محطّات سفر
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]
عُـمـري سـنينُ دمٍ مشبوبةُ الأجَلِ
خـمـسونَ نافَتْ وفيها العمرُ محرقةٌ
تـجـتـرُّنـي قلقاً ساعاتُ أزمنتي
أمـشي على حَسكِ الأوجاعِ رمَّضني
مـرَّتْ مـويجاتُ نهرِ الصبرِ متعبةً
شاخَتْ جراحي وغاصَتْ فيَّ حرْبتُهُ
تـجـرُّنـي دُجُـرُ الآلامِ فـي دجرٍ
وخطوتي ارتعشتْ في درْبِ خارطتي
وخـيـبـتي فاوَضَتْ رِجْلي نهايتُها
مـرَّتْ سـنـيني عُجالى في مأتمِها
وذاك خـطـوي به قد فارقَتْ قدمي
خـمـسـونَ أحسبُها لكنْ إذا حُسِبَتْ
يـعـدو الزمانُ وروحي في متاهتِهِ
فـلا يـثـيرُ دمي ترجيعُ صادحةٍ
حيرانُ أضرِبُ تيهَ الأرضِ من وجعٍ
فـلـسْتُ أدري أنا غادرْتُ من بطَرٍ
ورغْـمَ مـابي وما قد صارَ أعبدُها
حـتـى الـطيور لدى تغريدِها مَللاً
غـطَّـى الـسوادُ بنا أحلى نوافذِها
تـشـكـو ستائرُها من غربةٍ جزَعاً
خـمسونَ مرَّتْ وهذا العمرُ في نزَقٍ
خمسونَ باللهوِ ساعاتي قد انصرَمَتْ
أنـا ارتـديْـتُ وأنـفـاسي مؤجلةٌ
أسـعـى وموتي أنا قدْ راحَ يلبسُني
خـمـسـون مرَّتْ وأنفاسي ملاحَقةٌ
مرّتْ كطيفِ الكرى إذْ زارني خَلساً
مـرّتْ وقـافـلـتي تدْني رواحِلَها
تُـدنـي مـسـاءاتِ أيّامي تُراوِدُني
مـضـى زماني أُعاني فيه محتَرقي
وعـالـمـي طُـرُقٌ سُدَّتْ مسالِكُه
أنـا صراعُ الأذى يمتصُّ لي جسدي
كـمْ أطعموني وضاقَ الصبرُ فاجعةً
سـخرْتُ منّي وأشواقي قد احتطبَتْ
لـمَـنْ سـأشكو وسجَّاني يُحاكِمُني
وقـيَّـدونـي وكانوا أصْلَ فاجِعَتي
خمسونَ بي وجَعٌ مُضْنٍ تلاوَحني
أنـا رحـيلٌ وخمري نزْفُ أوْردتي
هـذي حـيـاتي وكهْفُ الهمِّ آنسَها
أنـا طـريـدُ يدي والموْتُ خِنجرُهُ
لـم يَـبْـقَ منِّي سوى أنفاسِ مقبرةٍ
حـتَّى الينابيعُ غاضَتْ بعدما احتقَنَتْ
شـربْتُ حزني كؤوساً أُترِعَتْ بطلاً
أنـا رُفـاتُ غـدٍِ شـالـتْـهُ أزْمِنةٌ
خـمـسونَ وانصرمَتْ ليلاتُها سهراً
حـتّى التي كنْتُ قبلَ الأمسِ أعرفُها
لـقـد تناسَتْ شراعاتي التي عبرَتْ
كـانـتْ بكلِّ الهوى والأنسِ تلحقُني
بـهـا عـشـقْتُ أنا إيمانَ معصيتي
يـا حـرقتي ورُبى الصحراءِِ مجدبةٌ
عـودي فأمسي مضى ما عادَ يجمَعُنا
مـخـاوفـي جبَلٌ قد لملمَتْ فرحي
خـمـسـونَ والعمرُ ناعورٌ وساقيةٌ
وَهُـدْهُـدُ الـروحِ أغْـواني له نبأٌ
آنَ الـرحـيـلُ فلُمِّي خيْطَ أشرعتي
يـا شـهقةَ الروحِ ما زالتْ تُراوِدُني
أسـتـودعُ اللهَ فـي عينيْكِ لي زمناً
الـجـاهـلـيةُ فينا أمْرعَتْ وبغَتْ
والـمـتـرفـونَ هداياتٍ لقد صبئوا
والآمـرونَ بـأمـرِ اللهِ فـي وطني
والـبائعونَ قِرى الأطفالِ ما آنْكسروا
مَـنْ ذا تُـعـاتِبُ عمَّا كانَ يا وَجعي
الـمـظـهـرونَ لـنا ودّاً يصانِعُنا
الـوافـدونَ لـنـا في جيشِ أبرهةٍ
مـولاي يـا أنتَ يا نخْلَ العراقِ أمَا
فـمَـنْ يُـعـيـدُ لشرْعِ العدلِ مبدأَهُ
مِـنْ أينَ والناسُ فوضى لا سراةَ بها
فَـعـمَّ لـيـلٌ مـيـاديني وسادَ بها
فـهـلْ سـيُرْجى للعراقِ صلاحُ غدٍ
وهـلْ تـعـودُ لـنا أضواءُ دجلتِنا
مـتـى أرى وطـنـي حُرّاً بوحدتِهِ
خمسون والعمرُ ركضٌ في مفاوزِهِ تـمـشـي على مَهَلٍ في غابةِ الأمَلِ
