احتفالية الموت
احتفالية الموت
د. أيمن العتوم
سلامٌ على جَدَثٍ في خراسانَ...
ما ضمّ إلا القصيدة في جانبيه...
وما ماتَ مَنْ ماتَ فيه، ولكنّهُ ضَاقَ عَنْهُ المكانُ
فَلاذَ بموتٍ جميلٍ ليتّسعَ الكَوْنُ فيه ...
سلامٌ عليه يَجِيْئُكَ هذا الغروبُ الغريبُ
فيشهدُ كَمْ كانَ مَوْتُ البِلى ...
حياةَ خُلُودٍ لروحِ القَصِيْدَةِ ...
أَسْأَلُ أنتَ تموتُ؟!
وأعرفُ حين يُخَيِّمُ هذا الظَّلامُ الصَّمُوتُ
بَأَنَّكَ تَحْيَا وأنّا نموتُ
تَثُورُ جِراحَاتُ هَذَا الفَتَى المازنيّ
وَتَمْضِي بَعِيْدَاً بَعِيْدَاً
وَتَتْرُكُ أَحْلامَهَا ذَاتَ لَيْلٍ لِكَفِّ الزّمانِ العَصِيبْ ...
تُحَرِّكُهَا الرِّيْحُ حَيْثُ تَشَاءُ بِلا رَحْمَةٍ
ثمّ تَذْرُو الذي قَدْ تَبَقَّى بِوادي المنونِ الرّهِيبْ ...
وَيُغْرِقُها المَطَرُ .. الظّلمُ ..
ثمّ تكونُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ
بَيْنَ رَوْضٍ ببئر السمينة رطبٍ خصيبْ ...
تموتُ وترحل - لَمْ يَدْنُ منها الغضا – دُونَ رأيٍ
لأنّ المساء الذي ضمّها كانَ محضَ مساءٍ غريبْ ...
فَمَنْ كانَ يَسْمَعُ
حينَ سَرَى في عُرُوقك لحنُ الرجوع الأخير
بكاءَ القصيدة حولك؟ مَنْ كانَ يَسْمَعُ ذَاكَ الدّبيبْ؟
وفي هَدْأَةِ اللَّيلِ صوتَ النَّشيجِ وَمُرَّ النّحِيبْ ؟
وَمَنْ كان يلمس إمّا تغنّي وتهذي بذات الغضا
أنّ هذا البكاءَ غناءٌ يوزّع ألحانَهُ العندليبْ ...
تذكرْتُ مَنْ سَوْفَ يَبْكِي عَلَيْكَ... بَكَيْتُ عَلَيَّ ...
لأنَّ الذي فِيْكَ فيَّ ... لأنَّ حبيبَ الحَبِيْبِ حَبيبْ ...
أُسَائِلُ قَبْرَك: كَيْفَ مضَيْتَ
وَلَمْ تَرْتَوِ النَّفْسُ مِنْ سَكَرَاتِ القَصِيْدَةِ في الموتِ،
مَهْمَا وَقَفْتُ بِتِلْكَ الدّيارِ وَسَاءَلْتُ عَنْكَ الطُّلولْ ...
وَمَهْمَا شَكَمْتُ خُيُوْلَ الرُّجُوْلَةِ بِالمَوْتِ أَوْ قَدْ تَرَكْتُ الخُيُولْ ...
تَمُوْتُ الخُيُوْلُ وُقُوْفاً ألا أيّها الشّاعرُ العَبْقَرِيُّ
وَيَبْقَى يَرِنُّ بِمَسْمَعِنَا لَحْنُهَا وَالصَّهِيلْ ...
فكيفَ يكونُ مماتُكَ في الممكناتِ
وقد جئتَ في الزّمنِ المُستحيلْ...
عرفْتُكَ ...
أنتَ الذي قَدْ سَرَقْتَ حَيَاتَكَ مِنْ مِخْلَبِ الموتِ ...
