نداء الشنفرى الطويل
على سوريالية الصحراء
طالب هماش
ضجرٌ كصبّارٍ الصحارى المرِّ
يصغي لانتحابِ الريحِ في البرديِّ
لاستغراقها المذبوحِ بالأوجاعِ
أو يتشمّمُ الأمطارَ من حزنِ الغيوم الراحلهْ .
* * *
عيناهُ من صهدِ الظهيرةِ في قفارِ التيهِ ،
قامتهُ كرمحٍ مرهفٍ في الليلِ
يجلسُ في طريقِ البرقِ
كي يتقهقرَ الشعراءُ عن مرآهُ
أو يستقرىءُ الشمسَ التي تغفو مساءً
تحتَ بيداءِ السماءِ المائلهْ .
* * *
أبداً يُراكضُ ما توحَّشَ من سآمتهِ
على الرملِ البعيدِ
مقلّداً عدوَ الوعولِ على حروجِ الوعرِ
أو خَبَبِ الخيولِ على طريقِ القافلهْ .
* * *
ويرى إلى الأنثى الوليدةِ
من تفلُّجِ شهوةِ الفجرِ الذي ينشقُّ عن ياقوتهِ
المخضرِّ وجهُ جمالها الورديُّ
أطيافاً مصفَّاةَ الأسى
ما مسَّها بعدُ الضياءْ .
* * *
ويجادلُ الكلماتِ عما يجعلُ المعنى
رؤىً مذروفةَ العبراتِ ،
والأشعارَ حزنَ الأبجديّةِ في قواميسِ البكاءْ .
* * *
هو دمعةُ الخسرانِ في حدقِ الرؤى العمياءِ
والحادي مع الركبانِ
نَصَّبَ يأسَهُ المخلوعَ طفَّاراً على الشعراءِ
حتى أصبحتْ كلماته
لاميَّةَ العربِ القديمةِ
في معلَّقةِ الحداءْ .
* * *
أبداً ترجِّعُ صوتَهُ الحَدَّاءَ
أجراسُ الصدى الموؤودِ
في أُحْدِيَّةِ الوادي
كصوتٍ غارقٍ في بئرِ ماءْ .
* * *
أبداً تضاعفهُ الشموعُ على جدارِ الوهمِ
في ليلِ القرى الغافي
وترفعهُ الحكايةُ فوقَ هودجها
كذئبٍ في العراءْ .
* * *
أبداً تضاعفُ يأسَهُ البيداءُ
وهو يدورُ في تلكَ الفيافي
باحثاً عن منبعِ النهرِ الذي اغتسلتْ بهِ الأعرابُ
أوَّلَ مرَّةٍ
ثمَّ استحالَ إلى سرابٍ زائلٍ لا يُسْتَرَابْ .
* * *
ويشفُّ في ضوءِ الغروبِ بحيرةً ظمأى
تزايلُهُ الكذوبْ .
* * *
والشمسُ في احديدابها الحاني
على طللِ البحيرةِ
مثلَ ياءٍ ميتةِ الألوانِ في دمعِ الإناءْ .
لا تُستضاءُ ولا تُضاءْ .
* * *
لكنما الشفقُ الذي انحسرتْ حمائمُهُ
كثوبٍ ( أبيضٍ ) عن قلبها الساهي
انحنتْ أنثاهُ فوقَ الأرضِ ثاكلةً
ليرتفعَ المساءْ .
* * *
أيكونُ موتاً ذلكَ المرئيُّ صمتاً واقفاً
كالسيفِ في القفرِ البعيدِ ؟
وكلما غذَّ الخطى الرائي إليهِ نأى
ويتبعهُ وينأى
خلفَ أطلالٍ وبيدْ .
* * *
أم أنّهُ السهمُ الموتَّرُ في فؤادِ العشقِ
تطلقهُ يدا ذئبٍ عدائيٍّ
ليطعنَ غربةَ الشعراءِ في طلبِ القصيدْ .