ولـلـضَّـيـاعِ طريقي فيهِ مرتحَلي
والصمتُ فيه انطفآتْ يا حزنَها شُعلي
جـرْحي وأِنِّي لذاكَ الدرْبِ لم أصلِ
ولـمـلمَتْ ضوءَها مِنْ حُزنِها مُقلي
والـعـمـرُ مسغبةٌ يُفضي لمعتَقـَلي
نـحْوَ المتاهِ عَرتْني سرْحةَ الطَّفـَلِ
وخـيـمتي في مهبِّ الريحِ في زللِ
وفـي المنافي ارتمَتْ مكسورةَ السُّبلِ
والدهرُ يمْشي على العلاتِ في كسلِ
درْبـي وعـافَ نـدى أفـيائِه بَلَلي
وجـدْتُ عـمري سويعاتٍ مِنَ العِللِ
تـعـدو إلى القدرِ المحتومِ في عَجلِ
ولا تـوجُّـعُ شـاكٍ باتَ في عَطلِ
ومـلَّ قـلـبـي لدمعٍ فاضَ منثكِلِ
أم أنني قد هجرْتُ الأرضَ من خَبلِ
ولـيـس عندي بها داري ولا جَملي
وكـلُّ صوت شدا يفضي إلى الكللِ
وبُـدِّلـت سـاعةُ الإصباحِ بالأُصُلِ
وراحَ يـشـكـو نزيفُ الهور للجبلِ
يـجـرُّنـي في ظلامِ العمرِ كالوَعَلِ
والـصـمْتُ يسحبُني حيناً لمعْتزلي
ثـوبَ الـجنوحِ .أحثُّ الخطو للزّللِ
حـيـنـاً وألـبسُهُ درْعاً على وَجَلِ
وغـيمةُ الصحو لم تُمْطرْ على قُللي
عـلـى رُبـاي بـوعدٍ غيرِ مُحْتَملِ
حَـتْفَ المنونِ فيا روحي لهُ احتملي
ذئـابُ عـمـري لأنفاسي ومعتَجَلي
مستوْحشَ الخطوِ بين اليأسِ والجفَلِ
بـيـن احتمالِ الأسى أو شهقةِ العِللِ
ويـشـجُـرُ القلقُ الميئوسُ مبتهلي
ولـلـتـجـلُّـدِ وخْزُ النارِ يا جَمَلي
صـرْحَ الحياةِ .فما أبقَتْ سِوى طللِ
وحـاكِـمـي حَكمي أفضى لمُخْتبلي
وأوْقـدوا بـدمـي إرْعـادَ مـنتَهِلِ
وبـدرُ لـيـلي بعمري غيرُ مُكتمِلِ
وبـي مـدائـنُ هَمٍّ أَسْرَجَتْ عَطَلي
وعـلْـقـمٌ عَطشي دافوهُ في عَسلي
بين العروقِ وجمْرُ الرزْءِ يُصْنَعُ لي
وغـيـرُ بُقيا هشيمِ النارِ في الدَّغَلِ
وأمـطـرَتْ مَـلـلاً غـيماتُهُ مَللي
ومـا ثَـمِلْتُ ولآوى الكأسُ لي ثملي
بِـحَـجْـمِ كلِّ مَدارِ الكونِ يا أُسُلي
مـا بـينَ كَدٍّ ونزْفٍ فاضَ مِن مُقلي
وكـنـتُ دفئاً وكانَتْ رجْفةُ الخُصَلِ
مـرافـئَ الـريـحِ وانساقَتْ لمبتَذَلِ
حـبّـاً. وتـرسمُني في ثغرِها قُبلي
فـخـلْتُ لآتي وزنداها غدْتْ هُبلي
مـا ظـلَّ غيرُ انتثارِ القحطِ والوشَلِ
لـيـلٌ فـقـلـبي أنا قدُّوهُ بالنُّصُلِ
وَيُـسْـتَـفـزُّ فمي في صمتِهِ وُجلي
وضـاعَ بـين انحسارِ الجدِّ بالهزَلِ
فـأجـفـلَتْ نكداً شمسي عن الجَذَلِ
وجـهِّـزِي خـيْرَ ما يُجْنَى لمرتَحِلِ
دنـيـا الجنوحِ، وقلبي ألفُ مُنْشغِلِ
كـنّـا وكانَ الهوى أرجوحةَ الحُلَلِ
وحـلَّلتْ عَصْفَ نارِ الشرِّ في المِلَلِ
وألـفُ شِـمْـرٍ بهم يحدو أبا جَهَلِ
بـذبْـحِ طـفـلٍ زهَا أو قتْل مُكتهِلِ
لـموْتِ شعبٍ قضى في ألفِ محتفَلِ
ولـيس فيهم على المأساةِ من رَجُلِ؟
وفـي الخفاءِ سروجُ الموتِ يُوقِدُ لي
وفـي الـزياراتِ يَسْعى للإمامِ علي
تـنـزاحُ داجـيةٌ في مهمهِ الدَّجَلِ؟
وعـنـدَ واديـهِ ترْقى لمحةُ الأُُوَلِِ؟
والأجـنـبـيُّ له الأَحكامُ في العَمَلِِ
حَـتْفٌ . وصارَ سراةُ القومِ كالخوَلِِ
والـفـرْسُ تحكمنا والمستشارُ ولي
ويـرقصُ الرملُ عند الشطِّ والغِيلِ؟
والـنـاسُ لـلناسِ جِسْراً دونما كللِ
وبـي قطارُ المدى يجري ولمْ أصلِ