حدوتة مصرية

قدري شوقت محمد الراعي

[email protected]

إهداء...

إلي كل الأرواح الطاهرة , الذكية التي سالت دماؤها في الميدان فأنبتت في ربوعه خمائل الحرية..

إلي الذين صعدوا في السماء ولن يعودوا.." شهداء 25 يناير "

إلي الصامدين في كل ساحات الشرف والكرامة..لم تزل قلوبهم تحلم بالحرية وهم يرددون في حماس

" مش عاوزين فرعون من تاني , ولا دستور تفصيل لأناني "

إلي " يزيد " طفلي الجميل الذي لم تتسلق مداركه البريئة بعد سفوح المعرفة ولكنه أدهشني حين قالت لي أمه: " إن مشاهد الثورة عبر التلفاز اشتبكت مع انفعالاته , فاندفعت عباراته المتلعثمة يردد مع الثوار هتافهم الشهير : الشعب يريد اسقاط النظام..

ولدي الغالي...

حبيب القلب...

ألف , باء ..يعني " أب "

لا تنساه طول العمر

حاء , باء ..يعني " حب "

قلب أبيك , ووطن السمر

قمري العالي..

حلم فؤادي..

أمير خيالي..

أما بعد

أصغ إلي صغيري الليلة

سوف أقص عليك حكاية

وسأنسج في حب بلادي أغنية..

هي أروع من ألف حكاية وحكاية

هي بحث في الذات المصرية..

تأصيل للعدل الغائب بدءا ونهاية

هي ملحمة كبري يا ولدي

وطن مذبوح بكراسي السلطة اصرارا وترصد..

وجناية....

وذئاب تعوي يتساقط من فمها أشلاء ودماء..

بين سطور رواية.

أعرف يا ولدي...

أنت تحب سماع حواديت ليلية

عن مصباح " علاء الدين " السحري..

وفتاة الثلج البيضاء..

عن " حسن الشاطر" إذ يستل السيف ليقطع رأس الغول

ويأتي بالمهر الغالي للحسناء..

عن " عنترة الأسود" إذ يلفظه القوم..

ويمنحهم مجدا وسيادة , مفخرة وإباء.

ذواق يا ولدي مثل أبيك الطيب

يسكنك الحلم الجبار..

متمرد لا تهوي فن العوم المألوف

وتعشق دوما أن تسبح ضد التيار.

فأصغ إلي الان حبيبي..

إني الليلة محموم بالسرد.

هيا اشحن كل حواسك وارحل..

عصفورا يشرب من جدول

أو عبقا يسري في صحبة ورد

لا تخشي شوكا أو ريحا..

لا تخشي حرا أو برد.

هيا ولنبدأ باسم الله..

أسمعني صلاة وسلاما لرسول الله

كان يا ما كان...

يحكي في العصر البائد

عصر الأوثان...

عصر عبادة "فرعون" و "هامان"

كان الجد الأكبر للعائلة المصرية فلاحا..

انسان..

يزرع أرضا..

تنبت خيرا..

تينع شجرا..

تطرح ثمرا وجنان.

كان الجد الطيب يحيا في سلم وبساطة..

عفويا , فطريا..

لا يعرف حرفا في الدستور ولا معني لسياسة

لكن الحق أقول بني..

فقد كان الجد ذكيا يتمتع بكياسة

بسيطا لا يملك جاها أو سلطة..

لكن الجعبة لا تنضب أبدا من نبل وفراسة

يعرف بالفطرة أوراق اللعبة بل أكثر..

فالمجد لخدام العرش الملكي نصيب

قدر موعود..

قمر قد أبرق..

والحق الأعزل منسي..

ملعون لو فكر يوما أن ينطق

ومدان..

مقتول..

أو محرق

أما الدستور المتعبد في مصر المحروسة..

فامرأة عمياء..

أو شيخ أبكم..

لغز من صنع الكهان محير

أو مبهم..

فلك في اليم تسير ..

وقرصان عربيد قد أغرق

وجهاء القوم وخدام السلطة قالوا

قولا أحمق...

فرعون الحكم الأقدس في مصر إله

وحري أن يعبد..

قبس من نور الله أضاء علي الشعب

وأشرق..

قد جعل الخير علي يده , فهنيئا..

أبناء النيل الأعرق

تبت أيديهم , كذبا ما قالوا..

