من الضرورة بمكان استثمار المطالعات في شتى المجالات ، واكتساب المعرفة فيما جاء من الحق من عند الله تبارك وتعالى ، والمعرفة هنا باب الدخول إلى مغاني القيم الإسلامية العليا التي تمنح أصحابها الولوج في المدارات ذات الصلة ، ومنها على سبيل المثال ماتم تدوينه حول القصص التي وردت في كتاب الله الكريم . ففيها من اللطائف الجلية ماتبعث في روح المؤمن سموا واشتياقا نحو الأفق الأعلى والأسمى للإنسان السوي ، بما تحدث عنده أهلُهـا من أثرٍ في تغيير توجهاته العالية ، وتلك مزية أولي الألباب من الناس ، فيما تترك في النفس الفرصة للولوج أيضا في حياة جديدة تتملاها الأذهانُ في هدأة حانية تجتذبه آناء الليل وأطراف النهار لمتابعة آثار ذلك الاستثمار المبارك ... ولقد قال بعضهم في شأن القصة بشكل عام والقصص في القرآن الكريم بشكل خاص :       

( القصة هي واحدة من مجالات الأعمال الأدبية في لغتنا العربية المجيدة . ويُراد من القَصص بفتح القاف الأخبار وما جرى من أحداث ، ومن القِصص بكسر القاف وهو جمع ومفرده القصة ، وهي التي تكتب قصيرة أو طويلة ، ويكاد يكون مايجري للناس في حياتهم كله من القصص التي تتنوع أحداثها ونتائجها ، رغم أن عناصرها واحدة . وللقصص مكانة في نفوس الناس ، فإليها تصغي الآذان ، ومعها يتفاعل الوجدان ، ومن خلال طرح مواضيعها تعالج القضايا الاجتماعية وغيرها من القضايا ، فللقصة أثرها في تحريك العاطفة ، وقدرتُها على بث الحيوية في النفس ، ومكانتُها في استفزاز العزيمة المكنونة في صدور الخلق ، والقصص الهادفة ذات القيم الإنسانية لاتعتمد على الخيال رغم ماللخيال من جاذبية للنفس ، فالخيال في مجالات العقيدة ، وفي أبواب الإرشاد والتعليم لاقيمة له . فالحراثة في أرض زراعية تجدي لإنبات الزرع ، ولكنها لاتجدي في السحب الجميلة التي تتراءى لنا في أجواء السماء .

          ومنذ أن خَلَقَ الله تبارك وتعالى آدم وزوجته حواء عليهما السلام بدأت القصة تأخذ أبعادها في الحياة ، ويزخر القرآن العظيم بالقصص الكثيرة ذات الحبكة العضوية الرصينة ، قصة لفرد كقصة السامري ، وقصة لمجموعة كقصة أصحاب الكهف ، وقصة لأمة من الأمم وما أكثر هذا النوع في القرآن العظيم ، كقصة قوم نوح عليه السلام ، وقوم عاد وثمود وقصة يوسف وسليمان وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام مع أقوامهم ، وقصص أنبياء آخرين مع أقوامهم منذ أقدم العصور ، ولم يذكرهم القرآن الكريم . ناهيك عن القصص في عهد نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، وعن أبطالها من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ، ولكل قصة سِماتها وإبداعاتها ، وما لدى أصحابها من انفعالات وتصرفات وأحداث ، كما أن لكل قصة نهاية غالبا ماتُتوَّجُ بنتيجة ما ، أو مايُسمى بحل العقدة التي يترقبه القارئ ، وهو يتابع تسلسل الأحداث فيها . ولعل في قصص الأمم السابقة عبرة وموعظة لأمم أخرى حتى تتحاشى الوقوع فيما وقعت فيه الأمم التي سبقتها . حيث تكون أسباب الهلاك واضحة ، وأسباب النجاة بيِّنة ، والأسلوب الذي جاءت به هذه القصص يحفل بقوة الأداء وجمال الصور وبراعة الطرح ، كيف لا وهو كلام الله عزَّ وجلَّ الذي لايمكن أن يضاهيه كلام آخر . ولعل ماجاء في القصص الأخرى أعني قصص الملحدين والفاسقين ومَن غزل على منوالهم الرخيص ، تنافي المنطلقات والأهداف التي تتميز بها قصص القرآن الكريم ، وفرق بعيد بين القصص التي تتنفس هواء الغرائز الطائشة ، والإفساد في الأرض ، وبين القيم العليا التي تتبناها القصص في القرآن الكريم ، فما جدوى قصة تثير في الإنسان غريزة الشر والأذى والشذوذ والانحلال ، وهي قصص أهل الضلالات ومصيرهم إلى الفناء والعذاب الأليم . بينما نجد القصص الأثيرة في كتاب الله ، وفي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقلك إلى العالم الأسمى ، والمطاف الأعلى لتقف على حقيقة هذه الحياة الفانية ، فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تدعو إلى العبودية الحقة لله ، حيث النجاة والسعادة الأبدية في جنَّات الخلود .( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا )103/ يونس . وهذا هو أثرها في نهاية المطاف ، عذاب للجاحدين ، ونعيم خالد للمؤمنين الصالحين ، يقول الشيخ أحمد الشرباصي في هذا الباب : ( القرآن الكريم كتاب تنزلت آياته على البشرية الحائرة، كما تتنزل قطرات المزن الصافية على الأرض المجدبة القاحلة، فتحيي مواتها، وتعيد شبابها، وتجدد إهابها، وترجعها رياضاً مزهرة وجنات باهرة. ولقد صنع القرآن المجيد بعقول الناس وقلوبهم الأعاجيب، وحول وجهتهم إلى طريق جديد، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، ووضع أبصارهم وأيديهم على حقيقة عزهم في الدنيا، ومعقد سعادتهم في الآخرة، ولذلك كان القرآن دستور البشرية الذي لا يبلى، ووردها الذي لا ينسى، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾  9/ الحجر . كما يؤكد الشرباصي على خصائص القصة في القرآن الكريم وأنها تجمع. في آن واحد بين قصص الصالحين وقصص الطالحين، وتبين نتيجة الأولين وعاقبة الآخرين، فهي حينما تقص علينا مثلا قصة رسول من الرسل أو نبي من الأنبياء، أو داع من الدعاة، وكيف أتى العنت والإرهاق والمشقة في بادئ الأمر، ثم جاء أخيراً نصر الله فأيده ورعاه، وأعزه وهداه، تسرع فتقابل هذه الصورة بصورة الذين شقوا، والذين غرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور، فطغوا وبغوا، وأخذتهم العزة بالإثم، ثم لم يكن إلا زمن قليل، وجاءهم بعده عقاب الله الذي لا يرد، فكان عاقبة أمرهم خسارا وبوارا ، واعتادت القصة القرآنية هذه المقابلة وتلك المقارنة، لتجعل القارئ دائماً بين عاملي التحذير والتبشير، والوعد والوعيد، والخوف والرجاء، وبذلك تعتدل حاله وتتوسط أموره، فلا يكون منه إفراط أو تفريط، هنا أو هناك . ولعل ماتُسَمى بالجماليات الفنية من غموض في الطرح ، ومن استخدام للغة خاصة ، ومن استغراق في الرمز ، حيث يضطر القارئ : ( المثقف بصورة خاصة ) لتفسير تلك الطلاسم بلا جدوى وبلا منفعة كان عليه أن يتلقاها من القاص , وما يسمونه بالإيجاز والإيحاء لاقيمة له في نتائج قصة تعانق واقع الحياة ، وتنزل إلى ميادين المجتمع ، وتتفاعل مع مايلم بالناس من أحداث وما يعانونه من حالات الأفراح والأحزان .وأما القصة في القرآن الكريم أو التي وردت في السُّنَّة النبوية لها خصائص تميزها عن كتابات البشر في القصة ، ولها أهداف عالية وغايات جليلة تمس حياة الناس في الدنيا والآخرة ، ولها أثرها البالغ في تغيير النفوس إلى الأفضل والأسمى ، وقد جاءت نبأً مؤثرافي النفس ، فكم من عين فاضت بالدمع وهي تسمع قصة قرآنية ، وكم من إنسان وقف يتلو الشهادتين بعد أن قلبت القصة القرآنية ميزان فكره وقوَّمتْ توهُجَ مشاعره في أحنائه الداخلية . فحوادث القصص القرآني جاءت لغرض معين ، وشخصياتها جاءت تعبِّر عن حالات نفسية محددة ، وبالتالي نجد النتيجة الحتمية التي لابد منها لكل مَن جاءت مشاركته في هذه القصة أو تلك . وحيث تتجلى القصص في كتاب الله عنصرا من عناصر الدعوة إلى الإسلام ، ومنهجا مؤثِّرًا في ميادين الوعظ والإرشاد . فكأنها رسائل مميزة لبلورة القيم الإنسانية السامية ، وتقديمها للمجتمع ، ومن خلالها يتفاعل الوجدانُ مع المزايا الحِسان ، وتتحقق تلك الأفكار التربوية ، في صيغة سِيرٍ حميدة ، فينشأ المجتمع الصالح ، كما أنها تعمل على حفظ الصورة الثقافية الخالية من الشوائب المستوردة ، فتبعد المجتمع عن كل سلوك مشين ، وتصرف مهين ، فترى إنسان هذا المجتمع حينئذ على جانب من الهداية التي جاء بها الأنبياء منذ بدء الخليقة ، وتلك هي الهداية الربانية التي تقوده إلى موطن السعادة الأبدية في ظل رضوان الله تبارك وتعالى . والتي هي نهاية المطاف لدار الابتلاء الدنيوية ، وذاك لكل مَن آثر الآخرة على الدنيا ، وزكَّى نفسَه من كل بهرج زائف ، ومن كل نعيم زائل . ومَن غلبه هواه واستعصم بغروره ، واتبع شيطانه فقد باء بالخسران مهما ملك في دنياه من متاع وجاه وسلطان ، ومن بيئته المزيفة تخرج الضلالات ، ففي قول فرعون : ( أناربكم الأعلى ) وفي قوله : ( ماعلمت لكم من إله غيري ) تجسيد صارخ وصريح لقصةِ كفره وضلاله ، وهاتان الكلمتان تصطف تحتهما كلُّ أقوال فرعون وأفعالُه وما يجول في خاطره ، أراد البطش بموسى عليه السلام لأنه يعتقد أنه الرب الأعلى فلا رب سواه ، وجاء بالسحرة ليبطلوا مالدى موسى عليه السلام من آيات ربانية لأنه يعتقد أن لا إله غيره ، وعذَّب زوجته المؤمنة بالله لأنه أنكر عليها كفرَها به فهو الإله حسب عقيدته الضَّالة المضلَّة ... وهكذا نرى أن سلوكه ــ لعنه الله ــ ترجمة لما يعتقده، وقد أفصح عن غروره وجبروته بهاتين الكلمتين . ولقد وردت قصة نبي الله موسى عليه السلام في العديد من سور القرآن الكريم ، ليؤكد تكرارها العذب الجميل على ما انطوت عليه من أحداث كثيرة وقصص أثيرة رافقتْه وقومَه على مدى سنين طويلة ، كما جاء ذكر كلمة القصة في صورة جمع أو فعل في صوره الثلاث ، وترمي إلى معاني الإثبات ، أو تدعو إلى التفكر للعظة وأخذ العبر . ففي قوله تعالى : ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ماكان حديثا يُفتَرَى ، ولكن تصديق الذي بين يديه ، وتفصيل كلِّ شيء ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ 111/يوسف ، نجد ماترمي إليه كلمة القصص ، وجاء شرحها في التفسير الميسر : (لقد كان في نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك وما حلَّ بالمكذبين عظة لأهل العقول السليمة. ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا مختلَقًا، ولكن أنزلناه مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية، وبيانًا لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم، ومحبوب ومكروه وغير ذلك، وإرشادًا من الضلال ، ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم، فيعملون بما فيه من الأوامر والنواهي ) . وهذه بعض الآيات التي وردت فيها كلمة القصة ، جمعَ بعضَها أهل البحث والعلم في هذا المجال :

*(إنَّ هذا لهو القَصَصُ الحق وما من إله إلا الله ) 62/ آل عمران .

*( فاقصص القصَصَ لعلهم يتفكرون ) 176/ الأعراف .

*( نحن نقص عليك أحسنَ القصَصَ ) 3/ يوسف .

*( فلما جاءه وقصَّ عليه القصَصَ قال : لاتخف نجوت من القوم الظالمين ) 25/ القصص.

*( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ، ورسلا لم نقصًصْهم عليك )164/النساء

*( إنِ الحكم إلا لله يقص الحق وهو خيرُ الفاصلين ) 57/ الأنعام .

*( ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصون عليكم آياتي ) 130/ الأنعام .

*( فلنقصنَّ عليهم بعلم ، وما كنا غائبين ) 7/ الأعراف .

*( ذلك من أنباء القرى نقصُّه عليك منها قائم و حصيد ) 100/هود .

*( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبتُ بـه فؤادَك ) 120/ هود .

*( قال يابني لاتقصص رؤياك على إخوتك ) 5/يوسف .

*( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) 111/ يوسف .

*( وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبلُ ) 118/النحل .

*( نحن نقص عليك نبأهم بالحق ) 13/ الكهف .

        ففي القصص عبرة لاتبرح مكانها في الضمير الحي حتى تتماهى مع سلطانه ، وتتمكن من بنيانه ، فهي رسالة تدعو إلى التفكر والتَّدبر ، وتعين الإنسان على الثبات ، وفيها من العبر والمواعظ الزاد الأحلى من موائد المكرمات والمآثر ، وهو من حظ الذي يتجنب المزالق مهما استشرى باطلُها ، وتنمَّرَ دعاتُها الآثمون ، فلا يشعر مَن طابَ حظُّه منها بالخوف ، الخوف من أيِّ طارئ أو طارق يأتيه آناء الليل وأطراف النهار ، حيث تكلؤُه الحكمة مهما كانت شراسةُ الإغراء الذي ينازع الناس صباح مساء ، ومهما قاسى ــ هذا المحظوظ ــ من المتاعب ، فإنه لاريب هو الفائز في جولة الحياة ، وهو المُعافى من كلِّ مايعتريه من مشاق ، ولعله هو صاحب الاستعلاء على البهرج الزائل الزائف ، وعلى التقاليد التي صاغها الجهل والعمهُ في غفلة خيَّمتْ على الناس أو مكَّنت لها العصبية المذمومة ، ولا يمكن لمؤمن صادق أن تغلبَه نفسُه اللهم إلا إذا كان إيمانُه ضعيفا ، ويقظته العقلية مقيدة ببيئة ما ، لأن قوة الإيمان لاتغلبُها نوازع الشَّر ، فالبصيرة تحرس القيم التي يكاد البصرُ أن يخطفَها ويخترق أسوارَها الحصينة ، وهنا يتجلَّى معنى العبودية لله سبحانه وتعالى ، ويفعل فعلته الراقية المكينة ، فتتلاشى العبودية لغير الله ، وتندحر الأهواء والشهوات ، وما أعذب ماكتبه الداعية الدكتور مصطفى السباعي ــ يرحمه الله ــ في هذا الباب مبيِّنا أن العبودية لله تمنح العبد الصالح الانعتاق الكبير والتَّبرُّؤ من كل العوائق والمثبطات ،فقال : ( إن أوسع الناس حرية أشدّهم لله عبودية، هؤلاء لا تستعبدهم غانية، ولا تتحكم فيهم شهوة، ولا يستذلّهم مال، ولا تُضيع شهامتَهم لذة، ولا يُذِلّ كرامتَهم طمع ولا جزع، ولا يتملّكهم خوف ولا هلع، لقد حررتهم عبادة الله من خوف ما عداه: (ألا إنّ أولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم). فقد انقطع هؤلاء بعبوديّتهم له عن كل خضوع لغير الله، فإذا هم في أنفسهم سادة، وفي حقيقتهم أحرار، وفي أخلاقهم نبلاء، وفي قلوبهم أغنياء، وذلك لَعَمْري هو التحرر العظيم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، إنما الغنى غنى النفس". رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وكما قال الشاعر : (صاحبُ الشهوة عبدٌ فإذا    غَلَبَ الشهوةَ أضحى ملِكا ) .

