إذا ما سأل الإنسان نفسه سؤالا بسيطا عن الهدف الأساسي الذي يحيا من أجله، فكيف ستكون الإجابة يا ترى؟ العائلة.. الذرية.. العمل.. المال..  الشهرة والنجومية وو...، أما الدين والأخلاق فستكون آخر شيء سيفكر فيه أو يضعه في جدول أولويات حياته، وهذا يرجع في نهاية المطاف لنقص الإيمان بعظمة الله.

هذا يجعلنا نتوقف أمام عنوان جديد في كتاب "هموم داعية" للغزالي، ألا وهو "مستقبلنا رهن بوفائنا لديننا" لنرى أن ما يشير إليه شيخنا الجليل من خلال مسألة شعار التوحيد لا يعني أن نشتري العداوة مع الخالق في خلقه خصوصا المستضعفين الذين ذكرهم القرآن الكريم لقوله تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" (سورة القصص: الآية 5)، ولا نحاول العداوات مع غيرنا حتى لو كان يهوديا أو نصرانيا. بالإضافة إلى ضرورة عدم التفكير في فرض الإسلام بالإكراه على هذه الفئة – اليهود والنصارى – لأن دين النبي الأمي المذكور عندهم في التوراة والإنجيل دين قناعة ولن يقبل القادر عز وجل غيره مصداقا لقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (سورة آل عمران: الآية 85).

والإنسانية المحترمة من وجهة نظر الكاتب، هي أن أظل متمسكا بأخلاقي ووحدانيتي، وتظل أنت أيها الآخر على ظلالك، وفي نهاية المطاف الإسلام جاء ليفرض نفسه في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة.

أما ما يشغل الإمام الغزالي هو الحكم السائد في عصرنا، والذي أصبح من وجهة نظره جسدا بلا روح، وسببه الرئيسي هو تراجع العديد من الحكام عن قبلة الإسلام لغايات شخصية خسيسة وأكبر دليل قوله: "يا حسرتنا على العباد! ، يفتخر اليهود بأسلافهم ويستحيون تاريخهم، وننأى نحن عن أسلافنا ونستحي من قرآننا وتاريخنا." (ص 82).

الباب الموالي يعيدنا إلى أهمية القرآن والسنة النبوية لفهم مقاصد الشريعة، لأجل فهم معنى وجودنا على وجه الأرض، ونعلم قيمة النعم التي نعيش فيها وذلك بفضل من الله على عباده.

"كلمات في القدر من الكتاب والسنة" عنوان يجعلنا في قيمة ما يغرسه الإنسان وقيمة ما يجنيه من وراء أقواله وأفعاله طيلة حياته الدنيوية كما يقول الغزالي: "من السياق القرآني نقول في جزم: إن من زكى نفسه وكبح هواه فقد أفلح.. لا مرية في ذلك، وإن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فهو إلى خير يقينا لا شك في ذلك.. وزلزلة هذه الروابط بين السبب والنتيجة مرفوض في دين الله، بل هو جريمة نفسية واجتماعية.." (ص 85).

ويرى الإمام محمد الغزالي أن بعض الناس في عصرنا هذا يريد أن يثير الخلل في موازين حكم الله البالغة، وهو يقول عن ذلك ما يلي: "إن الله لا يسأل عما يفعل، وله أن يتصرف في ملكوته كيف يشاء!" (ص 88)، وهذا فعلا حق أريد به باطل لن يبلغ أهله مهما فعلوا طيلة حياتهم على وجه الأرض أن يبلغوا تحقيق جملة من أهدافهم الخبيثة، لأن الله قادر واسع القدرة وهو الذي يقول في قرآنه العظيم: "قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا" (سورة المائدة: الآية 17). والله سبحانه نصر أنبياءه جميعا وإنما يهلك الكفرة الفجرة المتمردين على حكمه البالغة إلى يوم نزول المسيح عليه السلام الذي جعله آية من آيات علامات القيامة.

نتوقف قليلا في هذا الباب عند مثال ذكره شيخنا الجليل عن سؤال أستاذ لصديقه عن أحوال طلبته في الصف حيث يقول له: "لم يفلتوا من حكمك أو نفذ فيهم رأيك..!! سقط من قدرت سقوطه ونجح من قدرت نجاحه!!"، لكن الجواب جاء مشيرا إلى أن النتيجة تعود على جهد صاحبها فهو من يحدد مصيره الدراسي، وكأنه يشير إلى مصير الإنسان في حياته كافة ويشبهه بالتحصيل الدراسي.