والدستور كتاب الفرعون الأخرق

لا ينطق حقا أو خيرا..

يحمل سما مستترا ..

أو موتا أزرق

صك بفتاوي شرعية..

لا , بل ليست شرعية

بجواز القتل العمدي لعصفور..

حدق يوما في السجان , وزعق

لن أقبل قيدا , أو قهرا

سأطير...

أحلق...

لن أغرق

لن أسقط يوما في اليم..

لن أمنح صوتي عربيدا..

أو صيادا أحمق

جدك يا ولدي كان نبيها..

لا يخطئ فهم القرصان

يعرف بالفطرة مقصود الكهان

وأن الدستور الملكي كتاب الشيطان..

مسطور بالدجل الكاذب..

ممتلئ بالأوهام.

عقد زواج صوري بين الثعلب وقطيع الخرفان

شمس لا تمنح دفئا..

قمر لا يهدي ضوءا وحنان

خرج الجد صبيحة يوم يا ولدي..

يستشرف رزقا وفيوضا قدرية.

يتهادي فرحا  , ويغني ..

للنيل , وللشمس الذهبية

نفس لاحت بضفاف النيل تسبح..

طاهرة ونقية ..

عذراءا كصبية..

ويقود الجد الطيب نحو السوق صباحا..

قطعان حمير تحمل محصول القرية.

فالرزق بربك يا ولدي , لكن..

هيئ قلبك للمسعي  بالشرف , وبالنفس المرضية.

ويدنو الركب السائر نحو السوق...

من ضيعة رجل شرير.

بفنون الرشوة أستاذ..

بعلوم النهب خطير..

محترف فن السطو

وعلام حين يطير

وغد إذ ينطق..

علم في الزيف كبير.

من خدام الفرعون الأكبر

مدعوم بالسلطة يعني..

وصديق وزير..

احذر يا جدي فالأمر خطير

ارجع بحميرك , لا تركض

فالتعلب رواغ – تدري – ومكير

والثعلب فات , فات

ويدور , يلف..

سبع لفات

منهوم لا يشبع أبدا لو في البطن فتات..

أو حتي قطيع من نعجات.

معدته دوما واسعة..

ويقول صباحا ومساءا : هات

الثعلب كان ذكيا لا تعييه الحيلة.

لاذ بشيطان العقل ليمنحه

رأيا فنيا , ووسيلة..

فكر..

دبر..

نصب كمينا..

كيما يسلك شيخ الرحلة دربا اخر ..

وفجاج طويلة..

أو ينزل ركب الشيخ الضيعة..

فيستلب الثعلب كل البيعة.

عاهرة لاحت بطريقك يا جدي

كيما تلهيك..

ابتدرت , خلعت ثوبا وحياءا..

كي تلصق ما فيها فيك.

وطأت قافلة الجد المضطرة وكر الثعلب.

وقعت في الفخ المنصوب..

ونزلت أرض الملعب

أكل حمار الجد كسيرة ساق من قمح الضيعة.

شرب الجد المقلب.

ضحك الثعلب وتنادي..

ذلك ما كنا نبغ.

هيا يا صاح نهبش ..

هيا يا صاح نلعب.

مكتوب في الأقدار لجدك يا ولدي..

يوما أن يشقي بالدستور.

أن يدخل مقبرة الحزن اليومية

ويضيع العمر هباءا..

يتسلق في الظلم جبالا..

ويخوض بحور.

يحلم بالوطن الفارس..

وينادي النجدة كل صباح

لكن ما تبلغ صرخة ألم..؟

إن كان السامع موتي بقبور.

بساقية العدل الغائب يا جدي مربوط

مثل الثور الهائج..

سوف تلف...

سوف تدور...

جدك يا ولدي كان نبيا..

قلبا أبيض , وضميرا يقظان

لكن الدستور الملكي بمصر..

حجر صوان..

لا يعبأ بنبي قديس..

لا يحمي مصريا وشريفا..

أو فنان..

قد قلت فلا تنسي يا ولدي..

إن الدستور الملكي بمصر ..

صديق القرصان.

جدك يا ولدي كان فصيحا..

يسطع نور الحكمة بين يديه

الراية في الحلبة نبل وشجاعة

والحب مشاتل ورد..

طي جناحيه.

الكلم الطيب سيف يغمده في صدر الظلم

وبالحق الناصع يفقأ عينيه..

