قبل فوات الأوان

المقدمة

أولاً: الكاتبة:

صاحبة هذه المجموعة القصصية الأديبة نازك الطنطاوي، وهذه المجموعة هي أول كتاب لها، والقصص هذه هي بعض ما نشر لها في عدد من الصحف العربية.

والكاتبة متعددة الجوانب، والمواهب، فهي تكتب الأقصوصة، وتكتب السيناريو، وتكتب للأطفال، وتكتب أبحاثاً اجتماعية،  وموضوعات قرآنية، وهي مبعثرة هنا وهناك وهنالك، من صحف الصغار وصحف الكبار، ولعل مسلسل (قصص الحيوان في القرآن) الذي نُشر في مجلة (الرواد) للفتيان والفتيات منذ سنوات، من أجمل ما كتبت صاحبة هذه المجموعة.

ونازك سيّدة وربة منزل، ولها ستة أولاد، ولكن بيتها وزوجها وأولادها والتزاماتها الأسرية والاجتماعية كل ذلك لا يعوقها عن الكتابة، كما لا يعوقها عن العزف على الكمبيوتر الذي تجيده هي وأفراد أسرتها، حتى الصغير منهم، ذلك الذي لم يتجاوز عامه التاسع.

ونازك هي الثانية بعد أختها الكبرى غرناطة، كاتبة الأقصوصة والسيناريو.. وهي مع أختيها: الكبرى (غرناطة) والصغرى (عبير) في سباق متواصل في التحصيل الأدبي والعلمي، ولكنهنَّ يغلب عليهن الحياء الذي فطرت عليه أسرة الطنطاوي، ولعل أخاهنَّ المهندس المعماري المبدع في مجال تخصصه وفي رسومه عامة، والكاريكاتيرية خاصة – أقول: لعل أخاهنّ أسامة هذا في مثل حيائهنَّ، الحياء الذي يمنعهن من اقتحام معامل الصحافة و(شُللها) التي تحبط وتقمع، وتقدّم الغثَّ وتحجب أصحاب الكفايات الأدبية.

بقي أن تعرف أن للكاتبة أخاً كاتباً في مجال تخصصه العلمي (الهندسة الزراعية) وهو محمد حمزة وأختاً ثالثة تعيش في ألمانيا هي (براءة) التي تغلب عليها البراءة، كما أنَّ لها أخاً شهيداً حياً اعتقلته عصابة من الرعاة والأوباش صبيحة اليوم الذي كان سيتخرج فيه طبيباً للأسنان.. إنه الدكتور محمود – رحمه الله حياً وميتاً – إذ لا تعرف عنه شيئاً منذ اعتقلوه منذ خمسة عشر سنة، في (البوابة الشرقية).

وزوج الكاتبة هو الإعلامي والكاتب الصحفي المعروف عبد الكريم حمودي، وهو من أكبر المشجعين لزوجته وأطفاله ليكونوا مبدعين في أدب الأطفال وفي التعرف على الكمبيوتر، ليكونوا السبّاقين في مصادقة هذا المعطى الحضاري الهائل.

ثانياً: الكتاب:

تتكون هذه المجموعة من سبع عشرة أقصوصة تسير في محورين اثنين: المحور الجهادي والمحور الاجتماعي.

* أما المحور الجهادي: فتتحدث فيه عن جهاد أطفالنا الأبطال في فلسطين الحبيبة، ومَنْ مِنْ أبناء هذه الأمة، بل ومَنْ مِنْ أبناء هذا العصر، لا يعرف مقام ويقوم به أولئك الأشبال الذين ولدوا في أتون المحنة، حيث الفقر والقهر، وحيث الجوع والعُري والمرض، ونشؤوا وترعرعوا في أحضان دافئة بوهج الإيمان، وساروا في دروب متربة مزروعة بالأشواك، محفوفة بالقنابل والمستوطنين والقاذورات.. مات من مات منهم جوعاً ومرضاً وصبراً، وحمل عبء الجهاد من نجى منهم من براثن سياسة التفقير والتجهيل والتمريض، بالتصدي لها، وبالتحدي الذي لا يحسب للموت حساباً، تملؤهم الرغبة في الجهاد والاستشهاد.. في مناضلة العدو المغتصب المحتل، حتى النصر أو الموت بين فكيّ أفَّاقٍ وَفَدَ من المجهول، كالإيدز أو الطاعون.

