رقطاء

حبيب شريدة / فلسطين

[email protected]

قد أقبلَتْ كالموج تضطربُ

رقطاءُ في أنيابها العَطَبُ

تنسابُ نحوي مثل عاصفةٍ

هوجاءَ هادرةٍ وتقتربُ

لم تنتبهْ لي وهْي عابرة ٌ

قربي وزفْرُ فحيحِها غضبُ

ناديتُها فتلفتَتْ حَذراً

ثم استعدَّتْ وهْي تنسحِبُ

لجأتْ لأعلى السفح مسرعة ً

فزعاً تكادُ تطيرُ إذ تثِبُ

فتسلقتْ إحدى الصخور وقد

ركنَتْ تحدِّقُ بي وترتقبُ

فسألتها: ما الخطبُ ؟ فانتفضتْ

لِمَ ذلك الجِلْجالُ والصَّخبُ

قالتْ وفي كلماتِها وجعٌ

شأنَ الذي حلَّتْ به الكُرَبُ !

في ذلك الوادي البعيدِ وقد

كَسَتِ البطاحَ بُرودُها القشُبُ

والْتفَّتِ الأشجارُ تحضُنُهُ

كالأمِّ ملْءُ فؤادها الحَدَبُ

ينمو به العُنّابُ مزدَهياً

والعَبْهرُ الفوّاحُ والقَصَبُ

بُسِطتْ على جنباتِه أنَقاً

سَجّادَة ُالحنّون تُخْتضَبُ

نَسَجتْ حَواشيها سواسِنُهُ

والنَّرجسُ البريُّ والتـُّلِبُ

تشدو الطيورُ على منابرهِ

أشْجى اللحون ِفيعْذبُ الطرَبُ

تجري عيونُ السلسَبيل ِبه

رقراقة ًصفْواً وتنسكِبُ

أمضيْتُ فيه العمْرَ هانئة ً

ما مَسَّني كَدَرٌ ولا سَغَبُ

وكما تَرى فالشمسُ ساطِعة ٌ

هذا النهارَ وفُرْشِيَ الحَصَبُ

تُلْقي أشعَّتَها وتنْثُرُها

فوقَ الأديم ِكأنَّها الذهَبُ

بيْنا أنا في الشمس ِنائمة ٌ

فوقَ الحصى المنْضودِ أحْتَضِبُ

فإذا براع ٍجاءَ مقتَحِماً

بقطيعِهِ يرْعى ويحْتطِبُ

أهْوى إليَّ بفأسِهِ فنَبَتْ

عني فقمْتُ إليهِ أنْتَصِبُ

دافعْتُ عن نفسي فسدَّدَ لي

أخرى فطاشَ حديدُها الذرِبُ

فهربْتُ خوفاً حيثُ لاحَقَني

حَذِراً وكانَ أصابني التَّعَبُ

ألقى عليَّ بصخرة ٍقطَعَتْ

ذيْلي ولمّا ينْجِني الهرَبُ

فزحَفْتُ جاهدة ًلأنْجُوَ مِنْ

بطش ٍعليهِ الناسُ قد دَأبوا

لِمَ تُضْمرونَ لنا العِداءَ وما

بنفوسِنا حقدٌ ولا خَبَبُ ؟!

لمْ نقترفْ يوماً أذى أحدٍ

إلا دفاعاً حيثُما يَجِبُ

لمْ يلقَني أحدٌ مصادفة ً

إلا وكانَ لرأسيَ الطلَبُ !

**********

إني لأعْجَبُ من حديثِكِ عن

واديكِ فنّاً بلْ وأخْتَلَبُ !

تصِفينَ ألوانَ الجمال كمَنْ

هاموا به وبعشْقِهِ اسْتُلِبوا

أوَ لسْتُ إحدى الكائناتِ ولي

ذوْقٌ وإحساسٌ ، لِمَ العَجَبُ ؟!

أخشى بأنَّكِ مثلما نقَلتْ

عنكِ الشعوبُ وسَطَّرَ الأدَبُ !

قالوا:هي الشيطانُ مَنْزلة ً

وأعزُّ ماالشيْطانُ يَصْطَحِبُُ !

أنَسيتِ يومَ خروج ِآدمَ من

فِرْدَوْسِهِ ودهاؤُكِ السَّبَبُ ؟!

خُلِقتْ له حوّاءُ مؤْنِسَة ً

منْ ضِلعِهِ وإليْهِ تنْتسِبُ

ما ذنْبُنا أنْ قد تمثَّلَنا

إبليسُ شكلاً حيْثُ يَنْتخِبُ ؟!

لوْ لمْ يجدْ فيكِ العِداءَ لنا

لاخْتارَ غيْرَكِ عندَهُ الأرَبُ !

