بُكاءُ الأبيّ ...

د. مصطفى المسعودي

[email protected]

(إلى كل الرّازحين تحت نيْر العذاب في السجون العربية )

قيْدكمُ أدْمَى بسَكاكِين الجمْر يَدِي..        

أرْهقنِي ..أرْهقنِي

أسْقط أوْراق اليقطِينةِ

 كانت تكسُو جَسدِي

لكنهُ لمْ يُسقط مِن كبدِي  

 صُورة عِشقِي لبلادِي .

....

قيْدكُمُ حاصَر فيزيَاء الأشياءِ حَواليَّ

حَتى أرْخَتْ كل هُمُوم الدّنيا الليلَ عَليَّ

وبكيْتُ.. بكيْتُ..بكْيتُ دَما

لكنّ بُكائِي أبَدا مَاكان عَليَّ؛

إني أبْكي وَطنا

كنتُ أخبّؤهُ سِرّاً مَكنوناً فِي عيْنيَّ..

أخبّؤهُ بفؤادي .

....

أبْكِي زهَراتٍ ذبُلتْ في حَضرتِكمْ..

أبكِي حَبَق الدّاروقدْ صَار أسِيرًا في ظلمَتكمْ..

أبْكي سَطوتكمْ ..أبْكِي سُلطتكمْ

أبْكي هَذا الإنسان العَربيَّ البائِس يُولدُ 

مَسْجوناً فِي دوْلتكمْ..

أبْكي ذاتِي .. ومَماتِي ..

أبْكي مِيلادِي.

....

أبْكِي ضحْكتكُمْ

 فِي أقبيَةِ التعْذيب بحَضرتِكمْ

إذ تعْلو قامَتكمْ ...شاهِقة

 فوْق رمَادِي ..

لكِني أبْقى..أبْقى.. أنقى مِن سَطوتِكمْ

فلأني مَاخنتُ عَصافيرَ بلادِي.

....

يَامَن ألقيْتمْ سُحُبَ الشْوكِ

عَلى وجْهِ بلادِي..

يَرْتجُّ صُراخِي كالطفل يَتيماً  فأنادِي..

وأنادِي ...وأنادِي ...

وبكلّ صَقِيع فؤادِي        

وبكلّ جَحِيم عِنادِي...

وأنادِي....

إني لسْتُ دمَاراً فِي دوْلتِكمْ ..

 لسْتُ تراباً في قسْوتِكمْ ..

إني إنسَانْ.

آدَمُ أكبَرُ أجْدادِي .

.....

إني إنسَانْ..

جسَدِي مَحْضُ خريفٍ

قلبي تمْلؤهُ الأحْزانْ ..

وعَلى إسْفلتِ الزنزانةِ يمْشِي قدَري

مَبْحُوحاً كالظلّ وحِيدَا

ويُغني ..ويُغني ..ويُغني ..يبْحث عَن عُنوانْ ..

فِي قلبِ سَوادِ..

يَشِيحُ يَمِيناً ..ويَشِيحُ شِمَالا..

لكِنَّ هَسِيسَ الزنزانةِ يبْقى أقوَى

أقوَى..لايَهْزمُهُ غيْر ضجيج القيْدِالأعْمَى

مَجدُولاًبصُراخِ السَّجانْ ..

وعَلى الإسْفلتِ دمِي يَنزفُ مَمزوجاً بمِدادِي .

....

وفضَائِي ..وفضَائِي مَكسُورُ جناحٍ

كالظلّ هُنا .. كالإسْمنتِ..وكالبُهتانْ..

لكِني..وبرغمِ الأحْزانْ ..

تأخُذنِي شهْقة عِشقٍ فأغني..وأغني..

وأغني ..حَتى لاأهْزمَ فِي ذاتِي

معْنى الإنسَانْ .

حتى لا يَقتلنِي عُنفُ النسْيانْ .

وأغني ..وأغني.. فلأني ..أعْلمُ أني

وبدُون غِنائِي قد تهْزمُني ضحَكاتُ السَّجانْ. 

هذا قدَري بيْن طغاةِ بلادِي..

....

قدَري ..

أنْ أبْقى فِي الزنزانةِ طعْماً للدّيدَانْ..

قدَري فِي هذا الوَطن العَربيّ المَهْدورْ

أن أحْيَى أحْقرَ مِن أيّ كانْ

ولمَاذا ..ولمَاذا..؟

فلأني أرْفضُ عيْش الذلةِ..

أرْفض أن أحْيى نصْفِي إنسَانْ

والنصْف الثانِي عبْداً للسُّلطانْ.

قدَري أنْ أحْمِل فِي ذاتِي قلباً تهزمُه الأحْزانْ

فيَتيهُ شعُوري حِين أرَى طفلا بائسْ،،

وتفِيضُ دُمُوعِي لمَصِير فتىً يَائسْ..

ويَذوبُ فؤادِي.

....

آهٍ لوْ كان بقلبي قلبَانْ..

 لوْ أني حَجرٌ ..لوْأني شجَرٌ

لوْ أني بُركانْ .

لوْ أني دَاليَة فِي أقصَى مَدّ النسْيانْ ..

لوْ أني فِي هَذا الوَطن العَربيّ المَجْنونْ

مَحْضُ هَباءٍ ..

أوْ مَحْضُ رثاءٍ ..

لوْ أني مِسْمارٌ فِي أقصَى حَدّالجُدْرانْ ..

لكنْ..لكنْ ..لوْ كنتُ كمَا شِئتُ..

فهَلْ كان سَينسَانِي حَرسُ السُّلطانْ ؟؟.

...

تنهَارُ جدَاراتُ الأشيَاءِ حَوَاليَّ

ولكنْ تبْقى شامِخة بفؤادِي

صُورَة عِشقي لبلادِي .