clip_image001_20f51.jpg

clip_image003_7310d.jpg

قصة  " صديق ياسمين"  للأديبة عبير الطاهر ، رسوم أديب مكي ،  تقع  القصة في 24 صفحة من  الحجم  المتوسط صفحات داخلية ملونة  ، غلاف عادي  اصدار دار  المنهل ،  بدون تسجيل  سنة  الاصدار .

القصة  :  تتحدث  القصة عن  طفلة  اسمها  ياسمين  خجولة جدا ، تقضي  جل  وقتها  في  اللعب مع  صديقها  الوحيد  التنين الأخضر ، تصحبه  الى  طبيب  الأسنان ،  وتشعر  انه  يشجها  ويحثها  على  عدم  الخوف ، يرافقها  في  "السوبرماركت" ،  ويساعدها  في  اختيار  المأكولات بأنواعها  ،   ذات  يوم  ياسمين  تشاهد  من  نافذتها أحد  الأولاد  يلعب  بالكرة مع  كلبه وتتمنى  لو تشاركه  اللعب ، في  أحد  الأيام  وقعت الكرة داخل غرفتها  ، رمتها  الى صاحبها  واقترح  عليها  الولد أن  تلعب  معه   شعرت ياسمين  أن  التنين  الأخضر يبتسم  لها  ويقول " هيا  اذهبي  معه "  لبت  النداء  وكسرت حاجز الخوف  والخجل ، لكنها رمقت  التنين  الأخضر وقالت له " لن  انساك " .

رسالة  الكاتبة  : 

-  ضرورة  كسر حاجز  الخجل  لدى  الأطفال

 -  الرفق  بالحيوان ،  الولد  كان  يلعب  الكرة  مع  كلبه

-  وجوب  الاهتمام عند  التسوق شراء الأغذية والاطعمة الصحية والمفيدة لأن  الأطفال يشترون  كل  ما  يقع  تحت  أيديهم .

-  الخجل يؤدي  الى  الانطواء  والملل

-  ضرورة زيارة  طبيب  الاسنان  عند  الحاجة ولا حاجة للقلق  او  الخوف وزيارة طبيب  الاسنان مرتبطة بتناول الحلويات .

-  الأمانة - ياسمين اعادت  الكرة الى صاحبها  فورا  ولم  تفكر  للحظة واحدة أن  تستبقيها أو  تستحوذ عليها  أو  تنكر وجودها .

- يمكن  حل  مشكلة  الخجل  من  خلال  دمجهم  مع  اترابهم .

-  تأكيد  مفهوم  الصداقة  ، عندما  تعرفت على  الولد ، وعدت  التنين بانها  لن  تنساه .

ملاحظات  حول  القصة .

-  عدم ذكر  أفراد الأسرة  من  والدين  واخوة .

- عدم  تسجيل  سنة  الإصدار

- كتب الاهداء  في  اعلى  الصفحة ،  لو كتب  تحت اسم  القصة واسم  المؤلفة  لكان  أفضل .

-  استعملت الكاتبة كلمة " سوبرماركت "  ، وهي كلمة غير عربية ، يمكنها  استعمال كلمة متجر او مجمع  تجاري

- طباعة القصة يمكن  ان  تكون  بجودة أفضل  من  ناحية فرز  الألوان  وجودة  الورق وتماسك الكتاب.

أسئلة  مقترحة حول  القصة

- صف علاقة ياسمين بالتنين الأخضر ؟

- لماذا  زارت ياسمين المتجر ؟

-  بماذا  كانت  تفكر ياسمين  عندما شاهدت  الولد  يلعب بالكرة  مع  كلبه ؟

- من  كان  يسمع  حديث  ياسمين  مع  التنين  الأخضر  ؟

- كيف نجحت ياسمين  في  كسر  حاجز  الخوف  ؟

-  اقترح  حلولا  لكسر  حاجز الخجل  لدى  الأطفال ؟

- هل ساهمت  الرسومات   في  إيصال  رسالة  الكاتبة ؟

-  لماذا  قامت ياسمين في  نهاية  القصة للتنين  " لن  انساك " ؟

- هل تعتقد أن القصة علاجية ؟ اشرح .

- اقترح نهاية  أخرى للقصة .

خلاصة :  قصة  جميلة  وعلاجية ، معبرة بأسلوب  سهل وسلس تطرح  مشكلة عامة  لدى  الصغار  وهي  الحياء  والخجل والانطواء وتطرح  الحل  البسيط والواقعي بعيدا  عن  التعقيدات  والنظريات والوعظ  والشعارات الرنانة ، رسومات جميلة  ومعبرة .

قصص أخرى للمؤلفة  من  نفس  المجموعة

- ياسمين والوحش

- عمر لا  يحب ان  يكتب

- أين ياسمين

- دبس

- ياسمين والعصفور

- لا  أحد  يحبني 

clip_image001_9dade.jpg

قراءة في قصيدة للشّاعرة فاطمة نزّال

- النّصّ:

تواريت عنّي

لتتجلّى فيّ

نورك يملأني

روحك تؤنسني

وبنبضك في قلبي

يزداد يقيني

أنّك حيّ...

