وداعا للسلاح

د. أحمد محمد كنعان

الكتاب : رواية وداا للسلاح

المؤلف : آرنست همنغواي

الإصدار : عام ١٩٢٩

تعد هذه الرواية من أشهر ما كتبه الأديب الأمريكي الشهير آرنست همنغواي(١٨٩٩- ١٩٦١) وتدور أحداثها في إيطاليا خلال الحرب العالمية الأولى، بطلها ملازم أمريكي شاب يدعى "فريدريك هنري" يعمل في مجال الإسعاف والإنقاذ لحساب أحد المستشفيات الميدانية في الحرب .

الرسالة الرئيسية التي تحملها الرواية هي صرخة عالية ضد الحرب،أما الحدث الدرامي الرئيسي في الرواية فيدور حول علاقة حب رومانسية تنشأ بين ممرضة إيطالية حسناء تدعى "كاترين باركلي" والملازم  فريدريك الذي أصيب في إحدى المعارك إصابة بالغة، وهو يؤدي عمله بنقل الجنود المصابين، وبالرغم من هذه الإصابة التي كادت تودي بحياته إلا أنه اعتبرها فرصة ثمينة له إذ جمعته بالممرضة الحسناء كاترين التي اعتنت به عناية خاصة جعلته يهيم بها حباً، إلا أن هذا العشق الذي صادفه على غير ميعاد لم ينسه الحرب وويلاتها ، فقد ظل يتساءل بينه وبين نفسه : أين الإنسانية؟ وهو يرى ويلات الحرب وبشاعتها يومياً خلال عمله، وظل السؤال يلاحقه حتى بات على يقين بأن الحرب وحشية وغير إنسانية على الإطلاق، وقد ترسخ عنده هذا اليقين وهو يرى أفراد مجموعة الإسعاف التي يترأسها تقتلهم الحرب واحداً بعد الآخر، وتعمق هذا اليين بوحشية الحرب حين وجد نفسه مضطراً لإلقاء نفسه في النهر لينجو من أيدي ضباط مهووسين خربتهم الحرب فراحوا يقتلون كل من يصادفونه دون تمييز بين عدو أو صديق! حينئذ وصل إلى القرار الذي فكّر فيه طويلاً فعزم على ترك السلاح والحياة العسكرية وداعاً لا رجعة بعدها، ليعود إلى الحياة المدنية التي اشتاق لها، ويعيش إلى جانب عشقه الكبير... كاترين، غير أن الحرب ظلت تلاحقه فهو فارّ من الحرب، وهذه خيانة عظمى عقابها الإعدام، لهذا قرر مغادرة إيطاليا برفقة الحبيبة ليستقر في سويسرا، وهناك عاش العاشقان ردحاً من الحب الصافي بانتظار مولودهما الأول، لكن القدر كان لهما بالمرصاد، فقد دخلت كاترين في مخاض عسير، واضطر الطبيب إلى شق بطنها وإخراج طفلها ميتاً، وتصاب كاترين بنزيف داخلي يقضي عليها، لكن فريدريك بالرغم من هذه الكوارث التي واجهته بعد فراره من ميادين القتال ظل على يقين أنها أقل ضراوة وقسوة ووحشية من الحرب التي تخوضها الحكومات لأسباب تافهة عبثية طمعاً بأحلام واهية، غير عابئة بالدمار والقتل وخراب البيوت!!

وإذ قلبتُ الصفحة الأخيرة من الرواية أحسست بسمو الرسالة التي تحملها، فالرواية تعد صرخة تحذير لحكومات العالم تطالبها بوقف الحرب ووداع السلاح نهائياً، لأن الإنسان ثروة عظيمة ينبغي أن نحافظ عليها، وأن لا نبددها في حروب عبثية نادراً ما تحقق النصر المنشود، وإذا ما تحقق فهو يتحقق على حساب دماء الأبرياء!!

وقد حرص الكاتب في روايته على إظهار فرار بطل الرواية من الحرب تعبيراً منه لرفض الحرب، فالإنسان يبقى هو المحرك الأساسي للحرب، ومن ثم لا يمكن منع الحرب إلا برفض الإنسان لها وعدم الانخراط فيها، وإذا ما اضطر للحرب فليحرص على الفرار منها، ولا يفوت الكاتب أن يؤكد على ضرورة أن يكون الرفض جماعياً!

وضعت الرواية جانباً، وأنا أتضرع إلى الله عز وجل أن تضع هذه الحرب العالمية ضد السوريين أوزارها، وأن يودع العالم كله السلاح إلى غير رجعة .. هل يفعلون ؟!!!!

قرأت في عرض أقوال الصحف المصرية الذي يقدمه محمود القيعي في موقع " رأي اليوم" طرفا من رأي كاتب يحذر فيه من قيام بعض الجهات ذات النشاط الثقافي ب " ترجمة" التراث العربي في الأدب والفكر وغيرهما إلى العاميات العربية ، وذكر أنه تجري في بيروت خطوة في هذا المتجه . ليس لدينا معلومات عن الداعي العلني _ على الأقل _ إلى هذه الخطوة ‘ وإن كان في الإمكان التقدير أن الهدف المعلن هو تسهيل قراءة التراث للجيل الجديد من القراء الذي شح نصيبه كثيرا جدا من معرفة العربية الحالية ، فما البال بعربية التراث على إجمالها ؟ وبعيدا عن حسن النية أو سوئها ، الخطوة سيئة في كل جوانبها ، وأولها الجانب اللغوي والأسلوبي بما يحتويه من جماليات ومؤثرات تعبيرية ، ولا نعني هنا الفرق بين قدرة الفصيحة وقدرة العامية على البيان الدقيق الجميل ، نعني أن قيمة النص التراثي _ خاصة الأدبي شعرا ونثرا _ تتركز في لغته وفي صياغته أو تشكيله الأسلوبي . هذه الصياغة هي الوحيدة التي تنقل إلينا ما أراد صاحبه أن يقوله تحديدا ، مشحونا بحالته النفسية الانفعالية ولمحاته الذهنية ومرامي تخيلاته ، وأي إعادة صياغة للنص حتى بالفصيحة لن تنقل إلينا منه سوى " عظْمة " معنى صغيرة لا تأثير لها في نفوسنا وعقولنا . ماذا يبقى من قول عنترة :

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني * وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها   * لمعت كبارق ثغرك المتبسم

