الطود المكبل
06حزيران2009
يوسف عُبَيْد
يوسف عُبَيْد (أبو ضياء)
إنه طود ولكنه مكبل بالصخور والطير الصغير أكثر منه حيوية وأعمق حساً.
غَـنَّى على فَنَنِ الغصون يـرنـو إلـى الأفق البعيد تَخَالُهُ حـتَّـى رأى طوداً أَشَمَّ فَحَطَّ في فـاسـتعظمَ الطّير الصَّغير مهابةً فـمضَى يخاطب ذَا الجلالة شادياً يـا أيها الملكُ الذي أضحى على بـروائـع الـصَّخر الأبيِّ مُتوَّجاً والـتَّـفـتِ الآكـامُ حولكَ والرُّبا تَـزْوَرُّ أجـفـانُ الـنُّجوم بأفقها كـم جاءكَ السَّيلُ المُغِيرُ مزمجراً فـإذا دَنَـا من سفحكَ ارتدَّت على فـمـضى وقد صُدَّت فيالق جنده وتـقـاذفـتكَ العاصفاتُ وصوتُها فـوقفتَ في وجه الصَّواعق ثابتاً ويـطلُّ وجهُ الشَّمس مُؤْتَلقَ السَّنَا فـي كـلِّ يوم من خيوط ضيائهِ ويـجـيءُ فـصلٌ بالبشائر قادمٌ وتَـضـوعُ أزهار الربيع فترتوي يـمضي الزَّمان وشمسهُ وفصولُه فـتَـمـلْـمَلَ الطَّود المكبَّل قائلاً أغـراكَ مـني مُشرفات شواهقي أنـا أيُّـهـا الطِّير المغرِّدُ لم أزل ثـاوٍ كئيبٌ ما برحتُ على المدى هـا أنـتَ في جوِّ السَّماءِ محلِّقٌ مـتـنـقلاً بين الغصونِ مرفرفاً تَظْمَى فترحل لا تبيتُ على الظما وتـجـوع لا تَـبقَى كسولاً خاوياً وتـرى الشِّتاء يهزُّ عشَّكَ عاصفاً ويـلـفُّـك الـحَرُّ المبيدُ فتبتغي تـهـدي الـحـياة بكلِّ يومٍ بهجةً وتُـطِلُّ من آفاقِ عرشِكَ في العُلا وتـرى بساط الأرض أرحبَ جنةٍ والـعـشُّ بـالجهد الدؤوب تُشِيْدُهُ إنَّ الـغِـنَـاءَ الـشَّاعريَّ تُفِيضُهُ ولـرعـشةٍ من نبض قلبكَ خافقاً مُـتِّـعْتَ يا طير الخمائلِ والرُّبا أمَّـا أنـا فـكـما تراني صخرةً الأرض مـن حولي تموج سعيدةً يـعـدُو عليَّ المعولُ القاسي وَمِنْ ويغور جرحٌ في الحشا لم أستطعْ ويـدبُّ فـوقـي كـلُّ حيٍّ قادرٍ ومـن الـكهوف يروم فوقي ملجأً أنـا لست يا طير الغصون مُملَّكاً أنـا لـن أكون كما ظننتَ مُخَلَّداً تـمضي الدُّهور ولا تُفَكُّ سلاسلي | وانشداوَهَـفَا إلى الجوِّ الْمُضَمَّخِ سـهـماً إلى الهدف المرومِ مُسَدَّدَا عـلـيـا ذُرَاهُ يُريح جنباً مَجْهدا أضـحـى بها الجبلُ العظيم مُقلَّدا يُـزجـي لـه دُرَّ المديحِ مُنَضَّدَا هـذي الـبـسيطةِ بالعُلا مُتفرِّدا وعـلى السُّهول الزَّاهيات مُسَوَّدَا جـيـشـاً يـفاخر بالملِيكِ مُجَنَّدَا مـمَّـا تـراه وتـنثني لك حُسَّدَا كـالـجيش يزخر بالفيالق مُزْبِدا أُخْـرَاهُ سـابـقةُ الزُّحوف وبُدِّدا حـيـرانَ في كلِّ الدروبِ مشرَّدا يـنقضُّ قَصفاً كالصواعق مُرْعِدَا صـلـبـاً عـنيداً شامخاً متمرِّدا طَـلْـقَ الـمـحـيَّا باسماً مُتوقِّدا يـكـسـوكَ ثـوباً زَاهياً مُتجدِّدا ومـودَّعٌ قـد مـرَّ يـنتظر الغدا بـالـنـسمة النَّشْوَى يبلّلُها النَّدى تُـطْـوَى وتبقى في الزَّمان مخلَّدا يـا طـائـراً أهدى المديح وردَّدا فـحـسبتني الملكَ العظيمَ الأوْحدا مُـذْ جـئـتُ للدُّنيا كسيحاً مُقْعدا أشـكـو الملالةَ بالصُّخور مُصَفَّدا تـشـدو طليقاً كيف شئتَ مغرِّدا مَـرِحَ الجناحِ بكلِّ روضٍ مُنْشدا تَـرْتَادُ من أصفى المناهل مَوْردا تـسـعى لعيش في حياتكَ أرغدا فـتـرومُ جوَّاً دافِئَاً رَحْبَ المدى جـوَّاً تـمـوَّج بـالـنَّسائمِ أَبْرَدَا وتُـضـيءُ قـلـباً بالظَّلام تلبَّدا مـلـكـاً يتيهُ على الممالك سيِّدا طـاب المِراحُ بها وطابَ المُغْتدى يُـزري بـعرشٍ بالصَّوارم شُيِّدا لأَعـزُّ مِـنْ قـمر السَّماء إذا بَدا تَـزِنُ الجبالُ على البسيطة جَلْمدا بـمـسـارحٍ أبـهى ودنيا أسعدا صـمَّـاء أثـقلها الزَّمان وأجهدا بـالأغنيات وليس لي إلاَّ الصَّدى صخري ترى القصر العظيمَ مشيَّدا رَأْبَ الـجِراحِ ولا أَرُدُّ من اعتدى وأنـا الـمُـذَلَّلُ مهبطاً أو مُصْعدا ومـن المدارج فوق صدري مَرْقدا أنـا عبدُ قيدي قد تُرِكْتُ به سُدَى أنـا مـيـتٌ من رَمْسِهِ لن ينْهَدا وأظـلُّ مـغـلـولاً بـهِنَّ مُقيَّدا | مُصْعِدَا