- القراءة:

ثمّة فرق شاسع بين أن تتبنّى نظريّة الحقيقة وأن تتوقّف عن البحث عنها لتحيا في دائرتها النّورانيّة. وثمّة تعارض بين اعتناق الحقيقة بالقوّة وتلمّس خيوطها والاستدلال بها بالفعل. وإذ تطلّ علينا  الشّاعرة فاطمة نزّال بهذه القصيدة المشرقة بأنوار الحقيقة، تعبّر عن تأمّل رفيع في عمق أعماقها الإنسانيّة، حيث ولجت باحثة عن الحقيقة لتدرك مقامها في أعمق مكان في النّفس، حيث يغيب الحسّ، والسّمع، والبصر، ولا يبقى إلّا هدير الصمت القائل: " أنت هنا في قلبي."

- القصيدة الحقيقة:

( تواريت عنّي / لتتجلّى فيّ).

مبدأ تجلّي الحقيقة يعتمد على اختفائها عن الحسّ الظّاهري لتُدرَك في الأنا. ما يدلّنا على نقاء بصيرة الشّاعرة واعترافها الصّريح بأنّها تلمّست أنوار الحقيقة وإلّا لما قالت ( تواريتَ.. لتتجلّى). فالتّجلّي هو الظّهور المترافق والاختبار الشّخصيّ. وقد قاد الشّاعرة لتعلن حضورها في الدّائرة العشقيّة، والاتّحاد الكامل بالمعشوق الإلهيّ دون أن تمهّد لنا السّبيل إلى ذلك. فوهي المغمورة بالتّجلّي، تسبح في يمّ النّور وتحيا فيه ومعه في حركة ديناميكيّة، بل لم تعد هي من تحيا وإنّما الحضور الإلهيّ هو الحيّ فيها. (  نورك يملأني / روحك تؤنسني).  وكأنّي بها تبشّر بموتها عن الأنا وبقيامتها إلى الحيّ الّذي لا يموت.

النّور في رمزيّته وحقيقته ينفي كلّ ظلمة، وتشويش، واضطراب. ويكشف للعاشق حضور الله بعيداً عن الأدلّة الملموسة والحسّيّة. ما ترجمته الشّاعرة بقولها ( وبنبضك في قلبي). انصهر نبضها بنبضه، واتّحد النّبضان ليزداد اليقين، أو بمعنى أصح، لتلج الشّاعرة العاشقة عالم الحضور، وتسبر أغواره بثقة ويقين لا لبس فيهما. (  يزداد يقيني / أنّك حيّ...).  يشابه قولها إلى حدّ بعيد قول الحلّاج:

أدنيتـَني منك حتـّـى       ظننتُ أنـّك أنـّــي

وغبتُ في الوجد حتـّى   أفنيتنـَي بك عنـّــي.

اغتربت الشّاعرة عن نفسها، بل جذبها الحضور الإلهي بحبال المحبّة والودّ حتّى أفناها عن ذاتها وسكن فيها، فأمسى كيانها سكناه ( نورك يملأني). لم يبقَ من ذرّة في كيان الشّاعرة إلّا وامتلأ نوراً ويقيناً، فتشكّلت الصّداقة كعلاقة حميمة بينها وبينه، ونمت حتّى تجلّى الكيان العاشق دائرة من نور، وحياة تضج بحقيقة الحبّ. 

في الفناء عن الذّات يلقى الإنسان كينونته في حضور العشق الإلهيّ، ويرتشف الحرّيّة المرجوّة، وينعم في سعادة الحقّ. ولئن ارتقت تعابير الشّاعرة إلى هذا المستوى، سمت إلى رتبة القدّيسين بالمفهوم العشقي لا بالمفهوم الدّيني. أي ارتفعت إلى رتبة المحبّين الّذين إذا ما صلّوا تكلّموا شعراً، وإذا ما كتبوا صاغوا الكلام بوحي.

 فالشّاعر قدّيسٌ

من وحي الله يكتبُ ويترنّمُ

وعلى صفحات الكون يخطّ أشعاره ويتلو...

( تعقيب على الملاحظات القيمة للأديب والشاعر المهجري الكبير والرائع  د. جميل الدويهي على مقالي "يوميات نصراوي: عن الثقافة والتثاقف"! – نشر في افكار اغترابية: www.afkarightirabiah.com.au )

******

اشغلني موضوع النقد الأدبي (ولا اعتبر نفسي ناقدا) في ثقافتنا العربية داخل اسرائيل من جوانبه المختلفة ، وخاصة جانب المتابعات النقدية للأعمال التي يصدرها الأدباء المحليين .

ربما يكون بعض الأدباء من المتعاملين مع النقد او الابداع ، ، يرون في كتاباتي ومواقفي اتجاها عكس التيار ، ومهما بدى ذلك صحيحا الا انه بعيد عن الصواب .

بنفس الوقت لا اريد ان يتوهم القارئ اني استاذ في النقد الادبي ، انا قارئ متذوق للأدب ، وحسب مارون عبود ، الذائقة الأدبية هي أفضل معيار نقدي ، وعلى اساسها مارس أعظم النقاد العرب ( مارون عبود ) عمله النقدي الثقافي الابداعي الخالد ، ونفس الظاهرة  نجدها لدى الناقد الكبير محمد مندور .

يؤلمني حتى النخاع التضليل الأدبي الذي يقوم به بعض مثقفينا ، تحت نصوص تسمى بالنقد ، يغيب عنها النقد ، وتغيب عنها الذائقة الأدبية البديهية، وأكثر ما يغيب عنها المصداقية والاستقامة الادبية ، وهذه الظاهرة تتسع باضطراد في الثقافة العربية داخل اسرائيل ، ويساعد على ترويجها في الفترة الأخيرة بعض الأدباء العرب في مقدماتهم التي تفيض بالمدائح غير المعقولة لبعض الكتب لأدباء من العرب في اسرائيل .

