تعريف بكتاب "داعي الرشاد لسبيل الاتحاد والانقياد" للصيادي

هذا كتابٌ مِنْ كتب الشيخ أبي الهدى الصيّادي (1266 - 1327هـ)[2] يُبيِّنُ آراءه السياسية، ألَّفه داعيًا فيه لوحدة المسلمين وانقيادهم للسلطان عبدالحميد الثاني، وقد ذكر هذا في مقدمته فقال: "وجبَ حينئذٍ على كل مسلمٍ سليمِ القلب، عارٍ من الفساد أنْ يجتهدَ بمساعدتهِ (أي مساعدة السلطان عبدالحميد الثاني) في هذا الجهادِ حقَّ الاجتهاد، وإنَّ الاجتهاد من كلٍّ على حسب الحال، فمنهم بمالٍ، ومنهم بنفسٍ، ومنهم بمقالٍ، وإنَّ اللهَ لا يضيع مثقال ذرةٍ، وهو العليمُ بحقائق الأحوال".

وعبَّرَ بعد هذا عن نفسهِ ودافعهِ فقال: "وإني بحسبِ ضعفِ الوجود، وقلةِ القدرة لتجهيزِ الغُزاة والجنود، أردتُ أن ألتزم المساعدة، لأُحْسَب من المُمتثلين لأمر الله، والمُنقادين لطاعةِ خليفةِ رسول الله، فتوكلتُ على الله... وجمعتُ ببيانِ الاتّحادِ والانقيادِ لأمرِ اللهِ هذه الرسالةَ وسميتُها:

داعي الرشاد لسبيل الاتّحاد والانقياد"[3].

***

العنوان:

سُمِّيَ في "الذيل الجميل" لمحمد بن عمر الحريري[4]، وفي ترجمةِ المؤلِّف في آخر ديوانهِ "الدُّر المُنتظم": "داعي الإرشاد في طريق الاتّحاد".

وسُمِّي في آخرِ كتابهِ "النفحات المحمدية": "داعي الرشاد في طريق الاتّحاد"[5].

وسُمِّي في ترجمتهِ في آخرِ كتابيهِ "قلادة الجواهر" و"نور الإنصاف": "داعي الرشاد إلى سبيل الاتّحاد"[6].

وسُمِّي في كتاب "الفرقان" -وهو سيرة ذاتية للمؤلف-: "طريق الإرشاد في طريق الاتحاد"[7].

وهذا كله غير ما جاء في المطبوع.

***

تاريخ التأليف:

لم يُذْكر تاريخُ التأليف، لكنْ يُستفاد مِنْ مضمونه أنه ألَّفه بعد اتصالهِ بالسُّلطان عبدالحميد الثاني الذي كان سنة (1294هـ)[8].

وقد أوردَ فيه قصيدةً له مطلعُها:

هذا كتابٌ منزلٌ وزبورُ     فيه طروسُ إشارةٍ وسطورُ

بصيغة: (أقولُ)[9].

وهذه القصيدة وردتْ في ديوانهِ " الفيض المُحمدي" المطبوع سنة (1298هـ) بصيغة: (قالَ)، فعُلِمَ مِنْ هذا أنه ألّفه قبل هذه السنة.

ومن المقطوع به أنه ألَّفه قبل دخول القرن الرابع عشر، إذ يقولُ فيه: "إنَّ الإمامَ معذور، والأمر جار بأسلوبٍ حسنٍ يلزمُهُ الاتحادُ والانقيادُ في كل الأمور، لاسيما في هذه الأوقاتِ المهمةِ التي هي أصعبُ ممّا مرَّ مِنَ الأوقات في هذا القرن على هذه الأمة"[10] - يعني القرنَ الثالث عشر -.

ومن المُرجَّحِ أن التأليف كان سنة (1294هـ)، ففيه إشارة إلى وجود مجلس المبعوثان آنذاك، وذلك في قوله أن السلطان "صرف جهده -أعزه الله- لراحة رعيته، بأخذ آرائهم في إصلاح أحوالهم، وعمران أوطانهم، وانتدب لجمعهم من النواحي والأقطار، مهتمًا غاية الاهتمام لاستحصال رفاهيتهم، وعلو شأنهم"[11].

