الحزب المستحيل وفقه الاصطياد

4

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ما من شك أن المجال الثقافى ومعه المجال الإعلامى يُمثلان حائط صدّ يحمى عقل الأمة من الغزو الأجنبى الذى يسعى إلى إحلال ثقافته وتصوّراته ومعتقداته وعاداته وتقاليده ، مكان الثقافة الإسلامية والقومية .. وكان هناك نفر من المثقفين العرب ، يزعمون أنه لا يوجد ما يُسمى بالغزو الثقافى ، إلى أن أقرّوا أخيراً بأن هناك غزواً ثقافياً ، ولكنه للأسف جاء فى تصوّرهم من جانب إيران والباكستان والوهابيين !

كان وزير الثقافة المصرى الحالى ، يتحدث بذلك على الفضائية المصرية مساء الثلاثاء ( 11/12/2007م ) ، وينتفض أمام المذيعة التى كانت تشير إلى الحركة الإسلامية والمدّ الدينى الإسلامى بالقوى الظلامية ، وكان الوزير يُدافع عن نفسه ، وعن مواقفه من الحجاب ، والرقابة ، ومشاعر المجتمع المحافظ كما يُسميه ..

وكنت على مدى السنوات العشرين التى استغرقها حكم الوزير منذ توليه ، وما زالت تمتد ، أعارض أحاديثه الكثيرة عن عدم وجود " غزو ثقافى " – وهو يقصد الغزو من جهة الغرب – وعرضت لبعض كلامه فى جريدته الأسبوعية ، ولكنه كان مُصراً على عدم وجود ما يُسمى ب " الغزو الثقافى " من أية جهة ، حتى وافق مؤخراً على وجوده ولكن من جهة الشرق التى يرفضها أساساً .

أعنى أن المسألة الثقافية ، ومثلها المسألة الإعلامية ، مهمتان فى مسيرة الأمة والوطن ، ولا بد من الحرص على تجلية ثقافة الأمة أمام الأجيال الجديدة ، وتقديمها بصورة صحيحة وناضجة حتى لا تفقد هذه الأجيال هويتها وخصوصيتها وتميزها الحضارى ، ولابد من الحرص على الأداء الإعلامى الذى يُحرّك الجمهور نحو الأفضل والأرقى والأجمل من الفكر والسلوك ..

ومن ثمّ ، فإن مواجهة الفكر المعادى للأمة ، والإعلام المضلل يُصبح فريضة فى برنامج الحزب المفترض للإخوان المسلمين ، والذى أرى قيامه مستحيلاً لأسباب تخص السلطة البوليسية الغشوم التى ترى فى الإسلام خطراً عليها وعلى البلاد وفقاً لموازين العلاقات الدولية والداخلية .

وقد أشرت فى المقالات السابقة إلى بعض الملاحظات التى رأيتها فى قراءة الباب السادس الخاص بالنهضة الثقافية ، وأسمح لنفسي الآن بمحاولة إيجاز هذه الملاحظات ؛ سعيا لتنمية الثقافة الإسلامية المتفتحة ، والإعلام الصادق الفعّال الذى يُعبّر عن أطياف الأمة كافة ، ويُقدم خدمة إعلامية حقيقية ، دون أن تكون هنالك وزارة ثقافة أو وزارة إعلام ، لها جيش عرمرم من الموظفين والأجهزة ، وتحمل ميزانية الشعب البائس المظلوم أكثر من عشرة مليارات يحتاجها لبناء المدارس والمستشفيات وتوفير الدواء واستصلاح الأراضى وإقامة المساكن وتحسين المواصلات وغير ذلك ، وفيما يلى أهم النقاط :

1-  فى إطار تشجيع الكتاب بصفة عامة ، يشير البرنامج إلى إلغاء الجمارك وتوفير مستلزمات الطباعة والورق ( ص 100 ) ، ولم يُوضح كيف ؟ وأرى أن تضاف إلى هذه المادة ضرورة رفع الرقابة الجمركية عن الكتاب ، وتيسير حركته بين مصر والبلاد العربية دخولاً وخروجاً ، والعمل على نقله مجاناً فى وسائل المواصلات المختلفة البرية والبحرية والجوية سعياً لتخفيض ثمنه وتقديمه للجمهور بأقل تكلفة .