لست ضد رعاية الناشئين من كتاب وشعراء ، بل هو واجب مقدس . ولكن بين الرعاية والدعم ، والمديح المنفلت لدرجة تنمية الوهم المجنون ، بانهم بلغوا قمة الابداع الأدبي ، ببعض النصوص التي تفتقد لأي لون أدبي حقيقي ، ولا تتعدى كونها تجارب ومحاولات لصياغة ادبية ، بات يشكل في ثقافتنا ظاهرة مقلقة ، أصبح الصمت عليها جريمة أدبية وأخلاقية .الناقد الذي لا يفقه مهمته وأثرها الكبير على مسار ثقافتنا ، يجب ان يصمت ، وأن يمارس ما يشاء من الالوان الثقافية ... ليلعب لعبته بعيدا على ان لا يتسلل لتوجيه الأهداف غير المشروعة ، التي تكرارها يشكل خروجا عن المفاهيم الأدبية وأخلاق الابداع الأدبي .

وحتى لا يفهمني خطأ الذين اتعرض لهم بكتاباتي في اطار حرية الرأي والتعددية الفكرية والذوقية ،اود ان اوضح باني أحب كل المساهمين ببناء صرح أدبنا ، كتابا وشعراء ونقاد ، لا فرق بين الذين يوفقون في ابداعهم او يتعثرون ... طريق الابداع ليست " أوتسترادا " للانطلاق السريع ،انما طريق جبلية بالغة الصعوبة ، وتفترض مستوى من الوعي وتطوير الوعي ، الى جانب تطوير الخصائص الشخصية ، خصائص السيطرة على النص وقيادته ، بدل ان يقودنا ، وخصائص تنمية الملكات العقلية ، وهذا ليس وقفا على المثقفين الشباب ، بل وعلى كل مثقف يزين صدره بالألقاب الأكاديمية العليا أيضا .. لأنه ببساطة لا حدود للوعي والادراك في العقل البشري .

الثقافة لها مدلولات ابعد كثيرا من مجرد الابداع الأدبي ، الأدب هو الجانب الروحي للثقافة ،والثقافة بمفهومها التاريخي تشمل الابداع المادي ايضا ،أي انجازات الانسان العمرانية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة ، وهذا يحمل الناقد على الاخص ، وكل المبدعين في مجال الثقافة الروحية ، مسؤولية كبيرة ان لا يغرقوا في المبالغات المرعبة في بعدها عن الواقع ، تماما كما في العمليات الاقتصادية والاجتماعية ، ولا يمكن تجاوز الواقع بالكلمات الجميلة فقط

لا يستطيع احد ان ينفي الجهود التي كرستها للمبدعين الشباب ، ومتابعة انتاجهم في ظل تجاهل كامل تقريبا ، للحركة النقدية المحلية  لكتاباتهم  خلال العقود الماضي . كان التجاهل نفسه هو دافعي للتورط في الكتابة النقدية.. واعترف اني غير نادم ( رغم ما تعرضت له من هيجان غاضب ، وهو من ضمن أسباب لجوئي للأسماء المستعارة)  اذ اعطاني ذلك ادوات عدة في التعامل مع النصوص ، وتطوير قدراتي الذاتية على تحسس الأبداع، والتمييز بين المبدع الجاد والموهوب وبين  مدعي الابداع ، الضحلين نصا وفكرا ، وتشكيل آرائي النقدية والثقافية والابداعية العامة ، حول كل ما يتعلق بالثقافة من امتدادات فكرية واسلوبية ..

كان النقد وقفا على نخبة ، لا انفي اهليتها له ، ولكن ما التزموا به من انغلاق نقدي ثقافي على اسماء محددة،  ترك ترسبات سلبية ،  وهي تجربة ذاتية عبرتها ، دفعتني في لحظة ما  الى  الاهتمام (او التورط) بالنقد ، وكتابة المراجعات النقدية والثقافية ، ومحاولة استجلاء العالم الفكري الواسع للثقافة، ليس بمضمونها الروحي فقط ، كإبداع  نثري او شعري ، انما بمضمونها  الفكري والفلسفي  العام .. بصفتها شكل من اشكال الوعي الاجتماعي ، ومحورا للنهضة الفكرية والثقافية العامة لمجتمعنا خاصة ، ولكل المجتمعات العربية التي  نتواصل معها بحكم اللغة والواقع السياسي والانتماء القومي والحلم الواحد .

يمكن تصنيف ما قمت به ضمن مفاهيم  " الثقافة المضادة " التي تقود الى خلق موجات متعددة من ردود الفعل الثقافية . نسبيا كاد الامر ان يكون قريبا من الانجاز . .  لكن غياب المنابر القادرة على التماثل مع هذا الزخم  المضاد ، والتلون الفكري لدى العديد من المثقفين ، والجبن الذي يميز البعض ، مع الأسف الشديد .. حال دون  تحقيق اندفاعة مؤثرة للثقافة المضادة ، لدرجة  تسمح بتحولها الى رافد ثقافي  آخر في مواجهة  "الثقافة النخبوية " التي روجت عن طريق وكلاء حزبيين ..