إذا صيغ بالعامية اللبنانية أو غيرها من العاميات العربية ؟! ستختفي قوة بهاء التعبير بكل عناصرها ، ويختفي صوت عنترة من سمعنا ويختفي وجهه من مخيلتنا . وما ذا يبقى من مقامات الحريري إذا صيغت بأي عامية عربية ؟! ستختفي خصوبتها اللغوية ، ولطائفها الفنية ، ومنها أسجاعها التي جعلت جملها مقطوعات موسيقية محررة من أي تكلف مهما صغر ، موظفة في براعة نادرة لأداء المعنى المقصود كاملا واضحا . ولا نتحدث عن مصير كنوزها على مستوى المفردات ، وأشعارها المتدفقة في أريحية صوتية صافية تجلي ثراء موهبة الحريري الأدبية التي تمكنه من الانتقال في تلقائية سلسة من النثر البديع الآسر إلى الشعر البديع الساحر . وماذا عن الجانب الديني من التراث فقها وتفسيرا وحديثا لو ترجمت نصوصه إلى العامية العربية المتعددة ؟! سنبتلى بسيول من أهوال العبث والتحريف وإساءة الفهم والتضليل ، بإيجاز سيكون لدينا دين آخر  والعياذ بالله ، ثم ، وبعدما كان التراث موردا صافيا جامعا للعرب سينصرف أهل كل لهجة إلى مستنقعهم الجديد . ولا يغيب عن الخاطر أن في البلد العربي الواحد ضروبا من اللهجات ، وهذا يبين أن المستنقع سينتج مستنقعات . وستشتد الهجمة بعد ذلك أو أثناءه على اللغة الفصيحة الواحدة الحالية لإحلال العامية محلها ، ولا استبعاد لوصولها إلى القرآن في وقت ما ؛ فدعاة  العامية منذ ظهورهم في أواخر القرن التاسع عشر يترسمون ما حدث للاتينية في الغرب ، ويحاولون تطبيقه على اللغة العربية من منطلق يبدو في ظاهره الأولي علميا صرفا ، ومضمونه أن اللهجات تتحول لغات بمضي الزمن ، وأن هذا حدث للاتينية ؛ فلم لا ندعه يحدث للعربية مادام سنة طبيعية في اللغات بوصفها كائنات حية تتطور ؟! فالفرنسية والأسبانية والبرتغالية  والإيطالية أصلها لهجات لاتينية ، ثم صارت لغات مستقلة عنها ، وترجم إليها الإنجيل ليكون مفهوما لأهل هذه اللغات الذين تراجع فهمهم للاتينية حتى الانتهاء إلا في الكنيسة وعند بعض المتخصصين . ورفضت الكنيسة في البداية ترجمة الإنجيل إلى اللغات الجديدة رغم استبسال المترجمين لصياغة ترجمات ذات إيقاعات مستحبة في السمع وفي النفس ، ولكن تطورات الزمن فرضت الترجمات . وما زلنا في المقال لا نتحدث عن سوء النية الذي هو وارد بقوة. وانسيابا مع ابتعادنا عن التعرض له نقول إن صعوبة لغة التراث لا تصلح حجة لتحويل نصوصه إلى العامية ، كل معرفة تستدعي معاناة ، وحتى صعوبته اللغوية ليست بالمنعة التي توحي بها هذه الصفة ، وكثير من نصوصه يمكن فهمهما بقدر مناسب من معرفة العربية . ومن نصوصه الشعرية ما يفوق في سهولته نصوص شعراء مدرسة الإحياء ونصوص شعراء تالين زمنيا لهم ، ولنقارن بين نص لعنترة ونص لسامي البارودي رائد تلك المدرسة ! نص عنترة أسهل وأدنى منالا . وقد قام عدد من محبي التراث والغيورين عليه منذ عقود بتقديم نماذج منه في لغة قريبة سهلة يفهمها عامة القراء دون أن يمسوا لغة النص الأصلي مكتفين بتقديم مضمونه مثلما فعلوا مع بعض الحكايات الواقعية والمتخيلة والأخبار ذات الدلالات السلوكية الأخلاقية المرشدة إلى كرائم القيم الفردية والاجتماعية . ونثر المرحوم طه حسين عددا من قصائد أبي العلاء المعري تسهيلا لفهم مضمونها . وكل ذلك مقبول ، أما التحويل الكلي إلى العامية فخطر قاتل : سيلغي التراث ، ويقطع صلتنا بها ، ويقضي على الترابط الثقافي العربي الذي لم يعد أحد يهتم به ، ويعزز بسط العامية وتسيدها ، ويجعل البلدان العربية شبه بلدان أجنبية . 

عرف الناس الأستاذ سيد قطب، مفكراً، وداعيةً، ومجاهداً، وشهيداً وعرفه النقاد ودارسو الأدب العربي، مثقفاً، وأديباً، وناقداً فذاً، منذ بداياته في هذا الكتاب، الذي هو محاضرة نقدية – كان يبشر بميلاد ناقد عربي أصيل، بل ربما صار إماماً في النقد، ولكنه لم يواصل طريقه النقدي، وانحاز إلى طريق الجهاد والاستشهاد الذي قاده إلى الفردوس الأعلى.

هذه المحاضرة النقدية، قدَّمها لشُداةِ الشعر، وهو طالب في سنته الجامعية الثالثة، وقد وعد في مقدمتها أن تكون هي – المحاضرة – مقدمة لكتاب كبير في الموضوع نفسه: مهمة الشاعر في الحياة. وربما وضع المعالم والصُّور لمهمات عظام، للإنسان الجاد الذي يسعى ليكون شيئاً مذكوراً في هذه الحياة، شاعراً كان أو مفكراً، أو أديباً، أو ناقداً، أو فناناً، أو إنساناً صالحاً وذا مشروع في هذه الحياة.

وقارئ سيد قطب، يلاحظ الجدية في بداياته فيما كتب وعمل، يتسامى عن السفاسف والموبقات، ويبدو كأنه صاحب مشروع لم يتوضَّح لديه بعده، ثم ما لبث أن وجد مبتغاه في المشروع الإخواني فأسرع إليه، وصار من مفكريه ومن قادته الكبار العاملين على تحقيقه، إلى أن لقي ربه شهيداً من سادة الشهداء، بعد أن خطَّ لإخوانه وللناس جميعاً، سبيل الرشاد إلى المنهج الرباني الذي ينهض بالأمة، لتكون كما كانت من قبل: خيرَ أمة أخرجت للناس.

في كتاباته المبكرة إرهاصات لما انتهى إليه في زمن النضج والرشد، فلم يكن اندماجه في العمل الدعوي قفزة أو طفرة، بل كان يصعد السُّلم في تُوءدة وتأنٍ، حتى إذا اقتنع، أحرق السفن التي قد تعيقه أو تثبّطه، وترك وراءه مشاريعه الأدبية، والنقدية التي ارتقى فيها مرتقى لفت إليه أنظار الكبار، ومنهم أستاذه مهدي علّام، الذي قدَّمه للمثقفين في هذه المحاضرة، ثم في هذا الكتاب، وتوقع له مستقبلاً أدبياً ونقدياً باهراً، فقد وجد في سيّد، مثقفاً وناقداً ثقفاً لقفاً، مبدعاً في شعره ونثره.

في هذه المحاضرة، مهّد سيّد لمدرسة فكرية وأدبية ونقدية، أتبعها بعدد من الدراسات النقدية، ثم الكتب النقدية، مثل كتابه "كتب وشخصيات" و "نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين، ثم كتابه البديع "النقد الأدبي: أصوله ومناهجه" ودعا فيه إلى نظرية جديدة في النقد هي نظرية الصور والظلال، كما بسط القول في مناهج النقد الأدبي الأربعة، وهي: المنهج الفني، والمنهج التاريخي، والمنهج النفسي، والمنهج التكاملي الذي وقف عنده، وكأنه يؤثره على ما سواه من تلك المناهج.

وكان في كتابيه الرائعين: "التصوير الفني في القرآن"، و"مشاهد القيامة في القرآن"، مبدعاً ومجدداً ورائداً، ولقي الكتابان حفاوة في الأوساط الأدبية والعلمية والدينية، والكتابان في هذا السياق النقدي الذي لم يُسبق إليه.

كان سيد – كدأب الرواد – يضع الأسس والأطر، ويأتي بالنماذج، ثم يترك للدارسين، شرح تلك الأسس والمتون، لِيُبدِئُوا ويُعيدوا فيها، حتى تكتمل النظرية، كنظرية الأدب الإسلامي التي تلقَّفها أخوه تلميذه وشارح أفكاره، الأستاذ الكبير محمد قطب – رحمه الله رحمة واسعة – وأبدع في صياغتها في كتابه البديع: "منهج الفن الإسلامي".

في هذه المحاضرة/ الكتاب، ترك لمن بعده أن يدرس ويطوّر ويُنضج ما هُدي إليه ذلك الشاب العشريني سيد قطب، وما كتبه بعد ذلك في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته، فقد يُثري الدارسون تلك الكتابات – كما فعل محمد قطب، ونجيب الكيلاني – وقد يصلون إلى ما كان يعتمل ويثور في نفس المفكر المبتكر الثائر سيد، فتأتي النظرية كاملة متكاملة بين النظريات النقدية الأدبية في المذاهب والأجناس الأدبية الأخرى.. تأتي النظرية النقدية منسجمة مع فكره الدعوي، وأظنهما يتعانقان، فإن سيداً، كما كان ثورياً وإصلاحياً فيما قدَّم من شعر وقصة ورواية ونقد، ودراسات إسلامية حتى بداية الخمسينيات "التصوير الفني – مشاهد القيامة – العدالة الاجتماعية – معركة الإسلام والرأسمالية – السلام العالمي والإسلام – دراسات إسلامية" – كان ثورياً وإصلاحياً بل مجاهداً في ميادين الدعوة والسياسة والأدب.

