أعوام رعود و ريح
صلاح أحمد عليوة
مصر/ هونج كونج
" لا ينظرون وراءهم ليودِّعوا منفى , فإنَّ أمامهم منفى"
محمود درويش
حزننا واحدٌ
في نشيجِ الصدى
و بكاءِ الكمانْ
سوف تُربكنا في الأناشيدِ
أسماؤنا
تنزوي ملءَ أقمارِ صيفٍ
مشردة في حنينِ القرى ..
ملءَ نهرٍ بلا وجهةٍ
و خريفٍ تشققهُ عشبتانْ
هاك موطُننا
و لنا وهجُهُ
في قلائدِ أسلافنا
و لنا ما تيتَّمَ من زهرهِ
و فراشاتهِ ..
فلتقدنا لبهوِ متاحفهِ يا دليلُ
و بيّنْ لنا كيف كانَ المكانُ هنا
كيف كنا هنا
قبل موتِ اللغاتِ
و كيف نُزعنا
من الضوءِ و الماءِ
كي نترقرقَ نهرَ حنينٍ
يهوّمُ في عتماتِ الزمانْ
سوف نبقى هنا
رغم غيبتنا ...
بعد ألفي هلالٍ كسيرٍ
و أعوامِ برقٍ و ريحٍ
و ستين حرباً
و بعد صخورِ المعابرِ ..
بعد طلوعِ النهارِ
على فوهاتِ بنادقِ أعدائنا ...
و المرورِ إلى شرفاتٍ
على عجلٍ تتطايرُ عنها
طيورُ الأمانْ
سوف توجعنا الذكرياتُ ..
و نأسى لزيتونةٍ
يستظلُ بها غيرُنا
و نسيمٍ ترقرقَ نحو رئاتِ الغزاةِ
لأمكنةٍ رممتها الأساطيرُ ....
حطتْ عليها طيورٌ مُحنطةٌ
من تراتيل غاربةٍ
كي يعودَ الزمانُ لأصحابِ كهفٍ
أتوا عنوةً من شقوقِ الزمانْ
أي نهرٍ من الموتِ يتبعنا
قد صحونا
على وقعِ أقدامِ أعدائنا
و لغاتٍ مُهرّبةٍ
من قبورِ التواريخِ تتبعنا
و صراخِ قياصرةٍ
يحسمون معاركَهم ..
و تواريخ أوديةٍ
تتقدسُ في لحظةٍ
حين تلمسها ألفُ جمجمةٍ
نسبتها الأساطيرُ للمِعْمِدانْ
أي حقلٍ من الريحِ يذكرنا
بعد موتِ المسافاتِ فينا
و بعد الرحيلِ مراراً
إلى وطنٍ راحلٍ
بعد مولدِ أطفالنا
في هواءِ الحدودِ
و بعد إقامتنا
في ارتحالِ العناوينِ ..
بعد أعاصير ليلِ الخيامِ ..
أيألفنا دفءُ بيتٍ
وأقدامنا عبرت كالصدى
و ينابيعُ أعمارنا
شربتها المتاهاتُ
كنا هنا .. و هنا
و المساءُ الذي سوف يأتي غدا
لن يجدنا
فليس سوى أمنياتٍ مهشمةٍ
أو ظلالٍ لطائرةٍ أو حصانْ
أي قاضٍ سيحصي مواريثنا
أو يمرُ بكفٍ مواسيةٍ
فوق أسمائنا
أو يساءلُ أشجارنا
و مواسمَ أمطارنا
و رنينَ مطارقنا في الجدارِ
ليثبتَ أنا أقمنا هنا ..
أن أقوالنا
طوَّقت موقداً في الشتاءِ
و أن حكاياتِ أجدادنا
تترائى لنا من شقوقِ الهواءِ
و أن ملامحَنا – وحدها –
هي روحُ المكانْ
من سيكتبُ قصتنا
من سيجمعُ أشلاءنا
بعد شاعرنا
و يقول لنا : إن بردَ الظلالِ
و سروَ التلالِ
سيعرفنا إن أتينا هنا
سائحينَ
ونلقي سلامَ الغريبِ
على غرباء أتوا
تحتَ أعيننا
و أمامَ ضحى سافرٍ
زيفوا عُملاتِ الرِهانْ