دخلت وقتها في نقاشات حادة مع ممثلي تيار الثقافة النخبوية ، كان نقاشا حادا وممتعا كشف الضحالة الفكرية التي يعتمدها ممثلي هذه الثقافة، او من تبوأ "الدفاع " عنها ، دون ان يعي اللعبة الثقافية وراء دوافعي ، حيث انني سياسيا نشأت في  نفس التنظيم ، وهذا كشف لي حقائق كثيرة ، ساعدتني فيما بعد بتكوين شخصيتي الثقافية والسياسية والفكرية المستقلة ، وكشف ان معظم النقد الرسمي لم يتجاوز مساحة "النكد" الثقافي، وكان تبريره "الحزبي" أكبر وأعظم من أي تبرير ثقافي عقلاني!!

من المستهجن انه حتى الذين لهم مصلحة شخصية في ما حاولت ان  اعطيه من دفعة  للثقافة المضادة ، في مواجهة الثقافة النخبوية  ، التي لم تسلم من انتقاداتهم .. لم يصل وعيهم للأسف الى مستوى يجعلهم يشكلون رافدا ثقافيا قادرا على فرض نفسه في الساحة الادبية ، كتيار ثقافي مضاد ، ولا اقول معاد ، لأن الثقافة تفترض التكامل ، والأضداد (الجدل) في الثقافة تقود الى الوحدة الثقافية ، عبر خلق ديناميكية من النشاط الفكري والثقافي المتعدد الوجوه . هذه هي على الأقل رؤيتي وقناعتي الفكرية ، بدون حوار لا تطور , التماثل المطلق يخلق الركود ( وهذا ما قضى على الثقافة النخبوية ) .. حتى في الفلسفة ، احد القوانين الفلسفية  الاساسية ، يتحدث عن وحدة وصراع الاضداد ، وهو بالمفهوم الفلسفي ، قاعدة التطور في كل مجالات الحياة .. فهل تكون الثقافة شواذا لا تخضع لهذه القاعدة ؟!

من المهم ان يترسخ وعي اساسي بان الثقافة ليست للنخبة الاجتماعية او السياسية ، وليست لنخبة يختارها  حزب ما او دولة  .. مررنا على هذه التجربة .. وما تركته لنا اليوم فقر فكري وثقافي .. وحياة ثقافية بائسة .

ان العملية النقدية تشترط ما هو أعظم  وأكثر امتدادا من مجرد تكرير اصطلاحات ، او الادعاء الذي يكرره البعض: "بأني اكتب واتعامل مع النصوص حسب معايير نقدية .. الخ " . لا يا اصحابي ، هذا ادعاء فارغ !!

العملية النقدية تحتاج الى رؤية اكثر اتساعا  من موضوع العمل الذي نتناوله بالتحليل او الاستعراض النقدي . النقد هو  عملية فكرية اكثر اتساعا من صفحات الكتب موضوع النقد ، النقد له سياقه الفكري وله امتداداته الاجتماعية . كل التقدير والاحترام للمناهج الأكاديمية في النقد ، ولكن هذه المناهج تتحول الى سجون للتفكير وقيود على الوعي وتشتيت للذائقة الادبية، اذا لم نحولها الى منطلق فكري ننطلق منه نحو الأصالة والتجديد في رؤيتنا الثقافية العامة .

ما يحدث في نقدنا المحلي ، بما فيه من يدعون الاكاديمية في نقدهم ، هو خلق نظام نقدي منغلق على ذاته ، ومنغلق على القارئ المفترض ان يتواصل مع الابداع ومع النقد . ما يحدث ان الناقد يكتب رسالة شخصية لصاحب العمل موضوع النقد ، وارضائه هي المهمة النقدية للناقد ، وهي القيمة الكبرى للكتابة النقدية السائدة اليوم في ثقافتنا وباتت تشكل حالة تثاقفية مزعجة وسلبية.

الثقافة ، ابداعا او نقدا ، يجب ان تكون فعل اجتماعي  وعمل لاثراء الوعي التقافي والفكري للانسان . والنقد هو احد الادوات الهامة في هذا الفعل .  

النقد اذا لم يتحول الى تيار ثقافي قائم  بذاته ، وليس كتغطية فقط لبعض الاعمال  الادبية ، يظل ظاهرة غير مجدية ومضرة ، تحول النقد الى ظاهرة سلبية يجب مواجهتها ثقافيا .

هناك علاقة عضوية بين النقد والايديولوجيا ، واعني بالايديولوجيا ليس فقط المنظومة الفكرية ، انما القدرة على الربط بين الثقافة والمجتمع ، بين  الثقافة  والانسان . وهذا هو الغائب الكبير عن الممارسات النقدية .. وعن فكرنا وثقافتنا عامة!!

ومن هنا ابتعدت عن "النكد" الذي الهاني عن الكتابة القصصية. ووجدت نفسي اتخلص من ترسبات ثقافية لا تسر البال، لأتحرر فكرا وابداعا وانتج عشرات كثيرة من القصص وعشرات المقالات الأدبية والفكرية والسياسية.

وهو ما يشغلني اليوم!!

clip_image002_10345.jpg

رواية "لنّوش" لجميل السلحوت الصادرة عن دا رالجندي للتوزيع والنَّشر عام 2016 في (45) صفحة، تشكل سبقا للكاتب في ربط أدب الأطفال ومراحل النُّمو، بما يشير ويعزز لاكتساب الطفل هويَّته منذ مراحل نموّه الأولى، عندما يكون جنينًا في رحم أمه، حتى يمتلك مفاتيح النجاح لمستقبل جميل يلوِّنه بالمثابرة والاجتهاد.

في روايته " لنُّوش" يؤكد جميل السلحوت بأنَّ الابداع يولد من رحم المعاناة، وهنا لم يتطرق للمعاناة بمعني الحرمان والفقر والعوز، وإنَّما لباب آخر، وهو يحكي عن جوّ أسري لعائلة متعلمة واعية لخطورة التّربية وأهميّة اعداد النشئ القويم الذي سيتولى قيادة هذا المجتمع وبناء الوطن.

بدأ جميل السلحوت روايته مقدّمًا الاهداء لحفيدته لينا المبدعة والملهمة كما وصفها للقارئ، التي ربما كان لها الدّور الأكبر في كتابته لهذه الرّواية، وقد بنى أحداثها ضمن بطولات عديدة أدّتها " لينا " خلال الفترة التي عاشها معها في أمريكا. لينا لم تكن أوّل حفيداته، لكنّه في الرّواية والتي أعتقد أنَّ أحداثها واقعية تمامًا، يشير لاكتشافه وملاحظته لملكات ابداعية أصيلة وجدت في شخصيتها، ويذكر لنا أسباب هذه السمات التي تميزها عن مثيلاتها من نفس الجيل، وكيفية رعايتها لتغدو مبدعة وطفلة غير تقليدية.

عناوين هامّة مرّرها أديبنا بطريقة سهلة وسلسلة، لكنَّ مدلولاتها في علم النُّمو عميقة جدّا، بل أجزم بأنَّ الدّراس والمتعلّم بها يمكنه تنشئة جيل آخر ومختلف بما لديه من قدرات ومهارات غير اعتيادية، أذكر منها:

أوّلا: الطفل صفحة بيضاء.

تطرق السلحوت لأهمّية مراحل التّلقيح، الولادة، الرّضاعة، وأثر تغذية الطفل نفسيًّا إلى جانب التّغذية الصّحّيّة السّليمة على تكوينه المستقبلي، وهنا يؤكّد أديبنا على أنَّ الطفل صفحة بيضاء وأبواه يكتبان له ما شاؤوا من صناعة مستقبل لهذا المولود، وذلك سواء بالأحاديث التي يتبادلها الآباء مع أطفالهم، أم بالمواد السمعيّة التي يتركون لها أبواب آذان أطفالهم مفتوحة؛ لتدخل وتستقرّ في أبنيتهم العقليّة والفكريّة، ويصبح ممكنًا تذكّرها متى لزم الأمر، وقد استشهد على ذلك بالقرآن والموسيقى، كما أكّد ولا بُدّ أنّه اعتمد على الدّراسات النّفسيّة والسّلوكيّة العديدة التي نتعلّمها حديثًا، والتي تفيد بأنَّ الذّكاء لا يعتمد على الفطرة فقط كموروث جيني، وإنّما يوجد منه جزء مكتسب كما العديد من المهارات والمواهب التي يمكن غرسها داخل نفوس أطفالنا، بالتّدريب والممارسة حتى بلوغ مرحلة الاتقان، ما دامت لدينا الخبرة والعلم في التعامل معهم، وكذا طول النّفس والصّبر على تقدّمهم، إذ توجد فروقات عديدة فرديّة بين الأطفال.

تابع أديبنا روايته حول مرحلة الطّفولة المبكّرة والمتوسّطة، وهي مرحلة ما قبل المدرسة عندما كانت لينا ابنة ثلاث وأربع سنوات، وقد علمتها أسرتها الحروف الهجائيّة، وبدأت تقترب من الكتب وتطالع أيضا، وأشار لنا أيضًا إلى جدّ " لينا " وأبيها وأمّها الذين كانوا يغذّون ذاكرتها بقراءة القصص، كما كانوا يلعبون معها حركيًّا وسمعيّا، وفي ذلك تنمية لمهارات لينا على كافة الأصعدة النّفسيّة، العقليّة (التفكير)، الحركيّة، وكذلك الوجدانيّة، لينا حسبما أورد شخصيّتها جميل السلحوت شكلت صورة لطفلة تفكّر، ولا تقبل أيّ شيء مسلمة له دون شرح وتأويل؛ حتى تقتنع به وتوافق عليه، كانت تنتقل لمرحلة جديدة من التّساؤلات، وما حياتنا منذ الولادة حتى نشيخ إلا تساؤلات تنضج من أغصانها تساؤلات، وفي هذا كلّه فلسفة عميقة جدّا لا تخفى على شخصيّة الشيخ جميل السلحوت، سواء بخبرته كمعلم لسنوات أم بغزارة قراءاته وانتاجاته الأدبيّة. وقد عني في تسلسل الأحداث إلى الاهتمام بتطوير مهاراتها في الفهم والحفظ والتّحليل أيضًا، لقد كانت لينا شخصيّة ناقدة، لها عين أخرى تسأل، وتبحث عن الاجابة، ثمّ تكمل مشوارها بالاقتراب من مجهول آخر لم تعرفه بعد.