                 القصص كثيرة ، ولكل إنسان قصة كثرت صفحاتها أو قلَّت ، وقد تكون القصة بليغة الألفاظ ، عذبة السبك ، حلوة الطعم ، ولكن هذه البلاغة والعذوبة والحلاوة لاتكفي ، والعبرة ليست في هذا ، ولا في كثرة الصفحات أو قلتها ، إن لم تتأرجْ أطيابُها بالدعوة إلى الأعمال الصالحات ، وإلى السلوك النبيل ، وتقوِّي بيئة الإصلاح الاجتماعي ، وتعزز من مكانة الإرث الغني بالمآثر والباقيات الصالحات من أفعال وأقوال في مجتمع يسعى نحو الفضيلة التي منحها الله سبحانه وتعالى لِمَن آمن به ، واقتفى آثار الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، وتسمو بإنسانيته فوق بيئة الصم البكم الذين لايعقلون ، حيث اضمحلت قدراتُهم العقلية ، وتلاشت مواهبُهم ، والعقل الكليل في الإنسان الكليل هو مظهر محزن ينادي بأعلى صوته : أنْ إلى الفناء والاضمحلال ، لعل الله سبحانه يستبدل بهم غيرَهم ممَّن يجيدون صناعة الحياة ، وإعمار الأرض ، واعتبروا بما جاء في قصص الأولين ...

قصص تلك قصَّها القرآنُ = حيثُ أصغتْ لحسنِها الآذان

واشرأبتْ لسردها من قلوبٍ = غلبتْهـا في عيشها الأحزانُ

فرعتْها بالسَّالفاتِ عظاتٌ = فتروَّى لِمــا بهــا الحيرانُ

وتملَّى أحداثَهـا فتثنَّى = لأولي اللبِّ عندها العرفانُ

إنما العيش قصةٌ سوف تُروَى = لأُناسٍ والفاعلُ الإنسانُ

كنْ بصيرًا ولستَ ممَّنْ تعاموا = يتأذَّى من شرِّك الوجدانُ

وانْهَضَنْ بالعقيدة اليومَ حُــرًّا = مؤمنا لا يغرُّك الشيطانُ

أوَلَـمْ تقرأ الفصولَ بِسِفرٍ = فيه للمرءِ في الحياة اتِّـزانُ

قصص أهلُها كرامٌ وأخرى = لبنيها قد ساقهم طغيانُ

فتردَّى مَن عاشَ فيها سفيهًـا = وتسامى مَن قاده الإيمانُ

فاسْمَعَنْ قصةَ الجريحِ بيوم = خلَّدتْه في سِفرها الأزمانُ

فبها الإيثارُ الذي لايُجارى = والودادُ المحمودُ والتحنانُ

والإخـاءُ المحمودُ في الدينٍ باقٍ = تتغنَّى بنُبْلِه الفرسانُ

إنَّ يومَ اليرموكِ يومٌ عظيمٌ = فيه من قصةِ الفدا عنـوانُ

لم تجدْها في الفرسِ أو عند رومٍ = فالمـزايا لديننا برهانُ

هي من قصةِ الذين اجتباهم = ربُّهم إذْ حباهُـمُ الإيمانُ

وغِنى النفسِ بالتُّقى والليالي = شاهداتٌ والمجدُ والركبانُ

بلَّغُوها لكلِّ دانٍ وقاصٍ = فتولَّى أمورَهـا الأعيانُ

حيث فازوا بالصَّالحات ونالوا = قُرُبَاتٍ يرضى بهـا الرحمنُ

وغِنى النفسِ لابنِ آدمَ فخـرٌ = وهـو العـزُّ بعدُ والصولجانُ

وَهْـوَ بابُ الإباءِ إن جارَ وغدٌ = والأداءُ المُثــيرُ والعنفوانُ

طالما يخفضُ الإبـا مَن تعالى = وعلى الناسِ بغيُه واللسانُ

بين تلك الأسواءِ عاشَ شقيٌّ = ماحـداهُ لربِّه الشُّكرانُ

لم يخفْ مؤمنٌ وعى قصةً من = سنواتٍ شدا بهـا سحبانُ

فاقصُصَنْها : آثارُها باقياتٌ = فلهـا في فـمِ الخلودِ اقترانُ

أكبرَ اللهُ شأنَها في المثاني = ووعتْهـا للعبرةِ الأزمانُ

وتلاهـا القُـرَّاءُ في كلِّ حينٍ = فتدانى للسامعين الأمانُ

إنَّ بالذكرِ تطمئنُ قلوبٌ = عاجلَتْها بالريبةِ الأحـزانُ

فاستعادتْ أفراحها بيقينٍ = ليس يقوى لطمسِه الشيطانُ

عشراتٌ في الذِّكرِ من قصصٍ تُروى . = . وأخرى لأهلهـا الخذلانُ

كفروا بالله العظيمِ فذاقوا = مــن عذابٍ لِمُنْكِريهِ الهوانُ

وشقاءٌ لجمعِهم أبديٌّ = مالهم غيرُه هناك مكانُ

فَتَثَبَّتْ أخا الهدايةِ واعلمْ = أنَّ في الخيرِ ذا المدى يزدانُ

فاتَّقِ اللهَ وامتثلْ للمثاني = فبآياتها الهدى والبيانُ

وبأسفارِ سُنَّةِ المصطفى مِن = ثمراتٍ بستانُها نشوانُ

فاتخذْها منارةً إن ألمَّتْ = ظلماتٌ مقيتةٌ ودخـانُ

ما أتانا نهجُ الحبيبِ لسلوى = أو لِلَهـوٍ قد ذمَّــه الفرقانُ

فلقد قصَّ للورى قصصًا فيها . = . سُمُوٌّ لخيرِهم وامتنانُ

فأتتْ أنباءُ القُرى في عِظاتٍ = لـم يَرُدِّ استحسانَها الأخـدانُ

قد وعاها أخو المآثرِ فتحًـا = للمغاليقِ عافه النُّدمانُ

هي درسٌ للباحثين عن الحقِّ . = . ومَن قد يشدُّه العرفانُ

ربَّ نُصحٍ جنى ابنُ آدمَ منه = ثمراتٍ تزهو بهـا الأفنانُ

وعلومٍ لذي النَّجـابةِ يُروَى = من ينابيعِها الفتى الظمآنُ                     

وتراثٍ تزجي يداه المعاني = وارفاتٍ ظلالُها والبيـانُ

والعشيَّات حُلوةٌ حينَ تُحكَى = في بيوتٍ ويسمعُ الفتيانُ

تلك أقصوصةٌ وأخرى فصول = صاغَ زهـوَ استرسالِها الأُرجوانُ

يعشقُ الأطفالُ الصغارُ المعاني = فلْيُوَطَّأْ للصبيةِ التبيانُ

وَلْيُحاكِ الأفهامَ سردٌ لذيذٌ = فلديـه التمكينُ والسلطانُ

فلدنيا الأطفالِ شأنٌ يُـراعى = لينالَ ابتهاجَه الولدانُ

إنهم يُصغي سمعُهم لحديثٍ = طابَ نشرًا كأنَّه الريحانُ

تلك من توجيه النبيِّ لجيلٍ = كان منه الأفذاذُ والفرسانُ

فامتثالٍ لهديِه فيه خيرٌ = لبنينا وَلْيسلم الغلمانُ

يوم بــدرٍ أفعالُهم خلَّدتْها = إذ تجلَّى في القصةِ الإيمانُ

فغدتْ قصَّةً لكلِّ نبيهٍ = حفظتْها الأجيالُ والأزمانُ  

وبهذا الإرثِ البديعِ استنارتْ = وجهةُ القومِ فالهدى مِعوانُ

يكرمُ الأمةَ الذي قـد أتاها = وحيُ ربي فما لهـا خذلانُ

فالجناحان رفرفا لارتفاعٍ = إنما العلمُ والهدى صنوانُ

بهما تنهضُ الشعوبُ وتُؤتي = من جليلِ المعارفِ الأذهانُ

إنَّ للأمةِ الجريحةِ سِفرًا = ملأتْهُ بالحسرةِ الأشجانُ

قصصٌ أذهلتْ قلوبًا تلظَّتْ = إذ تراءتْ فما لهـا نكرانُ

في الكتابِ المبين يذكرُ ربِّي = قصصًـا لـم تملَّهـا الأزمانُ

أيقظتْ مَن سها لغفلةِ نفسٍ = من ضياعٍ نسيجُه الحرمانُ

وتعيدُ الإنسانَ للفطرةِ البكرِ . = . فينأى عن غيرِهـا السلوانُ

وتغذِّي جـوعَ القلوبِ بروحٍ = نفـحُ أطيابِ قدسِهـا فينانُ

فإذا الآدميْ يقومُ سويًّا = ومن الطينِ يُجبلُ الإنسانُ

ولـه تسجدُ الملائكُ لكنْ = قـد عصى اللهَ ذلك الشيطانُ

وتنحَّى فحـذَّرَ اللهُ منه = فاستعاذتْ من نفثِه الأكوانُ

فهـو الدهرَ لابنِ آدمَ يبقى = في عـداءٍ لم يطوه الكتمانُ

ولهذا فليس من قصةٍ تُروَى . = . فنفثٌ فيهـا له ومكانُ

في نهارٍ وسواسُه وبليلٍ = يتمادى نشاطُه الضَّحيانُ

فأعِذْنا ياربِّ منه فإنَّـا = في زمانٍ شيطانُه السَّرحانُ

ومساعيه شرُّهـا مستطيرٌ = ولـه من عشِّاقِها أخـدانُ

وهي الموبقاتُ مشرعة أبوابُها . = . للرجيـم والكفرانُ

ويكادُ اللعينُ يظهرُ فيهم = حيثُ نادى كي تُعبدَ الأوثانُ

وله المؤمنون بالله هبُّوا = في البرايا كأنهم عقبانُ

لـيس تُغري البهارجُ اليومَ قومًا = وبهم ثارَ نقعُه الميدانُ

في سبيلِ الرحمنِ عاشوا جنودًا = في البرايا يحدوهُمُ القرآنُ

كتبوا قصةَ الفلاحِ فيُعطَى = للملايين خيرُها والأمانُ

لتعيشَ الشعوبُ لايزدريها = ظالمٌ مالمجدِه أركانُ

خلقَ اللهُ خلقَه ليعيشوا = ويكونَ الإسعادُ والعمرانُ

فاقصص القصةَ الأثيرةَ فيهـا = يتجلَّى التوحيدُ والإيمانُ

خابَ فيها الذين ماتوا عـراةً = من ثيابٍ ماخاطهـا الخذلانُ

وبهـا المشركون بالله زُجُّوا = لتبارٍ عنوانُه النيرانُ

ونصيبُ الإنسان إنْ لـم يُتوَّجْ = بالمثاني فإنَّـه الخسرانُ

سورةُ العصرِ للأنامِ نداءٌ = فَهْيّ للفوزِ بالهدى إعـلانُ

عملُ الصَّالحاتِ شأنٌ كريمٌ = والتَّواصي بحقِّها عنوانُ

أقسمَ اللهُ جلَّ بالعصرِ كيلا = يتمادى في المُهْلَةِ البطلانُ

فالليالي ستنطوي ويولي = عن بني الأرضِ السعيُ والإمكانُ

وتجلَّتْ في الحشرِ قصةُ خَلْقٍ = ولهذا المصير جاؤوا وكانوا

يعمل الباحث الفلسطيني فيصل دراج من خلال مؤلفه" الرواية وتأويل التاريخ "على التنظير للرواية بصفة عامة وللرواية العربية بصفة خاصة منطلقا من العوامل التي ساهمت في ظهور الرواية العربية وتطورها فبنظره"جاءت بداية الرواية العربية مع بداية القرن العشرين، دون أن يزامنها صعود في علم التاريخ أو في غيره من العلوم، انطوت البداية الروائية العربية على مفارقة ظاهرة، ذلك أنها ولدت في شرط غير روائي "لم تنجز فيه البرجوازية العربية ثورتها ولم يعرف الواقع العربي فيه ثورات جذرية، كأن هذه الرواية ولدت معوقة وافدة، شديدة التلعثم لحظة ومليئة بالوهم ترهن المقامة لحظة أخرى وهي في الحالين بعيدة البعد كله عن الشرط الأروبي الذي سوى روايته " 1.ويرى الباحث فيصل دراج على أن سبب هيمنة وسيطرة التاريخ في الرواية العربية المتنامية راجع إلى الفرق بين زمن أروبي ينتج رواية مسيطرة وزمن عربي لا يسائل الأصول، فقد استدعى الروائي العربي المؤرخ إلى روايته وطرده لأكثر من سبب وهذا راجع إلى كون المؤرخ لا يتقصى الصحيح ويعمل على تهميش المستضعفين بل أكثر من ذلك يرى الباحث بأن المؤرخ يعمل على اعدام الحقيقة ولهذا يقوم الروائي العربي بتصحيح ما جاء به المؤرخ وبذكر ما امتنع قوله مؤكدا بأن الرواية علم التاريخ الوحيد أو كتابة موضوعية تسائل ما جرى، دون حذف أوإضافة" 2.فالكتابة الروائية العربية أعادت كتابة التاريخ المعاصر الذي لم يكتبه المؤرخون متطلعة إلى تاريخ سوي محتمل دون أن يعلل الباحث سبب هذا الإهمال تاركا للمتلقي فرصة البحث عن الإجابة بين ثنايا مؤلفه. وقد قام فيصل دراج بتقسيم مؤلفه إلى ثلاثة أقسام: الفصل الأول وسمه بالرواية في التاريخ موضوعه التاريخ وصعود الرواية، وقد قسمه إلى عدة محاور رئيسة منها رواية التقدم وتقدم الرواية، الرواية وتداعي الأصول.الرواية والمتخيل الحديث، الرواية واليوتوبيا المضمرة، الرواية ومجتمعية القراءة، الرواية واللغة القومية، الرواية العربية في زمن اجتماعي متغير. حيث يرى الباحث على أن الرواية تسائل الحاضر والتاريخ يسائل الماضي لكنهما معا ينتهيان إلى عبرة وحكاية.كماأن الباحث لم ينكر العلاقة بين التاريخ والرواية والإبداع الأدبي، واستشهد بموقف المؤرخ الانجليزي الشهير ج-كولنجود "حين وزع في ثلاثينيات القرن الماضي الخيال الجبار على الروائيين والمؤرخين معا ".3كما استشهد بتعريف جورج لوكاتش 1885- 1971 وهويعرف الرواية بالقول "يعبر جوهر العمل الروائي الأكثر عمقا عن ذاته في السؤال التالي ماهو الإنسان يقول الروائي نظريا ما يقول به المؤرخ ".4وفي محور رواية التقدم وتقدم الرواية يتابع الباحث عبر التاريخ تطورالرواية انطلاقا من التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية حيث اتفقت الرواية مع التاريخ التقدمي واختلفت عنه في آن "اتفقت معه وهي تقاسمه وحدة الواقعي والمتخيل والذهاب من الحاضر إلى المستقبل، واعتبار القرن التاسع عشر زمنا مرجعيا والقطع مع التصور اللاهوتي للعالم واختلفت عنه مبتعدة عن الكليات المجردة، ومحتفية بالتفاصيل وذلك في نص معتم متعدد المستويات "يتأمل التاريخ في طبيعة انسانية مثقلة بالتناقض ".5