سيد هو سيد، في أدبه، وفكره، ونقده الأدبي والاجتماعي، والسياسي، وثورته على الظلم والظالمين، وعلى الفاسدين والمفسدين، وعلى الخونة السائرين أو السادرين في ركائب الاستعمار والاستغراب والتخريب..

لنقرأ معاً هذه الكلمات من هذه المحاضرة/ الكتاب:

"وقد لاحظتم في كل النماذج التي اخترناها لشعرائنا الناشئين لمحة من البؤس: الصامت أو الصارخ، ومن الشكوى والتخبط والحيرة، وبعضكم يَعجَبُ لهذه الظاهرة المتشائمة الشاكية المضطربة ولكن ذلك في نظرنا دليل صدق هؤلاء الشعراء وسلامة فطرتهم. فهم صورة من النفسية المصرية العامة في هذه الفترة، فترة الانتقال والحيرة والاصطدام، في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الاصطدام الذي تُخيبُ فيه الآمال، ثم تبدأ في الانتعاش، ثم تصطدم من جديد!

مُدُّوا بأبصاركم في كل نواحي الحياة المصرية، ألا ترون التصادم بين القوى الناشئة، والظروف المحيطة بها، التي تُناوئها مناوأة قاسية؟

ألا تسمعون الصيحات داوية بالألم والاستنكار من كل جانب؟ فعَلامَ إذن لا يكون كذلك الشعر وهو أدق مُعبِّرٍ عن الإحساس الدفين.

عَلامَ يُغرِّدُ الشعراء بأناشيد الفرح والمراح؟ كيف تَدبُّ روح النشاط الطروب في الفنون؟

أنْتصرنا في موقعة حربية على جيوش الأعداء، فيغني الجيش والشعب أناشيد الظفر والسرور؟

أَفتحنا في العالم فتحاً جديداً؟ لا بل، أَحصَلنا على استقلالنا المغصوب؟ أَنتنفس بحرية في أي جو من الأجواء؟

ألنا عظمةٌ صناعية على الأقل نتغنى بآثارها؟..

أَلنا عظمة علمية نُمْتَدحُ بمزاياها؟ ... ودَعْ ذلك كله. أفلنا فقط سياسة تعليمية رشيدة! وهذا أبسط الشؤون؟! كل ما في البلد جدير بالشكوى، وكل ما فيها يلذع بالألم، وإن التألم والشَّكاةَ، لدليل عدم الرضا، ودليل السعي لتغيير هذه الحال، وتلك عدتنا للمستقبل، وأملنا الوحيد للإصلاح المنشود.

ولو أن هذه الشكوى الدائبة صمتت اليوم أو انقلبت إلى لهوٍ ومراح، لكان ذلك دليلاً على الموت والاضمحلال. لأن الأمة التي لا تشكو من مثل هذه الحالة، أمةٌ لا تحس، فهي أمة في طريقها إلى الفناء الرهيب: وإن الذين يهزلون اليوم أو يغنون ويمرحون، هم أحد فريقين: فريق أنانيٌ مجرم لا يُعنى بهذه الأمة، ولا يحفلُ بآلامها لأنه في ظل نعمة، ولا علاقة له بالآخرين، وفريقٍ ميت الوجدان، ذليل الكرامة، لا تنبض به حياة إلا كالدواب والجراثيم!

نصحت مرة – 1972 – الشاعرة المبدعة نازك الملائكة – رحمها الله رحمة واسعة – أن تكتب ملحمة عن سيد، ووعدتها أن أزوِّدها بالمعلومات، وتُقدرون، وتضحك الأقدار، فقد داهمنا حكم حافظ أسد، والاعتقال.. والعمل تحت الأرض، ثم (السياحة)، في بلاد الله الواسعة منذ ما يزيد عن خمس وثلاثين سنة، مليئة بالمواجع، وداهمها المرض، ثم الانتقال إلى رحاب الله الرحمن الرحيم، وكان أمر الله مفعولاً.. وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

***

سيد ... أيها السيد قطب..

هنيئاً لك ما قدمت، وما استقبلت، وما أراك ولا أتخيلك، إلا مع أبطال الإسلام في الفراديس العلا، جزاءً وفاقاً لجهادك المبرور، واستشهادك في سبيل الله، ومن أجل دينه الذي بشّرتَ أن المستقبل له.. لهذا الدين العظيم.. وها هي ذي بشائر النصر بالتمكين لهذا الدين تلوح في الأفق، وتتلامح بين ركام الكوارث والمصائب والمآسي في بلاد الشام والعراق، وفي كنانة الله في أرضه، في مصر.. في شرق الأرض وغربها، في شمالها وجنوبها، تستهدف أتباع هذا الدين وجُنده الميامين، تستهدف هذا الدين.. ولكن هيهات أن يتحقق لهم ما يتمنون، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ارتبط السرد، من منظور ديني، بالفتنة والزيغ عن حدود العقل ومعيار الصدق. فقد ورد في قول مأثور "إنما كان القصص حين كانت الفتنة"[2]. إذ تميز هذا الصنف من القول بقدرته الفائقة على خلق عوالم تخييلية تلوذ بالغرابة من أجل بناء محتملها الجمالي الذي يسخر لخدمة مقاصد تداولية. إذ "لما كان الاستغراب وقبول النفس لكل غريب لهج الناس بالأخبار الغريبة وعجائب المخلوقات، والألغاز والأحاجي والصور الغريبة وإن كانت المألوفة أعجب منها وأحسن وأتم خلقة"[4].

لقد قدم الإسلام موقفا واضحا وصريحا من فعل القص؛ حيث ربط فاعلية السرد عموما بخدمة أغراض دينية واجتماعية ثابتة. فقد ذكر الغزالي أن الإمام علي أخرج "القصاص من مسجد جامع البصرة فلما سمع كلام الحسن البصري لم يخرجه. إذ كان يتكلم في علم الآخرة، والتفكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس، وآفات الأعمال، وخواطر الشيطان، ووجه الحذر منها، ويذكر بآلاء الله ونعمائه، وتقصير العبد في شكره، ويعرف حقارة الدنيا وعيوبها، وتصرمها ونكث عهدها، وخطر الآخرة وأهوالها. فهذا هو التذكير المحمود شرعا"[6]، وكان ابن حنبل يقول: "ما أحوج الناس إلى قاص صدوق"[8]. 

 مما يعني أن القص من منظور إسلامي لا ينفصل عن فعل "الوعظ" بما هو بيان لأصول العبادات وشؤون المعاملات؛ أي إن موقف الإسلام من القص يرتهن إلى الخدمة التي يمكن أن يقدمها القاص للدين. إذ "القرآن هو الذي أقر بأفضلية القصص على الأسطورة كوسيلة لتقديم التعاليم الإلهية المتعالية والعلم الموثوق به كبديل لأساطير الأولين"[10]. مما يدل على أن "القصص في الإسلام قد نحا نحو الوعظ والتعليم، فصارت له وظيفة اجتماعية غير وظيفته القديمة. ومن ثم تحدد دور القاص الجديد، فهذا القاص واعظ أولا، وراو للحكايات ثانيا، ولكنه يروي على الناس هذه الحكايات بعد أن يسلكها في نسيج مواعظه"[12].

لقد مثل التخييل ضرورة من ضرورات القص، وحاجة من حاجات المتلقين. فقد أشار المقدسي إلى أن "الحديث لهم عن جمل طار أشهى لهم من الحديث عن جمل سار، ورؤيا مرّية آثر عندهم من رواية مروية"[14]. 

