شباب الكنانة ونداء الفرصة الأخيرة

شباب الكنانة ونداء الفرصة الأخيرة!!

حسام مقلد *

[email protected]

انطلقت عجلة التغيير، ودقت ساعة الحقيقة، وتحركت جموع الشعب المصري الغاضبة التي منحت نظام الرئيس حسني مبارك فرصاً كثيرة جداً للتغيير والإصلاح، لكن هذا النظام الظالم الغاشم للأسف الشديد لم يعبأ بشعبه، ولم يُعِرْ مطالبه العادلة والمشروعة أي اهتمام، بل أهدر كل هذه الفرص، وأحرق كل السفن، وتمادى  في غيه وضلاله وتجبُّرِه على الناس، وأغلق كل نوافذ الأمل، وعامل المواطنين بكل ازدراء، وواصل تحديه للرأي العام، ولم يترك أمام الجماهير سوى النزول إلى الشارع للتعبير عن تطلعات الشعب وآماله في العدالة والحرية والمساواة، وإعلان مطالبه العادلة المشروعة في توفير الحياة الحرة الكريمة لكافة جموع الشعب المصري العريق.

إن ثورة الكرامة التي تشهدها هذه الأيام كل مدن مصر، وتشارك فيها جموع غفيرة من أبناء الشعب المصري الأبي تؤكد أن هذه الأمة حية، وأن هذا الشعب المؤمن المغوار سيظل بإذن الله تعالى قلب العروبة النابض وحصن الإسلام المنيع، ومركز إشعاع  حضاري وثقافي، وملجأ وملاذ أخوانه العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومن ظن أن شعب مصر قد مات مع اتفاقات كامب ديفيد ـ التي آن الآوان لإنقاذ مصر من أغلالها وبراثنها...!! ـ فهو واهم؛ فها هي الأحداث العظيمة تثبت بالأفعال لا بالأقوال خطأ هذه الظنون والأوهام وزيف هذه المزاعم والادعاءات.

والرائع في هذه الثورة الشعبية المباركة أنه قد شارك فيها جموع غفيرة من الرجال والنساء والشباب والفتيان والشيوخ والمسنين، لقد خرجت هذه الجموع الغفيرة في كل مدن مصر ومن مختلف الأعمار والطبقات والشرائح الاجتماعية لتعلن رأيها بوضوح وتعبر عن مطالبها العادلة، بعد أن اشتعلت براكين الغضب في نفوسها، والأكثر روعة أنها ثورة سلمية متحضرة ليس فيها أي فوضى أو تخريب ولم ترتكب فيها أي أعمال عنف أو سلب ونهب سوى ما تقوم به الشرطة التي تريد بث الذعر والخوف في نفوس المصريين، وتهدف إلى تشويه صورة هذه الثورة السلمية البيضاء، وتحاول إيجاد الذرائع للانقضاض على المتظاهرين العزل لأنها معركة النظام الأخيرة، ولسان حاله يقول: يا قاتل يا مقتول في هذه المعركة!!

إنها ثورة شعبية مجيدة بكل معنى الكلمة ثورةٌ على كل رموز الفساد والظلم والطغيان، وسدنة التطبيع والانبطاح والاستسلام، ودعاة التغريب وأنصار التخنث والميوعة والانحلال الذين تركوا شبابنا لمهاوي الرذيلة والضياع، ورفضوا حَجْبَ المواقع الإباحية، وروَّجُوا لثقافة العهر والخنوع والفساد، وأشاعوا فكر الأنانية وحب الذات، وسعوا إلى ترويج وتسويق أنماط الحياة المادية الجشعة الحقيرة بهدف تخريب الذمم وإماتة الضمائر وإفساد الناس بكل سبل الإفساد، وأرادوا إشاعة الفاحشة بين الشباب لتستعر بينهم ثورة الغرائز فيقعوا عبيدا لشهواتهم ويتخلون عن دينهم وهويتهم وكرامتهم الإنسانية، لقد فعل زبانية الحزب الوطني كل هذه الجرائم حتى يستقر لهم الوضع ويتسنى لهم التحكم في هذا الشعب بعد أن ظنوا أن شبابه قد أصبح لقمة سائغة، أو مجرد قطعان هائجة لا تلوي على شيء سوى إشباع غرائزها وإسكات سعار شهواتها المتأججة بفعل المواقع الإباحية والأفلام الفاضحة والثقافات الهابطة، والأفكار المأفونة التي يروجون لها. 

والغريب أن هؤلاء الفاسدين المفسدين الضالين المضلين الذين رفضوا تطهير شبكة الإنترنت في مصر من مواقع الإباحية والانحلال حمايةً للفضيلة وصيانة لشباب مصر من السقوط في حمأة الرذيلة بحجة عدم القدرة على ذلك هم أنفسهم الذين سارعوا إلى إغلاق شبكات الهاتف المحمول وتعطيل خدماته، وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي وتعطيل الإنترنت لمنع الشباب المصري الشريف المناضل من التواصل أثناء المظاهرات.

حمى الله شباب الكنانة فهم حماة الكرامة، وأنصار الحرية والعدالة والمساواة، وسينصرهم الله تعالى على كهنة هذا النظام الظالم، وكل دعاة الخزي والعار، وأنصار الفجور والانحلال وراغبي إشاعة الفاحشة بين الناس!!

إنني أنادي كل شرفاء الحزب الوطني، فقطعا ليس كلهم خونة ولا عملاء، بل منهم أهل فضل ودين ومن له علم ومروءة ونبل وشهامة، وهؤلاء أقول لهم: أين صوت العقل والحكمة؟ ولماذا تسدون كل أبواب الأمل ؟! لماذا تصمتون بعد كل سنوات الفقر والبطالة والقهر والحرمان التي عانى منها شعبكم وأبناؤكم؟! لِمَ لا تأخذون على أيدي الظالمين منكم؟! لِمَ لا تعلنوا انضمامكم للشعب؟! لِمَ تقفون في خندق واحد مع المحتكرين الفاسدين الظالمين؟!! هيا انْأَوْا بأنفسكم عن هؤلاء قبل فوات الأوان...هيا قولوا كلمتكم الأخيرة وأعلنوا وقوفكم إلى جانب هذا الشعب الصبور الطيب، هيا احقنوا دماء أبنائكم وبناتكم هيا ارحموا عجائزكم ومسنيكم... إنه نداء الفرصة الأخيرة يوجهه لكم شباب الكنانة الأبطال، فوالله لن ترجع العجلة إلى الوراء أبداً، ووالله لن نسكت ولن نستكين للظلم والقهر والاستعباد بعد اليوم، ولن ينفعكم صمتُكم وستجنون حصائد مواقفكم فهيا بادروا بخلع ربقة هذا النظام الظالم من أعناقكم ولا تراهنوا على حصانه الهَرِم، ولا تحشروا أنفسكم في عربته العاجزة المنكوبة؛ فشباب مصر قد أعلنوها وأنتم أعلم من غيركم بقوة عزيمة وصلابة شباب الكنانة العظماء!! "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].

                

 * كاتب إسلامي مصري