بحيث يرى الباحث بأن الرواية وقعت على إنسان أرضي مزود بأسئلة جديدة حيث نقض الإنسان الدنيوي الإنسان اللاهوتي وفي محور الرواية وتداعي الأصول يرى الباحث بأن الانسان النهضوي بعد أن عثر على أصله في ذاته واستغنى عن الأصول جعل من الأصل سؤالا مفتوحا متعدد الاتجاهات، حيث صدر عن علاقات الزمن والإنتاج والآلة زمن إنساني مغاير للزمن الديني، الذي يعالج الأرواح المجردة بأدوات لا تقبل التحديد والقياس، وفي محور الرواية والمتخيل الحديث يرى الباحث بأن المتخيل رافق الإنسان منذ أن أدرك أن وراء الواقع المعيش واقعا آخر أكثر جمالا أوأقل قبحا. حيث أخذت الرواية بالمعطيات المختلفة للمجتمع البرجوازي ودفعتها إلى حدودها الأخيرة، مبرهنة أن الفضاء الروائي مزيج من المعرفة والبصيرة، أو لقاء محسوب بين الواقعي والمتخيل".6

ويخلص الباحث في هذا الفصل إلى القول بأن "الرواية العربية تنتمي إلى مستوى الكتابة إلى زمن حداثي كوني، وتنتسب على مستوى القراءة إلى زمن تقليدي أو هجين الحداثة كأنها رغم بطولة المتخيل والكتابة تنتظر جمهورا محتملا لم يأت بعد "7وفي القسم الثاني المعنون بالرواية العربية الولادة المعوقة في التاريخ المقيد يسلط الباحث الضوء على ستة من الرواد وهم عبدالرحمن الكواكبي، محمد عبده، فرح انطوان طه حسين، عبدالسلام العجيلي، عادل كامل باعتبار رواياتهم تساهم في الوقوف على علاقة الرواية بالمجتمع، والتاريخ حيث يرى الباحث بأن الرواية لها صلة بالمجتمع والتاريخ، ذلك أن للرواية صلة وعلاقات اجتماعية أنتجتها برجوازية منتصرة، وهي تنتج ذاتها طبقة قائدة مسيطرة مهيمنة .ويرى الباحث على أن زمن العربي بخلاف الزمن الأروبي أضاع فرصة الانتصار وبقي مكانه يبحث عن أفق أضاعه أو عن أفق لم يلتق به بعد، لذلك لم تظفر الرواية العربية في زمن ولادتها الأولى بمرجع خارجي يصيرها رواية ولم تتمتع بمرجع داخلي يعلج باتساق داخلي وهكذا"ولدت الرواية مزودة باعاقة مزدوجة فهي اثر متأخر للأدب العالمي(...) وهي كتابة وافدة إلى حقل اجتماعي لم يعرف "نثر المجتمع البرجوازي ".ويخلص الباحث من خلال هذا الفصل إلى القول بأن الروايات الست السابقة تضيء بأشكال مختلفة لا متكافئة، علاقة الجمالي بالاجتماعي والتقني بالكتابي، سواء كانت الكتابة الروائية متقدمة على شروطها الاجتماعية كما هو الحال يحيى حقي على سبيل المثال أم امتدادامقنعا للاجتماعي واستطالة له".8

وبنظر الباحث فإن إخفاق الرواية العربية راجع إلى المواضيع الراكدة التي عالجتها بأساليب متعددة وفي القارئ الذي لم تظفر به، بعد مائة عام إلا بشكل مجزوء، " يحدد هذان العنصران، على الأقل الرواية جنسا إبداعيا حداثيا يسائل مجتمعا أخطأ حداثثه التاريخية، بل يمكن القول إن تاريخ الرواية العربية هو تاريخ تحققها الذاتي واخفاقها الاجتماعي "9.وفي القسم الثاني الموسوم بالكتابة الروائية وتاريخ المقموعين نرصد عدة محاور بعناوين مختلفة منها تكامل المعنى في النصر الروائي، تنافي المعنى في النص بين التاريخي السلطة ومجاز المقموعين - الروائي والمؤرخ . ويستهل هذا القسم بتعريف للتاريخ ومقارنته بالأسطوري حيث يرى بأن المؤرخ يتعامل مع إنسان متبدل الأحوال وسيتولد النقد التاريخي مع تمييز الأزمنة المتغيرة، فلا معرفة إلا بالمتغير(..) وما المعرفة التاريخية إلا مقارنة عارفة تفصل الأسطوري والتاريخي، وبين الماضي والحاضر المختلف عنه ولهذا يصبح نفس الماضي في الوعي التاريخي وعيا بالحاضر على خلاف الوعي الاسطوري إن التاريخ غالبا علم سلطوي، وعن السلطة يدور حول مقولتين سلطويتين، هما الانتصار والهزيمة، ينتج ويعاد انتاجه في مؤسسات سلطوية، لا تقتصر في الرقابة حاذفة ما لا تريد ومبرزة ما تشاء وترغب، وبداهة فإن ثنائية النصر والهزيمة هي سلطوية المنظور والغايات، تقضي لزوما إلى تاريخين متعالقين متنافيين، يحدث أحدهما عن منتصر جدير بنصره ويسرد ثانيهما سيرة مهزوم لا يليق النصر به، يساوي المؤرخ السلطوي الانتصار بالحقيقة، والحقيقة بالمنفعة، والسلطة بالحقيقة والمنفعة، فالعلم الصائب ما يسهم في توطيد السلطة يتناول الباحث بالدراسة رواية السفينة لجبرا ابراهيم جبرا التي يخلص من خلال دراستها إلى القول بأن الرواية التي جاء بها فلسطين من جامعة بريطانيا إلى بغداد، جاءت من زمن أروبي تزامن فيه نهوض العلم والرواية، وعلم التاريخ والفردية المستقلة هذا التزامن الذي يوحد بين المعارف ويفصل بينها وضع في الرواية تصورات من العلم والتاريخ وشروط الفردية الحرة ". 10وفي محور" تنافي المعنى في النص التاريخي يعرف الباحث الرواية بالقول بأنها تمثل "قولا مختلفا، يحتضن عناصر من العلم والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس، ينقد المعيش بنسق من القيم مضمرة ويوحي بيوتوبيا عصية على الكتابة لن يراها أحد، والرواية في ما تقول دنيوية تماما، أنتجتها التاريخ ذات مرة، وتركها تقتات بمنتجات زمانها من مفهوم الانسان جاءت، وبشروط الانسان المتبدلة تتطور وتتغير".11

يتقمص الروائي دور المؤرخ، يسجل ما يرى في الحاضر ويرى إلى المستقبل الذي يفضي الحاضر الفاسد إليه، مذكر بالمقريزي والجبرتي وابن إياس وذلك في تناص مضمر، تحتشد فيه الوقائع والرؤية والمعرفة، والفنتازيا، كأن الروائي سيتقدم المؤرخ ويستعبده .ويخلص الباحث في هذا الفصل إلى القول بأن كتابات نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف، وبهاء طاهر وإلياس خوري تهتم بالتاريخ الآخر، الذي تكتبه الرواية ويرغب عنه الآخرون.وفي المحور المعنون "بالتاريخ في الرواية نجيب محفوظ الرواية التاريخية خفة التاريخ وسطوة المصادفة" يرى الباحث بأن نجيب محفوظ يلتقي بالتاريخ ويلتقي الأخير به غيرة مرة، يلتقي الأول بالثاني وهو يعطي الرواية العربية ولادة واضحة، ويؤكدها مشروعا متوالدا، فما سبق روايته كان كتابة مضطربة متعثرة الخطأ، ويوطد اللقاء به وهويبرهن عن مبدع جلود يضع روايته المتجددة في أشكال متعددة فغيره أسرف في الكتابة الروائية وقيدها إلى شكل ساكن " /12فالجنس الروائي يحيل على التاريخ، والتاريخ كثيف الحضور في الوقائع التي زامنها الروائي، فقد مال محفوظ وهو في شبابه إلى التاريخ وكرس له وقتا طويلا، وحين سأل رجاء النقاش نجيب محفوظ عن العلاقة بين الرواية والتاريخ أجاب الثاني "في رأيي أن العلاقة وطيدة فالرواية عبارة عن استعراض للحياة اليومية بكل مشاكلها وقضاياها وأشخاصها هذا جزء من التاريخ لم يكتبه المؤرخون، ثم أن التاريخ عبارة عن أحداث وأشخاص وتفسير ورؤية والرواية كذلك . يستدرك الروائي قصور المؤرخ مرتين مرة أولى حين يكتب عن المخلوقات المسكينة التي زهد بها المؤرخ، ومرة ثانية يتكئ على معرفة تاريخية واسعة ويذيبها في رؤية روائية".13تبدأ الرواية بالتاريخ وتستبقي شظاياه، ذلك أن وهو شظية عابرة لا يذكرماكان إلا بعد فوات الأوان، يقول نجيب محفوظ "بطلي هو الزمن " مكثفا معنى التاريخ والإنسان، يمحو الزمن الإنسان الذي يمحو ذاكرته التاريخ، وتتأمل الرواية محوا مزدوجا، مستبقية الزمن ومأساة مخادعة، تخلق ذاكرة الإنسان وتزيلها في آن حين يتذكر محفوظ، زمنا مضى شده إلى المرحلة الفرعونية يقول كنت يقول كنت قد قرأت في تاريخ مصر، قررت أن أكرس حياتي لكتابة تاريخ مصر بشكل روائي " . 14وفي محور التاريخ البعيد وعبث الأصول أراد محفوظ في مطلع حياته الأدبية أن يضع تاريخ مصر في رواية متعددة الأجزاء تبدأ من زمن الفراعنة وتنتهي إلى ثورة 1919م ذلك أن محفوظ كان يكتشف في روايته التاريخية، منظوره للعالم ومعنى الرواية، التي ترحل إلى أزمنة مختلفة وتتمسك ب "مأساة الإنسان " ولعل الاكتشاف المزدوج وقد بلغ مداه في كفاح طيبة وهي رواية وطنية تحريضية وهو ما جعل "التاريخ يموت الحكاية، والتاريخ في مدن الملح مدخل أول حين تركنا الجسر في البدء جاءت الهزيمة .مدخل ثان النهايات في البدء كانت السلطة .كل الطرق تؤدي الى مدن الملح الحكاية والراوي. يتأمل منيف مدن الملح اكتشاف النفط، الواقعة الأكثر خطرا في التاريخ العربي الحديث، يعطي وجهة نظر في التاريخ ولا يكتب التاريخ، ويكتب مارأى بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد . شاء منيف أن يكتب أن يواجه رواية السلطة برواية أخرى تسرد أحوال المغلوبين وتخفف من أوهامهم " 15ثم يتحدث في مناقشته الثالثة عن الكتابة الروائية وتاريخ المقموعين عبر عدة محاور منها تكامل المعنى في النص الروائي، تنافي المعنى في النص التاريخي، السلطة ومجاز المقموعين، تنافي المعنى في النص التاريخي، السلطة ومجاز المقموعين، عسف المعرفة ومنطق الحرية. وأما في القسم الثاني الذي يحمل عنوان التاريخ في الرواية فيقدم دراسته عن علمين من أعلام الرواية العربية، نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف، ويتناول في دراسته عن محفوظ موضوعات اهتم بها نجيب محفوظ، واشتغل عليها من قبيل الرواية التاريخية .خفة التاريخ وسطوة المصادفة، التاريخ البعيد وعبث الأصول.. ثم يتطرق إلى الثلاثية التي يبحث فيها محفوظ عبر إشارات خمسة موضوعات وهي علاقة التاريخ وسيطرة الكابوس، الحياة النكتة الشر والولوج، الزمن والوجود، المتعدد واللايقين وينتقل بعد ذلك إلى مقاربة المختلف والمؤتلف بين أولاد حارتنا، يتطرق دراج في مقاربته لعوالم عبدالرحمن منيف إلى الحكاية والتاريخ في مدن الملح ثم حين تركنا الجسر، النهايات. وفي القسم الأخير يعالج المؤلف، موضوعة الرواية والتاريخ في مرايا ثلاث، عبر دراسة ومقاربة أعمال ثلاثة روائيين وهم هدى بركات، ربيع جابر وممدوح عزام وذلك ليخلص في النهاية إلى الحديث عن موضوع أثير لديه وهودورالرواية في إعادة كتابة التاريخ على اعتبار أن هناك ملامح وخصائص تحب لبها الرواية وتصلح كعناصر أساسية لكتابة التاريخ العربي زاوية جديدة غير رسمية.

هوامش:

1فيصل دراج" الرواية وتاويل التاريخ   نظرية الرواية والرواية العربية " _ ط1_ سنة 2004 المركز الثقافي العربي _الدارالبيضاء _ ص5.

2- نفس المصدر ص6.

3- نفس المصدر ص 6.

4- نفس المصدر ص 4

5- نفس المصدر ص 18

6- نفس المصدر ص18.

7- نفس المصدر ص36

8- نفس المصدر ص 40.

9- نفس المصدر صص78.

10- نفس المصدر 80.

11- نفس المصدر ص 83.

12 - نفس المصدر ص91.

13- نفس المصدر ص 131.

14- نفس المصدر 132.

15 - نفس المصدر ص 133.

dfhgjhhjg1001.jpg

   ( الاستاذ كريم شداد مع الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه )

سيصدرُ قريبا كتابٌ جديد للكاتب والباحثِ والمؤرِّخ الأستاذ كريم شداد (أبو امير ) بعنوان   : شخصيَّات من بلدي – عطاء وانتماء... شخصيَّات تركت تأثيرا وأهميَّة في حياتنا في مدينة الناصرة وفي جميع مدن وقرى بلادنا الحبيبة -

الكاتبُ الأستاذ كريم شداد من مدينة الناصرة ومن مواليد عام 1948 ، عمل مديرا لبنك مركنتيل عدة سنوات...وبعدها عُيِّن مديرا للمعهد العالي للفنون - بيت الكاتب - ثم كلية الفنون في مدينة الناصرة. والجديرُ بالذكر أن المعهد العالي للفنون هو أولُ معهدٍ في الوسط العربي - في الداخل - يُدرَّسُ فيه موضوع الموسيقى والفنون . وكان الطالبُ المُتخرِّجُ من المعهد العالي يحصل على شهادة مُدرِّب مؤهل في الموسيقى والتربية والفنون..وبعد عدة سنوات أقيمت كلية الفنون ، وهي استمرار للمعهدِ العالي للفنون ويحصلُ المتخرج من هذه الكلية بعد أربع سنوات من الدراسة المُتواصلة على شهادة البكالوريا ( b. a ) .