أنتَ الذي جَعَلَ الموتَ أُنشودَةً للحياةَ فَغَنَّى ...
ولا مِثْلُ مَوْتِكَ فِيْمَنْ تَمَنَّى ...
وَلكننّي أَلْمَسُ الحزنَ في: (عزيزٌ عليهنّ ما بي)
وأشعرُ قَلْبَكَ حَنَّا ... إِلى (يَقَرُّ بِعَيْنِي سُهَيْلٌ بَدَا لي)
إِذَا مَا ظَلامُكَ جَنّا ...
وحُزنُكَ في (زفرةٍ قَدْ دَعَاك الشَّغافُ إليها) فَجُنّا ...
أنا أنتَ لكنّ مثلَكَ حَيٌّ وَمِثْليَ مَيْتٌ
فمن سوف ينصِفُ مَوْتَى ...
ألا ليتَ شِعْرِي وَلَيْتَا ...
وَإِنّى صَدَى كُلِّ حُزْنٍ إِذَا كَانَ صَوْتَا ...
عَرَفْتُكَ ...
(صَعْبَ القِيادِ) ... (سريعاً إلى الحربِ إمّا دُعيتَ)
كريماً (لدى كلّ زادِ)
( تُخَرِّقُ أَطْرَافُ تِلكَ الرّماحِ ثِيَابَكَ) فوقَ الخُيول الهَوَادِي ...
وَلَكِنّ أَهْلِي بُعَيْدَكَ هاموا على وجههم في البَوَادِي ...
وَقَدْ سَهُلَ الجَرُّ فيهم بِغَيْرِ قِيَادٍ إلى كُلِّ وادِ ...
وإمّا دُعُوا لِلْحُرُوبِ تَثَاقَلَ أَمْثَلُهُمْ في الرُّقادِ ...
بلادي ألا أيّها المازنيّ بلادي ...
فإنّ التَّعَادي بها قَدْ تَمَادَى إِلى أَنْ تَعَادَى التّمَادِي ...
وَإِنّ الخَواء بها لازدِيَادِ ...
أُعِيْذُكَ وَالخَيْلُ تَعْدُو عَلَى ضَبَحَاتِ الجِهَادِ ...
بِأَنْ يُسْلِمُوكَ إلى قَاتِلِيْكَ كَمَا أَسْلَمُوْني،
وَبَاعُوْا جِرَاحِي بِسُوْقِ كَسَادِِ...
أنا في مَهَبِّ المَزَادَاتِ يَا صَاحِبي حَفْنَةٌ مِنْ رَمَادِ ...
أُعِيْذُكَ هَذي الخُيُوْلُ الغَرِيْبَاتُ لَيْسَتْ خُيُوْلِي
وَلَيْسَ الطِّرَادُ طِرَادِي ...
أُعِيْذُكَ: يَسْتَيْقِظُ الأَهْلُ ذَاتَ جِدَارٍ
وَلاتَ جِدَارٍ سِوَى كُوَّةٍ في الفُؤَادِ ...
يُطِلُّ الفَرَاغُ عَلَيْهَا مَرَاحِلَ بَعْدَ الفَرَاغِ ،
مَرَاحِلَ في الانْقِيَادِ ...
عَرَفْتُكَ ...
الفَنُّ أَقْوَى مِنَ المَوْتِ ...
وَالرُّوْحُ أَقْوَى مِنَ الرّيحِ ...
وَالحُلْمُ تَخْنُقُهُ اللَّدْغَةُ الشَّارِدَةْ ...
وَهَذَا التَّدَاخُلُ بَيْنَ حَيَاتِكَ وَالمَوْت؛
هُوَ الفَنُّ في لَحْظَةٍ خَالِدَةْ ...
وَتَبْقَى القَصِيْدَةُ فَوْقَ القُبُوْرِ عَلامَتَكَ الشَّاهِدَةْ.