لقد كان إنهاء الانقسام الفلسطيني البلسم لجراحنا النازفة
لقد كان إنهاء الانقسام الفلسطيني
البلسم لجراحنا النازفة
محمد فاروق الإمام
[email protected]
رغم المعاناة والقمع الممنهج الذي يقوم به النظام السادي في
دمشق بحق الشعب السوري لسنين طويلة تجاوزت الأربعة عقود، إلا أن القضية الفلسطينية
كانت تتسامى عند الشعب السوري فوق كل هذه المعاناة وكل هذا القمع تناغماً مع ما كان
يدعيه النظام السوري من الممانعة والصمود والتصدي ودعم المقاومة واحتضانها، ولأربعة
عقود - كما قلنا - لم يقدم النظام السوري للقضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية
إلا مزيداً من السكاكين والجزارين يُعملون بين فصائلها الذبح والاستئصال والوقيعة
والفتنة والتشتيت، وقد تنبهنا نحن السوريين منذ بواكير وصول هذا النظام إلى الحكم
إلى حقيقة مرامي وأهداف هذا النظام، الذي جاء ليكون السور الحامي للدولة العبرية
والسند القوي لكيانها، ولا نغالي فيما ندعي ونقول فالحقائق على الأرض تثبت حقيقة
ذلك، فحرب حزيران عام 1967 كانت مؤامرة من هذا النظام على مصر وجرها إلى حرب لم تكن
مستعدة لها، ثم كشف هذا النظام ظهر القوات المصرية عندما خاضت الحرب تلبية لنداء
السوريين ونصرة لهم، بامتناعه عن التصدي للطيران الإسرائيلي المنهك بعد قصفه
للمطارات المصرية والعودة إلى الكيان الصهيوني في رحلة طويلة بوقود يكاد ينفد
وذخيرة قد ألقيت، ومن ثم إعلان حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك سقوط القنيطرة (ولم
تكن قد سقطت بعد) وإصداره أوامر للجيش السوري بالانسحاب الكيفي من الجولان والتخلي
عن أسلحته لتدخله القوات الصهيونية وتغنم كل هذه الأسلحة بلا دفع أو مدافعة، اللهم
إلا من مواقف شجاعة لبعض الضباط الذين رفضوا تنفيذ أوامر وزير الدفاع فسقطوا في
ميادين الشرف وروت دماؤهم تراب الجولان العزيز الذي تخلى عنه النظام السوري وجعل
منه خطاً دفاعياً أول للكيان الصهيوني، وأمن له الاستقرار والأمن والسلامة
والطمأنينة على مدى أربعة عقود لم يعكر صفو المستوطنين اليهود أزيز طلقة واحدة، وقد
أعلن باراك وزير الدفاع الإسرائيلي يوم أمس الأربعاء 4 نيسان الحالي، أن (إسرائيل
حزينة على النظام السوري إذا ما سقط وأنها تشكر هذا النظام الذي أمن لها حدودها
الشمالية لأكثر من أربعين سنة، ولكنها لا تستطيع فعل شيء تجاه بقائه وقد أوغل في
قتل شعبه).
أقول رغم القمع والمعاناة والجراح التي يتعرض لها الشعب السوري
على يد جلادي وقتلة النظام السادي الحاكم في دمشق في هذه الأيام العصيبة والأليمة،
فإن الشعب السوري يشارك إخوانه في فلسطين فرحتهم بعودة اللحمة إلى الجسد الفلسطيني
التي لطالما تألم كحال كل الفلسطينيين لوقوع هذا الشرخ الذي كاد يجهز على الثورة
الفلسطينية ويهد كيانها، لولا أن ثورة الشباب في مصر انطلقت وحققت معجزة إسقاط نظام
مبارك الاستبدادي الذي كان يخدم مصالح إسرائيل وأعداء العروبة والإسلام لنحو ثلاثين
سنة، ويفرض الحصار على أهلنا في غزة بإغلاقه لمعبر رفح الذي كان الرئة التي يتنفس
من خلاها أهل غزة للتخفيف من الحصار الصهيوني لها.
في هذه الأجواء الاحتفالية التي عمت الأراضي الفلسطينية في
الضفة وغزة كنا نحن السوريين نتعرض لأبشع الممارسات السادية للنظام الذي يحكمنا منذ
أكثر من أربعة عقود، حيث يفرض على أحد مدننا (درعا) البطولة والعنفوان والكبرياء،
عقاباً لها عندما تنادى أبناؤها إلى التظاهر مطالبين بالحرية التي صادرها النظام،
ونادى بالكرامة التي داسها هذا النظام لأكثر من ثمانية وأربعين سنة، حيث أعمل
السكين في جز رقاب شبابها وفتيانها ورجالها ومن هو دون سن الأربعين، وساق النساء
والشيوخ والصبية إلى السجون والمعتقلات حيث يتعرضون لأبشع وأفظع عمليات التعذيب
الجسدي والنفسي، ونهب البيوت والمحال التجارية والمؤسسات معيداً إلى الذاكرة ما
فعله بمدينة حماة عام 1982، عندما أجهزت سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد
شقيق الرئيس حافظ الأسد، على تلك المدينة واستباحتها من قبل قطعان ذئابه الجائعة
لأكثر من شهر، وراح ضحيتها ما يزيد على ثلاثين ألف قتيل ونحو 300 ألف مهجر، وتسوية
اثني عشر حياً بالأرض بما فيها من دور عبادة ومدارس ومؤسسات ومعالم تاريخية
وحضارية.
درعا الشموخ والبطولة تدخل يومها الحادي عشر وهي محاصرة بدبابات
النظام السوري ومدرعاته التي ضلت طريق الجولان، حيث أحكم النظام السوري إقفاله
وأقام عليه المتاريس والدشم ليحول دون الوصول إلى الدولة العبرية وتعكير صفو
المستوطنين الذين يستوطنونه بعد طرد أهله منه، لا يعرف العالم ولا حتى السوريين ما
يفعل قطعان الذئاب المنتشرة بين أحيائه وساحاته وميادينه وشوارعه وأزقته، وما
يمارسونه من ذبح وقتل واعتداء وسلب ونهب، فكل خطوط الاتصالات مقطوعة عن العالم وكل
ما يكفل للإنسان الحياة والبقاء من غذاء ودواء وماء ممنوعة على درعا وأهلها منذ
اليوم الأول لحصارها، وما يجري في درعا ينسحب على مدن أخرى في سورية كما تنقل لنا
وكالات الأنباء حيث هناك مدينة جبلة وبانياس والرستن ودوما وحرستا ومضايا والمعرة
وكفر نبل محاصرة بالدبابات والمجنزرات ومقطوع عنها أي نوع من الاتصالات أو الدخول
إليها أو الخروج منها، وفي صباح هذا اليوم الخميس ، كما أعلنت وكالات الأنباء،
اقتحمت وحدات من الجيش السوري بلدة سقبا في غوطة دمشق، ويقومون بانتهاك حرمات
البيوت واعتقال الرجال دون سن الأربعين وقتل كل من يحاول التأفف أو عدم الامتثال
للأوامر.
من حق إخواننا في فلسطين أن يفرحوا وأن يحتفلوا بهذا الحدث
الكبير بعد أربعة سنوات من الانقسام والتشرذم، وكنا نتمنى أن نشاركهم فرحتهم لولا
أن النظام السوري حال بيننا وبينهم في مشاركتهم فرحتهم، وقد أعمل سكينه في ذبحنا
ورصاصه في قتلنا وعصاه في إلهاب ظهورنا وأصفاده في تكبيلنا، ظناً منه أنه سيفل من
عزيمتنا أو يوهن من إرادتنا، وقد اتخذنا قرارنا الذي لا رجعة فيه بالثورة عليه إلى
أبعد مدى حتى إسقاطه مهما غلت التضحيات وعزَّ الفداء، فما ننشده هو الحرية والكرامة
ونعرف ما علينا دفعه من ثمن.. فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، ونعرف أن الله
معنا وان الشعب إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، مؤكدين للإخوة الفلسطينيين
أن ثورة الشباب هي من ستعيد لسورية مكانتها في قيادة ركب الممانعة الحقيقية واحتضان
المقاومة الفلسطينية ودعمها، ونذكرهم بقادة الجهاد والنضال السوريين الذين خضبوا
بدمائهم الزكية الطاهرة ثرى فلسطين، وكان في مقدمتهم الشيخ عز الدين القسام والشيخ
أحمد الإمام (الشيخ المجهول) والدكتور مصطفى السباعي والقائد فوزي القاوقجي
والأستاذ أكرم الحوراني، الذين قادوا المئات من السوريين إلى القتال إلى جانب
أشقائهم الفلسطينيين منذ انطلاقة شرارة الثورة الأولى وحتى حلول النكبة عام 1948.
عتب أخير على الأمين العام لجامعة الدول العربية المنتهية
ولايته (عمرو موسى) الذي شارك الإخوة الفلسطينيين بتوقيع الاتفاق التاريخي بين حماس
وفتح والفصائل الفلسطينية على بيان إنهاء الانقسام، كونه الممثل للشعوب العربية
وليس للأنظمة الباغية فقط، كان عليه أن يتذكر في هذه المناسبة الكبيرة ما يجري في
سورية وما يسفك من دماء أبنائها، وما أزهقت من أرواح زادت على ألف شهيد في نحو ستة
أسابيع، وهذا ما لم يحدث في ثورتي تونس ومصر مجتمعة، وكنا نتمنى عليه أن يترحم على
هؤلاء الشهداء ويقرأ على أرواحهم الفاتحة والوقوف دقيقة صمت إجلالاً لها، ويحذر
النظام السوري من الاستمرار في هذا المسلسل الدموي البشع ويذكره بموقفه من القذافي
عندما فعل الشيء نفسه مع شعبه وأنه ليس حالة خاصة ولن يكون في منجاة من العقاب
والملاحقة والحساب، مذكرين عمرو موسى بأن دماء السوريين ليست أقل قيمة من دماء
الليبيين أو أي شعب عربي آخر.