يقع هذا الكتابُ - الذي نحنُ في صددهِ - في 500 صفجة من الحجم الكبير، ستتمُّ طباعتهُ على نفقةِ الكاتبِ الشخصيةِ حيث لم يتلقَ دعما أو مساعدة لطباعته من أيَّةِ مُؤسسةٍ أو جمعيّة ودار نشر محلية رغم أهمية هذا الكتاب ومُستواه الراقي .

كتبَ مقدمة الكتاب الشاعرُ والناقدُ والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه ... والكتاب تأريخي توثيقي هام وفيه يؤرِخُ وَيُوثقُ المؤلفُ ( كريم شداد ) لشخصيَّاتٍ وأعلامٍ كثيرة محليَّة : أدبيَّة وثقافيَّة وعلميَّة وفنيَّة واجتماعيَّة ..إلخ .. لها بصماتٌ هامَّة ودورٌ رائد في الحياة الإحتماعيّة والثقافيَّة وفي الإبداع المحلي .  

وهنالك شخصيَّاتٌ عديدة ( إجتماعيَّة وثقافيّة وعلميَّة وغيرها ) توفيت قبل عقودٍ من الزّمن وتوارت في غياهب النسيان ولا أحدٌ يذكرُها اليوم أو يسمع عنها شيئا ، وقد اهتمَّ بها المؤلفُ وكتبَ عن مسيرةِ حياتها وأعمالها وإنجازاتها بشكل موسع وشامل...وبهذا العمل الرائد الأنساني والوطني المسؤول يُعيدُ ذكرَها إلى الأذهان وإلى ذاكرةِ ووجدان الشعب ، وخاصة للأجيال القادمة .

وهنالكَ أيضا العديدُ من الكتاب والشعراءِ والمبدعين المحليين الذين ظلموا ولم تُسلط عليهم الأضواءُ من قبل الأجهزةِ الإعلاميَّة الصفراء والمشبوهة والمأجورةِ ، ولم يكتب عنهم وعن أعمالهم الإبداعية الرائعة حتى الآن أيُّ نُويقدٍ وَمُستكتب محلي من أولئك المرتزقين والمأجورين، وخاصة المقربين من الاجهزة السلطويَّة...وقد كتب عنهم المؤلفُ ( كريم شداد ) بشكل موسع وشامل ... وتناولَ سيرتهم الذاتية وحياتهم   وتحصيلهم العلمي وإنجاتهم وأعمالهم   وإصداراتهم   ومكانتهم ومنزلتهم الشعرية والأدبية   والثقافية ودورهم الهام في مجتمعهم .

إن هذا الكتاب (شخصيَّات من بلدي ) قيِّمٌ وهامٌّ جدا وربَّما يكونُ أولَ كتاب يصدرُ حتى الآن - محليًّا - فيه فيه الشموليَّةُ والإسهاب والمصداقيّة والأمانة والنزاهة ، ونلمسُ فيه البحثَ الجاد والعمل الميداني الصحيح والمثمر . وهو كتابٌ تأريخي توثيقي صادق وأمين لمبدعينا المحليِّين كُتِبَ بلغةٍ أدبيَّة منمَّقةٍ وبأسلوب جميل وسلس متناغم وشائق يجذبُ كلَّ شخص وكلَّ قارىءٍ لقراءتهِ وتصفح فصوله والتمتع والإستفادة من المعلومات والأمور الهامة التي يحتويها .   ويجبُ أن يكون هذا الكتابُ القيِّم والنفيس في كلِّ بيت وكلِّ مكتبةٍ في مدننا وقرانا العربية في بلادنا .

وأخيرا وليس آخرا : نُهنِّىءُ للكاتبَ والباحث والمؤرخ القدير الأستاذ كريم شداد ( أبو الامير) على هذا الكتاب القيِّم والإنجاز العظيم..ونأملُ أن يتحفنا بأعمال وإصدارات أخرى إبداعيَّة في الفترة القريبة .

fgdfh1001.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية "رسائل إلى قمر-شظايا سيرة" للأسير حسام زهدي شاهين، وهي عبارة عن مجموعة رسائل كتبها الأسير شاهين من داخل زنزانته إلى الطفلة قمر ابنة صديقه عماد الزهيري الذي اعتقل في منزله في يناير العام 2004. وصدرت عام 2020 عن دار الشروق في رام الله وعمّان، وقدّم للكتاب الذي جاء في 224 صفحة من الحجم المتوسّط الأديب الكبير محمود شقير.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمّان وأشادت بالرسائل وبكاتبها، كما تطرقت لأدبيات الأسرى بشكل عام.

وقال محمود شقير:

يكتب الأسير المقدسي الكاتب حسام زهدي شاهين نصًّا سرديًّا يتداخل فيه أكثر من جنس أدبي، فالنص الذي يخاطب طفلة اسمها قمر يندرج في باب أدب الرسائل، والقصة التي حملت عنوان "أدوات" ولم تكتمل بسبب قصور الفهم، وجراء "انتقاص الكلام وتأويله" يمكن أن نصنفها على أنها قصة للأطفال، تهدف إلى تبيان الظروف القاسية التي يحيا في ظلها الأسيرات والأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأما شظايا التجربة التي يعرضها الكاتب في نصه السردي فيمكن تصنيفها في باب السيرة، إلى جانب مقالة الرثاء لمغنية ملتزمة بالوطن وقضاياه هي ريم البنا، والتعليق النقدي على كتاب للمستشرق صامويل هنتنجتون، وكذلك التأملات الفكرية التي يزخر بها النص الموجه إلى الطفلة قمر؛ ابنة صديقيه عماد وشيرين، اللذين اعتقل حسام من بيتهما في رام الله قبل ستة عشر عامًا.

كانت قمر آنذاك طفلة في أشهرها الأولى، والكاتب يعي أن ما كان يكتبه إليها منذ اعتقاله هو أكبر من وعي الطفلة، لكن نظره كان مشدودًا نحو المستقبل، وحين تكبر قمر ويكبر معها أطفال فلسطين، فسوف يجدون ضالتهم المنشودة ومرشدهم الأمين في تلك الكلمات الصادقة الطالعة من ظلام السجن الإسرائيلي؛ الذي مهما اشتدت ظلمته، فهو غير قادر على ثني إرادة الأسرى الشجعان المحبين لوطنهم الباذلين من أجله المهج والأرواح وأحلى سنوات العمر.

ومنذ البدء؛ من العنوان والإهداء نجد أننا أمام نصّ يعلي من شأن المرأة ويقدرها حق قدرها، ويرفض في الوقت نفسه النزعة الذكورية السائدة في مجتمعنا، المتسلطة على المرأة المنكرة لحقوقها. يتبدى ذلك في العنوان: "رسائل إلى قمر"؛ وفي الإهداء الموجه إلى ثلاث نساء: الأم الحبيبة آمنة، والطفلة الحبيبة قمر، والشقيقة الحبيبة نسيم.

ومنذ الإهداء؛ يلخص حسام زهدي شاهين معاناة الأسرى في جملة مكثفة معبرة: "عندما يُغمضُ النهار عينيه، تنكمش الحياة نحو زوايا الدفء والمحبة، أو خلف ستائر الوحدة والدموع".

ذلك لأن الأسير إنسان يتغذى على مشاعر الحب، ولا عجب إنْ أخذته الوحدة والعزلة إلى ذرف الدموع مهما كان قوي العزيمة مؤمنًا بقضيته  الوطنية مخلصًا لها.

الجدير بالذكر؛ أن هذا النص هو وليد تجربة الكاتب قبل اعتقاله، وأثناء وجوده في غير سجن من سجون الاحتلال؛ التي مضى عليه فيها حتى الآن ستة عشر عامًا، وهو نتاج لبعض تفاصيل الحياة داخل السجن.

وهو، أي النص، يبدأ من فكرة كتابة قصة بعنوان "أدوات" تنعقد البطولة فيها للأدوات التي يستخدمها الأسرى في حياتهم اليومية في السجن، وأولها السبابيط أو الأحذية والملابس وأدوات الطعام وغيرها.

غير أن نقل الكلام بشكل محرّف وتأويله على نحو خاطئ، يوقع الكاتب، في إشكالات مع زميل آخر أنيطت به من وقت قريب مسؤولية الإشراف؛ مع آخرين ضمن لجنة منتخبة، على شؤون زملائه في السجن. ظنّا منه أن إسناد البطولة في القصة إلى "سبّاط" فيه تلميح إلى الدور الذي يضطلع به في السجن، وهو من وجهة نظره تلميح مسيء إليه، ورغم تدخل زميل آخر هو صالح السبتي؛ بما عرف عنه من حكمة وتعقل، لفض الخلاف، إلا أن الحساسية ظلت كامنة في النفوس، وكان من نتيجتها أن أجهضت القصة بعد أن أنجز كاتبها جزءًا منها، ولم يتمكن من إكمالها، وهو يفسر ذلك لزملائه الذين طالبوه بالاستمرار في الكتابة؛ قائلًا لهم وهو محق في ذلك: "الفكرة لم تمت، لكن الإلهام مات. الإلهام هو روح الفكرة، وما هي الفائدة من صناعة صنعت بلا روح؟!"

غير أن هذه الواقعة، وإن كانت قد أجهضت ولادة القصة، إلا أنها فجرت ينابيع عدة في وجدان الكاتب وعقله، بحيث تفرعت منها ونبتت على حوافها بقية مشاهد الكتاب وفصوله وما يزخر به من تأملات وأفكار، ونصائح جعلها كلها موجهة إلى الطفلة قمر، وفي ذهنه المستقبل وليس الماضي، مستقبل أطفال فلسطين الذين أرادهم منحازين إلى العقل، قادرين على تحمل مسؤولية الأخطاء بقوله: "عندما نخطئ يجب أن نتحمل مسؤولية أخطائنا، غير أن الهروب من الإعتراف بالخطأ هو السمة الغالبة على ثقافتنا الذكورية المليئة بالعنتريات".

أرادهم كذلك مسلحين"بسلاحيّ العلم والمعرفة"؛ حيث يخاطب قمر قائلا: "بالعلم تحمين الطموح المشروع والأمل، وبالمعرفة تُنقذين الحاضر من الغرق في السيء من متاهات الماضي، والإنزلاق نحو مستنقع الجهل".

ثمة في الكتاب تأملات عميقة تتناول أسئلة الوجود والثقافات المختلفة، الذكورية منها والأخرى الأنثوية، وانحيازه إلى هذه الأخيرة، وكذلك إلى الثورة على المستعمر ورفض الظلم والتمرد عليه، وضروة أن يتحلى الجيل الجديد بالجرأة والصدق وطرح الأسئلة من دون تهيب، ومواصلة السير نحو المستقبل، والابتعاد عن الثرثرة والقيل والقال، والكسل والتباطؤ في إنجاز المهمات.

ولعل النصيحة الأكثر أهمية التي قدمها حسام زهدي شاهين لقمر ولجيل المستقبل من الأطفال، يتمثل في احترام التعددية وعدم التعصب والانغلاق، يقول: "إياك يا بنيتي أن تعتمدي في مشربك الثقافي على رافد واحد فقط، لأنه يؤدي إلى التهلكة، تماما كما الغذاء، فلو أكلت صنفاً واحداً من الطعام سيذوي جسدك وتموتين بعد فترة زمنية وجيزة، لأن استمرار الحياة الصحية يتطلب التنوع، وهكذا هو العقل لا يستطيع التطور والإبداع إلا بالمعرفة الواسعة".

إن المتمعن في ثنايا هذا الكتاب وما اشتمل عليه من طروحات سياسية وأدبية وفكرية يدرك إلى أي حد طوّر حسام زهدي شاهين أفكاره ومعارفه، وهو إلى ذلك متمكن من اللغة التي جسدها في هذا النص، وهو يدرك تماما ما يفعله، ويقدم للجيل الجديد وصفا صائبا لموقفه من الكتابة ولطريقة تعامله معها؛ دون أن يتخلى عن نزعة التواضع التي يتحلى بها: "في الكتابة أحاول أن استخدم كل ما اكتسبت من مهارة في هذا المجال، بحكم التجربة طبعاً لا بحكم التخصص، أحاول أن أجعل منها، لذيذة، شيقة، مفيدة، أو مقبولة على الأقل، مع العلم أنها بالمقارنة مع ما ينتجه محترفو المهنة، أقصد مهنة الكتابة، تظل شظايا محاولات".

بقي أن أختم هذه المقدمة بالإطراء على الدور المثابر الذي تقوم به العزيزة نسيم، شقيقة الأسير الكاتب حسام زهدي شاهين، فهي التي قامت بطباعة هذا النص الخارج من السجن على نحو لا يجعل من السهل طباعته، وقامت من قبل بطباعة نصوص أخرى لشقيقها الكاتب، وهي التي تجوب البلاد طولًا وعرضًا لتنظيم ندوات عنه وعن الأسرى بشكل عام، وهي التي لا تتردد عن المشاركة في الاعتصامات من أجل قضية الأسرى، وفي تنظيم أعمال الاحتجاج المتنوعة، وفي إرسال الرسائل إلى الهيئات الدولية المختلفة لإنقاذ الأسرى من عسف المحتلين الإسرائيليين، ومن ظلام سجونهم وزنازينهم، فهي لذلك تستحق التقدير والاحترام.

ولذلك؛ لم يغب عن بال العزيز حسام أن يذكر شقيقته في كتابه، وأن يقر باستلهامه لما يلي من واحدة من زياراتها له:

"زارتني اليوم شقيقتي الحبيبة نسيم، وعلى صهوة دقيقة من دقائق الحياة الخمس وأربعين التي نستنشقها مرتين في الشهر، سألتني: كيف تمضي أيامك داخل السجن؟ فململ سؤالها ذاكرتي النائمة في مخدع الحب، والمتسترة بغلالة من حرمان، وللحرمان مذاق لاذع يؤرق الروح إذا ما اكتشفنا أن الذاكرة تنام في أحضان الماضي".

هكذا يحتفي حسام باللغة لتنقل أشواقه وآلامه بصدق وتجرد وأمل. وهكذا ينتصر الأسير على سجانيه بالصبر والمثابرة والجد والاجتهاد والجلد؛ بالصمود الأسطوري وبالتأمل العميق والتفكير والكتابة.

تحية للمناضل الأسير المثقف الكاتب حسام زهدي شاهين.

والحرية لأسيراتنا الماجدات ولأسرانا الشجعان في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وقال جميل السلحوت:

بما أنّنا أمام عمل إبداعيّ لأسير متميّز لا ضير بالتّذكير هنا بأدبيّات الأسرى.