الباب الموالي الموسوم "حقائق خفية وراء حروب تعيسة" جاء معاتبا بنبرة غضب لتلك الفئة التي تدعي الإسلام، وهي التي انسلخت عن تعاليمه بل أكثر من ذلك فهي تتربص بأهل الإسلام وتسعى لغرس الفتنة في أراضيه، كما وتنحاز للفئة التي تنحر أحبائه يوما بعد يوم.

أما العجيب في نظر الكاتب هو مضي البعض في طريق الانحراف، وهو يظن نفسه في الطريق المستقيم وكأنه لم يقرأ قوله تعالى: "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" (سورة آل عمران: الآية 54). وفي حقيقة الأمر أن المسافة في خط الزيغ والخط المستقيم تقدر بقدر أصبع، ثم تمتد فتصير قدر شبر، ولا يزال الزمان يطيل المسافة بين الخطين حتى تصير قدر ميل أو أميال، ويكون البعد عن الحق شاسعا في نظر الغزالي.

يعود في باب آخر للحديث عن أن الصراط المستقيم ليس منحصرا في وقوف العبد في محراب لعبادة الله وكفى، بل إنه جهاد عام لإقامة الإنسانية لإحياء معالم التعاون لإفشاء السلام بين الناس حتى لا يذل المظلوم والمستضعف أو يشقى المحروم أو يعبث بالحقوق المغرور وو... مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ".

أما الباب الأخير من هذا الكتاب جاء تحت عنوان "من جوانب انهيار المسلمين الحضاري"، والذي يعكس في جوهره أن أمتنا اليوم تعيش تخلفا حضاريا رغم ما وصلنا من موجة التكنولوجيات الحديثة والتي يسيء الكثيرون استغلالها للأسف الشديد. وفي رأي الغزالي أن الكيان الإسلامي تهاوى تحت ضربات دعاة التغيير، بل أصبح بين ليلة وضحاها أسيرا تدميه القيود، ويرهقه الإذلال لأن المسلمين فقدوا أسباب التمكين في الأرض فعصفت بهم ريح هوجاء.

كل هذا هو نتيجة الفساد السياسي من وجهة نظر الكاتب، والذي يعتبره مرضا قديما في تاريخ العرب، لأن الآخر سعى سعيا حثيثا في إفساد البيئة الإسلامية حتى لا تنبت فيها كرامة فردية ولا حرية اجتماعية مزركشة بعقائد ديننا الحنيف، فأين مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام في أيامنا هذه؟!

المصدر

(1) محمد الغزالي: هموم داعية، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 6، 2006.

تأليف : محمد إبراهيم ماضي

مجموعة تضم أربع قصص تحمل في طياتها هموماً للمسلمين ، تؤسي النفوس ، ولكنها تبشر بفرج يفرح به المؤمنون !!

ففي ( قلب لا تناله العواصف ) طرف من معاناة المسلمين اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، تمثلهم " أم عبد الله " التي اجتمع عليها الخروج من الوطن مع الحاجة ، وسُلط عليها التنصير الذي ينشط في تلك الظروف ، ولكن يداً حانية تمتد إليها لتنقذها مع ابنها المعوق !

وفي ( الشيطان ليس ولدي ) باع نفسه للعدو الذي عرف كيف يصطاده ، فأغراه بالمخدرات والفاحشة ، ليصبح عيناً له وسوطاً على أبناء جلدته ، وحين صادته رصاصة عادلة هتفت أمه : لست أماً للشيطان ، أولادي كل شهيد وسجين .

وفي ( والفجر الصادق موعدنا ) انتصر داعي الإيمان في قلب الجلاد ( نعمان ) وهو يرى الفتية المؤمنين يسامون العذاب بغير ذنب ، إلا أن يقولوا ربنا الله ، فقرر أن يكون معهم ، ولو كلفه ذلك حياته ؟!

وأما قصة ( فلسطينية هويتها الإيمان ) فتعرض طرفاً آخر من معاناة الفلسطينيين في بلاد الأشقاء ، وبطلتها امرأة عجوز تخرج من الأرض المحتلة للقاء ابنها بعد عشر سنين ، لتجد الصعوبات والاتهامات لها بالمرصاد !! عندما يقرر ضابط همام أن يعيدها مرة أخرى ، لأنها من شعب يحب العودة إلى وطنه ، ويحلم بها دائماً ؟!!