ولذلك أرجع محمد القاضي انتشار القص في الإسلام إلى عاملين مركزيين "أحدهما قيم الدين الإسلامي الجديد. ولذلك كانت المساجد المكان المفضل لدى القصاص، وثانيهما التخويض في حلبة الخيال وملابسة الأسطورة والولوج في عالم العجيب والغريب مما يتجاوز تعاليم الدين. ولعل هذا ما يفسر شعبية القصاص من جهة ومقاومة الفقهاء لهم من جهة أخرى، لأنهم أصبحوا في نظرهم يستغلون مشاعر مستمعيهم ليطوحوا بهم في آفاق الخيال"[16]. وقد تجسد ذلك بصورة واضحة في تطعيمهم المادة التاريخية التي تعرض في قالب قصصي بعناصر خيالية على نحو ما نجد في كتب السير والمغازي. فقد أكد عز الدين اسماعيل أنه "إذا كان العنصر الأسطوري أو الخرافي قد استبعد من تلك المادة القصصية القديمة. لقد حل محله في السيرة عنصر الكرامات"[18]. وقد تبلورت الصياغة النظرية لموقف الإسلام من القص بشكل متكامل في مؤلفات طائفة من الفقهاء وعلماء الدين المعتبرين أبرزهم ابن قتيبة وابن الجوزي والسيوطي.

1 -ابن قتيبة: فتنة السرد

لعله من اللافت أن ترد أولى الإشارات للطريقة التي تشكل بها السرد العجيب في الثقافة العربية في كتاب ديني هو "تأويل مختلف الحديث" الذي صنفه ناقد أدبي ومفكر سني كبير هو ابن قتيبة وخصصه للتوفيق بين الأحاديث التي يراها خصوم السنة متعارضة أو متناقضة. لذلك كان من البدهي أن يتأثر موقف ابن قتيبة من السرد العجيب بالرؤية الدينية التي تصنف هذا النمط القولي ضمن المحظورات؛ فلم يلتفت إلى المظاهر الإبداعية التي انطوى عليها سرد الخوارق والعجائب لصدوره عن مشروع فقهي مناهض لكل خطاب يخالف الواقع ويزيغ عن مطلق الحقيقة الدينية. ولذلك كان تناول المادة السردية في "تأويل مختلف الحديث" لا يقصد لذاته ولكنه يرد في معرض التوفيق بين الأحاديث المختلف حولها.

إن النظر إلى قضايا السرد في هذا الكتاب المثقل بهموم اعتقادية  لا يتم انطلاقا من منظور أدبي أو جمالي، ولكنه يتم من زاوية فقهية وشرعية، حيث يبدو ابن قتيبة القاضي والفقيه السني المحافظ مشغولا بتتبع واستقصاء الأسباب التي تفسد الحديث وفي مقدمتها الزنادقة من جهة والقصاص والأخباريون من جهة ثانية: "والحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للإسلام وتهجينه بدس الأحاديث المستشنعة والمستحيلة [...] والوجه الثاني: القصاص على قديم الزمان فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الأحاديث ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول أو كان رقيقا يحزن القلوب ويستغزر العيون. فإذا ذكر الجنة قال فيها الحوراء من مسك أو زعفران وعجيزتها ميل في ميل ويبوئ الله تعالى وليه قصرا من لؤلؤة بيضاء فيه سبعون ألف مقصورة في كل مقصورة سبعون ألف قبة [...] في كل قبة سبعون ألف فراش على كل فراش سبعون ألف كذا [...] ثم يذكر آدم عليه السلام ويصفه فيقول: كان رأسه يبلغ السحاب أو السماء ويحاكها فاعتراه لذلك الصلع، ولما هبط إلى الأرض بكى على الجنة حتى بلغت دموعه البحر وجرت فيها السفن، ويذكر داود عليه السلام فيقول "سجدوا لله تعالى أربعين ليلة وبكى حتى نبت العشب بدموع عينيه ثم زفر زفرة هاج لها ذلك النبات[...] وأما الوجه الثالث الذي يقع فيه فساد الحديث فأخبار متقادمة كان الناس في الجاهلية يروونها تشبه أحاديث الخرافة كقولهم "إن الضب كان يهوديا عاقا فمسخه الله "ضبا". ولذلك قال الناس: "أعق من ضب" وكقولهم عن الهدهد "إن أمه ماتت فدفنها في رأسه فلذلك أنتنت ريحه وكقولهم في الديك والغراب إنهما كانا متنادمين فلما نفذ شرابهما رهن الغراب الديك عند الخمار ومضى فلم يرجع إليه وبقي الديك عند الخمار حارسا[...] وكقولهم في السنور إنه عطسة الفيل وفي الأربيانة إنها خياطة كانت تسرق الخيوط فمسخت"[20].

وقد اعترض ابن قتيبة على هذه الأخبار معتمدا منهج المحدثين في تحري صدق الرواية والتثبت من صحة النقل، حيث أخذ على هذه الروايات خلوها من سلاسل الإسناد الموثقة وانتهاء روايتها إلى رواة غير أثبات ولا ثقاة مثل عبيد بن شرية الجرهمي وأمثاله. يقول: "وهذا شيء متقادم لم يأت فيه كتاب ولا ثقة وليس له إسناد وإنما هو شيء يحكيه عبيد بن شرية الجرهمي وأشباهه من النساب"[22]. ولما كانت هذه الأخبار قديمة العهد ترتد إلى زمن موغل في القدم فقد حاكمها ابن قتيبة استنادا إلى رؤية شرعية ودينية ترى في القصص الديني وغير الديني إخبارا عن الماضي. وهي رؤية تشترط  في النقل الصحة وفي الراوي الثقة، لأن الغاية من سردها تدعيم نصوص القرآن  والحديث. وقد أرجع ابن خلدون سبب تسرب هذه الأخبار إلى كتب المفسرين واستكثارهم من روايتها إلى أن "العرب لم يكونوا أهل كتاب أو علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء، مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود، ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل التوراة الذين من العرب يومئذ بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمْيَر الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا عندهم"[24].

من الواضح أن ابن قتيبة ينظر إلى خطاب القصاص "نظرا عقليا متعاليا على منطق الحكي"[26].

2- ابن الجوزي: إدانة القص

إذا كانت الإشارات التي تناولت السرد العجيب في "تأويل مختلف الحديث" قد جاءت مقتضبة ومجملة، فإنها مهدت الطريق أمام فقيه أصولي آخر هو ابن الجوزي الذي أفاض في موضوعات السرد العجيب، لكن معالجته لم تخرج عن النظرة الدينية التي ترى في هذا النمط من السرد "بدعة" ينبغي إنكارها واستهجانها.

يمكن التمييز في هذه مادة السرد العجيب عند ابن الجوزي، من حيث موضوعاتها، بين صنفين اثنين؛ يختص الأول بقصص الأنبياء بما فيها المرويات الواردة بشأن الرسول (ص) وآل بيته. أما الثاني فمداره على قصص الزهاد والعشاق فضلا عن بعض الروايات المتعلقة بذم الدنيا أو الموت والفراق.

لقد اعترض ابن الجوزي على هذه الأخبار والحكايات لمخالفتها "الحقيقة" سواء أكانت شرعية أو تاريخية؛ فمروجو هذا النمط من السرد لا يتقيدون بضوابط الرواية ولا شرائط النقل كما ضبطها المحدثون، ولا يلتزمون الأوامر والنواهي كما حققها الأصوليون. ولذلك جاءت مروياتهم، التي  مدارها على أخبار الأنبياء، مخالفة لمقررات الشريعة، ومجافية للحقيقة الدينية والتاريخية لاعتمادها على الأحاديث الضعيفة والروايات المرسلة. وفي ذلك انحراف عن طريقة العلماء المحققين الذين وضعوا شروطا دقيقة لمن تؤخذ عنه الرواية خاصة المتصلة بمسائل الدين والعقيدة[28]، كما اعترض ابن الجوزي على اهتمام القصاص بتفاصيل محددة من قصص الأنبياء التي يطيلون الوقوف عندها لأنها تصادف هوى في نفوس المتلقين. وإذا لم يسعفهم القصص القرآني في اجتذاب مخاطبيهم استعاضوا عن ذلك بتخيل أحداث غريبة وأضافوا تفاصيل جديدة تفرضها الغاية التأثيرية التداولية: "ومنهم من ينفق مجلسه يذكر موسى والجبل ويوسف وزليخا ويخرجون الكلام إلى الإشارات التي تضر ولا تنفع"[30].