* * *
أيكونُ طيرُ الهامةِ الظمآنُ
يسفحُ في الرياحِ الهوجِ وحشتَهُ
ويستسقي الغماما .
* * *
لكأنَّهُ في ذلكَ الغسقِ المصدَّعِ
ظلُّ من ذهبوا من العشاقِ
خلفَ مفاتنِ امرأةٍ
يذوِّبُ نهدها التفّاحُ في ماءِ الخزامى .
* * *
مغسولةٌ بالدمعِ من ظمأ الندى الذاوي
ويطلعُ وجهها مثل الطيورِ
مع ازهرارِ الفجرِ ناياً أو حماما .
والعاشقونَ إذا رأوا قمراً بكوا
ما كانَ أجملهمْ على سفحِ الغيابِ
وكلُّ من لاحتْ لهُ من فرجةِ الأشواقِ
زهرةُ نرجسٍ
في مزهريّةِ صدرها المذبوحِ بالشهواتِ هاما .
* * *
وعلى تلالِ الليلِ يجلسُ ناظراً
في دكنةِ الأبعادِ
علَّ طيوفهم تأتى لماما .
* * *
لكنَّ شيئاً كاشتياقِ العشقِ
يدفعهُ ليبلغَ حزنَهُ الممتدَّ في الصحراءِ ،
شيئًا كاعتلالِ الليلِ بالأصداءِ في جوفِ المدى
ظمأَ الأراضينِ الجريحةِ
وهي تكشفُ صدرها العاري لأمطار الذكورةِ
والإجابةَ عن سؤالِ الموتِ رقصاً
فوق أطلالِ الجحيمْ .
* * *
..شيئاً من التكفيرِ عن ذنبٍ قديمٍ
ماتَ مرتكبوهُ ،
نشدانَ الحياةِ
بعزلةِ الروحِ الوحيدةِ في ترهُّبها القديمِ .
* * *
والبحثَ عن تغريبةِ الموتى
الذين تقمّصوا شيخوخةَ الأشجارِ
وانحازوا لسرَّا نيَّةِ الصحراءِ
عشاقاً ، ملاحدةً ودهريينَ
متروكينَ للندمِ العميمْ .
* * *
وتأمّلَ القمرِ المسافرِ حين
يمخرُ بالحنينِ سكينةَ النسيانِ ،
والإنصاتَ في منأى القرى الصافي
لسرياليّةِ الإعجازِ في ألف الصدى الممدودِ
في ليلِ النواويسِ الحميمْ .
* * *
سعياً إلى مرأى شروقِ الشمسِ
من سفحِ البسيطةِ
حينَ تلمسُ قلبنا البشريَّ بالسرِّ المقدَّسِ
وانتحاراً يائساً في لُجَّةِ الغمرِ العظيمْ .
* * *
سعياً لإنشادِ الأناشيدِ العظيمةِ عند شطآنِ البحيراتِ،
اعتصارَ الخمرِ من لبِّ الحياةِ العذبِ ،
والتحديقَ في ألمِ الخليقةِ
من كوى القلبِ الملوَّعِ بالفراقِ الصعبِ
والروحِ الرجيمْ .
* * *
صرختْ بهِ ريحُ الشمالِ
على اتساعِ الصوتِ في الصحراء ِ
فانجابَ الضبابُ الكثُّ عن ذئبٍ
شديدِ الحزنِ
يحفرُ في جرودِ الصهدِ أنفاقَ السآمةِ والمللْ .
* * *
يا شنفرى الجبل الجبلْ !
* * *
احذرْ بروقَ الغيمِ
لا الأيامُ عادت من حطامِ سفينةٍ
مخرتْ إلى المجهولِ صحراءَ السرابِ
ولا هلالكَ عادَ لاستغراقهِ الدمعيِّ
في صمتِ السماواتِ السعيدهْ .
* * *
سيغيبُ قرصُ الشمسِ محمولاً على شفقٍ من الحنَّاءِ
في جوفِ البحيراتِ البعيدهْ ..
وتظلُّ وحدكَ في بوادي العمرِ تبحثُ عن قصيده .