عار أن تصمت جبنا يا ولدي..

شيطان من يصمت عن حق..

ملعون من أعلي الرأس  إلي قدميه.

ارتجل الجد أمام الثعلب عملاقا

غضب , وثار..

وقف كما الجبل الشامخ..

وانتفض كما الإعصار..

أسمع شيطان الوطن العابث حكمته..

ألقي بين يديه الموعظة الكبري والأذكار...

قال يحذر ربان سفينة مصر الراعين الظلم

من الغرق الموشك , والأخطار:

هل يمكن يوما أن ينبت ورد فوق السكين؟

أن يروي بدماء وأنين..؟

أن أقبل أن ألقي في النار صباحا ومساءا

وأقول : امين؟

أن أقبل صكا بالبيعة..

يقتلني الفرعون ويحييني باسم الدين؟

لماذا تطعمون النيل بالقربان..؟

في كل عام إذا ما ثارت سورة الفيضان.

وتحجبون جمال "يوسف" عن بلادي

وتهدرون دم" الكليم" ابن عمران

تقولون : العدل ما نبغي..

وقد ضاعت علي يدكم بهبة النيل

كرامة الإنسان..

شربنا ظلكم زمنا , ومازلنا..

ومازلتم تسوقون الشعب كالخرفان.

بنينا لكم مجدا..

وأهراما..

علوتم علي يدنا..

وكوفئنا ولكن مثل " سنمار "

تقاسمتم قصور الجاه والترف..

وكل الشعب جوعان

تقاسمتم مياه النيل في بلدي..

وكل الشعب ظمان..

أيا حكام دولتنا ..لماذا العدل مغتال؟

وكل الشعب حيران..

أهذا هو الدستور يا حكام؟

إفك يروجه العصابة , واحتيال

وامتهان..

محبرة وريشة عابث تهذيان..

يا لفصاحة جدك يا ولدي...

كان شريفا , حرا...

من نسلٍ أحرار.

يلقي خطبته العصماء بلا وجل

لكن حضور الخطبة للأسف الحار

كانوا زمرة أشرار..

فرعون السلطة..

ووزير العار..

والثعلب إذ يتربص بنعاج الحمقي..

يخرج من جحر..

يتلصص مثل الفار.

وتوتة يا ولدي.... توتة

لن تفرغ يوما من بلدي هذي الحدوتة.

والشاهد أن الحرية هدف الشعب الغالي.

وبغير الثورة لن تشرق شمس..

لن يسطع في الليل القمر العالي.

ايه يا ولدي..هل تسمعني.؟

الثورة في وجه الظلم سبيل كي نحيا في بلدي

درراً...ولألي.

أو يبقي الصبح كئيباً..

وتبيت الحرية وهماً بخيالك وخيالي.

ايه يا ولدي ..هل تفهمني.؟

إن فضت ريح الظلم بكارة عشك يوما..

أو جاءت تسرق أحلامك.

إن هبت في أرضك ..

كيما تشعل أوجاعك.

إن أردت أمنية العمر الكبري..

أو ساقت لجهنم أيامك.

لا تترك سيفك في غمده.

اقبض..أشهر..فجر

انزع بقلاع الظلم العاتية فتائل صرخاتك.

سدد بنجاح يا ولدي..

كي تخمد بنشيد النصر مرارة أناتك.

قد أتعبتك يا ولدي –عذراً- بدمائي وفؤادي أفديك

اضمم يدك الحلوة هيا

عانق قلبي...

خبئ نفسك في حضن أبيك.

لكن لا تسرح بخيالك عني

إني الليلة في بحر الحكمة أغمس عقلك

من نهر المعرفة الحقة أنهل ..

كيما أعطيك.

الظلم سحائب سوداء يا ولدي.

لا تظلم يوما أحدا.

وتواضع للأدني..

لا تسرق أبداً..

لو مات علي يدك الحلم الأخضر يوماً

وانتحر بواديك..

وتزود دوماً بالتقوي..

فشعار كتاب الله الأقدس أن الأتقي خير الناس..

وأن الكبر الأحمق يقتلك ويرديك.

قل يا ولدي ما شئت بلا خجل..

فسكوتك -إن تقبل- يقصم ظهرك

ينهيك..

ودوما ...دوما لا تنسي

لا تنسي يا "يزيد " فؤادي

حلم أبيك...