رصدت الكاتبة ما يجري على أرض فلسطين، فكتبت الأقصوصة والسيناريو والمقال، رصدت في إخلاص، وكتبت بحماسة الشباب، وبقلم الفنان المبدع، وأنت تقرأ هذا في قصتها (أموت ولا أسكت)، و (هل حان وقت الآذان يا جدي؟)، و(قبل فوات الأوان)، و(سقط شهيداً)، و(فلتشهد يا شجر الزيتون).

وهنا نرى المرأة العجوز، والفتاة الشابة، والأم والأب، والجد والجدة، والأخ والأخت.. كل أولئك يشاركون أطفال الحجارة الأبطال، في ثورتهم التي ما يزال وميض نيرانها يتلامع تحت الرماد، منتظراً الفرصة السانحة، ليحرق أخضر العدو ويابسه، ويستأصله من جذوره، برغم كل المؤامرات والمتآمرين على القضية من داخل البيت ومن خارجه..

تقرأ هذا في أقاصيصها الطريفة هنا، وفي ما نشرت من قصص وسيناريوهات للأطفال في صحافة الأطفال.

* أما المحور الاجتماعي: فيكاد يتخصص هنا بشؤون الأسرة ومشكلاتها التي تعصف بالأولاد، وبعشّ الزوجية.

من هذه القضايا التي تتناولها هذه المجموعة، قضية الأمهات الموظفات، اللواتي يتركن أولادهنّ للخادمات، وكثير من الخادمات شريرات عابثات، وحتى الصالحات منهن لا يستطعن تعويض الأطفال عن حنان الأمهات، فكيف إذا كنَّ ما نرى ونسمع عنهنّ في البيوت المنكوبة بهنّ؟! إنها تلامس مشكلة عمل المرأة بذكاء، وبعاطفة جيّاشة في أقصوصتها: (ضياع).

وتعالج مشكلة المرأة أو الفتاة التي تتطلع إلى حياة البزخ والرفاه المجنون، ولو على حساب حياتها الشخصية، وعلى حساب شبابها ودينها وأخلاقها.. تعالج هذه المشكلة من خلال المفارقة بين الأخت الشّرهة والأخت القنوع: (بين طريقين)، كما تعالج مثل هذه المشكلة في قصة أخرى: (أمنيات).

وتعالج أزمة العلاقة بين الزوج والأحماء، الكنة والحماية في أقصوصتها: (فؤاد وغادة) هذه المشكلة المستعصية نتيجة الجهل والغباء والغيرة الفاسدة المفسدة.

وتعالج قضية بعض الأزواج غير الأوفياء لزوجاتهم، كما في: (حين عاد كمال خرجت منال).. الزوجة الذي غدر بزوجته التي ضحت بدراستها ومستقبلها من أجله، ولم يرع للوفاء إلَّاً ولا ذمة.

وفي قصتها: (بعد الانتظار) طرافة إيمانية.. الزوجان لا ينجبان، مع أن الفحوص الطبية تقول إنهما سليمان، وليس لدى أيّ منهما ما يمنع الإنجاب.. وبعد سنوات من التسليم المطلق لله، وبعد دعوات صالحات، يأذن الله بالإنجاب.

وهكذا تتوالى أقاصيص المجموعة، تعالج مثل هذه القضايا الأسرية، بأسلوب عربي فصيح، وبلغة سليمة، ليس فيها من العجمة أو اللكنة أو الخطأ شيء، مما يدلُّ على تمكن الكاتبة من لغة القرآن.. وليس هذا بعجيب على من تجعل القرآن مؤنسها في ليلها ونهارها.

والكاتبة كانت تبتعد عن المباشرة، وتلجأ إلى الموقف وإلى الحادثة، لتنقل إلى قارئها ما تريد أن تبثّه إياه من الأفكار والمعاني، على أجنحة شفيفة رقيقية من العواطف الثرّة..

إني لأشدّ على يديك يا ابنتي، فإلى الإمام وإلى مزيد من العطاء..

وسوم: العدد 652