الحلم الهارب

محمد مصطفى خميس

[email protected]

ظِلِّي يطاردُني كظِلِّي كي أقولَ...

بلا حياءٍ ما يريدْ

والحُلْمُ يوقظُني ويركضُ هارباً

قمْ يا أبي جاءَ الخفرْ

فأقولُ في سرِّي: صهٍ ماذا جنيتْ؟

لم أشربِ الخمرَ العتيقَ...

ولا قتلتُ طوالَ عُمْري نملةً

لم أزنِ... لم أسرقْ جواهرَ عمَّتي

صرخ الغلامُ أي المنامُ وفي يديه سلاسلٌ:

ماذا جنيتَ؟!!... إذاً بربِّكَ مَنْ أنا؟

VVVV

قلمي يَصُبُّ الحِبْرَ فوقَ الجرحِ...

يخشى  من أعاصير الجراحْ

يرمي الكلامَ قذائفَ استنكارْ

ويمرُّ في لمحِ الطُّيوفِ...

ويحتمي في بحرِ نارْ

يمتصُّ تيار َالصُّراخِ ويحتسي خمرَ النُّواحْ

ويقدِّمُ الصَّلواتِ لا كصلاتِنَا بل كالنُّبَاحْ

ليكونَ شيخاً للذِّئابِ الحاكمةْ

وعصا تحوِّلُ كلَّ أفعى مِنْ إلى أنثى مطيعٍ ناعمةْ

وبسحرها يتحوَّلُ الممنوعُ شرْعاً مِنْ إِلى أَمْرٍ مُبَاحْ

وبسحرها يُكسَى اللُّصوصُ مُسُوحَ نُسْكِ...

 والبغايا يرتدينَ عمائمَ الأسيادِ يقطُرُ من حواشيها الصَّلاحْ

وبسحرها تتغيرُ الأحكامُ والأعرافُ والألوانُ حتى الحبُّ للأفعى يباحْ

VVVV

قلمٌ يقلِّمُ ظفرَهُ...

ويقصُّ كلَّ صباحِ يومٍ شعرَهُ...

ويُطيلُ لحيتَهُ وينظُمُ شاربيهِ كحاجبيه...

ليرسمَ الشرفَ الرفيعَ بدقَّةٍ في وجهه...

قلمٌ شريفٌ في محيَّاهُ ارتقى ظهرَ الجوادْ

إذ راحَ يقطعُ بيدَ أرضِ العُرْبِ يعقِدُ بيعةً في كلِّ وادْ

ويلمُّ آلافَ الحيارى النائمينَ كنومِ أهلِ الكهفِ...

لكنْ يرقبونَ الفتحَ في يومِ المعادْ

VVVV

وطني ككهفٍ ليس يعلمُ أهلُهُ كم عدُّهُمْ؟

وعلى وصيدِ الكهفِ يبسُطُ كفَّه...

كلبٌ يرى أظفارَهُمْ وشعورَهم طالتْ على أجسادِهم

حتى استحالت في عيونهم الرؤى ليلَ العبيدْ

حتى إذا ما استيقظوا بحثوا فلم يروا الوصيدْ

أطرافُهم ووجوهُهم ملأى بآمالِ الرُّماةْ

أنساهم الطمعُ العقيم وصيةَ الصبرِ المزنرِ بالحديدْ

هل من جديدْ؟!

هي خصلة مغروسةٌ

ماءٌ قديمُ النشءِ يجري في الوريدْ

فتوهَّموا النَّصرَ الكذوبَ وأنهم ملكوا الحياةْ

لا ينظرون وراءَهم

كالبُهْمِ تمشي ألفَ مِيْلٍ...

دون أن ترمي بطرفِ الحِذْرِ...

خلفاً أو يميناً أو شمالاً...

هكذا خُلِقَ العَنيدْ

VVVV

أنا قصَّةٌ مرميَّةٌ في مهملات الذَّاكِرَةْ

زمني يلوِّنُهُ الضَّبابُ...

وفي يدي قيدٌ يُصنَّعُ للوحوشِ الكاسرَةْ

لُغتي رموزٌ آسرَةْ

فيها جسومٌ كاسياتٌ عارياتٌ...

يا بياضَ الثلجِ يسقطُ في حُرورِ الهَاجرَةْ

أنا عالَمٌ من مدركاتِ الرُّوحِ...

تحويني الخواطرُ في مواقيتِ الكآبةِ...

والمهابةِ والزَّمانِ المستحيلِ وليلِ كَفٍّ غادرَةْ

أنا يا أبي شمسٌ تَحَجَّبُ عن عيون الآثمينَ...

وتعتلي صَهَوَاتِ آمالِ الرِّياحِ العابرَةْ

لم يبقَ لي ثوبٌ يغطِّي عورتي

بيتُ الرجولةِ في مهب القهر جرَّحَ سَوْرَتي

وتأثَّلَ الهُونُ الزميلُ لماء وجهي فانمحى ظلي بحر الهاجرةْ

كزوال آياتِ العفافِ والاستقامةِ والطهارةِ من عيونِ الفاجرةْ

VVVV

ماذا أنا إنْ لم يعبِّرني حكيمْ؟

ماذا أنا؟ هل حالمي أيْ والدي رجلٌ سقيمْ؟

هل جئت دون أبٍ وأمٍّ من فضاءِ المستحيلْ؟

لا...لا... فإني لستُ آدمَ...

إنني ولدٌ تبرَّأ والدي مني...

وإني آبقٌ قبلَ الولادةْ

يا ليتني وأنا جنينٌ متُّ...

حتى أستريحَ من التَّبنِّي والتَّبرِّي والعبادةْ

هل كل أحلام الأنامِ تعيش أسرى في الخيالْ

معصوبةَ العينينِ في نفقٍ الدجى تحت الجبالْ

مِثْلي يكلِّلُها الخَبَالْ

ويلفُّها الليلُ الحنيقُ كأنها الأسماكُ في شرك الحِبالْ

هل كلُّ أحلام الأنامِ يجرُّها الجلادُ في وَضَحِ النهارْ؟!

لينفذَ الإعدامَ فيها ثمَّ يقطعُ رأسَها درسَ اعتبارْ

ويسلطَ الحشدَ الغفيرَ من الكلاب لينهشوا أشلاءَهَا

وتصيرَ أحشاءُ الكلاب قبورَها

إن كان ذلك ما يكونْ

فلقد عذرتكَ يا أبي أيْ حالمي العربيَّ أنْ تمضي الحياةَ بلا عيونْ

وتقاطعَ الحركاتِ فوق حروفنا إلا السكونْ

أما أنا فسأقطعُ الصحراءَ صحراءَ العروبة حافياً خلف الحذاءْ

ظامئاً أسعى إلى ماءٍ يبلِّلُني...

لأحيا من جديدٍ في فضاءِ الحالمين بالاستقاءْ

جائعاً أحثو الترابَ بفيَّ...

حتى أستطيعَ صراعَ فرخ الغولِ أو حتى أواجهَ الاعتداءْ

خائفاً ألتفُّ حول أضالعي الملأى بآلام المسير إلى الوراءْ

لكنني وبكلِّ فخرٍ...

متُّ وسطَ مفازة الأحلامِ أحلمُ بالفناءْ

 وتناثرتْ ذراتُ عيني كالهَبَاءْ

شكراً لقيُّوم السَّماءْ

فنهايتي وبكلِّ فخرٍ ميِّتاً حراً أبيْ

خيرٌ من انْ أبقى سجيناً في ضمير العربيْ