أشواق وأحلام
خالد
البيطار
(1)
تثغب: يسيل منها الدم
(2)
الشيخ محمود جنيدلـئن طالَ عن أرضي ابتعادي فإنني
أحِـنُّ إلـى سـاحـاتـها ودروبها
أحـنُّ إلى تلكَ العصافير في الضحى
إلـى نـهـرها ينسابُ وسطَ سهولها
أحـنُّ إلـى أزهـارهـا ونـسيمها
إلـى الـبـلبلِ الظمآنِ للنور والندى
* * *
نـأيـتُ وقـلـبـي لا يصدق أنني
إلـى أن بـدا الـدربُ الطويلُ أمامه
فــأيـقـنَ أن الأمـر جِـدٌّ وأنـه
ولـيـس لـه مـن حـيلةٍ غير أنه
فـبـاتَ قـريـرَ العين رغم ابتعاده
* * *
وتـمـضـي الـليالي ليلةً إثرَ ليلةٍ
أنـامُ فـيـأتي طيفها عبرَ خاطري
فـأتـبـعـه والـعينُ تعرفُ دربه
فـأحـيـا بـه حـلـماً ويبدو كأنه
* * *
أطـوف عـلـى الأحياءِ أرنو بلهفة
أزور أخـي أحـكـي له ما أصابني
وأمـضـي إلى جاري وأطرقُ بابه
أمـرُّ عـلـى بـيـتـي وأفتحُ بابهُ
لـقـد كـنـتُ مـشتاقاً لرؤية طيفه
هـنـا غرفةُ الأضيافِ تفتح صدرها
هـنـا غـرفة النومِ الجميلةُ ها هنا
وهـا هـي أوراقي وكتبي ومسندي
وأسـمـعُ صـوتـاً مـن بعيد كأنه
وأُغـلـقُ بـيتي ثم أمضي لمسجدي
وأدخـلُـهُ والـنـورُ يـمـلأ ساحَه
وألـمـحُ مـحـرابي وألمحُ منبري
لـقـد عـشـتُ فـيه العمر إلا أقله
لـقـد كـنـتُ آتـيه فيفتحُ صدره
وهـا أنـا مـن بـعد الغيابِ أزوره
* * *
وأمشي إلى شيخي(2) فقد كان موئلي
وكـنـتُ إذا ضـاقـت حياتي أتيتُه
رعـانـي وربـانـي وها أنا عائدٌ
أمِـنْ طـولِ بعدي ما أُحسُّ أم انني
سـأبـعـثُ قـبلي صاحبي ليزوره
* * *
وأذكـرُ أصـحـابي وأُسرعُ نحوهم
لـقـد تـركوا مثلي الديارَ فبعضهم
فمن يفتحُ الأبوابَ لي حين طرقها؟!
* * *
أيـا جرحَ قلبي أنتَ في الصحو مؤلمٌ
ودعْ لـي أصـحابي ودعْ لي طيفهم
أيـا جـرحَ قـلـبي إنني اليومَ قانعٌ
سأمضي على دربي وإن طال والتوى
وإن حـنـيـنـي لا يفُتُّ عزيمتيسـأبـقـى وفـيـاً أسـتعدُّ وأرقبُ
إلـى روضها يزهو عطاء ويُخصِبُ
لـهـا بين أغصانِ الشُّجيرات ملعبُ
يـتـيـهُ دلالاً حـيـثـمـا يتشعّبُ
ولـو أنـه يـشـتـدُّ حيناً ويَغضبُ
ورغـم جـفاءِ الفقر يشدو ويُطربُ
* * *
نـأيـتُ ولا يـدري إلى أين يذهبُ
يـحـيـطُ بـه أنّـى تلفّتَ غيهبُ
غـدا نـائياً فالأرض جرداءُ سبسبُ
رأى مـن وراء الأفق ما هو أرحب
يُـحـرّك فـي النفس الحنينَ ويُلهب
* * *
ويـزدادُ شـوقـي لـلـديارِ ويغلب
يـمـر سـريـعاً ثم ينأى ويُحجبُ
وأرجـعـه والـطـيفُ سمحٌ مهذب
أمـامـي بلا ريب ويصفو ويرحب
* * *
هـنـا كنتُ أمشي ها هنا كنتُ ألعب
فيأسو جراحي وهي حمراء تثغب(1)
وأُبـدي لـه شـوقي وحبي وأُعرب
وتـعـرفُ زوجـي مقدمي فتُرحّبُ
وهـا أنـا فـي غـرفـاتـه أتقلبُ
وهـذا الأثـاثُ الـحـلوُ فيها مُرتّب
جـلـوسي وهذي غرفتي حين أكتب
وهـا أنـا لـلـشاي العقيقي أسكب
أذان، نـعم فالشمس في الأفق تغرب
وقـلـبـيَ مـن أشـواقـه يتوثّبُ
ويـبـدو لـي الخطُّ الجميل المذهّبُ
وأشـعـر أنـي فوقه صرت أخطب
وصـار اسـمه لي نسبةً حين أنسب
ويـبـسـطُ كـفـيه ويحنو ويحدبُ
فـهل في اشتياقي أو حنيني تعجبُ؟
* * *
وكـان مـلاذي بـل هو الأم والأب
فـيـمـسحُ عني ما يُسيءُ ويُكرب
إلـيـهِ ولـكـن خـافـقي متهيّبُ
خـشيتُ عليه والفجاءاتُ تعطِبُ؟!!
ويـنـقـلَ أشـواقي ومَنْ ثم أذهبُ
* * *
وأسـأل نفسي أين من كنت أصحبُ؟
غـريـبٌ وبعض في اللحودِ مُغيَّبُ
ومـن سـيلبي دعوتي حين أطلبُ؟!
* * *
فـدع لـي أحـلامَ الـمنى تتسرّبُ
ولـو سـاعةً فالطيفُ عندي محبَّب
بـهـذي الـرؤى لـكـنني أرتقّب
حـيـالـي فـلا ألـهـو ولا أتنكّب
ولـكـنـه الـحـادي يهزُّ ويجذب