ولا يمكن هنا القفز عن أدبيّات الأسرى الفلسطينيّين، مع أنّ الكتابة عن التّجربة الإعتقالية ليست جديدة على السّاحة الفلسطينيّة والعربيّة وحتّى العالمية، ونحن هنا ولأهمّيّة هذا الموضوع نشير إلى ما استطعنا جمعه من كتابات للأسرى في مختلف المجالات وليس في الرّواية فقط، وممّن كتبوا بهذا الخصوص: في العام 2015 صدرت رواية " الشّتات للدكتور رأفت خليل حمدونة من قطاع غزة والذى اعتقل في 23/10/1990 وأمضى 15 عاما وتم الافراج عنه في 8/5/2005 ، وكان قد كتبها حمدونة أثناء الاعتقال في سجن بئر السبع – ايشل وطبعت في العام 2004 طبعة أولى ، وله ثلاث روايات سابقة وهى : " قلبى والمخيم " في سجن هداريم وطبعت في العام 2006 ، ورواية " لن يموت الحلم " كتبت في سجن عسقلان وطبعت في العام 2007 ، ورواية " عاشق من جنين " في سجن نفحة الصحراوى وطبعت في العام 2003 طبعة أولى ، و 2005 طبعة ثانية ، ومن كتابات الأسرى أيضاً ديوان "ماذا يريد الموت منا؟" لتحرير اسماعيل البرغوثي، ورواية "الأسير 1578" للأسير هيثم جمال جابر، وروايات " وجع بلا قرار"، "خبر عاجل" و "بشائر" للأسير كميل أبو حنيش، والتجربة الاعتقالية للدكتور عبدالستار القاسم.

وفي العام 2015 صدرت رواية "خريف الانتظار للأسير حسن فطافطة، وفي العام 2016 أيضا صدرت رواية "الحنين إلى المستقبل" لعادل سالم، ورواية "وجع بلا قرار" للكاتب الأسير "كميل أبو حنيش"، وفي العام 2018 صدرت مجموعة قصصية للأسير سائد سلامة بعنوان "عطر الإرادة" ورواية حكاية سرّ الزيت" لوليد دقّة. وفي العام 2019 "جمر خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السّجون العثمانيّة في أواخر العهد العثمانيّ، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشّهيرة عام 1930تخليدا للشّهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشّاعر الشّعبيّ عوض النّابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشّهيرة” ظنّيت النا ملوك تمشي وراها رجال” وكتب الدّكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن العشرين (أوراق سجين)، كما صدرت عام 1973 رواية "المحاصرون: لفيصل حوراني، و"شهادات على جدران زنزانة" الصادر عام 1975 لغازي الخليلي ويتحدث فيه عن تجربته في السجون الأردنيّة. كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة "سجينة" القصصية للرّاحل عزّت الغزّاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، "و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، ورواية “الأسير 1578" لهيثم جابر.

وروايات "ستائر العتمة" و "مدفن الأحياء"و"أمهات في مدفن الأحياء" ورواية "الشعاع القادم من الجنوب"، ورواية "فرحة"، وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، وكتبت عائشة عودة "أحلام بالحرّية" و"ثمنا للشّمس". و(تحت السّماء الثامنة)لنمر شعبان ومحمود الصّفدي، ، و "الشّمس في معتقل النّقب" عام 1991 لهشام عبد الرّازق، وفي السّنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنّائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصّمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرّمل” لنافذ الرّفاعي، ورواية”المسكوبيّة” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية"عناق الأصابع" لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" لمروان البرغوثي" و”الأبواب المنسيّة” للمتوكل طه، ورواية “سجن السّجن” لعصمت منصور، وفي العام 2012 صدرت رواية"الشمس تولد من الجبل لموسى الشيخ ومحمد البيروتي" كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون أيضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن. وفي العام 2011 صدرت رواية"هواجس سجينة" لكفاح طافش، وفي 2013 صدر كتاب"الصّمت البليغ" لخالد رشيد الزبدة، وكتاب نصب تذكاري لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي" وفي العام 2014 رواية"العسف" لجميل السلحوت"، ورواية "عسل الملكات" لماجد أبو غوش، وفي العام 2015 "مرايا الأسر" قصص وحكايا من الزمن الحبيس" لحسام كناعنة، ورواية" مسك الكفاية سيرة سيّدة الظلال الحرة" و "نرجس العزلة" إضافة إلى ديواني شعر هما: "طقوس المرة الاولى"، "أنفاس قصيدة ليلية"، كما صدرت له عام 2019 عن دار الآداب في بيروت رواية "خسوف بدر الدين"، ورواية "زغرودة الفنجان" للأسير حسام شاهين، وصدرت "مقاش" وهي سيرة ذاتيةّ للكاتبة سهام أبو عواد، وفي العام 2015 صدرت رواية خريف الانتظار المحطات" للكاتب بسام الكعبي، وكذلك كتب"اربعون يوما على الرصيف" لصالح ابو لبن. وفي العام 2016 صدر لإبراهيم رجا سلامة "كتاب قبة السماء –"  كتاب يوثّق فيه تجربته في الأسر -، وبين العامين 2007 و2017 صدرت أربع روايات" خبر عاجل، بشائر، وجع بلا قرار، والكبسولة" لكميل سعيد أبو حنيش، وفي العام 2021 صدرت له رواية "الجهة السابعة"، و"كتاب وقفات مع الشعر الفلسطيني". كما صدرت رواية "الشتات" للأسير المحرّر د. رأفت خليل حمدونة، كما صدر عام 2017 كتاب "صدى القيد" لأحمد سعادات. وفي العام 2018 صدر كتاب "رسائل في التجربة الاعتقالية" للكاتب الفلسطينيّ الأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب، كما صدر كتاب""إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية" لرائد محمد الحواري". وفي العام 2019 صدرت رواية "العنّاب المرّ"للأسير المحرّر أسامة مغربي.

وصدر كتاب"دائرة الألم" ورواية "ليس حلما" للأسير سامر عصام المحروم.

وصدرت "رسائل في التجربة الاعتقالية" للكاتب الفلسطينيّ الأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب، و صدر للجاغوب روايتان من داخل المعتقل، الأولى بعنوان "أحلام"، والثانية بعنوان "أحلام مؤجلة". كما صدر له كتاب بعنوان "رسائل في التجربة الاعتقالية". كذلك صدر له عدد من الدراسات منها دراسة بعنوان "أطروحات في الوعي بالمشروع الصهيوني في فلسطين"، وأخرى بعنوان "الخارطة السياسية الإسرائيلية."

وصدرت روايتان "تحت عين القَمَر" و"سراج عشق خالد" للأسير معتز محمد فخري عبدالله الهيموني". وصدرت رواية" حسن اللاوعي" لإسماعيل رمضان. رمضان

وفي العام 2020 صدركتاب ثقافة الإدارة وإدارة الثقافة" للكاتب حسن عبدالله، الصدور العارية" للكاتب خالد الزبدة، و"العناب المرّ" لأسامة المغربي. وصدر كتاب"الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية: الجهاز القضائي في خدمة الأمن العام"، لعبد الرازق فرّاج.

وصدرت للأسير هيثم جابر خمسة كتب وهي: مجموعته القصصية "العرس الأبيض"، وروايتاه "الشهيدة" و"الأسير 1578"، وديواناه "زفرات في الحبّ والحرب" بجزئيه الأوّل والثاني. وصدرت عام 2020 رواية "تَحتَ عين القَمَر – آلة الزمن الوهمية" ورواية"سراج عشق خالد" للأسير معتز الهيموني، ورواية "عشق خالد". وصدر كتاب نصر الطيار" للأسير إسلام صالح محمد جرار. وصدرت رواية"أنفاس امرأة مخذولة" للأسير باسم خندقجي، كما صدر للأسير حسام شاهين كتاب"رسائل إلى قمر-شظايا سيرة". كما صدر كتاب "لماذا لا أرى الأبيض" للأسير راتب حريبات. وصدر كتاب "حسن الّلاوعي سروج خالية"للأسير المحرّر اسماعيل رمضان، ورواية "عاشق من جنين" للأسير المحرر رأفت خليل حمدونة، وفي العام 2020 أيضا رواية  ظلّ الأيّام" لبهاء رحّال.  وصدر كتاب"القديس والخطيئة" للأسير خليل أبو عرام، كما صدر كتاب "مرفأ الذكريات" لفهيمة هادية خليل، الذي كتبته عن زوجها الأسير الأمني المرحوم فتحي خليل من طرعان، وعن اتحاد الكتاب الفلسطينيين صدر  "للسّجن مذاق آخر" "للأسير أسامة الأشقر. وفي العام 2020 صدر ايضا سردية "الخرزة" للأسير منذر مفلح.

وفي العام 2021 صدرت رواية "سراج عشق خالد"  للأسير معتز الهيموني. كما صدر " أسرى وحكايات، من فن السيرة في السجون" للأسير أيمن ربحي الشرباتي، وصدر "جدلية الزمان والمكان في الشعر العربي" لكميل أبو حنيش. وصدر كتاب" احترقت لتضئ" للكاتبة الأسيرة المحررة  نادية الخياط، وصدرت رواية" فارس وبيسان"للأسير ثائر كايد حماد. وصدر كتاب "المغيبون خلف الشمس" للدكتور عقل صلاح. وصدرت رواية "حجر الفسيفساء" للأسيرة المحررة مي الغصين، وكتاب" منارات في الظلام" للأسير المحرر حسن الفطافطة، وصدرت رواية "الطريق إلى شارع يافا" للأسير عمار الزبن. وصدر ديوان " عن السجن وأشياء أخرى" للأسير  ناصر أبو سرور، كما صدر عن وزارة الثقافة كتاب" احترقت لتضيء" للأسيرة نادية الخياط. وصدر كتاب "ترانيم اليمامة" تأليف الأسيرات المحرّرات: مي وليد الغصين، شريفة علي ابو نجم، تغريد محمد ابراهيم سعدي،  عطاف داود عليان، أريج عروق، لينا احمد صالح جربوني، جيهان فؤاد دحادحة، نهاد عبدالله وهدان،  عهود عباس شوبكي ومنى قعدان-سُجنت ثانية، إشراف ومتابعة إبتسام أبو ميالة. وصدر ديوان "أنانهم" لأحمد العارضة، وصدرت رواية حجر الفسيفساء لمي الغصين، صدر ديوان "عن السجن وأشياء أخرى" للأسير ناصر أبو سرور.

كما صدر كتاب" الأسرى الفلسطینیون داخل السجون الصھیونیة" لمحمد محفوظ جابر. وصدر كتاب "عين الجبل" للأسير محمد الطوس. وصدر كتاب "حروف من ذهب" ورواية "زنزانة وأكثر من حبيبة"للأسير قتيبة مسلم. وفي العام 2021 صدر أيضا كتاب"ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال الإسرائيلي لعيسى قراقع. وصدر كتاب" "حسن الّلاوعي سروج خالية" لاسماعيل رمضان. وصدرت رواية "على درب الحلبي" للأسير طارق عبد الفتاح يحيى، وصدر كتاب"تحيا حين تفنى" للأسير ثائر حنيني، وصدر كتاب "دراسات من الأسر"للأسير أمجد عواد، وصدرت رواية "أمي مريم الفلسطينية" للأسير رائد السعدي، وصدر كتاب"مذكرات روائية- أنا والمحقق والزنزانة"لسعيد أو غزّة، وصدرت أيضا رواية "أمّي مريم الفلسطينية" للأسير رائد السعدي، ورواية "الشهيدة"لهيثم جابر، ، وكتاب "العزيمة تربّي الأمل" للأسيرة أماني خالد حشيم.

وفي العام 2022 صدر كتاب"الواقع السياسي في اسرائيل" للأسير كريم يونس. كما صدر كتاب "ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال الإسرائيلي" لعيسى قراقع. وصدر كتاب

" العزيمة تربي الأمل" للأسيرة المقدسية أماني خالد نعمان الحشيم.وصدر"على بوابة مطحنة الأعمار"للأسير احمد صلاح الشويكي، وصدر كتاب"فضاءات الثقوب" للأسير أكرم القواسمي، وصدر كتاب "رسالة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان"لنشأت الوحيدي. وصدر  "كباسيل" منافذ الاتصال والتواصل لدى الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي، لعمر نزال. كما صدر ديوان" أنا سيدّ المعنى" للأسير ناصر الشاويش. وصدر كتاب" أنا والمحقق والزنزانة" لسعيد عبدالعزيز أبو غزة. وصدر كتاب"ماهية العلاقة بين الدّين والعلمانيّة وأثارها على المجتمعات العربيّة الإسلاميّة" للأسير عبد العظيم عبدالحق. كما صدرت رواية"العاصي" للأسير سائد سلامة، ورواية" فارس وبيسان" لثائر حماد، وصدرت المجموعة القصصية "لماذا لا أرى الأبيض" للأسير راتب حريبات. وصدر كتاب" الكتابة على ضوء شمعة" اعداد المحامي حسن عبادي وفراس حجّ محمد، كما صدرت رواية "حكاية جدار" للأسير ناصر أبو سرور. وفي العام 2022 صدر أيضا كتاب "حكاية سرّ السيف" للأسير وليد دقة.

وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبيّة في الأدب الفلسطينيّ الحديث، أفرزتها خصوصيّة الوضع الفلسطينيّ، مع التّذكير أنّها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشّعراء الفلسطينيّون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك، وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشّاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا. وفي العام 2019 صدر كتاب "جمر الكلمات" لبسام الكعبي. ورواية "الكبسولة" لكميل أبو حنيش وفي مطلع العام 2021 صدر للأسير أبو حنيش"جدلية الزمان والمكان في الشعر الهربي. وسردية "ليس حلما" للأسير سامر محروم. كما صدر كتاب جمر المحطات لبسام الكعبي. وفي العام 2020 صدرت رواية" الأسير 1578" للأسير هيثم جابر. و"صدى القيد" للأسير القائد أحمد سعادات. وصدر أيضا  "الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية. الجهاز القضائي في خدمة الأمن العام."للأسير عبدالرازق فراج، وصدرت أيضا في العام 2020 مجموعة قصصية بعنوان "لست وحيدا مثل حجر" للدكتور سامي الكيلاني، كما صدرت رواية "حين يعمى القلب"للدكتورة وداد البرغوثي. وصدرت رواية "فارس وبيسان" للأسير ثائر كايد حمّاد.

وصدر كتاب"الرواحل، الواقع والمأمول" للأسير محمود عبد الله عارضة. وصدر كتاب"بلاط الرُّعيان" للأسير أحمد إبراهيم بسيسي.

كما أن أدب السّجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيّا وعالميّا أيضا، فقد كتب الرّوائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسّط. وكتب فاضل الغزّاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشّاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السّجون في رواية "ما لا ترونه" للشّاعر والرّوائي السّوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السّجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السّجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السّجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية، أمّا ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السّجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسيّ – ليحيى الشّيخ صالح ) و( شعر السّجون في الأدب العربيّ الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب "القبض على الجمر – للدّكتور محمد حُوَّر". وفي عام 1998 صدرت رواية (حياة مسروقة: عشرون عاما في سجن الصحراء) للمغربية مليكة محمد أوفقير، وعام 2000 صدرت رواية (من الصخيرات إلى تزممارت: تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم) للمغربي محمد الرّايس، ورواية (تزممارت الزنزانة رقم 10)لأحمد المرزوقي، ورواية (تلك العتمة الباهرة) للطاهر بن جلّون. وفي العام 2021 صدرت "رواية عشق خالد" للأسير معتز الهيموني. وصدرت رواية "المعمعة" للأسير عمّار محمود عابد عمّار، وصدر كتاب"سيرة القيد والقلم" لنبهان خريشه  .

أمّا النّصوص الأدبية التي عكست تجربة السّجن شعرا أو نثرا فهي ليست قليلة،: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: ( حصاد السّجن – لأحمد الصّافي النّجفي ) و (شاعر في النّظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجبّ – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشّمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية "خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي.

