المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية

د. محمد علي الأحمد

نـدوة فكريـة

د. محمد علي الأحمد

جاءت هذه الندوة استجابة لمطلبات المرحلة الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية خصيصاً ، والعالم الإسلامي بشكل عام، ومواكبة من مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية للمستجدات والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية عموماً وسورية على وجه التحديد ، بعد تكشف النوايا الحقيقية لإيران الصفوية المجوسية بمشروعها التوسعي للهيمنة على العالم الإسلامي وتشييعه بالكامل ، ولكن على مراحل وبالاعتماد على سياسة القضم التدريجي ، والسعي لإعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية ، ولكن بايديولوجية وشعارات وملامح جديدة هي المذهبية الشيعية ، على أسس صفوية ، وبزعامة الآيات واللحى والعمائم السوداء التي تخبئ في داخلها قلوباً سوداء حاقدة على الإسلام وأهله ، ولذلك تسعر إيران نار الطائفية البغيضة ، وتتخذها واجهة لتحركاتها ومنهجاً لتصرفاتها تجاه كل ما عربي وإسلامي، وقد ظهر زيف اداعاءاتها بنصرة قضايا الأمة والتقارب مع جيرانها من العرب والمسلمين ، وذلك بدعمها المطلق وبكل إمكاناتها للنظام النصيري الطائفي في سورية ، بل وأصبح هذا الدعم بعد انطلاق الثورة السورية المباركة تدخلا ًعسكرياً مباشراً واحتلالا ً لسورية ، كي تبقي على ربيبها بشار وعلى نظامه الطائفي ، وهي أي إيران كما يقول د. بسام الضويحي المدير العام لمركز أمية في تقديمه لكتاب المشروع الإيراني : تلتقي إيران الصفوية مع المشروع الصهيوني الإسرائيلي في الأهداف والغايات ، وفي وسائل العمل للوصول إلى مبتغاها ، بل وتتفوق على الصهاينة في تهديدها للأمة العربية الإسلامية ، فالمشروع  الصهيوني لا خوف منه ، لأنه مكشوف يهدد المسجد الأقصى عنوان شرف الأمة وركن مقدساتها ، ولذلك تتجه  ملايين المسلمين في عصرنا للتصدي له ، أما المشروع الإيراني فخطره كبير جداً على الأمة ، لأنه مبطن ومُـقـَنّع بأقنعة ثخينة من الزيف والوطنية الدينية الخادعة ، ولأنه يتهدد الأمة العربية والإسلامية في الهوية والوجود، وفي العقيدة والقيم، وفي الحاضر والمستقبل ، وأمة الإسلام غير منتبهة له ، وبل والكثيرون من أبنائها ما زالوا مخدوعين بالإيرانيين لرفعهم شعارات الخداع والدجل بنصرة المقدسات وتحريرها .

لهذا كله وإدراكاً من مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية لشدة خطر المشروع الإيراني على المنطقة العربية وعلى العالم الإسلامي بشكل عام ، فقد بادر لدعوة نخبة من المفكرين والباحثين والعلماء والمتخصصين من العديد من بلدان العالم العربي والإسلامي ، ومن مدارس فكرية متنوعة من عرب كرد ونرك ومن سنة وشيعة ، لعقد ندوة فكرية يتدارسوا فيها أبعاد خطرالمشروع الإيراني من جوانبه الثقافية والعقائدية والقيمية والديموغرافية والسياسية والاقتصادية ومن كافة الجوانب والنواحي الأخرى، ويناقشوا بطريقة علمية وبحثية موضوعية وبعيدة عن العواطف والارتجال ، وقد انعقدت الندوة في مصر الكنانة ، وفي القاهرة تحديداً ، بعد استكمال هؤلاء الباحثين لأوراقهم البحثية ، وذلك بتاريخ 14/10/2013 م ، وتوزعت جلسات المؤتمرعلى مدار أربعة أيام ، ونوقشت فيها كافة الأوراق والأبحاث المقدمة ، ودارت حوارات معمقة وتبادل للرأي حول تلك الأوراق بشفافية وموضوعية ، وخلصت للعديد من التوصيات ، التي تعد وثيقة هامة للغاية ، تعالج المشروع الإيراني وتضع برنانج عمل لمواجهته من قبل صانعي القرار والحكومات ، ومن الفعاليات الشعبية في أقطار الأمة ، وقد بادر مركز أمية بطباعة الأبحاث المعروضة بهذا الكتاب الذي نضعه بين يدي المتابع لإصدارات مركز أمية ، لتعميم الفائدة وللتحفيز على الإطلاع على حقيقة المشروع الإيراني ، وليسهم كل الغيارى من العرب والمسلمين المحبين لأمتهم ، والحريصين على كرامتها وهويتها ومستقبلها ، في مواجهة هذا الخطر الحقيقي المهدد للأمة العربية والإسلامية والمداهم لها في حصونها ، إذ باتت هذه الحصون مخترقة بفعل العدوان الإيراني المجوسي الصفوي عليها .

