قبل أن تهدأ العاصفة

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

لا يوجد مصري واحد لم يتألم أويشعر بالمرارة بعد أحداث مطلع العام الجديد التي شهدتها مدينة الإسكندرية من تفجيرات أمام كنيسة القديسين والتي راح ضحيتها حوالي 22 مصرياً ما بين مسلم ومسيحي بالإضافة إلى عشرات المصابين من أبناء مصرنا الحبيبة .

كما لا يوجد مصري واحد – إلا من في قلبه مرض - إلا وأحس أن الضربة موجهة إلى صدره هو وليس صدر من ماتوا أو أصيبوا أو فقدوا أباً أو أخاً أو ابناً أو بنتاً أو زوجاً أو زوجة .

لكن قبل أن تهدأ العاصفة – التي بدأت منذ بداية الأحداث وحتى الآن – ينبغي لنا أن نتوقف أمام عدة نقاط يجب وضعها في الاعتبار :-

النقطة الأولى : أن التحقيقات حتى الآن لم تكشف عن هوية مرتكبي تلك الجريمة المنكرة والتي لا يقرها شرع أو دين أو أعراف أو تقاليد ، ومن ثم فإن استباق الأحداث وإلقاء التهمة جزافاً على أي طرف – أياً كان هذا الطرف – هو من قبيل العبث والاستخفاف بالعقول ، ومحاولة إضفاء شرعية على ظنون قد تصيب أو تخطئ ، كما أنه من قبيل إلصاق التهمة بطرف معين ومحاولة تحويل مسار التحقيق والاتهام نحو هذا الطرف دون دليل أو بينة مؤكدة لحاجة في النفوس .

النقطة الثانية : أن هذا الحادث لم يسلم منه طرف دون آخر ، بل أصاب الجميع من أبناء الوطن في مقتل ، صحيح أنه حدث أمام كنيسة ، وصحيح أنه من الممكن بل من المؤكد أن تكون الكنيسة هي المقصودة ، لكن أن يكون تفسير ذلك – فقط – أن الفاعل مسلم ومن الجماعات المتطرفة هو تفسير يعوزه الدليل كما قلنا في النقطة الأولى .

النقطة الثالثة : أن الهرولة للاعتذار والحديث عن براءة الإسلام من مرتكبي الحادث هو من قبيل تثبيت التهمة - الغير مؤكدة - أن الحادث وراءه مسلم متطرف أو جماعة دينية متطرفة ، وبالتالي تصدر البيانات ببراءة الإسلام من أمثال هذا الفكر ، ويهرول رجال الدين نحو تقديم الاعتذار ، هو أمر من شأنه أن يضفي شرعية على ظنون لم يتأكد منها شئ بعد ، لا نقصد بهذا أن يمتنع الناس عن تقديم واجب العزاء لأسر الضحايا مسلمين ومسيحيين ، لا لم نقصد هذا ولم نقله ولا ينبغي لنا ، فالعزاء واجب والمشاركة في الأحزان شعور ديني أصيل وواجب ديني ووطني لا ينبغي لأحد التخلف عنه .

النقطة الرابعة : أن هناك احتقان طائفي في مصر بين المسلمين والمسيحيين ، سواء تم التصريح بذلك أو نفيه ، فلا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال وننكر حقيقة واقعة نعيشها منذ فترة ليست بالقصيرة ، قد تأتي التصريحات الرسمية عكس ذلك ، وخاصة أحضان الأعياد والمناسبات ، لكنها لا تعدو عن كونها مجرد مظاهر تخفي وراءها الكثير مما في الصدور .

بعد هذه المقدمة التي طالت قليلاً لابد من الحديث عن الأسباب التي أدت بمصرنا الحبيبة إلى تلك الحالة من التوتر والتربص بين أبناء الوطن الواحد ، وأستطيع أن ألخص هذه الأسباب – من وجهة نظري – في النقاط التالية :-

1- حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيشها مصر ، فالوضع المصري الراهن ساهم في إبعاد كل صاحب فكر عن الشأن السياسي المصري ، فالديمقراطية المصرية موجهة ، والانتخابات مزورة ، والنقابات معطلة ، حتى الجمعيات الخيرية والخدمية تدخلت الجهات الأمنية في إدارتها ، فأصبحت مصر كلها تدار بالفكر البوليسي وليس بالفكر السياسي الحر  .