وكان تعطيل مجلس المبعوثان في (7) من ذي الحجة سنة (1294هـ).

***

طبعه:

طُبِعَ هذا الكتاب في المطبعة السلطانية في إسطنبول، وجاء في (52) صفحة من القطع الصغير، ولم تُذكرْ سنةُ الطبع، لكن من المتوقع أنها في سنة التأليف نفسها، وكان السلطان عبدالحميد حديثَ الجلوس على العرش (جلس سنة 1293هـ)، وكان بحاجةٍ إلى التأييد والمُساندة.

***

ظروف التأليف:

أُلِّفَ هذا الكتابُ لظروفٍ شديدةٍ مرَّتْ بها الدولةُ العثمانيةُ، وهذه الظروفُ هي التي ميَّزتْ بين الأفكار والآراء الكثيرة، وكان موقفُ الصيّادي منها ما عبَّرَ عنه بقوله: "صار فرضًا واجبًا على كل مسلمٍ أنْ يجاهدَ بالنفس والمال، ولزمَ على كلٍّ الاجتهادُ لمحافظةِ شرفِ الخلافةِ العُظمى[12]، والإمامةِ الكبرى؛ إذْ هي في الحقيقة منقبةُ بقاءِ اسم هذا الدين، ونميقةُ مرسومِ وجودِ شرفِ الإسلام والمسلمين؛ حيثُ إنَّ مقام الخلافة الشريفة جامعٌ لأنواعِ المزايا المُوحبةِ للانقياد والاتّحاد:

كخدمةِ الأعتابِ المُحمَّدية.

وحراسةِ بيتِ الله الملكِ الجوادِ.

ومحافظةِ المسجدِ الأقصى المُقدَّس[13].

والتشرُّف بخدمةِ كلِّ مرقدٍ مباركٍ أقدس"[14].

***

خطته:

قد رتَّبه المؤلِّفُ على مُقدمةٍ، وثلاثةِ أبوابٍ، وخاتمةٍ.

مهَّد في (المُقدمة) بوجوبِ التسليم لله والرضا منه[15].

وكان مِنْ كلامهِ فيها قولُه:

إنَّ اللهَ "اختارَ في عالمِ أمرهِ النوعَ الإنساني، وكرَّمه... وأرسلَ إلى النوعِ المذكورِ مِنْ نفسهِ رُسُلًا... فعُلِمَ مِنْ هذا أنَّ سياق الحكمة الإلهية ربطتْ جملةَ النوع براعٍ ورعيةٍ... فلا زال هذا الأمرُ يدورُ ويتسلسلُ إلى أنْ وصل... لأعظمِ راعٍ، وأكرمِ مرسلٍ، فجمَعَ القلوبَ... وقامَ بهمته المحمدية بحملة الإرشاد... فقتلَ ووصل، وانتقمَ وعفا، ونظَّم أساسَ الاتحاد...

وصحَّ عند أساتيذِ الإسلامِ في المشارقِ والمغاربِ أنَّ وجودَ الإمامِ في المُسلمين فرضٌ واجبٌ، فانتقلَ... مِنْ عهدِ الصدِّيقِ الأكبر... إلى أنْ اتصلَ ببني عثمان... وقد اتصل الأمرُ... بعبدالحميد"[16].

وذكرَ هنا نبذةً عن أعمالهِ، بعد أنْ مدحَهُ مدائح جليلة.

أمّا (الأبواب) فكانتْ كالآتي:

الباب الأول: فيما ورَدَ في شأنِ السُّلطان في الكتابِ والسُّنةِ، وعن لسانِ أكابرِ جهابذةِ الأمّة. (ص7-18).

الباب الثاني: فيما ورَدَ من الآثارِ والأخبارِ في الاتّحادِ، ومزيتهِ، وثمراتهِ. (ص18-30).

وتعرَّض فيه إلى المدنيّة الإسلامية، والمدنيّة الغربية.