وقد صدر الكتاب بطبعته الأولى عن مركز أمية في منتصف عام 2013م / 1434هـ ، وتولت دار عمار ببيروت وعمّان مهمة نشره وتوزيعه ، وقد نفدت وبحمد الله الطبعة الأولى للإقبال الكبير على اقتنائه وقراءته ، ولذلك يعكف مركز أمية على طبعه طبعة ثانية منقحة  وبحلة وثوب جديدين .

الكتاب يضم سبعة عشر بحثا ً لباحثين متخصصين وأكادميين وعلماء وخبراء عدا المقدمة والخاتمة التي تضمنت توصيات ورشة العمل هذه ، وقد بلغت أكثر من عشرة توصيات مهمة جدا ً جدا ً ، وتشير بالبنان إلى موطن الداء ، وإلى الآليات والوسائل والأساليب الناجعة في مواجهة المشروع الإيراني الصفوي وخطره على البلاد العربية والإسلامية ، وفي التصدي له والرد عليه .   

أما أبحاث المؤتمر فقد تعددت وتشعبت في تناولها المشروع الإيراني وخطره ، عرض الباحث صباح الموسوي مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة العربية ، وعرض الباحث غازي التوبة المرتكزات الديموغرافية والاجتماعية والثقافية في المشروع الإيراني ، كما عرض الباحث عبد الحافظ الصاوي المرتكزات الاقتصادية للمشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية، وتحدث الباحث أحمد حقي عن طبيعة وأشكال التحالف والتعاون عبر العصورالمختلفة بين إيران والغرب ، وتكلم الباحث علي حسين باكيرعن إيران والتنافس الشرق أوسطي ، التقاء وتصادم المشاريع ( تركيا وإسرائيل نموذجاً ) ،  وتحدث الباحث علي الأمين عن تجليات المشروع الإيراني في لبنان "جثث الدول لاتبني جبال المجد" ، كما تحدث الباحث ناصر الفضالة عن الدور الإيراني في أزمة البحرين ، ثم تناول الباحث فادي شامية المشروع الإيراني في ضوء الثورات العربية ـ الثوابت والمتغيرات - حالة : تونس ، ليبيا ، اليمن ، مصر ، سوريا ، وناقش الباحث محمد سعيد إدريس موقف إيران من الثورة المصرية ، تفاعلات التحدي والاستجابة ، كما ناقش الباحث ناصر محمد الطويل موقف إيران من الثورة اليمنية ، وفي الموضوع اليمني أيضاً عرض الباحث عبد الحميد النهمي المشروع الإيراني في اليمن وملامحه وخطورته ، أما  الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي فعالجت في بحثها علاقة إيران بحركات المقاومة في المنطقة في ظل الثورات العربية ، وقدمت دراسة لحالات : حماس ، الجهاد الإسلامي في فلسطين ، وحزب الله في لبنان ، وتناول الباحث إبراهيم الديب مرتكزات المشروع الإيراني في المنطقة (القائم على أسس صفوية ) ، كما تناول الباحث عادل علي عبدالله تجليات المشروع الإيراني في منطقة الخليج العربي ...مصدّات مذهبية على تصدعات سياسية ، وناقش  عزام التميمي دور الإعلام في مواجهة المشروع الإيراني ، وعالج الباحث محمد الراشد مشروع إيران الدولة والشيعة والطائفة ، رؤية استراتيجية للتعامل مع المشروع الإيراني ، وورد في بحث الراشد آراد ووجهات نظر جديرة بالقراءة والتأمل ، لكشفها عن الواقع الداخلي لنظام الشيعة في طهران وعن تشيلاتهم في العالم ، وعن أساليب عملهم وتكوينهم الهيكلي ، وقد ورد ذلك على شكل أسئلة وأجوبة مثل : هل إيران دولة إسلامية ؟  و : سيطرة التيار الديني المتشدد على السلطة ومفاصل الدولة في إيران ،  و: هل إيران دولة إقليمية أم مشروع قوة عظمى في المنطقة ؟ وعناوين أخرى جديرة بالقراءة والمتابعة ، لما تحتوي من أفكار وآراء هي في غاية الأهمية عن الوضع الداخلي الإيراني ، والتي تعد صندوقاً أسود مقفلاً يجهلها الغالبية العظمى  من العرب والمسلمين ، وهم بحاجة ماسة للإطلاع عليها معرفتها .

وختم الكتاب بعرض لأهم التوصيات التي خلصت إليها جلسات المؤتمر وأبحاثه ، وهي بدورها تستحق القراءة والمتابعة ، لأن خلاصات هذه الندوة العلمية وخارطة طريق للمستقبل لأبناء الأمة في التعامل مع المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية .