى حين يؤخر إسعاف الجرحى بل ويستهدفهم داخل سيارات الإسعاف المستهدفة هي الأخرى من قبل النظام قبل أن يتم الإجهاز على الجرحى في المستشفيات إن قبلت إدخالهم للعلاج أصلاً!

في حالات الإصابة بالرصاص تتوقف حياة الإنسان على دقائق تحسم مصيره,, من يتابع مشاهد القتل يدرك كم عزيزاً وحبيباً من أبناء شعبنا خسرنا بسبب تأخرنا في التحرك,,,من هنا أتناول في هذه الحلقة من يوميات الثورة أهمية التأمين الطبي للمظاهرات و المسيرات مذكراً أنني بهذه السطور أقدم في نقاط مجرد مقترحات تفتح الباب لا أكثر أمام عبقرية شبابنا لترجمتها على أرض الواقع بما يتلاءم ومعطيات المنطقة والمدينة والقرية..

يبدو الحديث عن مواجهة الغازات المسيلة للدموع أو ضربات الهراوات ضرباً من الخيال والدعابة المبكية في سورية الثورة اليوم,, فنظام الإجرام لا يملك الوقت للتدرج في وسائل القمع ولذا فغالباً ما يود إنجاز المهمة بسرعة فيستخدم الرصاص الحي والمتفجر ويفكر جدياً في توسيع إستخدامه لقذائف الهاون والدبابات والمدفعية ...

أمو ر أساسية ثلاث أقدمها كمدخل لهذا الموضوع وهي:

1- تعميم فكرة التأمين الطبي للمسيرات والمظاهرات قبل تنفيذها والبدء بها تماماً مثلما نعدّ جيداً الرايات والشعارات وتوجيه الحشود والدعوات للمسيرات قبل البدء بها,,

2- نشر ثقافة الإسعاف الأولى وأصوله قدر الإمكان لا سيما بين الشباب الأكثر قابلية للتعلم والأكثر قدرة على التحرك والتنقل السريع بحيث لا تخرج مظاهرة ولا مسيرة إلا وفيها القادرون الأكفاء على تقديم الإسعاف الأولي وقت الحاجة وفي مكان الإصابة تمهيداً لنقله إلى عناية طبية أفضل وأعلى..

3- بدء تعميم فكرة" الإعتماد الكلي على الإسعاف الأولي الشعبي " أو ما أسميته ذات يوم بـ " الإسعاف الموازي" لاسيما ونحن نشاهد ونسمع عن رفض المستشفيات الرسمية لإستقبال الجرحى والمصابين أو عرقلتها وتأخيرها لدخولهم وتقديم العلاج العاجل لهم في ظل إنتشار مداهمة قوى الأجهزة الإستخبارية السورية المجرمة لهذه المنشأت الصحية وإعتقال أو قتل المصابين فيها ناهيك عن تعرض طواقم وسيارات الإسعاف للهجوم المباشر بالرصاص الحي.

* الإسعاف الأولي الموازي:

يقصد بها المصطلح الجديد " خلق منظومة إسعاف وطوارئ طبية وفق المعطيات والموارد المتاحة تقدم الإسعاف الأولي للمصابين والجرحى وتعمل على نقلهم في أسرع وقت ممكن للخطوط الخلفية أو النقاط الطبية الأمنة لإنقاذ حياتهم وتلقي العلاج المناسب ". ضمن هذا المفهوم ندرج ثلاثة نقاط هامة وهي:

أولاً: عدة الإسعاف الشخصي: دعونا نتفق من الأن فصاعداً أن لا يخرج متظاهر قدر الإمكان إلا وفي الجيب الأيسر من بنطاله أو ثوبه كيس بلاستيكي صغير يحتوي على الأقل لفافة الشاش ورباطاً ضاغطاً,, وأقول في جيبه الأيسر لكي لا نضيع الوقت في البحث عن هذه المواد كما أن الجيب الأيسر هو الأقل إستخداماً في عرفنا الشعبي,, وفي حال نجحنا في نشر هذه الفكرة وتعميمها بنسبة 50% فإن هذا يعني أنه في مظاهرة تضم 300 شخصاً على سبيل المثال يتوفر عندنا ميدانياً 150 لفافة شاش و150 رباط ضاغط...

وبالتالي تغدو هذه العدة الشخصية بمثابة مخزون إحتياطي كبير لمعالجة الحامل لها حال إصابته أو للجرحى والمصابين الأخرين المحتاجين إليها.. سنكون عندئذ في غنى عن الصراخ والعويل والتلفت يمنة ويسرة بحثاً عن وسيلة لربط الجرح أو إيقاف النزف – مؤكداً ضرورة تعلم طرق الإسعاف الأولى وأبجدياته مقترحاً تزويد المساجد بكميات كبيرة من مواد الإسعاف تحسباً لحالات الطوارئ والإجتياحات.