وفي العام 2019 صدر كتاب" من أدب السجون العراقي" للناقد حسين سرمك حسن ، وفى العام 2020 صدر ديوان شعر باسم زفرات فى الحب والحرب 2 للأسير الشاعر هيثم جابر".

وعودة إلى رسائل الأسير حسام شاهين:

وقبل الدّخول إلى مضمون الكتاب الذي نحن بصدده سنقدّم لمحة سريعة عن كاتبها الأسير حسام زهدي شاهين:

ولد حسام زهدي شاهين في عرب السّواحرة-القدس عام 1972 في أسرة كادحة ومناضلة.

انخرط في صفوف حركة فتح وهو طالب في المدرسة، حيث ظهرت شخصيّته القياديّة والمرحة في سنّ مبكّر، ممّا أهّله أن يتدرّج في صفوف الشّبيبة الفتحاويّة، إلى أن وصل إلى قيادتها بقدرة واقتدار، وهذا ما لفت انتباه زعيم حركة فتح الرّئيس الرّمز ياسر عرفات فقرّبه منه.

عرف عنه حبّه لتطوير وتثقيف نفسه بنفسه، فانكبّ على المطالعة في مختلف المجالات، وهذا ما يشهد له به معارفه قبل وقوعه في الأسر وأثنائه. وهذا ينعكس من خلال المقالات السّياسيّة والفكريّة التي كتبها ولا يزال يكتبها.

وقع في الأسر في 28- 1- 2004، وحكم عليه 27 عاما.

واصل كتابة آرائه وهو قابع في الأسر رغم قساوة الحياة والإمكانيّات القليلة وراء القضبان.

صدرت له عام 2015 رواية “زغرودة الفنجان” عن دار”الأهليّة للنّشر والتّوزيع” في العاصمة الأردنيّة عمّان. ولاقت ردود فعل إيجابيّة واسعة.

فنّ الرّسالة:

معروف أنّ فنّ الرّسائل ليس جديدا في الثّقافة العربيّة، وإن كانت الرّسائل الأدبيّة ليست واسعة الإنتشار في الأدب العربي الحديث. لكنّها تبقى موجودة، فعلى سبيل المثال في العصر الحديث هناك رسائل جبران خليل جبران ومي زيادة، غسان كنفاني وغادة السمان، أنسي الحاج وغادة السمان، خليل حاوي ونازلي حمادة، رسائل محمود درويش وسميح القاسم، رسائل آمال عواد رضوان ووهيب نديم وهبة التي صدرت في كتاب" أتخلدني نوارس دهشتك"، محمود شقير وحزامة حبايب، محمود شقير وشيراز عنّاب، جميل السلحوت وصباح بشير. و"رسائل فوق المسافات والجدران" لنسب أديب حسين، والذي يحوي الرّسائل المتبادلة بين نسب ود. بيان نويهض، والرسائل التي تبادلها والداهما المرحومان أديب حسين وعجاج نويهض. وها نحن أمام رسائل الأسير حسام زهدي شاهين وقمر بنت صديقه عماد الزهيري.

الإهداء

يهدي المؤلّف الأسير إصداره هذا إلى والدته وإلى قمر عماد الزّهيري التي تركها طفلة لم تتعلّم النّطق عندما وقع في الأسر قبل ثمانية عشر عاما، وإلى شقيقته نسيم.

المضمون:

اختار الكاتب أن يدرج نصوصه هذه تحت باب الرّسائل، والرّسائل فنّ إبداعيّ معروف في الثّقافة العربيّة منذ القدم، وهو واحد من الأصناف الأدبيّة المعروفة. وقد خاطب في رسائله الطّفلة “قمر – ابنة أخويّ عماد وشيرين الـــزهــيــري” التي لم تتعلّم النّطق عندما وقع في الأسر لصغر سنّها. وعلينا الانتباه هنا أنّ قمر الآن على مشارف العشرين من عمرها. وهذا يعني أنّ الكاتب يخاطب من خلالها جيل الشّباب دون نسيان مرحلة الطّفولة لأطفال الوطن الذّبيح، فقمر في طفولتها كانت شاهدة على وقوع الكاتب في الأسر، وها هي الآن تقرأ الرّسائل التي وجّهها إليها وهي في بداية شبابها.

لكنّ رسائل حسام إلى قمر تحمل في ثناياها تأريخا لا يمكن القفز عنه، فهل هي رسائل تعليميّة. ولنتذكّر أنّ الكاتب عندما وقع في الأسر كان يترأس الشّبيبة الفتحاويّة. وبالتّالي فهل هذه الرّسائل هي بمثابة رسائل من القائد إلى جنوده؟

شظايا سيرة:

وصف الكاتب رسائله بأنّها “شظايا سيرة” وجاء في المعجم الوسيط (الشَّظِيَّةُ)

[الشَّظِيَّةُ]: العظم الصغير الوحشيّ من عظمَي الساق، وتتمفصل مع القصبة من أعلى، ومع القصبة والمخلخل من أسفل.” ممّا أقرّه مجمع اللغة العربيّة في القاهرة”. والفِلقة تتناثر من جسم صلب. قالوا: شظيّةٌ من خشبٍ أو عَظمٍ أو فضةٍ أو نحوها. وأكثر مايستعمل الآن في فِلق المتفجرات. والجمع: شظايا. والشظايا: رؤوس الأضلاع السُّفلى، وهي شبيهة بالغضاريِف.

ومن خلال هذا التّعريف سنجد أنّ الكاتب لم يكتب سيرة ذاتيّة متسلسلة ومتكاملة، وإنّما اختار مواقف متناثرة من تجاربه الحياتيّة الغنيّة وكتبها، ومن الممكن أنّه تطرّق لجوانب من بعض هذه التّجارب ولم يكتبها كاملة.

والقارئ لهذه الرّسائل سيجد أنّها ليست سيرة ذاتيّة محضة، فالكاتب القائد الذي خبر الحياة ومارس الفعل النّضاليّ لا تعنيه حياته الشّخصية بمقدار ما تعنيه قضّية شعبه ووطنه، من هنا فإنّ شظايا سيرته ومسيرته تحمل في ثناياها تأريخا سريعا لومضات من مرحلة عايشها الكاتب، تماما مثلما تحمل في طيّاتها ومضات من حياته الشّخصيّة والأسريّة، وهذا الخلط المدهش يظهر جليّا عند كتابته عن فترات حياتيّة مع والدته ومع شقيقته نسيم، ومع الطّفلة قمر التي اختار توجيه رسائله إليها. ومن هنا تداخل إهداء رسائله "إلى والدته وشقيقته نسيم وإلى قمر ابنة صديقه"، والذي تعامل معها تعاملا أبويّا. مع التّذكير بأنّ كاتبنا لا يزال أعزبا.

والقارئ لهذه الرّسائل لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء كي يكتشف عمق ثقافة الكاتب وسعة اطّلاعه، وانحيازه الفطريّ والواقعيّ لقضايا وطنه وشعبه، تماما مثلما هو منحاز لقضايا المرأة ودورها النّضاليّ. من هنا فقد تطرّق في رسائله إلى الدّور النّضاليّ لعدد من النّساء اللواتي كان لهنّ دور نضاليّ ومواقف مميّزة ولافتة، وكأنّي به يقول للشّابّات وللشّباب بأنّ هؤلاء النّساء يشكلن قدوة لهنّ ولهم. ولم ينس هنا دور بعض النّاشطات الأجنبيّات اللواتي تعاطفن وشاركن في النّضال الفلسطينيّ من أجل تقرير المصير وبناء الدّولة المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.

اللغة والأسلوب:

واضح أنّ الكاتب يمتلك ثروة لغوية لافتة بجماليّاتها، وقد اعتمد في رسائله على أسلوب السّرد القصصي والرّوائي الذي لا ينقصه عنصر التّشويق.

وماذا بعد:

هذا المرور السّريع على هذا الإصدار لا يغني عن قراءته، فهو يشكلّ نموذجا ابداعيّا وإضافة نوعيّة لأدبيات الأسرى الفلسطينيّين.

وقال المحامي حسن عبّادي:

التقيت بحسام زهدي شاهين للمرّة الأولى يوم 20 حزيران 2019 في سجن الجلبوع الواقع في منطقة بيسان؛ تناولنا شظايا تجربته، قيم فلسفيّة أدبيّة تزداد قيمتها خلف القضبان، قصّة فقدان الخصوصيّة لأنّ الحريّة هي الأساس، قيمة الأشياء الصغيرة التي اكتشفها داخل السجن بسبب الحرمان. تلك الأمور الصغيرة تكبر في ذهن ومخيّلة الأسير القابع في زنازين الاحتلال، حرمانه من لقاء أحبّته وفقدان أعزّائه دون وداع، حرمانه من احتضان وتقبيل "قمره" أربعة عشر عامًا. دوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة وعنونتها: "رسالة إلى "قمر"!

حين التقيته المرّة الثانية في سجن "مجيدو"، حدّثته عن لقائي وزوجتي سميرة مع قمر في مطعم الفلّاحة، حدّثني بدورِه عن قمر التي كانت آخر صورة له قبل الاعتقال يوم 28 يناير 2004، حينها عصبوا عينيه وهي بحضن والدتها شيرين "بتطلّع عليه"، وما زالت الصورة مطبوعة في مخيّلته تمدّه بالأمل، استفسر عن دقائق الأمور حول قمر، فكرها وتصرّفاتها فتنهّد قائلا "لقطت الصنّارة"!

 في لقاءاتنا المتتالية حدّثني عن مشروعه القمريّ وتحديثاته، وكم كنت سعيدا حين وصلتني نسخة الكتاب إلى حيفا؛ ليتحقّق حلمه بتحليق رسائله في فضاء حيفا، ومن ثمّ في ربوع الناصرة. قرأت الرسائل ثانية وثالثة، وجدتها خواطر وومضات، سير نصيّة وشظايا سيرة، عُصارة تجربة حسام، بطولِها وعرضها، وزبدتها نصائح لقمره وأبناء جيلها، فحسام يعوّل على جيل الشباب؛ ليشدّ الهمم وينهض بقضيّتنا إلى آفاق بعيدة؛ ليحققّ حلمنا بعد استخلاصه عِبر وتجارب فشل جيلنا نحو غدٍ أفضل.

أخذتني مقدّمة صديقي محمود شقير، نصير الأسرى وعرّابهم، وكنّا قد تحدّثنا عن حسام وكتابه قبل صدوره، وأتّفق معه فيما كتبه حول حسام والكتاب، أهميّة سلاحيّ العلم والمعرفة، نصرة المرأة ودورها الرياديّ في طريق التحرّر، نصائح حسام العمليّة لجيل المستقبل نحو احترام التعدّديّة وعدم التعصّب والانغلاق، وانتصار حسام على سجّانه "بالصبر والمثابرة والجد والاجتهاد والجلد، بالصمود الأسطوري وبالتأمل العميق والتفكير والكتابة".

يتناول حسام أهميّة الرسالة في حياة الأسير، رسالة يستلمها خلف القضبان ليعيشها بحلوها ومرّها، هي "باروميتر" العلاقات الإنسانيّة بواسطتها يقرأ الأسير حرارة المشاعر المتبادلة أو برودتها، أداة لقياس المسافات الروحانيّة مع الأحبّة، ورسالة أخرى "يهرّبها" عبر القضبان لتشكّل متنفّسا له، يحلّق من خلالها في فضاء الحريّة المشتهاة.

يتحدّث حسام عن حياة الأسر والمعاناة اليوميّة التي يعيشها الأسير، عن "الفورة" وأحاديثها وطقوسها، العزلة بحسناتها وسيّئاتها، الأحلام الصغيرة والكبيرة، أهميّة المُكاشفة، المُحاسبة والمُساءلة، مقت المزاودات الشعاراتيّة الرنّانة التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، حساب الذات و"معاناة برش" والعلاقة الجدليّة بينهما حيث صارا رفاق درب وبينهم "عِشْرِة عُمُر"! وكذلك الأمر في نصّه القاسي والمؤلم "قسوة وتعذيب".

يتناول علاقة الأسير بأهله ومعاناتهم، طريق الآلام التي تعبرها الأمّهات في طريقهن لكلّ زيارة، يؤرّخن حياتهن من زيارة لأخرى، صعوبة البعد والفراق والحنين، كما جاء في نصّه القاتل بعنوان "عبير ونهر الموت البطيء"، وصعوبة فقدان عزيز دون وداع!

حسام نصير المرأة، والأمر عنده بنيويّ متجذّر بعقليّته ومفاهيمه، يؤمن أنّه بالمرأة تنهض الأمم. ليس صدفة أنّ الإهداء لحبيباته الثلاث، لثلاث نساء؛ أمّه آمنه، "ابنته" قمر، وأخته نسيم، والأمر ليس مفهوما ضمنيّا في مجتمع ذكوريّ تحكمه القيود والتقاليد وسلطة الرجل، أن تسلّط الأضواء على دور نساء يُحتذى بتضحياتهن، مثابرتهن ونجاحاتهن، كلّ من موقعها؛ منهن، على سبيل المثال لا الحصر، د. ليلى غنام، جهاد أبو زنيد، سهى بشارة، المحامية بثينة الدقماق،  نجوى عودة، الدكتورة الغزيّة منى الششنية، المقدسيّة سلوى هديب، فدوى البرغوثي وغيرهن، وأخيرا، "المرأة" مع ألّ التعريف؛ نسيم، شقيقة الأسير الكاتب، تلك التي تحملّ ملف حسام الشاق برحلة سيزيفيّة وعرة في طريقه للحريّة، تلك التي أبكتني حين كتبت: "آه يا أخي كم أتمنى أن أشتمّ رائحتك ولو لمرة واحدة بعد كل تلك السنين اللعينة" .

      نعم، صدق فريدريك انجلز حين قال :"تحرّر المرأة معيار تحرّر المجتمع".

حسام يؤمن بأنّ للوطن جناحين؛ ينتظر عودة اللاجئين لكلّ فلسطين، عبّر عن إيمانه بعفويّة وتلقائية انسيابيّة دون تأتأة في رسالة التعزيّة باسم الحركة الأسيرة حين غادرتنا الفنّانة النصراويّة ريم بنا (تزامنًا مع يوم ميلاد حسام، أطال الله بعمره) في نصّ عنونَه "مناسبة حزينة" ليرسمها بعروس فلسطين التي يحلم كلّ ثائر بعروس مثلها.

كتب حسام في إحدى رسائله إلى حبيبته قمر بعنوان "الجدّة نجلة حارسة الأحلام": "وقد نجحت إرادة فلسطينيّي الداخل بترتيب الأحلام التي لم تهرب منهم بفعل تقدّم العمر، لأنها بقيت محفورة على حجارة بيوتهم الكنعانيّة العتيقة، ومختبئة في ثنايا أرواحهم المثخنة بجراح وأوجاع زمن النكبة، الزمن المسروق من عمر فلسطين بأيادي الاستعمار والفساد، فعيشي أحلامك الفرديّة يا حبيبتي والجماعيّة، ولا تسمحي لأحد بأن يسرقها منك، وتعلّمي من الجدّة نجلة كيف تستطيعين حراستها وحمايتها"؛

صوّر حسام بانسيابيّة باهرة نجاح نجلة الحيفاويّة/النصراويّة بالبقاء والتمسك بتراب الوطن، قابضة الجمر بانتظار من انتكب من الأهل، ليطمئننا حسام بثقة العارف: " بالله عليك يا بحر، ما الذي حلّ بهم؟ هل هم بخير؟ فسمعته يصرخ من بعيد، عائدون يا نجلة، عائدون يا حيفا!".