على الرغم من العذابات التي تتعرض لها شخصيات هذه القصص ، إلا أنها لاتصل إلى حد اليأس ، إذ لا يزال في الأمة خيّرون شرفاء ! ففي ( قلب لا تناله العواصف ) يتعاطف الموظف عبد الرحيم مع أم عبد الله ، ويكبر صبرها فيتزوج منها ، ليجد فيها الزوجة المؤمنة المجاهدة ! وينتقل ( نعمان ) في ( والفجر الصادق موعدنا ) من جلاد بلا قلب إلى مؤمن يصحو ضميره ويحس بأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ! وفي ( فلسطينية هويتها الإيمان ) لم يستطع الملازم حازم أن يكون محايداً أمام معاناة امرأة مسلمة، فيتصل بسيارة الإسعاف ليخرجها من المطار إلى المستشفى حيث ينتظرها ولدها المشتاق ثم يدفع الثمن .

وأما شخصية العميل أو الجلاد فإن للكاتب وجهة نظر في شخصيتهما فهو مع براعته في رسم هذه الشخصية ، يجد أن لديها قابلية لهذا العمل من خلال حياتهما المتعثرة .. فرأفت – مثلاً – في قصة ( الشيطان ليس ولدي ) كان صاحب هوى ، يحب نفسه ، ويسعى دائماً أن يتقدم على زملائه بأية وسيلة ، وقد أدمن المخدرات ، وحين انخرط في العمل الفدائي لم يكن ذلك عن إيمان ، ولكن لينال بعضاً من النقود يشتري بها المخدرات غالية الثمن ، وقد اصطاده العدو بفخ المخدرات والمرأة و (نعمان ) في ( والفجر الصادق موعدنا ) توقف عن دراسته عند المرحلة الإعدادية ، شاب طويل ضخم ، مفتول العضلات ، قاسي الملامح ، محدود الأفق والذكاء ، كثيرة نزواته ، عبد لشهواته متسلق كنبتة العليق .. اصطادوه بعد سهرة .. في ليلة ..

clip_image002_606b7.jpg

(دراسات وشهادات مهداة إلى الدكتور حلمي محمد القاعود بمناسبة بلوغه السبعين )

المؤلف : مجموعة من الكتاب

الناشر : دار النابغة. 2016م

عدد الصفحات : 300 صفحة – قطع كبير.

مبادرة كريمة تبناها عدد من الأصدقاء والمحبين الكرام للاحتفال ببلوغ الكاتب والأكاديمي والأديب المعروف حلمي محمد القاعود ، سن السبعين ، بتناول عطائه العلمي والفكري والأدبي حيث ما زال ممسكا بقلمه يبدع في مجال تخصصه الدقيق وهو النقد الأدبي ، إلى جانب كتاباته في الأدب السياسي والرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية وغيرها ؛ وقد نشرت في أكثر من خمسة وسبعين كتابا مطبوعا ، وأكثر من ثلاثين كتابا تحت الطبع .

ويضم الكتاب مقدمة طويلة لأبي الحسن الجمال ، محرر الكتاب ، وأبحاثا هي :

الدكتور القاعود هل عاش ألف عام  للدكتور محمد عباس ، أصداء هادية وأصداء موحية ....قراءة في سيرة الدكتور حلمي القاعود ومسيرته  للدكتور شعبان عبد الجيد ، الدكتور حلمي القاعود أيقونة النقد والدراسات الإسلامية لأسامة الألفي ، شعر السبعينيات في مصر بين أصالة التجربة وتطرف الحداثة "قراءة في كتاب الورد والهالوك" للدكتور صابر عبد الدايم ، الحب يأتي مصادفة ومعادلات الحب والحرب لفرج مجاهد عبدالوهاب ، والتكاملية والتطبيق في منجز القاعود النقدي للدكتور مصطفى أبو طاحون ، الدكتور حلمي القاعود ظاهرة متفردة بين أبناء جيله لزغلول عبدالحليم ، المئذنة باقية ..حدود إسهام اللغة في المنجز العلمي للدكتور حلمي القاعود ..دراسة استقرائية تحليلية للدكتور خالد فهمى ،  حوار مع الرواية المعاصرة في مصر وسوريا لأحمد دوغان ، الدكتور حلمي القاعود والأدب الإسلامي للدكتور صلاح عدس، في الليلة الظلماء ينتظر البدر لجميل عبدالرحمن ، حلمي القاعود مفكراً للدكتور أحمد السعدني ، حلمي القاعود مفكراً إسلامياً لخالد الأصور .

 "الكلمة الرسالية" في العطاء الفكري للدكتور حلمي القاعود بقلم السنوسي محمد ، وجهان للأمل وجهان لفكر واحد للدكتور حمادة هزاع .

  بالإضافة إلى الكلمة المسهبة في تكريم الاثنينية التي ألقاها الشيخ عبدالمقصود خوجة في تكريم المحتفى به . 

 كما تزين الكتاب بقصيدة رائعة مهداة إلى الدكتور حلمي القاعود للدكتور عبدالسلام البسيوني "أبو سهيل" ، وقصيدة أخرى جميلة للشاعر مجدي حجازي عبد العليم .