الباب الثالث: فيما ورَدَ بالحثِّ على الجهاد بالنفس، والمال. (ص30-38).

وذكَرَ في (الخاتمة) (ص38) نبذةً مِنْ مزايا السُّلطان مُعبِّرًا عنه بـ "حضرة مولانا أمير المسلمين، ملك ملوك المُوحدين".

***

وبعد أنْ ختمَ الكتابَ بقوله:" والحمدُ لله ربِّ العالمين" تابعَ قائلًا:

"تتمّة لازمة".

وأورَدَ تحتَها مقالتين:

المقالة الأولى: فيما يلزمُ على كلٍّ من المَأمورين، والمُسْتخْدَمين في الباب السُّلطاني. (ص48 - 50).

المقالة الثانية: في بعض الحِكَم الدينيّة، والسياسيّة الشرعيّة. وقال: "تلك لازمةٌ لكلٍّ من الأمّةِ المُحمَّديةِ". (ص50 - 52). وقد دعا فيها إلى التوبة والتقوى لإصلاح الأحوال.

***

-مصادره:

لم يذكرْ مِنْ أسماء الكتب سوى:

-صحيح البخاري.

-مغناطيس القلوب للشيخ أحمد البصري الشهير بالقباني.

-الشجرة الخضراء للإمام سيف الدين أبي بكر السمّان البكري.

وذكرَ في قصيدتهِ التي ذكرتُ مطلعَها:

-الميزان للبستي.

ومن الأسماء التي ذكرها: الشريف محمد الحازمي، والمناوي، وعبدالكريم الجيلاني، وأحمد الصياد، وسراج الدين الصيّادي، ومحمد مهدي الصيّادي الروّاس.

***

ترجمته:

وقد رأيتُ نسخةً من الكتابِ باللغة التركية أيضًا.

***

كلمات منه:

-"الحكمةُ الوقتيةُ عند أربابِ التدبير والأذهان مقتضاها الاتحادُ لمقابلةِ العدو، وحفظِ الأهلِ، والوطنِ، وبلوغِ الراحة، وحصولِ الأمنية، بمنوالٍ حسنٍ ومسلمٍ. وإنَّ كلَّ هذا يتمُّ باتحاد المسلمين في أمورهم، وربطِ قلوبِهم بامتثالِ أمرِ أميرهم"[17].

-"إنَّ من مقتضيات الغيرة الدينية، والمروءة الإسلامية، نشرَ علَمِ الاتحادِ في جميع الممالك، والبلاد"[18].

-"هذا هو الوقت الذي تُهَزُّ فيه سلسلة الغيرة الدينية، والحمية الإيمانية، فالمبادرةَ المبادرةَ لهزِّ تلك السلسلة"[19].

-"قد يُرى أن البعض -لشدة حرصِهم على مآربِهم، وحسدِهم لِمَنْ منَّ اللهُ عليه بمرتبةٍ دنيويةٍ وقربٍ من الحضرة السُّلطانية- يقومون على قدمِ الافتراءِ بالغيبةِ الكاذبة، والطعنِ الواهي بغير حقٍّ، بل قد يكونُ ذلك من غيرِ معرفةٍ ولا رؤيةٍ لشخص المُغتاب"[20].

***

الاهتمام بتوزيع هذا الكتاب[21]:

يبدو أنَّ الاهتمامَ بتوزيع هذا الكتاب كان كبيرًا، وظلَّ مستمِرًا سنين، فقد رأيتُ نسخةً منه مع (13) كتابًا مجموعة في مجلدٍ حصلَ عليها الشيخُ عبدُالرزاق البيطار الدمشقي حين كان في الآستانة سنة (1314هـ)، وقد كَتَبَ على الأولِ منها -وهو"الغارة الإلهية"-:

"في نوبةِ الحقيرِ الفاني عبدالرزاق البيطار في الآستانة في 21 ذي القعدة سنة 1314".

ثم كتبَ اسمَهُ على عدةِ كتب أخرى، وصحَّحَ بعضَ الألفاظ، ووضَعَ خطوطًا فوقَ بعضِ السطور.