ربط السلحوت بين دور البيت في تنمية مهارة الطفل، ودور المدرسة متمثّلة بالمعلمة " ديمة " وقد كان لوجودها في الرّواية رمزيّة هامّة لدور المعلّمة الايجابيّة، التي كانت تؤدّي عملها بأمانه، وهذا ما أشار إليه سواء من خلال حديثها المطوّل مع لينا، ومناقشتها باسمها ومعناه، وكثير من الأحاديث الأخرى، أو بزيارتها لبيتها وحديثها مع الأمّ والجدّة، وكذا بتعزيز دعد عندما أخجلها تعليق " لينا " حول قراءة النّشيد الوطنيّ، فيما تسأل المعلمة عمّن يسرد قصة لطلاب صفّه.

ولا أدري إن كان الأديب جميل السلحوت قصد من وراء هذا الطّرح أن يقودنا نحو تساؤل: ما أسباب النجاح؟ هل نعتبر الانسان الفاشل في حياته فشل بسبب أبيه وأمّه ومدرسته ومجتمعه؟

ثانيا: الموسيقى غذاء للرُّوح والمشاعر.

الموسيقى تعتبر من أهم لغات الجمال التي تشكّل عالم الطفل، وهي تلعب دورا أساسيّا في تكوين شخصيّة الطّفل وتقويم سلوكه، وهي إذا ما وظفت بطريقة سليمة مدروسة، فإنّها سوف تفرز لنا جيلا يمارس دوره بكلّ ثقَة وثبات.‏ إنّ للموسيقى قدرة غنيّة وإمكانات تربويّة خاصّة في تشكيل شخصيّة الطفل. كما تتميّز بقدرتها التي لا تضاهى على التّأثير في أدق انفعالات الإنسان، والتّعبير عن أحاسيسه وعواطفه ومصاحبته في أغلب لحظات وجوده .

وهنا أشار السلحوت لأهمية الموسيقى في تكوين شخصيّة " لينا " وتنمية قدراتها سواء بسماعها لمقطوعات بدون كلمات، أم أغاني فيروز، حيث أنَّ الجنين ما أن يتكون داخل رحم الأمّ في أشهره الأولى، حتّى تبدأ علاقته بالموسيقى، وذلك من خلال دقّات قلب الأمّ المنتظمة وحركة أعضاء الجسم الدّاخليّة، وهذا الإيقاع المنتظم لنبضات القلب يشكل توازنا عند الجنين يستجيب له،‏ وما إن ينمو الجنين حتى تنمو علاقته بالموسيقى الحسيّة، وتصبح جزءا من عالمه ويبقى تعلّقه وإحساسه بالموسيقى الحسيّة وتجاوبه معها إلى مراحل ما بعد الولادة والنضج، وهذا ما نلمسه جيّدا عند ملاعبتنا للطفل وعناقه، ففي لحظة العناق يحسّ بالأمان والعطف فيميل إلى الهدوء، وعند ملامسة رأسه بلطف يشعر بالمحبذة الكبيرة والاهتمام الذي يرجوه من الآخرين.‏ إنّ الموسيقى الحسّيّة لا يسمعها الجنين بل يدركها حركة وإحساسا من خلال مسامات الجلد، وعندما يبدأ الطفل في أيامه الأولى للولادة، يبدأ التّعامل مع لغة موسيقيّة جديدة هي موسيقى الحركة، من خلال حركة السّرير، وحركة إيقاع اليدين اللتين تحملانه وتهزانه بلطف، وإيقاع الضّربات الخفيفة على الظهر –الطبطبة-، إنّ هذه الحركات بإيقاعاتها المنتظمة تدخل عالمه فيألفها، ويتجاوب معها سلوكا منتظما، ويرفضها مشتتة مضطربة، ويعلن عصيانه أيضا. وما موسيقى الصّوت إلا امتداد أكيد للموسيقى الحسّيّة والحركيّة اللتين تأسّستا لديه، ورافقتا مسيرة نموّه ونضجه، وتفتح وعيه وإحساسه، عندما يدأ التّجاوب مع الأصوات منذ امتلاكه حاسّة السّمع، والتي تأتي مبكرة قبل حاسّة البصر، ولا تبخل عليه البيئة الخاصّة المحيطة به بأصوات منغمة في إيقاعاتها حسب حاجاته ومتطلّباته، وإن كانت الكلمات، بحروفها وطريقة نطقها لا بدلالاتها ومعانيها، تمثّل الملامح الأساسيّة لهويّة موسيقى الصّوت وهي تدخل عالم الطفل كأصوات منغمة ذات إيقاعات، وليس كمعانٍ لها دلالاتها ومفاهيمها. فالطفل في هذه المرحلة لا يدرك أبدا معاني المفردات والكلمات التي تُقال حوله ويسمعها باستمرار، إنّه معني فقط بموسيقى الأصوات، وسوف تصبح لديه القدرة على التّمييز بين الأصوات ومعرفة أصحابها، وسوف يدرك بعد مدّة‏ معاني هذه الأصوات ودورها ووظيفتها، فهناك صوت منغم فيه دعوة للنّوم وآخر للهدوء وآخر للطعام وهكذا .

ثالثا: اسمي هو أنا.