ويضم القسم الثاني من الكتاب شهادات للدكتور إبراهيم عوض والدكتور أحمد كشك والأديب محمد رضوان والدكتور صلاح عز والشاعر ياسر أنور والكاتب صلاح الإمام  والصحفي عامر شماخ .

 وخصص محرر الكتاب القسم الثالث للحوارات التي أجراها مع الدكتور القاعود في مناسبات مختلفة يرصد فيها الواقع الثقافي والقضايا الأدبية التي تشغل الكتاب والشعراء ، بالإضافة إلى قضية الصحافة المهاجرة التي كان الدكتور القاعود أول من تنبه إليها ، وأصدر عنها كتابا ظهر في طبعتين وأحدث رد فعل متباينا في حينه ، وسطا عليه بعض من منحوا ضميرهم إجازة . سامحهم الله .

clip_image001_4e370.jpg

الكتاب:

الدونمه بين اليهودية والإسلام

المؤلف:

د. جعفر هادي حسن

عدد الصفحات:

183 صفحة من القطع المتوسط

الناشر:

شركة دار الوراق للنشر -لندن- بريطانيا

الطبعة:

الثالثة- 2008م

قليلة هي الكتب العربية التي تسلط ضوءًا تاريخيًّا موثقًا على الشتات اليهودي الطويل ومحطاته الرئيسة، خصوصًا في القرون الأخيرة، وتلك التي اتصفت بالهستيريا الدينية ذات الطابع العاطفي، التي خالطتها الخرافات، معتمدة على الإرث الأسطوري لليهود في تاريخهم البعيد وشتاتهم الطويل، والتي شكّلت لاحقًا أسس الأيديولوجيات الصهيونية و(مبررات) التطرف الديني الذي اتصفت به، والذي جسدته "إسرائيل" لاحقًا بسياساتها المعروفة.. ولقد صدر حديثًا عن شركة دار الوراق للنشر في لندن ببريطانيا طبعة جديدة من كتاب تحت عنوان: "الدونمه بين اليهودية والإسلام"، للباحث والمؤرخ العراقي الدكتور جعفر هادي حسن، يتحدث عن تاريخ فرقة الدونمه وأصولها، في أسلوب أدبي سلس، ويضع القارئ أمام حقائق وغرائب ومفارقات ذلك التاريخ الطويل. فعبر عشرات المراجع بالإنجليزية والعربية يسلط المؤلف الضوء على تاريخ يكاد يكون خفيًّا على القارئ العربي، فيبحث المؤلف ظروف نشأة الفرقة وتاريخها وعقائدها، والدور السياسي لأتباعها في تركيا الحديثة، حيث برز منهم شخصيات معروفة، مثل وزير الخارجية الأسبق إسماعيل جم، ورئيسة الوزراء في تسعينات القرن الماضي تانسو جلر، وغيرهما.

والمؤلف الدكتور جعفر هادي حسن أستاذ جامعي عراقي، حاصل على البكالوريوس والماجستير من جامعة بغداد، وعلى البكالوريوس باللغات السامية (العبرية والأرامية والفينيقية) من جامعة مانشستر، والدكتوراه من جامعة لندن. درس في جامعة البصرة والملك عبد العزيز ومانشستر والكلية الإسلامية بلندن..

شبتاي صبي.. مؤسس فرقة الدونمة

وفرقة الدونمة، كما يقول المؤلف، من الفرق الباطنية المثيرة للاهتمام، نشأت على أساس من الفكرة المسيحانية في اليهودية. وكانت هذه الفرقة قد ظهرت في تركيا في القرن السابع عشر الميلادي، بعد أن ادعى حاخام يهودي في تركيا يدعى شبتاي صبي أنه المسيح المخلص، ثم أظهر الإسلام، ولكنه ظل يبطن اليهودية، وتبعه المؤمنون به على ذلك إلى اليوم، وهي مازالت في تركيا إلى اليوم.

(الدونمة) كلمة تركية أطلقها الأتراك المسلمون على أتباع (شبتاي صبي)، الذين تظاهروا بالإسلام كما تظاهر هو. وهي تعني «المتحولون عن دينهم» أو «المرتدون عنه». بينما تطلق الجماعة ذاتها على نفسها (مئامنيم)، وتعني «المؤمنون» أو «المصدقون» بـ(شبتاي صبي). ويعتبر الدونمة أنفسهم مجموعة مختارة متميزة، لأنهم تابعوا شبتاي في تظاهره بالإسلام، وقبلوه، بينما لم يفعل ذلك البقية من أتباعه. وكان عدد الدونمة قليلًا عندما كان شبتاي حيًّا، وكان أكثرهم من يهود تركيا ودول البلقان. ففي منتصف ثمانينات القرن السابع عشر الميلادي، أي بعد وفاة شبتاي بسنوات، أظهر ما يقارب ثلاثمائة عائلة من أتباع شبتاي إسلامها في سالونيك - اليونان، ثم هاجر أكثر من كان في تركيا منهم إليها، فأصبحت سالونيك منذئذ المركز الرئيس لهذه الفرقة.