 إن معالجة كل الأمور داخل مصر بالفكر الأمني البوليسي هو اختزال الأزمة الراهنة وحصرها في نطاق ضيق لصالح من بيدهم إدارة شؤون مصر ، كما أن تهمة التخوين لكل صاحب رأي مخالف وأنه يعمل ضد مصلحة الوطن تسطيح للأزمة المصرية الراهنة ، مما ولد شعوراً عاماً بالاحتقان لدى المواطن المصري ، زادته مرارة واحتقاناً الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطن المصري من غلاء الأسعار وضعف الأجور والبطالة التي تفتك بالملايين من شباب هذا الوطن ، فلم يعد أمام هذا الشباب إلا طريقان ، إما الهجرة والسفر للخارج وتحمل المعاناة والألم والذل والتعرض للموت ، وإما البقاء والتسكع على المقاهي والنواصي ، ومن ثم يصبح هذا الشباب فريسة سهلة لأي رأي متطرف هنا أو هناك ، كما أن هذا الشباب يصبح قنبلة موقوته يفقد تدريجياً الانتماء لوطنه ، وهو يرى على شاشات التليفزيون إعلانات عن فيلات وشاليهات ويقرأ عن أجور الفنانين والفنانات واللاعبين وهو لا يجد عملاً يقتات منه أو يعينه على الزواج وتكوين أسرة ويعصمه من الوقوع في الزلل .

2- غياب دور المؤسسات الدينية الرسمية التي من المفترض أنها تدعم التدين الوسطي مسلماً كان أو مسيحياً ، من خلال الأزهر الذي يجب أن يكون دوره هو الأبرز لدعم الوسطية في الإسلام والكنيسة المصرية التي يجب أن تدعم الوسطية في المسيحية بعيداً عن الآراء المتشددة هنا أو هناك ، لقد أدى غياب هذا الدور إلى ظهور ما يمكن تسميته ( تدين بئر السلم ) - قياساً على البضائع المغشوشة التي يطلق عليها اسم بضائع بئر السلم -  ، فقد أصبح الصغار من المسلمين والمسيحيين يتلقون تعليماً دينياً موازياً غير ما يتلقونه في المدارس ، تعليماً في البيوت والتجمعات الصغيرة يحض على كراهية الآخر ونبذه ، تعليماً يبذر الشقاق ويكفر الآخر ، تعليماً يؤدى للانعزال وعمل ( جيتو ) لكل أصحاب دين ، كنا في الماضي نجد الطلاب جميعاً في المدارس أو الجامعات معاً لا تستطيع أن تفرق بين مسلم ومسيحي ، لكن الآن تجد المسيحيين في ركن خاص بهم في المدرسة أو الجامعة في الفسحة المدرسية أو بين المحاضرات في الجامعة ، ونظرات التربص بين أبناء الديانتين واضحة ، وإن سألت عن السبب ووجهت بنفي قاطع لذلك رغم أن الشواهد واضحة .

إن ما يتم تدريسه في البيوت والزوايا ومدارس الأحد للناشئة هو سبب هام وجوهري لما نعانيه الآن ، المصري متدين بطبعه مسلماً كان أو مسيحياً ، فإن لم يجد ما يشبع نهمه لتلقي التعليم الديني الصحيح في مدرسته بحث عن مصدر آخر وغالباً ما يكون هذا المصدر غير مؤهل لتعليم الناشئة ، وهنا تبدأ الخطوة الأولى للتطرف والكراهية ، لا نريد أن نضع رؤوسنا في الرمال وننكر ذلك ، وإلا استمر الوضع السئ الراهن على ما هو عليه .

3-  ولا يجب أن ينسينا ما قلناه أن مصر لم تعد بمعزل عن الخارج – وخاصة في عصر التقدم التقني والسماوات المفتوحة - ، فالخارج يصدر إلينا بضاعته الجيد منها والردئ ، يصدر إلينا فكر التطرف الإسلامي والمسيحي ، يصدر إلينا فكر التسيب والانحلال ، يصدر إلينا عادات وتقاليد خارجة عن مجتمعنا وقيمه ، وفي ظل الخواء الديني وغياب الوعي الديني الصحيح يتشرب الشباب الفكر الوافد البعيد عن معتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا ، فيصبح من بين هؤلاء الشباب الجاسوس والمتطرف والمنحل ومن لا يردعه وازع من ضمير أو دين عن اقتراف ما يضر بالوطن من قول أو فعل أو غيره .

4- الاستقواء بالخارج وتكوين لوبي داعم من الخارج لبعض فئات المجتمع ، مما يزيد من حالة الاحتقان وتشويه الصورة ، ونقل صورة غير صحيحة أو مبالغ فيها عن الوضع الداخلي المصري ، والاستعانة بمنظمات مشبوهة للنفخ في نار الفتنة حتى تزيد اشتعالها بدلاً من العمل على إطفائها .

هذه ليست كل الأسباب التي أرى أنها أسباب لما تعانيه مصر اليوم ، لكني أردت أن أضع هذه الأسباب أمام القارئ حتى يعمل عقله فيها ، قد يتفق معي البعض وقد يختلف البعض الآخر ، لكني أريد أن يكون اختلافنا – إن وجد – كاختلاف العازفين في سيمفونية واحدة كلهم يؤدون إلى خروج السيمفونية بأجمل صورة ، فالكل مصري والكل يجب أن يعمل لرفعة بلده ، مهما اختلفت أفكارنا فلابد أن تلتقي عند هدف واحد ، هو مصر .

حمى الله مصرنا من كل سوء ووقاها شرور العابثين بأمنها ....... اللهم آمين .