وقد استنكر ابن الجوزي هذا الإجراء ورأى فيه تطاولا على الذات الإلهية التي لا تقبل التشخيص والتجسيد، واستخفافا بالأنبياء الذين أصبحوا في نصوص السرد العجيب أشخاصا عاديين تشغلهم أمور الدنيا عن عبادة الله. وقد ظهر استنكار ابن الجوزي لهذا النمط من السرد الذي لا يتقيد بضوابط الحقيقة الدينية في اهتمامه بإثبات تعقيب ابن عقيل الذي يمثل رأي الشرع بعد هذه الرواية مباشرة: "فحكى ذاك المجلس الحنبلي، يعني ابن عقيل نفسه فأخذه من ذلك ما يأخذ الجهال به، فاحتد وقال: سبحان الله وما الذي بين الطين والماء وبين خالق السماء من المناسبة حتى يكون بينه وبين خلقه إرادة له لا إرادة منه؟ يا متوهمة الأشكال في النفوس يا مصورين البارئ بصورة تثبت في القلوب. ما ذاك الله. ذاك صنم شكله الطبع والشيطان والتوهم للمحال فعبدتموه. ليس لله سبحانه وصف تميل إليه الطباع ولا تشتاق إليه النفوس بل مباينة الإلهية للحدثية أوجبت في النفوس هيبة وحشمة إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإنما صور أقوام صورة تجدد لهم بها أن فأقلقهم الشوق إليها فنالهم ما ينال الهائم في العنف وهذه الهواجس الردية يجب محوها من القلوب كما يجب كسر الأصنام"[32].

يرتد تحامل ابن الجوزي على القصاص إلى أن خطابهم اتسم بإطلاق المخيلة في التعامل مع قصص القرآن. مما أدى إلى إضافة عناصر سردية ودرامية غريبة عن النص القرآني ولا توافق مقاصده مستغلين في ذلك الإمكانات التي يتيحها القول القرآني بسبب ميله إلى الاختصار والإجمال في سرد الوقائع والأحداث، حيث يتعمد الخطاب القرآني، في الأعم الأغلب، التعالي عن سياقه التاريخي وعدم الخضوع لقيوده واشتراطاته سعيا إلى التعميم وحرصا على الدوام، حيث يقدم القول القرآني نفسه بوصفه صانعا للتاريخ وموجها له. ولذلك لا يشتمل النص على تاريخ محدد، ولكنه يؤسس تاريخه الخاص بما  يتتيح له التموقع فوق التاريخ.  ومن هنا "شاع في الأسلوب القرآني الاكتفاء، في الأحداث والأعلام، بمجرد التلميح "[34].

وبذلك استطاع الخطاب القرآني "خلع القدسية والتعالي على التاريخ البشري الأكثر مادية ودنيوية"[36]. بل إنهم لجأوا، في بعض الأحيان، إلى الفروض النظرية الصرف من أجل رفع الغموض التاريخي عن القصص القرآني[38].  ويؤدي ذلك، في بعض الأحيان، إلى تولد  النمط العجيب نتيجة إضافة أحداث أو شخصيات جديدة متخيلة. وقد تفطن ابن قتيبة إلى هذه الظاهرة ونبه عليها في كتابه "تأويل مختلف الحديث"، حيث رصد تزيد القصاص في تفسير نصوص القرآن عن طريق التوهم. يقول: "ثم يذكر [القاص] آدم عليه السلام ويصفه فيقول: كان رأسه يبلغ السحاب أو السماء ويحاكها فاعتراه لذلك الصلع. ولما هبط إلى الأرض بكى على الجنة حتى بلغت دموعه البحر وجرت فيها السفن" ويذكر داوود عليه السلام فيقول: سجد لله تعالى أربعين ليلة وبكى حتى نبت العشب بدموع عينيه ثم زفر زفرة هاج لها ذلك النبات" ويذكر عصا موسى عليه السلام فيقول: كان نابها كنخلة سحوق وعينها كالبرق الخاطف وعرقها كذا"[40]. وقد عقب ابن الجوزي على نص الخبر بالقول: "وهذا من أفحش الكذب وأقبح المحال! فإن رسول الله لما رد تلك المرأة لم يعاتب ولا جاء جبريل ولا جرى من هذا شيء. والعجب كيف يجري هذا ببغداد وهي دار العلم"[42] ثم أضاف إليه تفاصيل جديدة التي أوجبت اعتراض ابن الجوزي لأنه رأى في ذلك هتكا لحرمة الأنبياء ومخالفة للحقيقة الدينية والتاريخية. ولذلك كان هذا الإجراء لا يزيد عن كونه "محالا باردا أو كذبا شنيعا" كما وصفه ابن الجوزي[44].

لقد انطوى هذا الوصف على مخالفة صريحة للواقع وخروج واضح عن المألوف والمعتاد. ومن الطبيعي أن يجابه هذا الصنف من السرد بالاعتراض والإنكار من قبل ابن الجوزي الفقيه الأصولي، لأنه يرى فيه حيلة من حيل إبليس التي يبتغي من ورائها نشر البدع والفتن. مما يؤدي إلى الابتعاد عن مبادئ الدين ومقررات الشريعة. لقد غدا القصاص جندا لإبليس الذي لبس عليهم وجعل يتكلم بلسانهم. وبذلك تحول خطاب القصاص من السرد الذي يخدم أغراضا دينية إلى سرد يتركز على إثارة الشهوات وإيقاظ الأهواء. إذ "أكثر كلامهم اليوم في موسى والجبل وزوليخا ويوسف"[46].

ومما يلفت الانتباه أن ابن الجوزي أورد عددا وفيرا من نصوص السرد العجيب في سياق التهوين من قيمة هذا النمط القولي. مما جعل الخطاب ينقلب على المقاصد والغايات التي صيغ من أجلها؛ بدلا من التنبيه على مكائد السرد المفارق للواقع والمخالف لحقيقة الشرع يسقط الخطاب في دائرة الفتنة. ويؤكد ذلك أن "قانون الجاذبية المعاكسة هو الذي يدير ظاهرة الصراع بين أنماط الخطاب. وهو الذي يجعل الخطابات التي جاءت تطارد الفتنة تقع في دائرة السحر، فتؤخذ بالفاتن وتنجذب انجذابا إلى الغرائبي. إنها تتوسل إبهار المتلقي وشده إلى القول بواسطة التعجيب، لكن التعجيب سرعان ما يتحول إلى منطقة عبور. إذ يستسلم منتج الخطاب إلى فتنة السرد وغوايته فيتخطى الكلام دائرة العقل ويفتتح مجراه في مناطق تفلت من قبضته"[48]، وعلي بن أبي طالب يأمر بإخراج القصاص من المساجد[50]، ومالك يفتي بكراهة الجلوس إلى القصاص والاستماع إليهم[52]، بل إن أمر القصاص سينتهي بعد ذلك إلى مآل أكثر سوءا إذ يأمر المعتضد العباس، بعد استفحال أمر القصاص، بالنداء في بغداد ألا يقص على الطريق ولا في مسجد الجامع قاص[54].