والدونمة هي تجسيد اتسم بتصاعد هستيري حول شخص اسمه (شبتاي صبي)، قدم المؤلف شرحًا وافيًا عنه في الكتاب، حيث خص الباب الأول من كتابه بالحديث عنه. يقول المؤلف: "عقيدة الدونمة تتركز في الواقع حول شبتاي نفسه... إن عقيدة الدونمة لا تعني شيئًا لهم - أي أتباعه - بدون شبتاي، فهو المسيح وهو المخلّص وهو المنتظر والمؤمل، كما أن تقاليدهم وتعاليمهم وأعيادهم تتركز أيضًا حوله وحول ما شرعه لهم".

امتدت حياة شبتاي صبي من 1626، حيث ولد في مدينة أزمير التركية لأبوين يهوديين مهاجرين من اليونان إلى 1676 تاريخ وفاته، منفيًّا من قبل السلطان العثماني في مدينة أولفن في ألبانيا. نصف قرن محتشد بالتحولات والمخاطر والتقلبات والألاعيب التي حولت الخرافات إلى حقائق في أذهان أتباعه، ولم يأت تحويل الخرافات إلى (حقائق) اعتباطًا، لأن التاريخ اليهودي، كما في كل تاريخ، هو في الواقع تاريخان يتداخلان هنا ويفترقان هناك. فالأول هو تاريخهم الواقعي كجماعة دينية عاشت في بلدان متعددة، وتعرضت كما تعرضت الجماعات الأخرى إلى تقلبات الحياة الإنسانية وامتحاناتها الكثيرة. أما التاريخ الثاني فهو تاريخ أساطير وخرافات تتعلق بانتظار المخلّص الذي جسّده شبتاي صبي خير تمثيل.

لقد قدم جعفر هادي حسن هذه السيرة المضطربة والخطيرة بطريقة يمكن تسميتها بالروائية، حيث تتبع تفاصيلها ونمو شخصياتها وأحداثها استنادًا إلى خلفياتها وأصدائها المحلية والدولية، حيث أثرت دعوة شبتاي صبي على جميع اليهود في مختلف بلدان تواجدهم سلبًا وإيجابًا، فلم يكن هذا الرجل موضع ترحيب من قبل جميع اليهود، خاصة بعض الحاخامات الكبار، ولكن لم تؤثر اعتراضاتهم على انتشار دعوته، خصوصًا تحت تأثير (ناثان المتنبئ)، الذي سرعان ما ظهر في حياة صبي وسانده وروّج له. ويعتبر ناثان صانع خرافات ومصعّدًا لها بطريقة دراماتيكية مثيرة للانتباه.

الدونمة من الفرق الباطنية

بينما خصص الكاتب الباب الثاني للحديث عن فرقة الدونمة من حيث أصولها وتعاليمها وفروعها..

يقول المؤلف: "عقيدة الدونمة هي واحدة من أغرب العقائد التي يصادفها الباحث.. ووجه الغرابة فيها هو أن أتباعها التزموا ظاهرًا واختيارًا بالشعائر الإسلامية التي لا يؤمنون بها، وآمنوا باطنًا بمعتقدات يعتقدونها ولا يظهرونها للناس، وهم على الرغم من التزامهم الظاهري بالمعتقدات الإسلامية فإنهم يمقتون الإسلام. ويفسر علماء الدونمة إظهار شبتاي الإسلام على أنه مرحلة مقدمة لخلاص اليهود.. ولقد ظلت عقائد الدونمة ردحًا طويلًا من الزمن سرًّا من الأسرار، لا يعرفها إلا هم، وبقي الناس لا يميزون بين الدونمة وبين غيرهم من المسلمين، وكيف يميزونهم وهم يؤدون ما يؤديه المسلمون، ويتسمّون بما يتسمّون به من أسماء؟". بقي الدونمة 250 سنة يعيشون خلف جدار صيني سميك في معزل عن الناس، في مجتمع مسلم في سالونيك - اليونان. "وقد طوروا عقيدتهم من خلال حياتهم السرية، وعن طريق تقاليدهم الخاصة وأعرافهم الدينية الغريبة، وبطريقة سرية تمامًا.. ولم تبدأ أسرار هذه الفرقة تنكشف إلا في بداية القرن العشرين، حيث حصل بعض الباحثين والمختصين على بعض كتبهم التي تضم عقائدهم وتعاليمهم".

