الطود المكبل

يوسف عُبَيْد (أبو ضياء)

إنه طود ولكنه مكبل بالصخور والطير الصغير أكثر منه حيوية وأعمق حساً.

غَـنَّى  على فَنَنِ الغصون iiوانشدا
يـرنـو  إلـى الأفق البعيد iiتَخَالُهُ
حـتَّـى  رأى طوداً أَشَمَّ فَحَطَّ iiفي
فـاسـتعظمَ  الطّير الصَّغير مهابةً
فـمضَى  يخاطب ذَا الجلالة شادياً
يـا  أيها الملكُ الذي أضحى iiعلى
بـروائـع الـصَّخر الأبيِّ iiمُتوَّجاً
والـتَّـفـتِ الآكـامُ حولكَ والرُّبا
تَـزْوَرُّ  أجـفـانُ الـنُّجوم iiبأفقها
كـم  جاءكَ السَّيلُ المُغِيرُ iiمزمجراً
فـإذا دَنَـا من سفحكَ ارتدَّت على
فـمـضى  وقد صُدَّت فيالق iiجنده
وتـقـاذفـتكَ العاصفاتُ iiوصوتُها
فـوقفتَ  في وجه الصَّواعق iiثابتاً
ويـطلُّ  وجهُ الشَّمس مُؤْتَلقَ السَّنَا
فـي  كـلِّ يوم من خيوط iiضيائهِ
ويـجـيءُ  فـصلٌ بالبشائر iiقادمٌ
وتَـضـوعُ أزهار الربيع فترتوي
يـمضي  الزَّمان وشمسهُ iiوفصولُه
فـتَـمـلْـمَلَ الطَّود المكبَّل iiقائلاً
أغـراكَ مـني مُشرفات iiشواهقي
أنـا أيُّـهـا الطِّير المغرِّدُ لم iiأزل
ثـاوٍ  كئيبٌ ما برحتُ على iiالمدى
هـا  أنـتَ في جوِّ السَّماءِ iiمحلِّقٌ
مـتـنـقلاً  بين الغصونِ iiمرفرفاً
تَظْمَى  فترحل لا تبيتُ على iiالظما
وتـجـوع لا تَـبقَى كسولاً iiخاوياً
وتـرى  الشِّتاء يهزُّ عشَّكَ iiعاصفاً
ويـلـفُّـك  الـحَرُّ المبيدُ iiفتبتغي
تـهـدي الـحـياة بكلِّ يومٍ بهجةً
وتُـطِلُّ من آفاقِ عرشِكَ في iiالعُلا
وتـرى بساط الأرض أرحبَ iiجنةٍ
والـعـشُّ بـالجهد الدؤوب تُشِيْدُهُ
إنَّ الـغِـنَـاءَ الـشَّاعريَّ iiتُفِيضُهُ
ولـرعـشةٍ  من نبض قلبكَ iiخافقاً
مُـتِّـعْتَ  يا طير الخمائلِ iiوالرُّبا
أمَّـا  أنـا فـكـما تراني iiصخرةً
الأرض  مـن حولي تموج iiسعيدةً
يـعـدُو عليَّ المعولُ القاسي iiوَمِنْ
ويغور  جرحٌ في الحشا لم iiأستطعْ
ويـدبُّ  فـوقـي كـلُّ حيٍّ iiقادرٍ
ومـن الـكهوف يروم فوقي iiملجأً
أنـا  لست يا طير الغصون iiمُملَّكاً
أنـا  لـن أكون كما ظننتَ iiمُخَلَّداً
تـمضي الدُّهور ولا تُفَكُّ iiسلاسلي












































وَهَـفَا  إلى الجوِّ الْمُضَمَّخِ iiمُصْعِدَا
سـهـماً إلى الهدف المرومِ iiمُسَدَّدَا
عـلـيـا  ذُرَاهُ يُريح جنباً iiمَجْهدا
أضـحـى بها الجبلُ العظيم iiمُقلَّدا
يُـزجـي  لـه دُرَّ المديحِ iiمُنَضَّدَا
هـذي  الـبـسيطةِ بالعُلا iiمُتفرِّدا
وعـلى  السُّهول الزَّاهيات iiمُسَوَّدَا
جـيـشـاً يـفاخر بالملِيكِ iiمُجَنَّدَا
مـمَّـا  تـراه وتـنثني لك iiحُسَّدَا
كـالـجيش  يزخر بالفيالق iiمُزْبِدا
أُخْـرَاهُ  سـابـقةُ الزُّحوف iiوبُدِّدا
حـيـرانَ في كلِّ الدروبِ iiمشرَّدا
يـنقضُّ  قَصفاً كالصواعق iiمُرْعِدَا
صـلـبـاً  عـنيداً شامخاً متمرِّدا
طَـلْـقَ الـمـحـيَّا باسماً iiمُتوقِّدا
يـكـسـوكَ  ثـوباً زَاهياً مُتجدِّدا
ومـودَّعٌ  قـد مـرَّ يـنتظر الغدا
بـالـنـسمة النَّشْوَى يبلّلُها iiالنَّدى
تُـطْـوَى وتبقى في الزَّمان iiمخلَّدا
يـا طـائـراً أهدى المديح iiوردَّدا
فـحـسبتني الملكَ العظيمَ iiالأوْحدا
مُـذْ  جـئـتُ للدُّنيا كسيحاً iiمُقْعدا
أشـكـو الملالةَ بالصُّخور iiمُصَفَّدا
تـشـدو  طليقاً كيف شئتَ iiمغرِّدا
مَـرِحَ  الجناحِ بكلِّ روضٍ iiمُنْشدا
تَـرْتَادُ  من أصفى المناهل iiمَوْردا
تـسـعى  لعيش في حياتكَ iiأرغدا
فـتـرومُ  جوَّاً دافِئَاً رَحْبَ iiالمدى
جـوَّاً تـمـوَّج بـالـنَّسائمِ iiأَبْرَدَا
وتُـضـيءُ  قـلـباً بالظَّلام iiتلبَّدا
مـلـكـاً  يتيهُ على الممالك iiسيِّدا
طـاب المِراحُ بها وطابَ iiالمُغْتدى
يُـزري  بـعرشٍ بالصَّوارم iiشُيِّدا
لأَعـزُّ مِـنْ قـمر السَّماء إذا iiبَدا
تَـزِنُ الجبالُ على البسيطة iiجَلْمدا
بـمـسـارحٍ  أبـهى ودنيا أسعدا
صـمَّـاء  أثـقلها الزَّمان iiوأجهدا
بـالأغنيات  وليس لي إلاَّ iiالصَّدى
صخري ترى القصر العظيمَ مشيَّدا
رَأْبَ الـجِراحِ ولا أَرُدُّ من iiاعتدى
وأنـا الـمُـذَلَّلُ مهبطاً أو iiمُصْعدا
ومـن المدارج فوق صدري مَرْقدا
أنـا  عبدُ قيدي قد تُرِكْتُ به iiسُدَى
أنـا  مـيـتٌ من رَمْسِهِ لن iiينْهَدا
وأظـلُّ  مـغـلـولاً بـهِنَّ iiمُقيَّدا