ويمكن إرجاع الموقف المتشدد من القصاص إلى أنهم كانوا يخوضون في تفسير القرآن. فقد ذكر الجاحظ أن أبا علي الأسواري قص في مسجده "فابتدأ لهم في تفسير سورة البقرة، فما ختم القرآن حتى مات، لأنه كان حافظا للسير، ولوجوه التأويلات فكان ربما فسر آية واحدة في عدة أسابيع، كأن الآية ذكر فيها يوم بدر، وكان هو يحفظ مما يجوز أن يلحق في ذلك من الأحاديث الكثيرة. وكان يقص في فنون من القصص، ويجعل القرآن نصيبا من ذلك"[56]. أو يزعم آخر أن "من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان"[58]. وقد نجم عن  إطلاق القصاص لمخيلتهم في التعامل مع القصص القرآني انحراف لهذا القصص عن وظيفته وغايته. ولذلك وصفهم السيوطي بأنهم "يأخذون الحديث شبرا فيجعلونه ذراعا"[60].

من الواضح أن موقف السيوطي لم يخرج عن النظرة الفقهية الأصولية في إدانتها لكل خطاب ينعتق من إسار الواقع أو يخالف الحقيقة الدينية والتاريخية. وقد ظهر ذلك بشكل واضح في كتابه "تحذير الخواص من أكاذيب القصاص" الذي ضمنه جزءا كبيرا من مادة كتاب القصاص والمذكرين لابن الجوزي وكتاب "الباعث على الخلاص من حوادث القصاص" للحافظ زين الدين العراقي. لقد أدان عمل القصاص في الفصل الذي عقده للحديث عن "إنكار العلماء على القصاص وما رووه من الأباطيل"، كما أنكر مادة السرد العجيب وعدها "بدعة باطلة"[62].

المصادر والمراجع:

ابن هشام، سيرة ابن هشام، تح. وليد بن محمد بن سلامة وخالد بن محمد بن عثمان، مكتبة الصفا، ط 1- 2001

- ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، تح. رضى فرج الهمامي، المكتبة العصرية، بيروت ط 1-  2003.

-ابن الجوزي، تلبيس إبليس، دار القلم، بيروت، (د.ت)

ابن قيم الجوزية،  الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، تح. علي بن محمد، دار العاصمة، الرياض (د.ت)

- الأبشيهي، المستطرف من كل فن مستظرف، طبعة منقحة بإشر اف المكتب العالمي للبحوث، دار مكتبة الحياة- بيروت 1992

- ابن خلدون، المقدمة، دار القلم، بيروت، ط 6 – 1986

-آدم متز، الحضارة الإسلامية، تر. محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار الكتاب العربي، بيروت، ط5 (د.ت)

 الجاحظ،

-البيان والتبيين، تح. درويش جويدي، المكتبة العصرية، بيروت 2005

- الحيوان، تح. فوزي عطوي، دار صعب، بيروت، ط 2 – 1978

- جلال الدين السيوطي، تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، تقديم على عبد العال الطمطاوي، مكتبة الصفا، ط 1- 2002،

-جواد علي،  المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط2- 1993

- الهادي الجطلاوي، قضايا اللغة في كتب التفسير: المنهج، التأويل، الإعجاز، دار محمد علي الحامي، بالاشتراك مع كلية الآداب بسوسة، تونس، ط1- 1998،

-المقدسي، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، مصر (د. ت)

 محمد أركون،

- القرآن، من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، تر. هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، ط2- 2005

- الفكر الإسلامي، تر. هاشم صالح، المركز الثقافي البيضاء ط 2 – 1996

- محمد أحمد خلف الله، الفن القصصي في القرآن الكريم، مؤسسة الانتشار العربي، ط 4 - 1999

-محمد القاضي، الخبر في الأدب العربي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1998

-محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة، القاهرة، (د.ت)

- محمد لطفي اليوسفي، فتنة المتخيل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1-2002

- سيزا قاسم، توالد النصوص وإشباع الدلالة تطبيقا على تفسير القرآن، ضمن الهرمينوطيقا والتأويل، ألف، مجلة البلاغة المقارنة، ط 2- 2003

-عز الدين اسماعيل، المكونات الأولى للثقافة العربية، وزارة الإعلام، بغداد، 1972

-عبد العزيز شبيل، نظرية الأجناس الأدبية في التراث النثري، جدلية الحضور والغياب، دار محمد علي الحامي، تونس، ط 1 – 2001

- فرج بن رمضان، محاولة في تحديد وضع القصص في الأدب العربي القديم، حوليات الجامعة التونسية، ع 32 – 1991

- خولة شخاترة، بنية النص الحكائي في كتاب الحيوان، أزمنة، عمان ط 2- 2006

- الغزالي، إحياء علوم الدين، مع مقدمة ودراسة تحليلية بقلم بدوي طبانة، مكتبة ومطبعة كرياطو فوطرا، سماراغ، إندونيسيا (د.ت)

[2] - ربط الرسول (ص) القصص الذي لا يهدف إلى تحقيق غاية خلقية أو سلوكية  بالضلال والهلاك. فقد أثر عنه  قوله "إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا" – المستطرف، ص: 156

[4] -عبد العزيز شبيل، نظرية الأجناس الأدبية في التراث النثري، جدلية الحضور والغياب، دار محمد علي الحامي، تونس ط 1 - 2001ص: 219

[6] -ابن الجوزي، تلبيس إبليس، دار القلم، بيروت، (د.ت)ص: 120

[8] -نفسه، ص:120

[10]-عز الدين اسماعيل، المكونات الأولى للثقافة العربية، وزارة الإعلام، بغداد، 1972 ص: 1322

[12] - الجاحظ، البيان والتبيين، تح. درويش جويدي، المكتبة العصرية، بيروت 2005 ج1 ص:214

[14] -الجاحظ، البيان والتبيين، ج1 ص:177

[16] -آدم متز، الحضارة الإسلامية، تر. محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار الكتاب العربي، بيروت، ط5 (د.ت) ص: 117

[18]-نفسه، ص: 153

[20]- الجاحظ، الحيوان، تح. فوزي عطوي، دار صعب، بيروت، ط 2 – 1978ج1 ص: 204

[22]- خولة شخاترة، بنية النص الحكائي في كتاب الحيوان، أزمنة، عمان ط 2- 2006 ص: 69

[24] - ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث ص: 252

[26] -نفسه، ج2ص: 75

[28] -  ابن الجوزي، القصاص والمذكرين، ص: 83.

[30] -نفسه، ص: 95.

[32] - نفسه، ص 118.

[34] -محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة، القاهرة، (د.ت)ج1 ص: 122

[36]-جواد علي،  المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط2- 1993ج1 ص: 410

[38]- سيزا قاسم، توالد النصوص وإشباع الدلالة تطبيقا على تفسير القرآن، ضمن الهرمينوطيقا والتأويل، ألف، مجلة البلاغة المقارنة، ط 2- 2003 ص: 52

[40] - ابن الجوزي، القصاص والمذكرين، ص: 86

[42] - جاء في سيرة ابن هشام في معرض الحديث عن زوجات الرسول (ص) أنه لم يدخل باثنتين إحداهما أسماء بنت النعمان الكندية، تزوجها فوجد بياضا فمنعها وردها إلى أهلها - سيرة ابن هشام، تح. وليد بن محمد بن سلامة وخالد بن محمد بن عثمان، مكتبة الصفا، ط 1- 2001ج 4 ص 204.

[44] - نفسه، ص: 93

[46]-نفسه، ص: 120.

[48] - جلال الدين السيوطي، تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، تقديم على عبد العال الطمطاوي، مكتبة الصفا، ط 1- 2002، ص: 57

[50] - نفسه، ص: 66

[52]-  نفسه ص 71

[54] - نفسه ص: 73

[56] -جلال الدين السيوطي، تحذير الخواص من أكاذيب القصاص،  ص: 53

[58] - نفسه ص :51

[60] -  محمد القاضي، الخبر في الأدب العربي، ص: 640

[62] - فرج بن رمضان، محاولة في تحديد وضع القصص في الأدب العربي القديم، حوليات الجامعة التونسية، ع 32 - 1991ص: 256. 

clip_image002_3e16c.jpg

clip_image004_7343f.jpg

قصة حكاية مجد ، تأليف الكاتب المخضرم يعقوب حجازي ، رسومات الفنانة انا فورلاتي ، تقع القصة في 28 صفحة من الحجم المتوسط ، اصدار مركز ثقافة الطفل – مؤسسة الأسوار ، غلاف سميك مقوى ، صفحات داخلية ملونة ، صدرت عام 2012.