ولأن فرقة الدونمة قد نشأت أساسًا على الإيمان بفكرة (المسيح المخلّص في اليهودية)، يقوم الكاتب بشرح تفصيلي لهذه الفكرة وخلفياتها في الديانتين اليهودية والمسيحية، ثم يستعرض أهم الحركات والشخصيات التي ادّعت أنها المسيح المخلّص قبل ظهور شبتاي صبي بقرون. واستنادًا إلى هذا التاريخ الطويل من الخرافات التي سكنت خيال قسم من اليهود، وخالطت معتقداتهم، رغم تساقطها عبر الزمن، الواحدة تلو الأخرى، استطاع شبتاي أن يجد منفذًا للخيال الجمعي لهؤلاء، مبلورًا دعوته حسب ما ذكره لأحد الحاخامات قبيل وفاته بسنتين، "أنه في إحدى الليالي من عام 1648 هبط عليه الروح القدس عندما كان يتمشى في الليل، على بعد ساعتين من المدينة، حيث سمع صوت الله يقول له: أنت مخلّص إسرائيل، أنت المسيح، ابن داوود المختار من قبل رب يعقوب، وأنت المقدّر لك إنقاذ إسرائيل وجمعهم من أركان الأرض الأربعة إلى أورشليم".

ولم يبق ادعاء شبتاي سرًّا محصورًا بين طلابه وأصحابه، إذ سمع به الحاخامات فأثار غضبهم وحنقهم، فاستدعوا شبتاي للمثول أمامهم للتأكد مما كان يدعيه، إلا أن شبتاي رفض ذلك، بل وسخر منهم. فتدارسوا أمره بينهم، واتفقوا على أن يصدروا قرارَ طردٍ من اليهودية بحقه. وكان من بينهم أستاذه جوزيف أسكافا، الذي كان يدعو إلى قتله، قائلًا: "إن من يقتله سيجازى بكل خير، لأنه سيقود اليهود إلى الضلال ويبتدع دينًا جديدًا".

لكن شبتاي لم يتأثر بهذا الموقف، ولكي يضمن نجاح مشروعه غادر أزمير إلى سالونيك، حيث كان فيها آنذاك جالية يهودية كبيرة، وما يزيد على ستة وثلاثين كنيسًا، والكثير من يهود سالونيك كانوا قد تجمعوا فيها بعد طردهم من إسبانيا والبرتغال منذ نهاية القرن الخامس عشر. وفي مجتمع المطرودين والمهاجرين هذا وجد شبتاي ضالته، حيث هؤلاء متهيئون لتقبل ادعاءات المخلّصين والمنقذين بما ينطوي عليه الأمر من خلفية خرافية طويلة ومتراكمة.

وبعد أن وطّد أسس دعوته بدأ في التحرك نحو الشرق، حيث زار طرابلس ومصر وبلادًا أخرى، ثم فلسطين، متحركًا بين غزة وأورشليم ومدن أخرى، ووجد احتفالًا خاصًّا به من قبل الكثيرين، خصوصًا الحاخام ناثان الذي تحول إلى ساعده الأيمن، ليعلن لاحقًا أن شبتاي صبي هو المسيح المنتظر!

لقد جاء ذلك بعد نشاطات كبيرة في صفوف الجاليات اليهودية في مختلف بلدان العالم، حيث أحدثت دعوته هزات كبيرة في صفوفهم، وصلت أحيانًا إلى هستيريا دينية، فأخذ شبتاي يعد اليهود بالسلطة والثأر لهم من أعدائهم، وتحقيق دولتهم التي سيحكمون العالم من خلالها.

فبعد أن أقنع ناثان شبتاي صبي بأن "الوقت قد حان ليعلن للعالم أنه المسيح، كما أنه أعد العدة لذلك بأكثر من طريقة، اعتقد أنها ستكون مؤثرة على الناس. ففي ليلة عيد الشفعوت اليهودي ربيع 1665 دعا ناثان مجموعة من طلاب الشريعة وبعض الحاخامات أن يحيوا الليلة معه لدراسة التوراة، ولم يحضر شبتاي لأنه كان في (حالة استتار الوجه)، وفجأة وعندما كانوا يدرسون نام ناثان نومًا عميقًا، ثم بعد ذلك قام ووقف على رجليه وأخذ يمشي في الغرفة، جيئة وذهابًا، وهو يقرأ نصوصًا طويلة من التلمود، ثم طلب من بعض الطلاب أن يغني بعض المدائح. فأخذ يقفز ويرقص، ثم قفز قفزة كبيرة سقط على إثرها منبطحًا على الأرض، ولما فحصوه شكّوا في أنه ميت، فوضعوا منديلًا على وجهه كما يُفعل مع الإنسان الميت. ولكن ما إن مرت برهة من الزمن حتى سمعوا صوتًا خافتًا يخرج من فم ناثان دون أن تتحرك شفتاه، ثم نطق قائلًا: اعتنوا بابني المحبوب ومسيحي شبتاي صبي، اعتنوا بابني ناثان النبي".