ثانياً: وسائل النقل والإسعاف: لقد أعدت النظر وكررت المشاهدة للمقاطع المرئية ( الفيديو) التي تصور تساقط الشهداء والمصابين وحالة الضغط والإنفجار النفسي الذي يعيشه المتظاهرون تحت رصاص يسقط على رؤوسهم وصدورهم كالمطر المنهمر,, ولقد ألمني محاولة هؤلاء الشجعان الأبطال إنقاذ أرواح إخوانهم وأحبابهم وبطرق عشوائية أحياناً تزيد النزيف وتهدد بمضاعفة الكسور إن وجدت أو إصابة العمود الفقري وتضاعف الضرر,,

عليه يمكن استخدام النقالات ذات الارضية القماشية في إستخدامين إثنين: نقالة للمرضى ورفع للشعارات في أن واحد ,, يمكننا صنع وسيلة خفيفة عملية متعددة الإستعمال كالربط بين قطعتين خشبيتين لا يقل طول كل منها عن مترين يربط بينهما قطع خشبية متقاربة مثبتة " ببراغي وليس بمسامير مما يجعلها قابلة للطي وبحيث تتحول عند طيها وجمعها إلى حامل للرايات والأعلام والشعارات

وبهذه الطريقة وعند وقوع الإصابات يزال الرابط الجامع للقطعتين وتفرد بعد إزالة العلم لتصبح كنقالة توفر إستقامة ظهر المريض ومنع تحرك أطرافه بعد تغطيته بالراية أو العلم حتى يصل إلى خط خلفي أمن أو عيادة طبية متخصصة.

ثالثاً: النقاط الخلفية وفرق الإسعاف: في كل الأزمات والحروب والمواجهات تتوضع النقاط الطبية في مناطق أمنة بعيدة عن ميدان إطلاق النار – هناك يتواجد الأطباء والممرضون وأدوات ومواد الإسعاف الأولي - الأعلى درجة - والممهد لنقل المصاب لغرف العمليات أو عيادات الأطباء .

ومن هنا أتقدم بهذه المقترحات:

1- التحدث مع الأطباء والممرضين وخريجي المعاهد الطبية القادرين على تقديم الإسعافات الأولية والمعالجة المبدئية في المكان للخروج في المسيرات على أن يكونوا في الصفوف الخلفية ويفضل وضع شارة الهلال الأحمر على ذراعهم للدلالة عليهم عند الحاجة إليهم لاسيما مع حالة الهرج والمرج التي تعم مع إطلاق النار وتساقط الشهداء والجرحى

2- عند حدوث الإصابات تُفتح النقالات وتستخدم لحمل المصابين إلى الخطوط الخلفية ومنها إلى منطقة محمية بأبنية أو أشجار أو بعيدة تماماً عن جهة مصدر إطلاق النار وهناك يعمل فريق الأطباء أو الممرضين على تقديم الإسعاف الأولي الأساسي المتضمن أربعة أمور اساسية بشكل عام:1-تأمين مجرى التنفس 2- تأمين عمل القلب 3- وقف النزف 4- تثبيت الأطراف المكسورة .

3- غالباً ما تجري المظاهرات في شوارع معروفة ومحددة وكبيرة تتوزع على جانبيها شوارع فرعية,, ما أقترحه هو تأمين وجود عدد من السيارات – ويفضل من نوع البيك أب أو الصالونات – وبداخلها شخص ممرض ومتوقفة في شوارع فرعية مختلفة قريبة من الشارع الذي تسير فيه المسيرة,, عند بدء وقوع الإصابات يتم نقل المصابين من فريق الإسعاف إلى هذه السيارات الموثوق بها وإستخدامها كسيارات إسعاف بديلة لسيارات الإسعاف الحكومية 0 يفضل أن تتوفر في السيارات مجموعة كبيرة من المواد الإسعافية – مع الإنتباه لتمديد المصاب في وضعية مريحة وعلى أرضية مفروشة بالبطانيات على سبيل المثال.

4- تحديد مجموعة من العيادات الطبية أو المشافي الخاصة الموثوق من وطنية أطباءها قبل المظاهرة كمراكز لنقل المصابين إليها والإستغناء عن المشافي الرسمية مع أهمية إحاطة هذه العيادات بمجموعة كبيرة من الأهالي خارجها لمنع تدخل الأمن لخطف أو قتل المصابين...

في الختام أقول إن الثورة أم الإختراع وإن قطرة دم واحدة من أبناء شعبنا هي أغلى وأعز على قلوبنا من مُلك ال الأسد وسلطانهم ..إليكم يا شباب سورية ورجالاتها المغاوير الأبطال أشد على اياديكم أقبلّ جباهكم وقطرات الدم تحت أقدامكم .. وأفديكم!

في الحادي والخمسين من الثورة – الرابع من أيار –مايو 2011م