القصة : تتحدث القصة عن الطفل مجد ، صاحب الابتسامة العريضة ، والضحكات المجللة ، صاحب روح النكتة ، ثم يحدثنا الكاتب عن قطة مجد ، تيا ، رحلت عن العالم ، لكن مجد استصعب تقبل الخبر ، تجاوزت فترة حزن مجد على قطته الشهر ، أحبها بصدق وكان يدللها ،الام تحاول تخيف حدة الحزن ، تشرح له ان الحياة والموت أمر طبيعي في هذه الحياة ، خطرت ببال الأم فكرة ، أن تصطحب مجد الى مدينة عكا ، الى شوارعها وأزقتها ، مسجد الجزار ، أسوار عكا ، الميناء ، شرحت له عن حاكم مدينة عكا أحمد باشا الجزار ، عن قصص الصمود والبطولة ، تجول في سوق ظاهر العمر الزيداني ، شاهد المزولة ، المخطوطات النادرة في المدرسة الأحمدية ، شعر مجد بالنشوة والسعادة وخاصة عندما سمع عن هزيمة نابليون على يد احمد باشا الجزار 1799 م، في طريق العودة شاهد مجد وأمه قطة تحضن صغارها أعطى مجد القطط ما تبقى من زوادته ، وعادت البسمة والفرحة الى مجد مجددا ، لعل هذا المنظر بعث الحياة ثانية في روح مجد التي استوطنها الحزن .

رسالة الكاتب :

-         ضرورة الرفق بالحيوان ، فمجد حزن على قطته ، كأنها قطعة منه ، وعندما شاهد القطط الصغيرة عادت اليه الفرحة ، كذلك اطعمها من زاده ، كان مجد يدلل تيا ، يربت عليها ، يدلك رقبتها " ص 8 ، نظر الى صورته وهو يحتضن تيا بألفة ومودة " ص 8 .

-         القصة تطرح موضوع الموت ، وتعامل الصغار معه ، وتعامل الكبار مع الموضوع ، جاء الموضوع بصورة غير مباشرة من خلال موت القطة "تيا "، تأثر مجد الشديد بفراقها ، وهذا الموضوع قلما يطرق من قبل كتاب قصص الأطفال المحليين، بسبب صعوبة الغوص به ، وحساسية الموضوع ، وعزوف دور النشر عن طباعة قصص تعالج هذا الموضوع ربما لأسباب تتعلق بتوزيع القصة ، وعدم اقبال الأهل على اقتناء مثل هذه القصص والميل للقصص التي تتحدث عن النهاية السعيدة ، يطرح المؤلف أسئلة فلسفية حول الموت " لماذا يذهب الذين نحبهم الى بعيد ولا يرجعون ؟ّ! " ص 8 .

-          تمجيد مدينة عكا والتمسك بتاريخها العريق وتراثها ، وتمجيد أبطالها مثل أحمد باشا الجزار ، وظاهر العمر الزيداني ، وإبراز معالمها السياحية والدينية والتاريخية ، الأديب يعقوب حجازي ، مسكون بحب عكا حتى الجنون ( على غرار مجنون ليلى ) ، بين عكا ويعقوب حجازي قصة عشق قوية وطويلة فصولها ، في كل قصة أطفال يمزج بين حكاية للأطفال وحبه لعكا ، وهذه العلاقة السرمدية بحاجة لبحث عميق ودراسة خاصة .

-         ابراز العلاقة الحمية بين الطفل ووالديه .

-         ضرورة احترام الطفل لوالده ، " أحنى مجد رأسه خجلا " ص 4

استعارات جميلة وردت في القصة

-         ابتسامة عريضة ص 2

-         ضحكة مجللة ص 2

-         تنفلت منه الضحكات ، ص 2

-         أشعة الشمس تدفع الدفء في النفس ، ص2

-         تتفتح أساريره ، ص 4

-         أخفى ابتسامته بكف يده اليسرى ص 4

-         تنساب الضحكات على قسمات وجه مجد ، ص 4

-         غاب القمر عن المساء ، ص 7

-         تنهدت الام بحسرة ، ص 10

-         رطب رذاذ الموج وجه مجد ، ص 12

-         عندما حط على صفحة البحر الأزرق ، ص 13

-         تابعا السير وسط الزحام ، ص 17

-         تدلى كرشه امامه مثل البالون ، ص 19

-         وفي صحنه ، ص 19

-         كرشه اخذ يهتز ويهتز يعلو ويهبط ، ص 23

-         اخذت الابتسامة تكبر وتكبر ،ص 26

-         غيمة مرح ، ص 26

أسلوب الكاتب : تعمد الكاتب يعقوب حجازي في قصصه ، الى حياكة أكثر من قصة من خلال قصته ، هنالك مسار القصة الطبيعي قصة موت قطة مجد وحزنه عليها ، وهنالك روافد مدينة عكا ، بمسجدها وأسوارها ، وتاريخ حكامها ومجدها ، يحاول الكاتب المزج بين الرافدين ليصلا معا الى المصب ، وهو يهدف كما أسلفنا الى التمجيد بمدينة عكا ، مدينته العريقة ، هذا التزاوج بين الابداع والتاريخ أحيانا يثقل سير القصة ، لغة الكاتب مثقلة بالإبداع والتجديد ، والصور الشعرية الرائعة ، والقيم الإنسانية الخالدة .وفي هذه القصة حاول الكاتب ان يدخل أسلوب الفكاهة لتحبيب الطفل بالقصة ، ولكسر الروتين والملل، وهذا اللون الفكاهي مفقود في قصصنا المحلية التي تأخذ في معظمها الجدية الجمل الفكاهية الواردة في القصة : " لقد نسي الأب المشط الأحمر على رأسه عندما كان يسرح شعره الكثيف ،ونسي صابون الحلاقة على خده الأيمن حقا لقد بدا المنظر مثيرا للضحك " ص 4 ، وقد تدلى كرشه أمامه مثل البالون " ص 19 ، " كرشه أخذ يهتز ويهتز ..يعلو ويهبط " ص 23 ، " هل يخفي المرشد السياحي كل هذه المعلومات القيمة في رأسه ام في كرشه " ص 23 . أيضا استعمل أسلوب السجع في عدة مواضع مثال : " لتعرف السبب ، ويختفي العجب " ص 4، تنطلق الضحكات وتسح من عينيه الدمعات ، ص 4 ، العمران في خان المعمدان ، ص15 ، الى غيمة مرح الى أمطار فرح ، ص 26، لكن الاستعمال بشكل عام خدم النص ولم يكن مصطنعا .

ملاحظات حول القصة :

-         صفحات القصة غير مرقبة ، قد يلجأ القارئ أو الباحث الى ترقيمها يدويا !.

-         تشعر بالانتقال السريع وبدون مقدمات ، في الصفحات الأولى من القصة تشعر ان القصة فكاهية بها مرح ،من صفحة 2 وحتى صفحة 5 ، لكن في صفحة 7 ورد " ذات مساء ، غاب القمر عن السماء ، رحلت تيا قطة مجد عن الدنيا " ، القطة لم يرد ذكرها في بداية القصة ، كذلك التحول الشديد من الفرح الى الحزن ، بلا مقدمات ، حبذا لو ذكرت القطة في بداية القصة.

-         أين دور المدرسة ؟ ، استمر حزن مجد ما يزيد عن شهر ، لا يضحك ، ورد في القصة بصورة غير مباشرة ان مجد يتعلم في مدرسة ، " ليس بعيدا عن مدرسة مجد " ص24 ، اين دور المربي والمدرسة والمستشارة ، في مساعدة مجد في تخطي ازكته النفسية .