في ذكره للاسم إشارة هامّة حول هويّة الطفل التي تبدأ من اسمه ونصيبه منه، وعمله وتفكيره لصناعة مستقبل مختلف. لينا التي بدأت من معرفة معنى اسمها ( كباحثة) ثمَّ انتقلت لتبحث عن معاني أسماء أصدقائها، فأصبحت (متعلمة) ولم تتوقّف عند هذا الحدّ، حتّى بدأت تفكر في معاني الأسماء ودلالاتها، وعن معرفة الاسم دلالة فرديّة لتقوية ذات الطفل وتنمية شخصيّته، وقد بدا واضحا قوة الشّخصيّة والثّقة التي تتمتّع بها لينا بين أقرانها في الصّفّ، ممّا لفت إليها انتباه المعلمة (ديمة)، التي عزّزت ذلك، وسمعت لها وأجابت على تساؤلاتها، وصحّحت لها مفاهيم تعليميّة بذكرها أنّ الاسم لينا واسم الدّلع " لنُّوش"، وبذلك تبدّلت الأبنية المعرفيّة عند لينا، وصارت تفكر بأفق أكثر اتّساعا مما كانت عليه.

رابعا: حرّر طفلك كي يطير.

لقد عكس لنا الأديب جميل السلحوت مساحة الحرّيّة التي تمتعت بها لينا، عندما بدأ جدّها وأبواها قراءة القصص لها، وقد تعلّمت من ذلك مهارات: الحفظ، السّرد والتحليل، وكذا النّقد والتّأليف، فكانت لها أحاديثها الخاصّة وتساؤلاتها " اللينة " على القارئ، لينا كانت كما الفراشة بين أسطر الرّواية التي حملت اسمها، وأهمية ذلك في زيادة التّخيل والابتكار، لتشكّل صورة من طفلة تحلم بها أيّ امرأة ورجل، وذلك ليس مستحيلا تحقيقه في أيّ طفل إذا ما تمّت رعايته كما يجب.

خامسا: الهوية الأصيلة.

لا يخفى على القارئ بأنَّ السلحوت أشار لمفهوم هامّ في حياة الطفل، ألا وهو " الهويَّة" وهنا أكّد على أن تكون أصيلة، فلكلّ طفل هويّته الخاصّة، وله ما يحبّ ويهوى، وليس المطلوب من القرّاء ايجاد نسخ متكرّرة من " لنُّوش"، ولكنّه قدّم لنا تجربة أبويها، وتجربته في رعايتها لتشكّل " معجزة " كما أسمتها المعلّمة " ديمة " ولنقل؛ حالة استثنائيّة لطفلة موهوبة، كانت ترسم، تقرأ، تكتب، وتحفظ القصص وتسردها بثقة.

في الختام أودّ الاشارة لأهميّة هذه الرّواية لرفوف أدب الأطفال، لما لها من معاني بالغة الضّرورة للعناية بها، إنَّ التعلم عن طريق الحوار وسرد القصص ومناقشتها مع التّلاميذ، وتولية التّلميذ مهمّة السّرد، وقيادة النّصّ بين يديه استراتيجة تعلّم حديثة، ولها أثر كبير في تطوير مهارة الطفل ورفع أبنيته العقليّة والفكريّة وكذا الوجدانيّة. لقد طرح ذلك السلحوت في جو روائيّ ظريف، ولغة جمالية ممتعة، ومشوِّقة، وأنهى معارفه بما أورده على غلاف الرّواية الأخير، عندما سألت لينا: هل يمكن أن يعود جدّي طفلا؟ وأجابت الأم: طبعا إذا أراد ذلك. وهنا إشارة لمهارة الارادة، وتأكيد لما بدأ به جميل السلحوت روايته، " لنّوش " ممكنة في كلّ بيت وكلّ طفل، سواء كان ذكًا أم أنثى، لكن تبقى إرادة الأبوين هي القوّة الفاعلة والمؤثّرة.

نبارك للشيخ جميل السلحوت هذا الاصدار المتميّز، ونثني عليه أملاً بأن تزخر مكتباتنا الفلسطينيّة بهكذا نوعية من المواد المعرفيّة التَّعلميَّة للأطفال وآبائهم، نحو مجتمع سليم وحياة رغيدة.

تعاليم المقدس واستجابة المحبّ المنتشي

أولا: النصّ

قال: "سيري إلى هناكْ

حيث شعريَ وصل مبينْ

وقصائدي ضفائر صبيّة نامت على كتف اليقينْ

سيري في ظلام اللّيلْ

فاللّيل نهار تحرّر من الضّوضاءْ

وفرح أغواه الحزن حدّ البهاءْ.

سيري ولا تقفي

إليَّ أقبلي ولا تنامي

انغمسي في كروم تاهت عناقيدها

بين أنين اللّقاء ولذّة المسيرْ

اتبعيني إلى ضفاف الغروبْ

إلى ارتحال الكلماتْ

هيّئي غاباتنا البيضاءْ

أعدّي تناهيد عشق جديدْ

واثبتي فيّ بي

إلى أن يحين موعد الظّهورْ".

قال وأصغيتْ

تراءى وتدانيتْ

وإذا بالنّبض ينهملُ يلملم حزني

ويطفو على عينين فارقها السّباتْ

مذ عجزت عن تعداد النّبضِ

فمن يعدّ النّبض لا يقوى على رياح الحبِّ.

ثانيا: القراءة

تفتتح الشاعر مادونا عسكر هذا النص بجملة فعلية ماضية متصدرة بالفعل "قال"، وكأنها تنقل خبرا مقدسا عن مخبر ذي قدسية خاصة، وبذلك فإنها تنبئ عن حالة من الوجد تعلن عن ذاتها من أول كلمة في النص، وليس أول كلمة وحسب، إنما أول الفعل الذي سينفتح على أفعال كثيرة تنتشر في كل أجزاء النصّ.