وما إن نجحت هذه الهستيريا الممسرحة حتى تحولت إلى هاجس انتاب قسمًا من اليهود في الكثير من المدن الأوروبية والشرقية، "بل إن الأمر وصل ببعضهم إلى أن يستعدوا ويتهيئوا للذهاب إلى فلسطين.."، وقد وصفت إحدى اليهوديات من هامبورغ تلك الفترة بقولها: ليس من الممكن وصف فرحنا عندما كنا نتسلم الرسائل.. كان اليهود السفاريدم يلبسون أحسن الملابس وأجملها، ويضعون حزامًا أخضر من حرير، وهو شعار شبتاي، ويخرجون في الشوارع يرقصون على ضرب الطبول كما كانوا في الأيام القديمة في عصر الهيكل. وقد باع بعضهم ما يملك، وكانوا ينتظرون يوم الخلاص. مما يسهل على المتابع مقارنة تلك الأيام البعيدة بالأيام اللاحقة في العقود الأولى من القرن العشرين، حيث عادت تلك الهستيريا التي دفعت بالآلاف من اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين كمقدمة لإعلان دولة إسرائيل..

وبقيت ازدواجية أتباع هذه الفرقة جزءًا من عقيدتهم إلى اليوم، فهم يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية، ويؤدون الصلاة مثل المسلمين، ولكن لهم كنسهم السرية التي يؤدون فيها الصلاة اليهودية، وهم يستعملون الأسماء اليهودية والإسلامية لأنفسهم، إلى غير ذلك من مظاهر الازدواجية.

الدونمة في تركيا الحديثة

قدر عدد الدونمة نهاية الدولة العثمانية ما بين 10 و15 ألفًا، وكان لهؤلاء دور سياسي واقتصادي في تاريخ تركيا الحديث. فهم قد شاركوا بقوة في نشاط حركة الاتحاد والترقي، التي ألغت الخلافة العثمانية وأبدلتها بالجمهورية. وكان منهم وزراء ومسئولون كبار، أيام حكم كمال أتاتورك، أشهرهم محمد جاود بك، الذي كان وزيرًا للمالية لثلاث مرات في تلك الفترة. وقد عرف عن هذا الوزير أنه كان صهيونيًّا متعصبًا. ومنهم في عصرنا الحالي زوجة رئيس الوزراء الأسبق بولند أجويد رحشان أرال، التي كانت لفترة رئيسة حزب الشعب الجمهوري، وأطلان أويمن، مؤسس وكالة الأخبار"انكا"، كما ترأس حزب الشعب الجمهوري أيضًا، وكذلك وزير الخارجية الأسبق إسماعيل جم، ورئيسة الوزراء في تسعينات القرن الماضي تانسو جلر، كما أن الكثير من الضباط الكبار في الجيش هم من الدونمه، ولهذا دور في الصراع العلماني الديني في تركيا اليوم. وللدونمه مؤسسات تعليمية خاصة بهم، أهمها جامعة "أشك" (النور). ولا يعرف على وجه الدقة عدد أفراد هذه الفرقة، ولكن إحدى الصحف اليهودية في تسعينات القرن الماضي قدرتهم بأربعين ألفًا، ولكن أحد أفراد الفرقة الذين خرجوا منها وكتب كتابًا في الموضوع يقدر عددهم بأكثر من ذلك بكثير.