-         الكاتب يحب مدينته عكا ، في جميع قصصه يذكر معالمها التاريخية سوقها ، الميناء ، الاسوار ، مسجد الجزار ، احمد باشا الجزار ، هزيمة نابليون بونابرت ، المزج بين معالم مدينة عكا وقصص الأطفال ، عمل في قمة الابداع ، لكن هذا الالتزام الإنساني من قبل الكاتب فيه نوع من التكرار والاحتكار ، لماذا لا يكتب أديبنا عن مدينة حيفا ، أو القدس ، أو الناصرة ، أو شفاعمرو، يافا ، كلها مدن عامرة بأهلها وتاريخها العريق ، الا يحق لها أن تخلد في قصص يعقوب حجازي ؟ّ! .

-         جمل تكررت في قصة "حكاية مجد " وقصة " جدي والبحر " للكاتب ، "غاب القمر عن السماء " ، كذلك ظهور طائر النورس الذي يدل على الخير والنشاط ، في قصة جدي والبحر بشر طائر النورس بالانتصار على الخنفشار ، الوحش المائي الكاسر، كذلك في قصة الكاتب الفلسطيني توفيق فياض " حيفا والنورس" .

إشارات ثقافية وردت في القصة :

-         أحمد باشا الجزار (1734م - 1804م) أو أحمد البوشناقي (أصوله من البوسنة والهرسك الان) الذي حكم ساحل فلسطين والشام أكثر من 30 عاما. واشتهر بالجزار بسبب وحشيته وقسوته في التعامل مع أعدائه.

-          ناپوليون بوناپرت ‏(15 اغسطس 1769 - 5 مايو 1821 م) كان يعرف بإسم الامبراطور نابليون الأول, كان قائد عسكري و سياسي و إمبراطور في أوائل القرن التاسع عشر. نابليون يعتبر من أشهر و أذكى القادة العسكريين في التاريخ و من أذكى سياسيين عصره, طريقه حربه طورت وغيرت الحروب في العالم. حاول احتلال مدينة عكا لكنه اخفق وعاد الى فرنسا .

-          جامع الجزار :لقد أتم أحمد باشا الجزار بناء المسجد سنة 1782م, أما الغرف الصغيرة الموجودة في داخل المسجد فقد كان يسكنها طلاب العلم أيام كانت في جامع الجزار مدرسة إسلامية الأحمدية وكان يتم فيها تدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية الإسلامية مثل الفقه والحديث والتفسير (حتى سنة 1948), أما حجارة المسجد فقد جُلبَتْ من خرائب قيسارية وعتليت, وقد تم ترميم المسجد حديثا، وهو من ابرز المساجد في شمال البلاد ويستقطب السياح والمصلين.

-         مرسى عيسى العوام : عيسى العوام غواص عربي مسلم حارب مع القائد الناصر صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين.

-         ظاهر العمر الزيداني :(1106 - 1196 ه‍ـ / 1695 - 1775 م) كان أحد الحكام الفلسطينين في فلسطين في فترة الحكم العثماني، عين ظاهر العمر عام 1705 حاكماً على عكا وعمل على تقوية مركزه وأعاد تحصين عكا، استطاع السيطرة حتى على صيدا ودمشق بمساعدة قوات علي بك الكبير وقتل ظاهر العمر في حدود عام 1775 بعد مقتل ظاهر العمر على يد جيش تركي يقوده أحمد باشا الجزار ، تشتت عائلة الزيادنة وقضي على الاستقلال الذي حلم به وحققه في شمال فلسطين.

-         حمام الباشا : بنى أحمد باشا الجزّار؛ حاكم عكّا "حمّام الباشا" في نهاية القرن الثامن عشر، وقد أطلق عليه في البداية إسم: "الحمّام الجديد" ليُستبدل الاسم بعد ذلك بـِ "حمّام الباشا" تكريمًا للجزّار.

-         سليمان باشا عادل: هو خليفة أحمد باشا الجزار ،ابنه بالتبني حكم 1804م-1819م ، كان أحد مماليك أحمد باشا الجزار ، ثار عليه ثم عاد ملتمساً الرضى، وعند موت الجزار استلم مكانه، فتميّز بحسن معاملته لرعاياه، بعد ان عانوا الأمرين من الجزار.

-         خان العمدان : أقام خان العمدان أحمد باشا الجزار سنة 1785 في مدينة عكا الفلسطينية، وهو مبنى مربع الشكل من طابقين يرتكز على أعمدة من الغرانيت جلبها الجزار من قيسارية.

-         المزولة : وهي عبارة عن ساعة شمسية تحدّد الوقت في النهار، وفي وسطها عصا مستقيمة أفقية يتحدد الوقت من طول ظلها الناتج عن وقوع اشعة الشمس عليها، حيث تترك ظلا متحركا على النقاط والخطوط. من أقدم آلات قياس الوقت لأن تاريخها يرجع إلى عام 3500 قبل الميلاد، استخدمها المسلمون قديما في المساجد لتحديد أوقات الصلوات۔

 

أسئلة حول القصة

-         ماهي الصفات التي ميزت مجد في بداية القصة

-         لماذا شعر مجد بالحزن الشديد ؟ وكم من الوقت استمر ؟

-         صف علاقة مجد بقطته تيا .

-         كيف نجحت الأم في تبديد حزن مجد وإعادة البسمة اليه ؟

-         صف معالم مدينة عكا التي وردت في القصة .

-         قارن بين بداية القصة ونهايتها .

-         الى ماذا يرمز طائر النورس في القصة ؟

-         اذكر صفات المرشد السياحي .

-         كيف يواجه الصغار موضوع الموت ؟

-         ما هو دور الكبار في معالجة تأثر الصغار بموت عزيز؟

-         هل نجح الكاتب في ابراز معالم عكا وتاريخها ؟

-         هل تأثر مجد عندما شاهد التوائم الخمس من صغار القطط وماذا كان رد فعله ؟

-         اقترح نهاية أخرى للقصة .

-         أكتب رسالة الى الكاتب تعارض بعض الأفكار التي وردت في القصة .

-         اقترح عنوانا اخرا للقصة .

-         ما رأيك بشخصية الجزار حسب ما ورد في القصة ؟

-         أوردت المصادر التاريخية الكثير من القصص حول ظلم الجزار للرعية أذكر واحدة منها .

خلاصة : قصة مجد تعالج مواضيع إنسانية ومصيرية وفلسفية وأهمها الموت في عيون الصغار ، واحترام الوالدين ودور الأهل في دعم الطفل في أزمته النفسية ، حب الوطن ، ومدينة عكا العريقة بمعالمها الهامة وأبطالها خلال حقبتها الذهبية ، في القصة يتجلى حب الأديب يعقوب حجازي لمدينته ، فهو مسكون بحبها ، يعشقها حتى النخاع ، ومجدها الغابر يسري في دمه وعروقه ، بالنسبة له نقطة ضوء كبيرة على جبين التاريخ الإسلامي والعربي ، خدمت الامة العربية وصدت أطماع الفرنجة ولعابهم الذي سال على الشرق بأسره ، أن تهزم اسوار عكا نابليون بونابرت ،قاهر الأمم ، حكاية غير عادية ربما أحداثها غيرت مجرى التاريخ ، كاتبنا يطمح الى نزع اعتراف متأخر منا بأهمية عكا وسحرها ،يحاول غرس هذا الحب في نفوس الأجيال القادمة ، نحي الأديب على نهجه في كتابة أدب الطفل ، فهو يثقف الطفل ويجبره على الإبحار في عمق التاريخ ليرتشف جرعة تدخل النشوة الى روحه ، والتاريخ عنده يمر عبر أسوار عكا وبحرها الهادر وأزقتها المجبولة بالبسالة ، أدب الطفل عند يعقوب حجازي، أمانة ورسالة وليس مجرد قصة تروى للطفل قبل النوم . 

المزيد من المقالات...