وكم كانت نجلة سعيدة حين استلمت نسخة من الكتاب وقرأت ما كتبه حسام عنها.

يؤمن حسام بأهميّة علاقات الصداقة مع الدول العربية والأوروبيّة ودورها في مساندة القضيّة الفلسطينيّة (شغل قبل الاعتقال سكرتير العلاقات الدولية لمنظمة الشبيبة الفتحاوية)، وتناول تلك العلاقة في نصّ عنونَه "كاترينا وأنا وثالثنا الشيطان"، وكذلك المناضلة الأمميّة لويزا مورغانتيني التي أطلق عليها حسام لقب "إشبينة فلسطين"، والنرويجيّة آينكن هاتيلد التي حظيت بنص "أصابع اينكن...ما زالت تلامس روحي" (حين قرأت النص أعادني للقائي الأول بحسام، كتبت على أثره في صفحتي: "لهذا يصبح للقائه بغريب مثلي نكهة مغايرة ذكّرته بأنكين هوتفلدت النرويجيّة، عرفها قبل أسره وبعد مضيّ سنوات سُمح لها بزيارته، وحين التقته خلف شِباك السجن مدّت يدها لمصافحته لكنّ الحاجز المشبّك حال دون ذلك، تلامست أصابعهم فارتبك حسام وسألته أنكين بعفويّة ما سبب ارتباكه؟ أجابها أنّها المرّة الأولى منذ اعتقاله يلامس بشرًا "غريبا" وحتى الأهل لا يستطيع ملامستهم واحتضانهم فصاحت به "touch"، "تاتش"، "touch"، "تاتش"، ممّا لفت انتباه السجّان فانقضّ عليهما موبّخا ونقلها لغرفة ذات حاجز زجاجي دون "شبك"!) وتحدّث فيه عن الصداقة وأهميّتها.

لفت انتباهي ما جاء في نص حساميّ بامتياز: "أحرجتني كثيرا عندما سألتني سؤالا عجزت عن الإجابة عليه بوضوح وشجاعة.  أخبرتني أنها ذات مرّة اجتمعت مع أحد وفود شبيبة فتح التي زارت النرويج، وأثناء حديثها إليهم سألتهم عنّي، وصُدمَت لدى اكتشافها بعدم معرفتهم مَن أكون، فقالت لهم بغضب: كيف لا تعرفون واحدا من أهم الأشخاص الذين ساهموا في بناء وتأسيس العلاقة بين شبيبتكم والشبيبة الأوروبية على وجه العموم؟ وحاليا يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ لأنّه  تحمّل مسؤوليته الوطنيّة وهو على رأس عمله، ومن الغريب أن يؤدي اعتقاله إلى نسيانه بدلا من حماية ذكراه وأنتم حركة تحرّر. يجب عليكم أن تدرسوا تاريخكم جيدا قبل المشاركة في هذه النشاطات". جاءني ما قاله الغزالي: "لا تتألّم إذ أنكر أحدهم فضلك عليه! فأضواء الشوارع تُنسى في النهار!". هذا هو حال شرقنا. والله صعبة يا حسام.

من الجدير بالذكر أنّ "رسائل إلى قمر" كانت حاضرة في لقاءاتنا مع نشطاء أوروبيين خلال مشاركتنا في المؤتمر السابع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين.

وأخيرا؛ كتب لي حسام في الإهداء: "كلّ يوم يمضي من أعمارنا يموت ويُدفَن في الماضي، ولا نفوز به إلّا بما كسبنا من حُبّ، وحياة، وذكرى جميلة. هذا ما منحني إيّاه صديقاي حسن وسميرة، فلهُما وللكرمل الذي يسكُناه ويسكُنني كلّ المحبّة والوفاء. حسام زهدي شاهين".

شمس الحريّة تليق بك وتتوق لك عزيزي حسام.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

رسائل  تنطلق من خلف القضبان نحو الحرية، يرسلها الكاتب والروائي حسام زهدي شاهين إلى قمر ابنة أخيه وإلى الأجيال الشابة، يقول "أُواصل الكتابة إليك لعلها تنير شمعة صغيرة على طريق مستقبلك، أنت وأبناء جيلك،الجيل الذي بات الضحية الأكثر لحساباتنا الخاطئة" ويكتب لها حبيبتي قمر في بداية كل رسالة، هي رسائل تأخذ القارىء إلى صورة القهر  في السّجن، إلى صور الإرادة والتّحدي عند الأسير، وتكشف عن شخصيته القوية، وأيضا الثقافة والمعرفة،ولأن الفراغ جوع كافر إن لم تطعنه يقتلك -كما يقول الكاتب- فإن القراءة كانت مهمة بالنسبة له، وكذلك الكتابة فهي تمنحه فسحة من الأمل، يتجلى في تلك الرسائل مدى حرص الكاتب على بث الوعي من خلال المعرفة." إن مفتاح الخروج الآمن  لا يتحقق إلا باتباع المعرفة كأداة قياس لممارسة الحياة والتعاطي مع مشكلاتها"، كانت المرأة حاضرة في معظم رسائله تعبيرا عن تقديره للمرأة، المرأة الفلسطينية المناضلة، المرأةالعربية، وبعض النساء الأوروبيات اللواتي تضامنّ  مع قضية الشعب الفلسطيني بشكل فعّال، والأم والدة الكاتب حيث برزت صورتها الجميلة الصابرة الصامدة المساندة التي كانت تثابر وتجتهد من أجل قراءة ما يكتب فلذة كبدها السجين في بعض الصحف.

‏نجد في رسائل إلى قمر، أن الكاتب ينتقد الانتهازيين من بعض المحامين الذين يستغلون ظروف السجين، وينتقد انتهاكات الاحتلال لأبسط الحقوق عند الأسير.

جاءت  ‏بعض الرسائل كنصائح للجيل الجديد، ويمكن اعتبارها أيضا لكلّ قارىء تصله الرسائل، فنجده يشير  إلى أهمية الإصغاء إلى الأطفال وعدم الاستهانة بحديثهم البريء، ويحث قمر والآخرين على طرح السؤال؛ لأنه مفتاح المعرفة، وكذلك نلمس مدى اهتمام الكاتب في إيصال  المعرفة من خلال مشاركته لها في قراءة بعض  النصوص.

تطرق الكاتب إلى ماهية الذاكرة عند الأسير وكيف تتحول إلى  صمود مساند له، كما وتطرق إلى مفهوم الصداقة بين الذكر والأنثى، وانتقد ثقافة المجتمع الذكورية، وأشار إلى أهمية الاعتراف بالخطأ، وبيّن اعتقاداته بمعاني الثورة والحرية.

استخدم الكاتب المحسنات البديعية، وقد كانت النصوص سهلة للقارىء غير معقدة، استخدم كلمة حبيبتي قمر وليس ابنة أخي، نلاحظ استخدامه أُسلوب التعريف والشرح والإيضاح والاستشهاد بآراء الآخرين،استخدم أسلوب السرد القصصي في الوصف والحوار، وكذالك استخدم أُسلوب النقد بصورة ليست هجومية، ولكن من خلال منطق العقل والاقناع والاستعانة بالأمثلة.

استخدم الأسلوب العاطفي في مخاطبته لقمر، حبيبتي، رائعتي الصغيرة، وردتي الصغيرة،صغيرتي الطيبة.

الرسائل مفعمة بالتعبير عن المشاعر، واستخدامه أسلوب المشاركة مع الآخر لنقل تجربته واستخلاص العبر وكعلاج نفسي، ففي الكلام فضفضة وراحة.

ومن لبنان كتب عفيف قاووق:

كتاب رسائل إلى قمر للأسير الفلسطيني حسام زهدي شاهين، يحار القارىء في تصنيفه هل هو أدب سياسيّ أم ينتمي إلى أدب السجون أو هو يندرج تحت خانة الأدب الإجتماعي والتربويّ . النتيجة شبه المؤكدة، هي أن هذا الكتاب هو كلّ هذا .

بالرّغم من أن هذه الرسائل موجهة بالظاهرالى تلك الطفلة قمر، التي شاهدها الكاتب للمرة الأخيرة لحظة إعتقاله إلا انه يمكن القول أنه أراد  من خلال هذه الرسائل مخاطبة جيل الشابة قمر بأكمله ، آملاً أن يستخلص أفراده  العِبر والدروس التي إختبرها نتيجة تجربته الغنيّة في هذه الحياة المجبولة بثنائيات من المتناقضات، من خطأ وصواب أو شك ٍ وإيمان وأيضا من هزائم وانتصارات والكلّ يعيش في مسافة تفصل بين متناقضيّن من تلك المتناقضات. ولكون الحياة ليست بمعبد والكاتب ليس بواعظ إلا انه رغب في مشاركة القراء ببعضٍ من شظايا سيرته فكان كتابه "رسائل إلى قمر".

  لقد إختار الكاتب أسلوب الرسالة في كتابه، إيمانا منه بأهمية الرسالة ودورها في حياة الأسير الفلسطيني، فالرسالة حسبما يقول تلعب دوراً ثلاثي الأبعاد لناحية المحافظة على الروابط الإنسانية والاجتماعية والإبقاء على التواصل بين المُرسِل والمُتلقي وهي بمثابة البيت الورقي الذي يعيش فيه الأسير.

بالعودة إلى مضمون الكتاب فقد إحتوى على مواضيع شتّى ومحاور مختلفة ومن هذه المحاورعلى سبيل المثال لا الحصر الإنحياز الواضح للمرأة ودورها الريادي والنقد اللاذع للثقافة الذكورية والسلطة البطريركية. إضافة إلى تناوله للشأن السياسي وهذا ليس بغريب عمّن تدرج وتحمل مسؤوليات في الحركات الشبابية والطلابية . بالإضافة طبعاً إلى وجود محاور أخرى لا تخفى على القارىء، وفي كل منها حاول الكاتب عبر رسائله أن يُفند ويوضح رؤيته فيما يختص مضامينها.وسنحاول تلمّس بعضا منها:

أولاً، في موضوع المرأة : يتبيّن لنا جليّاً، وبدءاً من الإهداء الذي قدّمه الكاتب، إحترامه وتقديره لدور المرأة المُناط بها والمسلوب منها في أغلب الأحيان، فكان الإهداء إلى ثلاثٍ من النسوة، هُنّ الأُم التي علّمته كلّ الحروف من غير أن تكتب حرفاً واحداً، وأيضاً إلى قمر، الطفلة التي علّمته فلسفة النطق بهذه الحروف، وأخيراً إلى الأخت نسيم التي جعلت من قلبها نافذة أمل يطلّ منها على الحياة.

إلى جانب هذا الإهداء ومن خلال الولوج في تلك الرسائل نجد أنّ الكاتب أفرد حيّزاً لا بأس به للحديث عن المرأة وتفخيم دورها في مقابل نقده اللاذع للثقافة الذكورية، " فمنذ أن حبس الرجل جمال المرأة في جسدها وفصلهُ عن خصائصها الأخرى، سقطنا في مستنقع الجهل والتخلّف". وقدّم لنا عدّة نماذج نسائيّة كان لها الأثر الطيّب والفعّال في خدمة القضيّة الوطنيّة الكبرى، بدءاً بالنساء الصابرات اللواتي غاب عنهنَ أزواجُهنّ بسبب الأسر فبقين محتسبات محصنات بالوفاء شأنهنّ شأن ما ورد في الأسطورة التاريخيّة عن المرأة بينلوب التي كانت تغزل نسيجها في النهار وتفتقه في الليل حتى لا تقع فريسة أهواء الرجال الطامعين بها.

... ويسترسل الكاتب في تقديم النماذج المشرّفة والمشرقة عن المرأة الفلسطينيّة المناضلة، أمثال الدكتورة ليلى غنّام التي اعتبرها إمرأة بألف رجل، والتي أصبحت على رأس محافظة البيرة ورام الله، أيضا هناك المرأة المقدسيّة جهاد أبو زنيد التي مثلت نموذجاً إنسانياً ونضالياً في العطاء لما لها من بصمات مهمّة في مسيرة العمل الوطني.

.. وعندما نتحدّث عن المرأة في رسائل حسام شاهين لا بدّ لنا من التوقّف بإحترام أمام صبر وكفاح أيقونة النضال السياسي والإعلامي فدوى البرغوتي زوجة الأسير القائد مروان البرغوتي، التي حملت لواء الدفاع عن الأسرى والمعتقلين إلى مختلف المحافل العربيّة والدوليّة، وما أبلغ قولها الذي لفتني كثيرا عندما قالت " كنت أتعمد أن أحضر إلى فلسطين قبل الولادة لأضع طفلي على الأرض الفلسطينيّة وأحرر له شهادة ميلاد فلسطينيّة".

إمرأة أخرى ذكرها حسام شاهين في رسائلة  هي مديرة مؤسسة مانديلا لحقوق الإنسان ورعاية شؤون الأسرى بثينة دقماق، التي وصفها بأنها «الحمامة الزاجلة" والتي تجاوزت في علاقتها مع الأسرى علاقة محامٍ مع موكله، لتُصبح علاقة عائلية بامتياز. وكانت حلقة الوصل بينهم وبين عوائلهم لا سيما في فترة منع الزيارات.

  كذلك لم يفُت الكاتب السعيّ لإبراز وحدة النضال، فكانت إشارته إلى المناضلة اللبنانيّة سُهى بشارة التي إعتبرها نجمة في سمائنا، وأيضا إلى عروس فلسطين الفنانة الراحلة ريم البنا  التي كانت وستبقى رمزا من رموز المقاومة الثقافية، كما أشار إلى بعض النساء الأجنبيات المناصرات للقضية مثل لويزا مورغانتيني إشبينة فلسطين إضافة إلى نساء أخريات لا يتسع المجال لذكرهنَّ.

المحور السياسي:  يستذكر حُسام شاهين في كتابه الدور الرائد لمن أسماه أبو الوطنيّة الفلسطينيّة  الزعيم الراحل ياسر عرفات، وعلاقته بالحركة الطلابيّة منذ البدايات واصفا هذه العلاقة بعلاقة الفرع بجذوره، معلقا الآمال على هذه الشريحة الطلابيّة في لعب الدور المحوري في مسيرة الكفاح الوطني.

كما يقارب الكاتب معضلة تكاد تكون جامعة في معظم أنظمة العالم العربي ودول العالم الثالث هذه المعضلة متمثّلة بشهوة السلطة وبالفساد الذي يمارس على حساب الوطن وعلى أنقاض قضيّته، لذا فإنه يدعو إلى ما يُسمّى بصناعة الإنسان وتحصينه ليُصبح أكثر وعياً ووطنية للتمكُّن من وضع حدّ لتغلغل الفساد في الحياة السياسيّة ومحاصرته.

