قراءةٌ في أسباب و تداعيات الاقتتال الفصائليّ في إدلب

عُقْبَ الهزيمة المُرّة التي ألمّت بالفصائل في حلب، أمسك الناسُ قلوبَهم بأيديهم، خشية أن يثنّي النظامُ و حلفاؤه بإدلب، و يتعقّبوهم فيها؛ إلاَّ أنّ ذلك قد تمّ استبعاده من كثيرٍ من المراقبين:

1ـ سياسيًا ( المنطقة ضمن النفوذ التركي، و هو ما سعت تركيا مع روسيا لمنع التمدّد إليها ).

2ـ عسكريًا ( التضاريس فيها لا تسمح للنظام بالتحرّك، بذات الانسيابية التي كانت في حلب ).

3ـ أمنيًا ( حجم الاختراق الذي قام به النظام للفصائل، ليس بالمستوى الذي يؤهله للانقضاض عليها، على غرار ما قام به تجاهها في حلب ).

هذا فضلاً على النصائح التي أسديت لهم، بترك إدلب ساحةً للصراع الفصائلي، و لاسيّما بين ذات البعد العالميّ منها، و الأخرى ذات البعد المحليّ، و كلتاهما تشعران بفائض القوة، التي تغريهما للتمدّد المساحي أكثر، و لا يغيب عن البال الناحية الثأرية الكامنة في النفوس لديهما، عقب جولات من الاقتتال، و قد كانت أقرب جولاته في أحياء حلب الشرقية، في أثناء محاصرة و قتال النظام لهم قبل أيام من إخراجهم منها.

إنّ ذاكرة المراقبين حافلةٌ بصور من الاقتتال الفصائلي، للمجاهدين الأفغان حينما دخلوا كابل كفصائل، و ليس كحكومة مركزية تمسك بمفاصل الدولة، و تديرها برؤية واحدة، عوضًا عن الرؤى المتعددة.

و هذا ما كانوا يتوقعون حدوثه في إدلب، التي قامت غرفة عمليات جيش الفتح بانتزاعها من النظام في وقت قياسيّ، ليكونوا أمام اختبار إدارتها و تولّي شؤونها، و قد نُصحِوا بأن يسلموها إلى إدارة مدنية جامعة، و يوكلوا أمرها إلى مؤسسات المعارضة المعترف بها إقليميًا و دوليًا؛ إلاّ أنّ الفصائل ذات النزعة الجهادية العالمية قد استبعدت ذلك، و لا تزال كلمات الشيخ المحيسني حاضرةً في ذاكرة الأدالبة عندما أصرّ على أن ( إدارة إدلب لمن بذلَ الدم، و ليس لمن هم خلف الحدود ).

و كان ما حامت حوله الظنون، فتركت إدلب للرغبات الفصائلية، و أصبحت نموذجًا غير مشجع للمدن الأخرى للانعتاق من قبضة النظام، و كثيرًا ما شهدت قراها و بلداتها جولات كرّ و فرّ من أصحاب ( نظرية التغلّب )، غابت على إثرها فصائل و كتائب عن الوجود.

و إزاء ما كان في مدينة معرة النعمان، عشية يوم الخميس: 8/ 6، الموافق: 13/ رمضان ـ و الصائمون يترقبون لحظة الفطر ـ من أحدث جولة من هذا الاقتتال الفصائلي، يمكن للمراقبين أن يقرؤوا الآتي:

ـ إنّ أُسَّ الأزمة بين هذه الفصائل، يرجعُ إلى المنطلقات الفكرية التي تشبّع بها شرعيو العالمية منها، الذين أباحوا الصيال على الأخرى المحلية، انطلاقًا من ( قاعدة التغلّب )، لأخذ الآخرين إلى جناحهم غصبًا و إكراهًا، و هي قاعدةٌ لا تختلف كثيرًا عمّا ينطلق منه النظام من ( قاعدة الشرعية )، التي أباحها لنفسه بموجبها أن يستجلب الدعم له، من الدول و المليشيات من شتى بقاع الأرض.

ـ إنّ المشهد اليوم في المعرة، و البارحة في سنجار، و قبلهما في سرمدا و باتبو و سلقين و بابسقا و الحلزون و قورقنيا و حارم، ليشي بكثير من الرواسب بين هذه الفصائل، و يصعب تجاوزه بمجرد لقاء مصالحة، أو توقيع ورقة فضّ الإشكال من اللجان القضائية، و هي رواسب تراكمت بسبب انعدام الثقة بالدرجة الأولى، ثم بسبب رغبة الجماعات الجهادية بكسب هذه الجولة من الصراع مع أعدائها، على الأرض السورية، و لن يقف حائلاً دونها أيُّة فصائل، مهما كان حضورها أو مشاركتها في الثورة السورية.

ـ لقد أثبتت هذه الفصائل أنها دون مستوى المسؤولية، في إدراك خطورة الواقع و العواقب و المآلات، فقد نقلت صفحات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لاشتباكات الأمس في معرة النعمان، حملت الناس على استصغار قصف الطائرات الروسية لهم، و أشدّ ما كان الأمر إيلامًا لهم أنّ حرمة رمضان لم تُراعَ، و لم ينتظر المهاجمون حتى يبلَّ الناس ريقهم بعد أربعة عشر ساعة صيام.

ـ إنّ أشدّ ما يكون خطورة، عندما يكون في أحد الطرفين عناصر غير محلية، الذين أثبتت الوقائع أنّ الجولة تكون لفصائلهم، على حساب الفصائل المحلية غير المؤدلجة، فهؤلاء أحرقوا مراكبهم و آلَوْا على أنسفهم أن يجعلوا من أرض سورية قبرًا لهم، إذا لم تسعفهم الأقدار في تجسيد طموحاتهم، و يذكر المراقبون في الأزمة الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، مدى الصعوبات التي اعترضتها عندما كان غيرُ الجزائريين جزءًا منها.

ـ لقد أثبتت هذه الفصائل مجتمعة، مدى ابتعادها عن حلم السوريين في ثورتهم، فقد جعلت من تجربة الفصائلية فترة غير مأسوف عليها، و أشدّ ما سيلحق الضررُ من جرائها بالمشروع الإسلامي، الذي يرى كثيرٌ من المراقبين دونه عقبات كَأْدَاء، بعد الذي كان من حَمَلَتِه و دُعاتِه.

وسوم: العدد 724