وما نزال لم نفهم ـ بعد ـ حقيقة الموقف الدولي..

وما نزال لم نفهم ـ بعد ـ

حقيقة الموقف الدولي..

عقاب يحيى

تتبخّر الأحلام وتعطي مزيد الأوهام.. ومع ذلك، ورغم الوقائع الفاقعة التي فقأت عيون الانتظار والتوقعات.. ما زال العديد يتعكّز على الاحتمالات المجوّفة، ويأمل شيئاً فيكثر من الصراخ، والاستغاثة، والاستنجاد.. وكأنه لا حول ولا قوة..وهو بالفعل لا حول ولاقوة.. سوى الارتكاز على شيء غير واضح، وغير مضمون، وغير قائم..

**********

منذ البداية لم يفهم كثير جوهر الموقف الأمريكي، ومن خلفه عموم موقف المجتمع الدولي من"المسألة السورية" وتخيّل هؤلاء أنه لمجرد أن يطلبوا التدخل سيجيئهم برمشة عين، وسينصّبهم زعماء، وينهي لهم النظام ويقدّم "النصر على طبق من حلم".

ـ لم نفهم حقيقة الموقع السوري : الحيوسياسي، وتأثير انتصار الثورة، وإقامة نظام تعددي ديمقراطي على عموم المنطقة، ومنها كيان الاغتصاب الصهيوني، وجملة الترتيبات الغربية، والمصالح الكبرى لهم في منطقتنا، وما تمثله سورية من رافعة كبيرة يمكنها أن تحدث تغييرات عميقة في مجموعة دول الجوار وتمتدّ ابعد وابعد، وبما يشبه الزلزال الشامل ..وهو ما يعني أن مجموعة النظم، والقوى اٌليمية، والخارجية لا مصلحة لها في مساعدة الثورة وإسقاط النظام وإقامة البديل المنشود الذي يمكن أن تنتقل عدواه إلى البقية، وأن يكون محطة افتراق كبرى في التعامل مع "إسرائيل" .

ـ هذه الحقيقة هي أقوى من كل التعليلات الأخرى التي راحت تبرر وتحلل أسباب تمنّع الإدارة الأمريكية، ومن خلفها مجموع"أصدقاء سورية" عن تقديم المأمول، وإنجاد الشعب السوري . وهنا، ومهما قيل عن سياسة أوباما"الناعمة" المتعظة بنتائج الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتوجهات الرأي العام الأمريكي ومواقفه من الحرب، ثم سلسلة التبريرات المتصلة بطبيعة القوى المسلحة السورية والخوف من التطرف فيها، أو ضعف المعارضة وفرقتها، وعدم قدرتها على تحمل مسؤولية مرحلة ما بعد الإسقاط، او وضع الأسباب في ظهر روسيا تارة والصين تارة أخرى، وإيران أيضاً..وكثير من تسويغات امتلأت بها الأيام على مدار مسارات الثورة، واستمرار النزيف السوري.. فإن الحقيقة الأكبر تتصل بشيء آخر له علاقة مباشرة بالمشروعات الاستراتيجية الأمريكية، وفي الصلب منها : موقع إسرائيل، ودورها ..

ـ إن تعميق، وتوسيع النزيف السوري، وحشده بوسائل الاستنقاع، والخروج بالثورة عن سكتها الصحيحة كحركة شعبية تهدف إلى انتزاع الحرية، وبناء دولة الحق والعدل والمساواة، وإسقاط نظام الفئوية والفساد، والخلاص من منظومة فكر الأحادية والاستبداد .. ثم إغراق البلاد في حرب طائفية طاحنة، وبعث مختلف عوامل التشطية والتفتيت.. هو ما يشكل لبّ ذلك المشروع التي يمكن أن تقف على ضفافه عديد التكتيكات للغش والتمرير، والتغرير.

ـ كان الأولى، والأجدى بقوى المعارضة السورية، خاصة من تصدّى لمواقع مسؤولة، أو من وضعته ظروف غير طبيعية فيها.. ان يعي هذه الحقائق بدءاً ليس لأجل معاداة الآخرين، او رفض عونهم.. وإنما لبناء معادلة وطنية قوامها، واستنادها العامل الذاتي، وتنشيط ومركزة، وحماية القرار الوطني المستقل، والانطلاق منه في التعامل مع الآخرين من موقع الندّية، وتوفير المستلزمات الممكنة له، ومن أهمها :

1 ـ وحدة عمل قوى المعارضة والحراك الثوري، والعسكري، وفعاليات المجتمع المدني في أوسع جبهة تحالفية تكرّس الحوار، والعقل الجمعي، وترفض الاستئثار، والاستئصال والإبعاد، أو التمتّرس خلق العصبوية، والحزبوية، والنخبوية، والبندقية ...

2 ـ توحيد العمل المسلح في قيادة واحدة : أساسها وقوامها جيش وطني حر ملتزم بأهداف الثورة، لا يتدخل بالسياسة، ويتبع للقيادة السياسية، ويستند، بشكل رئيس إلى أهل الاختصاص والتراتيبية من الضباط المنشقين، والثوار الذين أثبتوا كفاءة، وإخلاصاً ، وتمسّكاً بمبادئ الثورة . والعمل على توفير المقومات الضرورية له ليبني ميزان قوى جديد من شأنه أن يفرض منطقه في الميادين، وفي الحلول السياسية الملبية لهدف الثورة .

3 ـ الارتباط بالداخل والأرض عبر شبكة علاقات صحيحة، وتمثيل أهداف ومطالب ومصالح الثوار، والاهتمام بشؤون الشعب، وأوضاع النازحين واللاجئين..

4 ـ الاتفاق على رؤية سياسية واضحة المرتكزات لسورية القادمة، وللمرحلة الانتقاليةـ، والحلول السياسية وموقعها وفحواها وآلياتها، وبرنامج عمل مشترك تسهم فيه جميع تلك القوى والفعاليات كل وما يقدر، وكلّ والأساليب المناسبة عنده..

5 ـ انطلاقاً من هذه العوامل كان يمكن بناء علاقات واضحة، وقوية مع الأشقاء، والأصدقاء بعيدة عن التبعية، والخضوع، ومبنية على الأهداف والمصالح المشتركة.. وحينها تجيء التفاهمات على مختلف الخطوات جزءاً من منظومة التوافقات والتفاهمات، وليس الإملاءات ..

ـ لنعترف، وبكل شجاعة، أننا لم نعمل ـ جميعاً ـ بهذا المنهج، وأننا ساهمنا بدرجة رئيس في إيصال الأمور إلى حالة تتجاوز الانسداد الراهن.. غلى مجموعة الأخطار، والتوليدات التي نمت في رحم محسوب على الثورة.. ثم راحت تشق عصا الالتزام بالبديهيات، وتشكل اليوم معضلة خطيرة تتصدّر المشهد والصراعات التناحرية..

وأن وقفة مراجعة، ونقدية هي مقدمة للتعرّف على عوامل الضعف والإيجاب، ومدخل طبيعي لوضع خارطة طريق حقيقية تشارك فيها جموع المعنيين بالثورة دون تهميش، أو إبعاد.. وذلك عبر عقد مؤتمر وطني جامع  يمكن أن يكون النقلة الضرورة إلى وضع صحي، وإلى بناء معادلة مستقرة، وقوية، وفاعلة..