أخْفاكِ تحتَ لسانِهِ وسعى

دَئِباً عسى حوّاءُ تُجْتَذَبُ

هذي الشُّجيْرة ُليس يقْرَبُها

إلا الألُى تُعْليهِمُ الرُّتَبُ

لولا الخلودُ بها لَما مُنِعَتْ

هيَ عنْكُما أوْ ليسَ تُجْتَنَبُ !

أغْويْتِها فتناوَلا ثمَراً

منها فحقَّ عليهما التَّبَبُ

حُسِرَتْ ثيابُهُما وقد طفِقا

يتواريان ِوراءَ ما يَقِبُ

إذ يَخْصِفان ِعليهما وَرَقاً

منْ جَنَّةِ الفِردَوْس ِيُقْتَضَبُ

تابا لربِّهما فطالَهُما

غُفْرانُهُ وسِواهُ لا يَهَبُ

قال اهبطوا منها جَميعَكُمُ

للأرض ِأعداءً معاً لُزبوا

فقَدا نعيمَهما فنابَهُما

من بعْدِهِ في أرضنا النَّصَبُ

فأصابنا من بعْد ِبأسِهِما

عَنَتٌ يلازمُنا فنَحْتسِبُ

تلكَ الشجيْرة ُعنْدَنا اكْتَنَفَتْ

أسرارَها وعلومَها الرِّيَبُ

قالوا: أتفاحٌ تُرى هي أمْ

تينٌ وقمحٌ أمْ هي العِنَبُ ؟!

لابدَّ أنَّكِ تعرفينَ، فما

هوَ نوعُها أمْ دونَها الحُجُبُ ؟!

أنَا كيف أعْلمُ مثلَ مَنْ عقِلوا

واسْتُخْلِفوا في الأرض وانْتُدبوا ؟!

ملأتْ خطاياكُمْ بسيطتَنا

والقتلُ بعدَ القتل ِفانْتحِبوا ...

واحْصوا ضحاياكُمْ فلوْ جُمِعَتْ

منها الدماءُ لغاصَتِ الرُّكَبُ !

أنَا لستُ أضمنُ بعدَ ثانيةٍ

منكَ السَّلامة َحينَ تنْقَلِبُ !

**********

ما بيْننا ثأرٌ تطالبُنا

بنوالِهِ أمٌّ لنا وأبُ !

قد حدَّثَ التاريخُ عنهُ وقد

جاءتْ به الآياتُ والكُتُبُ

تُخْفي الحقيقة َوهْيَ واضحة ٌ

كالشَّمْس ِدونَكَ ليْسَ تُحْتَجَبُ

أنْكرْتَها لتُدينَنا كذِباً

بجريمَةٍ تاريخُها كَذِبُ

فُطِرتْ على البغْضاءِ أنفُسُكمْ

وضميرُكُمْ لا يُرْتَجى خَرِبُ !

دأبَتْ على إصْلاحِهِ أبَداً

كتُبُ السماءِ وفاضَتِ الخُطَبُ !

وبرغْم هذا لمْ يتُبْ أحدٌ

عنْ ذنْبِهِ يا أيُّها النُّجُبُ !

**********

تبقى العداوة ُبيننا أبَداً

ما دالَتِ الأجْيالُ والحِقَبُ !

نسعى لِسَحْق ِرُؤوسِكُنَّ لكيْ

يُجْتَثَّ أصلُ الشَّرِّ والوَصَبُ !

وبغفْلةٍ منّا مؤاتِيَةٍ

وبغدْركُنَّ تُمَزَّقُ العَقِبُ !

سنرى غداً وسِجالُنا دوَلٌ

في الحرْبِ مَنْ منا له الغـَلـَبُ !

ما لي بقتْلِكِ حاجَة ٌفكَفى

بكِ وجْبَة ًللنَّمْل ِتُرْتَغَبُ !

نظرَتْ إليَّ بحِدَّةٍ شَزَراً

فكأنَّما نظراتُها اللَّهَبُ !

ثمَّ انْثنَتْ غضباً وقد دخَلَتْ

جُحْراً قريباً فيهِ تَنْسَربُ

**********

ناجيْتُ نفسي في الطريق ِإلى

بيْتي عتاباً شابَهُ الرَّهَبُ !

لوْ يُدْركُ الإنسانُ مُعْتَبِراً

ما قدْ جرى لأبيهِ أوْ يَعَبُ !

لاسْتَوْقَفَتْهُ ذنوبُهُ ليَرى

بضَلالِهِ كمْ كانَ يَكْتَئِبُ !

فأفاقَ مِنْ أوْهامِهِ فبَدَتْ

لِجِنان ِعَدْن ٍدونَهُ العَتَبُ !

صَدَقَتْ بما قالتْ فأنفُسُنا

مُلِئَتْ شُروراً حيْثُ نحْتَربُ !

فغداً تُغيِّبُنا القبورُ مَتى

حَلَّ الرَّدى فتضُمُّنا التُّرَبُ !

ماذا سيلْقى الناسُ حينَئِذٍ

يوْمَ القيامةِ غيْرَ ما كَسَبوا ؟!