إليه في غربته

يحيى بشير حاج يحيى

شعر: يحيى بشير حاج يحيى

مقدمة للقصيدة

نختلف مع سليمان العيسى في أمور, ونتفق معه في أمور، نتفق بأن الحرية ذبحت ودفنت وما زال شعارها مرفوعاً?! وبأن الانفصال الذي وأد الوحدة صار مكرساً بفعل ثوري وبشكل قطري حاد, وأن الاشتراكية أصبحت كمزارع البيوت البلاستيكية يستنبت فيهـا كـل مغمـوز وطفيلي كان هرة عجفاء فأصبح في مسيرة النضال الكذوب من القطط السمان?!

لسليمان العيسى ذكرى في النفس عمرها ثلاثون عاماً: موطنها دمشق, وزمنها في أوائل السبعينيات من القرن العشرين, فقد أبى الرجل أن يجمل وزر غيره, حين وقف أمام المتقدمين لمسابقة المدرسين - وكان يرأس إحدى اللجان - ليقول بصوت مرتفع: يا شباب! كلكم ناجحون عندي, ولكن التقرير السياسي هو الذي يحدد القبول?! ومع التقرير السياسي -أيها الشاعر الكبير- شرط آخر هو الانتماء المناطقي والولاء السلطوي فإليك في غربتيك هذه القصيدة, وأنت في بلاد اليمن السعيد.

إليه في غربته

 (1)

رمتكَ الليالي في غربتينْ

وسافرتَ!

لكن إلامَ? وأينْ?

وخلّفْتَ دارك بعد المشيبْ

فما التاع قلبٌ

ولم تبك عينْ.

(2)

تهاوتْ أعاصيرُ هذا الزمانْ (1)

لتبقى السلاسلُ في عنفوانْ

وتعلو سياطُ الأذى والهوانْ

فكم كربلاء سَفَتْها الرياحْ

وكم من دمٍ

كدماءِ الحسينْ

(3)

 فماذا جنى ثائرٌ من غفارْ?! (2)

لقد أرهقوه بخبز الصَّغارْ

وقد طوَّقته زيوفُ "الضرارْ"

فراح يفتش عن "ربذة"

وحيداً

فعاد خَلِيَّ اليدينْ

(4)

إزارُ العروبة دامي الجراحْ(3)

لأن العقيدةَ نهبٌ مباحْ

لكم عانتا من دعيّ وقاحْ

يفرقُ ما بين هُدْبٍ وعَينْ

(5)

أفي أرض بلقيس طاب المقامْ?

فعرش المليكة حلَّ الشآمْ?

سلامٌ عليكم حماة الديارْ

"حماةَ الديار عليكم سلامْ"

فلا تكشفوا الساق في لجةٍ

فلم نكشف الساق في لجتين

"فعرش الشموس حمى لا يضامْ"

وحبٌّ الشآم وفاءٌ ودينْ

(6)

أمثلكَ يجهلُ دربَ الفلاحْ?!

وكيف?!!

وما الليلُ مثلُ الصباحْ

فأقبلْ....

لدينا صدورٌ فساحْ

حبيباً تكونُ.

ونعم الحبيبْ

وفي القلب مأواهُ والمقلتينْ

 

*الضرار: مسجد بناه المنافقون للصد عن سبيل الله, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحرقه.

* الربذة: اشتهرت كحمى لإبل الصدقة, ارتبط اسمها باسم الصحابي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

الهوامش

(1) إشارة إلى ديوانه "أعاصير في السلاسل".

(2) إشارة إلى ديوانه "ثائر من غفار".

(3) إشارة إلى مسرحيته الشعرية "الإزار الجريح".