والكتاب لا يلقي الضوء على اليهود والدونمة وإسرائيل فحسب؛ بل يساعد في فهم الصراع العلماني الديني في تركيا، لاسيما إبان الإمبراطورية العثمانية، والظريف أن مؤسس الدونمة شبتاي صبي جعلني أعلم أن المدعين لا يختصون بدين دون دين، أو بمذهب دون مذهب، ففكرة المهدي والمخلص والمسيح موجودة إذن حتى عند اليهود، لاسيما وأن المسيح المخلص غير مذكور بشكل صريح في التوراة، ولكنها الحاجة الخفية للإنسان لمن يخلصه من العذابات المستمرة التي أوقع نفسه فيها. وفي الكتاب تفصيلات كثيرة ذكرها المؤلف، ويجدر بالقارئ الاطلاع عليها لتكوين فكرة عن هذا الموضوع المهم والمثير لتلك الفرقة الباطنية التي عملت على التشويه والنيل من الإسلام..

clip_image001_35f27.jpg

clip_image003_1021f.jpg

صدر مع العدد الخامس عشر بعد المائة الخاص بشهر إبريل الحالي 2016م من مجلة "الرافد" الثقافية الإماراتية، كتاب ملحق، حمل عنوان (دور قصص الأطفال في تنمية الطفل)، للأديب والباحث اليمني الدكتور/عبد الرحمن عبدالخالق.

الكتاب مأخوذ من دراسة للباحث الدكتور/عبدالرحمن، موسومة بعنوان (دور الأسطورة والحكاية في تنمية مخيلة الطفل العربي وإثرائها). جاء في 192 صفحة، وقُسم محتواه إلى سبعة فصول، أبرزها: قصص الأطفال والمراحل العمرية للطفولة، والقواعد الأساسية لكتابة قصص الطفل، وتمثّلات دور قصص الأطفال في تنمية الطفل، وتكمن أهمية الدراسة بأنها تلقي الضوء على الأهمية الكبيرة لقصص الأطفال في عملية تربيتهم وتنشئتهم، وتنمية شخصياتهم، وتشير إلى  خطورة بعض الحكايات والقصص التي تُقدم للطفل، كما تتطرق إلى أهم وسائط قصص الطفل، مع إبراز خصائص كل وسيط، ومقدار تأثر الطفل به.

يهدف الكتاب إلى التعريف بأدب الطفل، والدور الذي من الممكن أن تلعبه قصص الأطفال في تنميتهم، والتأكيد على دور الوسائط الإعلامية الناقلة لقصص الأطفال، وكذا أهمية تفعيل هذه الوسائل، وتحسين أدائها؛ لتستطيع الإسهام بشكل فاعل في تطوير ثقافة الطفل، إلى جانب التعريف بأنواع قصص الأطفال، والعلاقة بين القصص والمراحل العمرية للطفولة، واعتمد الباحث بإعداد الكتاب على المنهج الوصفي التحليلي، كما استفاد من المنهج النقدي، من حيث دراسة بعض النماذج القصصية للطفل من منظور نقدي.

اُفتتح الكتاب بتوطئة للدكتور/عمر عبدالعزيز – رئيس تحرير المجلة، معنونة بـِ (كتاب يشدّنا إلى مرابع الزرقة وأقواس قزح)، قائلاً: "سيجد القارئ في صفحات الكتاب العديد من المحطات والمقاربات حول الدور الحيوي الذي يلعبه كتاب الطفل في تنمية مداركه ورؤاه وعلاقته بالوسط المحيط"، وأضاف: "هكذا بدت لي علاقة المؤلف بعالم الطفولة؛ فالمؤلف مستغرق في الأداء المهني المنتظم، ومهجوس بعالم الطفولة، إننا إزاء حصيلة تراكمية تقترح مساراً تربوياً وتعليمياً وذوقياً، في التعامل مع قصص الأطفال، وبطريقة تنفسح على كامل العتبات المرئية والمتوارية للنصوص الكتابية والبصرية ذات القيمة التواشجية المطلقة في كتاب الطفل".

ويأتي هذا الإصدار ضمن سلسلة من الكتب الثقافية، الملحقة بأعداد مجلة "الرافد" الثقافية التفاعلية، الصادرة شهرياً من دائرة الثقافة والإعلام التابعة لحكومة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوزع داخل الإمارات، وتُصدر إلى أغلب الدول العربية، وعدد من الدول الأخرى.

يُذكر أن عبد الرحمن عبدالخالق دكتور علم الاتصال بقسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة عدن، حضر رسالته بالماجستير عن رائد القصة اليمنية محمد عبدالولي، وحملت رسالته بالدكتوراه عنوان (الخصائص التفصيلية لمجلة "الحكمة اليمانية")، ترأس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – فرع عدن لدورتين، وكان عضو المجلس التنفيذي للاتحاد لدورتين أيضاً، في رصيده مجموعة قصصية للأطفال بعنوان (طفل.. الليلة ما قبل الأخيرة)، ومجموعة أخرى تحت الطبع، وسبع كتيبات من قصص الأطفال، كما كتب عشرات المقالات الثقافية والاجتماعية في الصحف المحلية والخارجية، وشارك في العديد من المحافل الثقافية الخليجية والعربية.

المزيد من المقالات...