  أما في فهمه لماهيّة الثورة ومعناها، يرى حسام شاهين ضرورة وجود نوعٍ من الرقابة والمحاسبة فالثورة بحاجة دائمة لرقابة من أجل حماية نتائجها وتصويب مسارها لأنّ إستبدال الظلم بظلم آخر ليس بثورة. من هنا تبرز أهميّة الحرّيّات العامّة سواء حرّيّة الإعلام  وحرّيّة الرأي وحرّيّة الفكر والعمل السياسيّ وحتّى حرّيّة التديُّن وحرّيّة الأدب. وللوصول إلى حياة سياسيّة وإجتماعيّة سويّة لا بدّ من فصل الدين عن الدولة فهو المدخل الوحيد لتكافؤ الفرص وتداول السلطة بين متديّن وغير متديّن، فالمزج بين السلطة الدينيّة والسلطة السياسيّة يؤدّي إلى نوع من احتكار السلطة فنكون امام بعض من يجعل من نفسه وصيّاً على الدين والدنيا في آنٍ معاً.

   .. في تناوله لمعنى الصمود وفلسفته، فالكاتب يراه من كونه  يمثّل إرادة الحقّ الكامنة والفاعلة ببطء في رحم الهزيمة إلى حين تحويلها إلى إنتصار، ففي الحرب تبقى هزيمة المعتدي مجرّد هزيمة أما هزيمة المعتدى عليه تتحوّل إلى صمود.

وبإشارة منه إلى حالة الصراع الداخلي من حين لآخر بين الفصائل والمكونات، يذكر لنا بعضاً من الحوار المتخيّل بينه وبين البرش او البرشة كما أسماها ليقول بلسان البرش "لم أعد قادرا على إحتمالكم، فبعد أن كان همّكم الإنتصار على عدوّكم، صار طموحكم هزيمة الواحد منكم للآخر، إستوطنتكم الأنانية واستفحلت فيكم الجهويّة، وأصبحتم كلكم قيادات.

-المحور التربوي والثقافي : أهم ما يُلفت في هذه الرسائل، تعريف الكاتب للكتاب حيث يقول:"كلما قرأت كتاباً أكتشف كم كنت وما زلت جاهلاً، فالكتاب هوالمرآة التي تكشف لك العيوب الملتصقة بجوانب معرفتك". وفي أكثر من موضع يحُثُنا على طلب العلم والتزود بالمعرفة، وعلى ضرورة الإعتراف بالتنوع الثقافي بحيث لا يجب الإعتماد على رافدٍ واحد لنهل المعرفة والثقافة. وهذه نصيحته إلى قمر وعِبرها إلى الأجيال" هنا يا قمر عليكِ بسلاحيّ العلم والمعرفة ففيهما بوصلة لا تخطيء الإتجاه أبداً.

وفي أحدى الدروس التثقيفية التي تجلّت من خلال رسائله، يحدثنا حُسام عن المسؤولية التي هي كالجبل لا يستطيع كل إنسان تسلقها، وفي هذا السياق نستطيع أن نُشبّه المسؤولية بالأمانة الملقاة على عاتق كل مسؤول تجاه شعبه وقضاياه، ونستذكر الآية الكريمة التي قد تفي بالغرض " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وأشفقنّ عليها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولا". فالمسؤولية تحتاج إلى بصر وبصيرة وإلى وعيّ وسعة إدراك وهي مطلوبة في كل مفاصل حياتنا اليومية.

في رسالة أخرى من رسائله، يحذرنا حُسام من مغبّة الوقوع في فخ الظاهر دون التبصُر ببواطن الأمور، فالفرق شاسع  وكبير بين الظاهر والباطن حتّى وإن كان الظاهر يُشكل بُعداً لحقيقة ما، فإن المضمون أو الباطن يُشكل جوهر هذه الحقيقة. ولتدعيم هذه الفكرة يعيدنا إلى حكاية النبّي موسى والرجل الصالح وموضوع خرق السفينة وما تلاها.أما في رسالته حول الصداقة، فهو يدعونا إلى تقبُل أصدقائنا بسلبياتهم وإيجابياتهم،شريطة أن نعمل على تعزيز هذه الإيجابيات وتصويب تلك السلبيات.

أخيرا لا بدّ من التطرق الى البعد الفلسفي الذي ظهر في بعض رسائله، سيما في تناوله لموضوع الشك واليقين وتساؤله لماذا قبل الله تحدي الشيطان له وتركه يُفسد العباد والبلاد، مع أنه كان قادراً على محقه. ليصل في بحثه عن هذا التساؤل إلى انه في الحياة تتجاور كل المتناقضات، مستطردا بالقول "إذا كان الله قد قبل الشيطان نقيضاً له في هذه الحياة وحاوره، لماذا يريد منَّا البعض أن نرفض الإعتراف بحق من هو أقل خطرا من الشيطان، ولماذا نُسلّم برأي من هو أقل شأنا من الله.

الموضوع الآخر الذي تطرق إليه الكاتب هو موضوع الديمقراطية والإسلام، معتبرا ان تقديم مبدأ الشورى في الإسلام على انه ديمقراطية هو محاولة فقهية هشّة.مناديا بضرورة الفصل التام بين الدين كشأن سماوي روحي، يحتاج الى طريق الإيمان بين العبد وربه، وبين الديمقراطية كشأن وضعي أرضي تحتاج إلى طريق العقل بين المواطن والدولة.

 ختاما كتاب رسائل إلى قمر مليء بالدروس والعبر، ويصلح لأن يعتمد في المناهج التعليمية لما يحتويه من مقاربات وشروحات لقيَم ومفاهيم مُجتمعيّة عدة . ونختم لنقول ان حسام شاهين بكتابه هذا يثبت أنه حرٌ رغم أسره، وكثير منّا للأسف أسرى رغم حريتهم المزيفة. فتحية والف سلام للأسير الحر حسام شاهين .

وفي نهاية الأمسية قالت نسيم شقيقة الأسير حسام زهدي شاهين:

تحية الحرية الممزوجه بعطر الأمل وبعد،

في بداية كلمتنا لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر والتقدير والثناء على الدور المتميز الذي تقوم به ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية ممثلة بكافة أعضائها، للدور الإنساني الوطني الثقافي الراقي في المتابعة لكل ما يصدر عن أسرانا في سجون الإحتلال من إنتاج أدبي ومناقشته، هذه المتابعة التي ترتقي بحجم تضحيات أبناء شعبنا حتى نيلهم الحرية والإستقلال.

في ندوة اليوم نناقش الإنجاز الأدبي للأسير حسام شاهين (رسائل إلى قمر) الذي جاء في 57 نصاً أدبياً متنوعاً، ويمثل العديد من النماذج الانسانية والتجارب الواقعية التي تجمع ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، إذ أن الأسير منذ لحظة إعتقاله يحيى على حنينه إلى ذكريات الماضي، لأن سياسة الاحتلال الممنهجة بحق الأسرى تسعى إلى عزلهم عن التواصل مع العالم الخارجي، فهنا نجد أن الأسير حسام شاهين، حاول من خلال رسائله إلى قمر أن  يحافظ على حالة التواصل، فالكتابة عن الماضي هي تقييم لتجربة الحياة التي لامست العديد من المحطات المهمة في حياته، ونجد أنه من خلالها يكتب عن الحاضر الذي يمثل نصائح توعوية لجيل المستقبل عبر الرسائل والنصائح التوجيهية الوطنية والحياة العملية من خلال ما تم سرده من قصص متنوعة.  كما أن العمر الزمني لكتابة هذه الرسائل استمر على مدار 15 عاماً، إذ أن أسيرنا كان يخاطب بها تلك الطفلة الصغيرة (قمر عماد الزهيري)، سنة تلو الأخرى مع مراحل عمرها للأثر الذي تركته في حياته، لتجد قمر لاحقاً هذا الكتاب بمثابة التجربة الغنية للإستفادة منها في حياتها كيفما ومتى رأت ذلك ممكناً وأبناء جيلها.

إن أدب السجون يمثل حالة تأريخية عن مرحلة من أهم مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني، لذا يتطلب أن يكون هنالك إهتمام بتوثيق هذا الأدب عبر رعايته من قبل المؤسسات الثقافية والمؤسسات التي تعنى أيضا بقضية الأسرى الفلسطينين في سجون الإحتلال الإسرائيلي، لأن تبني العمل الأدبي للأسرى هو بمثابة تحفيز لكل من لديه القدرة على الكتابة والتعبير، وتوثيق التجربة النضالية بكافة أشكالها، وهذا يتطلب الرعاية من العديد من الجهات وفي مقدمتها الإتحاد العام للكتاب الفلسطينيين، ووزارة الثقافة الفلسطينية، والجهات الإعلامية المتخصصة، واليوم في فلسطين تم تأسيس وإنشاء المطبعة الوطنية التي نأمل أن يكون لها دور في تبني وطباعة أدب السجون.

كما نود أن نشير إلى أهمية المبادرة التي بدأ بها الأستاذ الحيفاوي حسن عبادي (لكل أسير كتاب) والتي كان لها أثرا بالغا في نفوس أسرانا، ويتطلب أن تأخذ عمقها الحقيقي من خلال تبنيها الفعلي داخل المؤسسات المهتمة بشؤون الأسرى تحت رعاية وإشراف مؤسسها، خاصة التي لها علاقة في التواصل الفكري والثقافي والإعلامي، كما نشيد بالإنجاز الذي صدر أخيراً (الكتابة على ضوء شمعة) للأستاذ حسن عبادي وفراس عمر حاج محمد اللذين من خلاله وثقا العديد من طقوس الكتابة التي يعيشها أسرانا في زنازين المحتل، والمعاناة التي يتكبدها أسرانا لإنجاز عمل أدبي يوثق تجربة إنسانية نضالية، والتي تُعد الأولى في فكرتها ونماذجها المتعددة على مستوى قضية أسرانا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى، نرى أن هنالك مسؤولية تقع على المثقفين والأدباء والمهتمين بقراءة أدب السجون، وبشكل  خاص في عملية النقد لكل إنجاز أدبي، إذ يعتبر النقد إحدى وسائل تحفيز وتطوير الكاتب على تقديم الأفضل من عمل أدبي، وأهمية الإبتعاد عن المجاملة، لأن النقد الحقيقي هو الذي يغني مكتبتنا الوطنية في توثيق التجربة النضالية التي يهدينا إياها أسرانا البواسل، كما أنه يرفع من مستوى الكتابة ويحفز الأسير الكاتب، لأن النقد سواء كان إيجابيا أو سلبيا هو بمثابة تحفيز، الإيجابي تحفيز، والسلبي تحفيز يصوب مسار الأسير في تطوير كتابته.

وفي الختام، نقدم لكم الشكر الجزيل على ما تبذلونه من جهد في عقد الندوات التي تناقش أدب السجون، كما نوجه شكرا خاصا للأستاذ حسن عبادي (حسن الجسر) على جهوده الحثيثة المتواصلة مع أسرانا والمثقفين الفلسطينين والعرب، والشكر أيضاً لكافة المتحدثين والحضور الكريم.

fsghgj1001.jpg

صدرت عام 2022 رواية "العاصي" للكاتب الأسير سائد سلامة عن دار الفارابي في بيروت، وتقع الرواية التي قدّم لها النّاقد فيصل درّاج في 332 صفحة من الحجم المتوسّط.

الكاتب: ولد الأسير الفلسطيني سائد محمد خليل عبدالله سلامة شقيرات في جبل المكبر-القدس في 17 -11-1976، حاصل على شهادة بكالوريوس كيمياء من جامعة القدس. صدرت له مجموعة قصصيّة"عطر الإرادة" عام 2018 عن دار الرّعاة في رام الله. اعتقل عام 2001 وحكم بالسّجن لمدّة 24 عاما.  في العام 2011 توفّيت والدته، وفي العام 2015 توفّي والده، ولم يتمكنّا من رؤية ابنهما، كما مُنع سائد من وداع والديه، ليبقى فراقهما غصّة في القلب.

العنوان: "العاصي" هو العنيد المخالف الخارج عن الطّاعة. وبطل الرّواية هو ساري، والسّاري هو من يسير ليلا، وكأنّي بالكاتب يرى أنّ المقاومة انتهت بعد أوسلو، ومن يقاوم فهو عنيد مخالف خارج عن الطّاعة.

ملخص الرّواية: تدور أحداث الرّواية حول فلسطينيّ طعن مستوطنا بسكّين حتّى الموت، وضاقت به الأرض على سعتها وهو مطارد في نابلس من قوى الاحتلال الأمنيّة، فلم يجد من يؤويه أو يساعده حتّى من الأقربين الذين كانوا يخشون سطوة المحتلّ، لكنّ عددا قليلا من أصدقائه حاولوا مساعدته مع بعض التّحفّظ، ولم تحمه الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة التي لجأ إلى مقرّاتها أكثر من مرّة، وحتّى لم يجد مستشفى آمنا يقدّم له العلاج حيث أصيبت يده إصابة بالغة عندما صدمه مستوطن بسيّارته يريد قتله.

الأسلوب: لجأ الكاتب إلى أسلوب السّرد الحكائي الإنسيابيّ، الذي لا ينقصه عنصر التّشويق، وكان يقفز من حدث لآخر بشكل سريع لتداخل الأحداث التي تركّزت على محاولات بطل الرّواية "ساري" لعلاج يده المصابة، ومحاولاته في التّخفّي والبحث عن مكان آمن بعيد عن قوّات الاحتلال التي تطارده، وعن عيون العسس الذين يتتبّعونه. كما بدا واضحا أنّ الكاتب متأثّر بأسلوب الرّوايات البوليسيّة وروايات المغامرات التي تعتمد على عنصر المفاجأة، وسرعة الأحداث المتلاحقة. 

واضح أنّ الكاتب الذي أمضى ما يزيد على واحد وعشرين عاما خلف القضبان، اعتمد في أحداث وحكايات روايته على ما يسمعه من أخبار مّما يتيسّر لديه من وسائل، أو من خلال معلومات استقاها من أسرى جدد اعتقلوا بعده، وهي بالتّأكيد معلومات مبالغ فيها.

وأثناء قراءتي للرّواية وبعد أن انتهيت منها راودني سؤال هو: هل لو كان الكاتب حرّا طليقا سيكتب رواية بمضمونها هذا؟ أو هل أنّ كاتبا طليقا يكتب رواية كهذه؟ وقد طرحت هذا السّؤال على المحامي حسن عبّادي الذي يواظب على زيارة الأسرى ومنهم سائد، وكان الجواب: لا ! لكن الأسير لم يبق له ما يخاف عليه أو منه، فهو كما قال المثل:" اللي خايف منه قاعد عليه.

تساؤل: لماذا توقّفت عجلة الحياة على ساري ومعاناته ومتاعبه، وعلى مداهمات الاحتلال لحارات في نابلس بحثا عنه؟ ولماذا لم تتشعّب الرّواية إلى ما جرى ويجري في مدن وبلدات أخرى؟

أعجبني: أثار انتباهي وإعجابي أنسنة الكاتب لبطل الرّواية ساري، فقد وصف من خلاله نفسيّة المطارد الخائف الحائر، ووصف شوقه لأسرته والديه وأخويه، وخوفه عليهم من بطش الاحتلال بسببه، وأجاد الوصف، وفي مرحلة ما وفي أكثر من مناسبة فكّر ساري بتسليم نفسه لقوّات الاحتلال؛ كي يخلص من الضّيق والمعاناة التي وجد نفسه فيها.  

ملاحظة: في تقديري أنّ الرّواية انتهت في الصفحة 319، ولا مبرّر لوجود الفصل الثالث عشر الذي امتد من صفحة 320 -332.

وماذا بعد: القارئ لهذه الرّواية سيجد نفسه أمام كاتب يجيد فنّ الرواية.

المزيد من المقالات...