ثمة طرفان هنا، مخاطِب ومخاطَب، مخاطِبٌ يلقي التعاليم ويسير بالمخاطَب نحو دروب من الوصل المحفوف باليقين، فالليل أضحى نهارا متحررا من فيزيائيتين في الوقت ذاته؛ متحررا من ضوضاء النهار، ومتحرراً كذلك من الظلمة المكدسة، إنه تغير في الطبيعة، ليصبح الوقت نهارا هادئا سلسا ليس فيه ما يعكر الاستماع والإصغاء والتلقي، لتنهال الأفعال متتابعة واحدا وراء آخر، ولأن الفعل ذات قيمة وجدانية خاصة فإن الشاعرة اعتمدت على صيغتين متعاضدتين لتحملا معنى واحدا "سيري ولا تقفي"، "أقبلي إلي ولا تنامي"، ولكنها عندما تتخلص من حد التجاوز لمرحلة ما يصبح الفعل واحدا متتابعا "انغمسي، اتبعيني، هيئي، أعدي، واثبتي". إن ما يلاحظ على هذه الأفعال أنها حركية تتناغم وفعل المسير المتتابع، ولكنه ليس مسيرا دون هدف، ولذلك انتهت التعاليم عند حد الثبات، مع أنه ثبات المترقب وليس ثباتا نهائيا "إلى أن يحين موعد الظهور".

ماذا سيحدث بعد ذلك الظهور؟ هنا يقف النص عن الإجابة، لينقل لنا حالة المخاطب في تلك اللحظة المرتقبة، فيعيدنا إلى أول النص "قال"، وكأن الشاعرة تكثف الكلام مرة أخرى، بإعادة الفعل الأول المرتكز عليه كل النص في جزئه الأول، ليأتي النص حاملا موقف المخاطب المأخوذ بتلك القداسة الرهيبة الهادئة، "أصغيت، تدانيت، ينهمل، يلملم، يطفو"، وهنا يعلن النص في جزئه الثاني عن مقابلة في الصياغة؛ فإذا كان الجزء الأول من النص اتكأ على الفعل "قال" فإن الجزء الثاني منه اتكأ على الفعل "أصغيت"، فلكل فعل ما يقابله، فكما كانت أفعال الجزء الأول "انغمسي، اتبعيني، هيئي، أعدي، واثبتي"، جاءت أفعال الجزء الثاني مكملة لها "أصغيت، تدانيت، ينهمل، يلملم، يطفو"، وربما هذا ما يكشف عن طبيعة ذلك التجانس بين المخاطب والمخاطَب، فقد انتهى الجزء الأول بالفعل "اثبتي" في حين انتهى الجزء الثاني بالفعل "يطفو"، فقد عبر المخاطب عن استجابته، لتلك التعاليم، فثبت فيه وبه ليكون الفعل الأخير "يطفو"، ولعل هذا الفعل يشير إلى انعدام أو تجرد في الحركة، فكأنها مقابلة ضمنية للفعل "اثبتي".

ومن ناحية أخرى تصل الشاعرة في النص إلى أعلى مراتب اليقين التي أشارت إليها في الجزء الأول، لينتهي النص بجملة، يطلق عليها البلاغيون القدماء مصطلح "التذييل"، وهو أن ينتهي النص بجملة تصلح أن تكون مثلا أو حكمة عامة "فمن يعدّ النّبض لا يقوى على رياح الحبِّ"، فجاء النص متكاملا في حركاته الإيقاعية الثلاث؛ تعاليم المخاطب، واستجابة المتلقي، وخاتمة النص العامة التي تصلح أن تكون مثلا سائرا.

وأما على صعيد الإيقاع والألفاظ، فإن النص مبني على الكلمات ذات الجرس الهادئ اللطيف، فكأننا في حضرة المقدس خاشعين نتلقى ونستمع ونمتثل، فجاءت الألفاظ حاملة لكل ذلك الهدوء النفسي المتبتل في حضرة ذلك المتجلي، فلا تكاد تجد كلمة شاذة عن هذا الهدف المحمل بالطاقة الكونية التي ترتفع بالنص والناصّ والمتلقي إلى مصافّ التجلي والإصغاء الهادئ المسكون بالروعة والمأخوذ بالجلال والرهبة بمعناهما الإيجابي الكامل، ليعبر عن ذلك كله كلمتان تلخصان النص وتحملان كل ذلك الهدوء والسكينة الكامنتين فيه "عدّ النبض"، فمن ذا الذي يمكنه عد النبض سوى من امتلك القدرة على الحب بكل هذا الخشوع، وإن أعلن أنه "لا يقوى على رياح الحبّ"؟ ولكنه في الحقيقة تصريح المنتشي به ومن يطلب منه المزيد، ليظل النبض حاملا لذلك الحب العنيف في هدوئه ولا ينقطع، ما دامت العلاقة يحكمها المقدس الذي لا يبلى ولا ينتهي، وما دام أن هناك محبّا منتشيا يصغي ليكون هو ذاك المقدس الذي امتثل فكان حبيبا لا يروم فكاكا عن حبيبه الذي يستحضره في غنائه وابتهالاته الدائمة.

المزيد من المقالات...