أما المستلزمات التى يحتاجها الكتاب للطبع ، فتنبغى الدعوة إلى ضرورة إقامة مصانع الورق والأحبار والآلات الخاصة بصناعة الكتاب داخل مصر ، وعلى أرض سيناء تحديداً ، فى سياق العمل على تعميرها ، وحلّ المشكلة السكانية ، وتوفير فرص عمل للأيدى العاملة التى لا تعمل .

2-  لست من أنصار الدعوة إلى إنشاء لجان أو مجالس عليا – كما يدعو البرنامج – للترجمة وتشجيع النشاط الثقافى بوجوهه المختلفة ، فالعمل الأجدى والأنفع هو الانطلاق من مؤسسات وزارتى التربية  التعليم والتعليم العالى لتخصيص مسابقات لأحسن كتاب مترجم وأحسن عمل أدبى ، وأحسن عمل فنى ، ودعم الهيئات الأهلية والأفراد الذين يقومون بممارسة النشاط الثقافى والإعلامى ، فى إطار خطة قومية عامة يتبناها المجتمع فى مختلف المجالات الثقافية والإعلامية .. وأرى أن المركز القومى للترجمة الذى أُنشئ مؤخراً – مع اختلافنا الفكرى مع قياداته الحالية – يُمثل نموذجاً جيداً للعمل الثقافى ، وخاصة إذا تم ترشيده بتحديد الخطوط العامة فى حركة الترجمة المطلوبة .

إن تخصيص جوائز سخية ، وزيادة مكافآت المترجمين والمؤلفين وأصحاب الإنتاج الفنى ، أجدى كثيراً من المجالس واللجان التى تستنزف ميزانيات ، دون نتائج تُذكر .. كما يُشير إلى ذلك التراث المصرى العريق ( انظر صفحات 108،100،99 من برنامج الحزب) .

3-  وكذلك الحال بالنسبة للمسرح ، فإن الاهتمام بالمسرح المدرسى والجامعى من خلال وزارتى التعليم والتعليم العالى والفرق المسرحية الحرّة الجادة ، وتشجيعها بالجوائز والدعم ، أفضل من المسارح الحكومية التى تقوم على موظفين لا يعنيهم إلا أمر المرتبات والترقيات .. والتجارب منذ الستينات تؤكد ذلك .

4-  هناك مواد لا معنى لها فى البرنامج مثل المادة الخامسة ص 98 ، وهناك مصطلحات ملتبسة مثل ( الحداثة ) ص 98 – السطر العاشر من أسفل ، والأفضل استخدام كلمة ( التحديث ) بدلاً منها ، وأيضاً كلمة ( قناعة ) ص 98 – السطر السابع من أعلى ، واستخدام كلمة ( اقتناع ) يُصحح المعنى دلالياً .

5-  لا أرى ضرورة لحديث البرنامج عن القوالب الأدبية ( ص 100 ) ، ولكن التركيز يجب أن يدور حول المضامين التى تتفق مع التصوّر الإسلامى والقومى ، لأن القوالب تتطور بمرور الزمان والأحداث .. أيضاً ، فإن ترقية الأغنية ، يجب أن يتم فى إطار ترقية اللهجات العامية لتصل إلى الفصحى .. بل يجب تشجيع الأغنية بالفصحى لترسيخ الإحساس باللغة القومية .

6-  تمنيت على البرنامج أن يُشير إلى أهمية العمارة الإسلامية ، وخاصة فى المدن والقرى الجديدة بالصحراء والساحل الشمالى والساحل الشرقى ( ص 104 ) ، فهى جزء من الهوية ، مع الدعوة إلى استخدام الخامات المحلية وفقاً لفكرة المهندس " حسن فتحى " ..

ونواصل بإذن الله .