***

رسالة أخرى للمؤلف[22]:

للمؤلِّف رسالةٌ أخرى في هذا الموضوع بعنوان: "النفخة النبوية في خدمة الخلافة العثمانية"[23]، أخبرني بها الأخ الدكتور محمد سعاد الأستاذ في مركز الأبحاث الإسلامية في إسطنبول، وقد كتبتُ إليه أسألهُ عنها، فكتبَ إليَّ:

أستاذي الفاضل عبدالحكيم الأنيس:

السلام عليكم ورحمة الله.

أرجو أن تكونوا أنتم وأسرتكم بكامل الصحة والعافية، وأعتذرُ عن التأخير، ما زلتُ أبحثُ عن "النفخة النبوية في خدمة الخلافة العثمانية" لأبي الهدي الصيادي، لكنْ ما حصلتُ على النسخة العربية حتى الآن، أنا وجدتُ مخطوطة الترجمة التركية في جامعة إستانبول، في ضمن متروكات قصر يلديز فقط.  

أظنُّ أنَّ هذه الرسالة قُدِّمتْ إلى السُّلطان عبدالحميد الثاني رحمه الله، ولم تُطبع، وبقيتْ مخطوطة وفُقِدتْ فيما بعد، والله أعلم.

مع تحيّاتي. المخلص محمد سعاد".

***

وسألتُه: هل هناك تشابهٌ بين هذه الرسالة: "النفخة النبوية" ورسالة الصيادي اﻷخرى: "داعي الرشاد لسبيل الاتحاد والانقياد"؟

فكتبَ قائلًا:

"السلام عليكم ورحمة الله.

أستاذي الفاضل:

أنا شاهدتُ الترجمةَ التركيةَ لكلٍّ من الرسالتين فقط، هُما في نفسِ الموضوع: أي في وجوبِ طاعةِ الخلافة العثمانية.

لكنَّ أسلوب "النفخة النبوية" أسهلُ وأبسطُ، رُبَّما لأنها تخاطِبُ العوامَّ، والله أعلم.

مع تحيّات محمد سعاد".

***

تنبيه:

للشيخ إبراهيم بن محمد الراوي الرفاعي (١٢٧٦-١٣٦٥هـ)[24] كتاب بعنوان: "داعي الرشاد إلى سبيل الاتحاد"، وهو عنوانٌ مقتبسٌ مِنْ كتابِ شيخهِ الصيّادي.

وهو في هذا الكتاب يدعو إلى اتّحاد السُّنة والشيعة، بخلافِ الكتابِ الأولِ الذي يدعو إلى نُصرة الخلافة العثمانية بصورةٍ عامةٍ، "وحُسْن المعاملة لكلِّ فرقِ الرَّعيّة، وإنْ اختلفت المناهجُ المذهبيةُ، لأنَّ العدالةَ عدمُ الظلم لأحدٍ من البريّة" كما قال[25]، ولعلَّ قوله هذا هو الذي دفَعَ الشيخَ الراوي إلى قولهِ عن شيخهِ الصيّادي أنه لم يُفرِّقْ بين الشيعة والسُّنة[26].

وعلقَ على هذا محمد مهدي العلوي -أحدُ علماء سبزوار في إيران- بقولهِ: "نعم، هذه صفةٌ قلما توجدُ في أبناء البشر، أطابَ اللهُ ثراه، وأكرمَ مثواه". ووَعَدَ أن يشيرَ إلى نبذةٍ مِنْ ترجمتهِ[27].

***

وبعدُ:

فهذا هو كتاب "داعي الرشاد" للصيّادي، وليس مِنْ غرضي هنا الحكمُ على ما جاء فيه، مِنْ حيث المضمون، ولا مِنْ حيث طريقة الاستلال، فلذلك مجالٌ آخر، وإنما أردتُ التعريفَ والعرضَ.

[1] كتبتُه سنة (1403هـ - 1983م)، ولم يُنشر.

[2] وما جاء في "الأعلام" (6/94) أنَّ وفاته سنة (1328هـ) خطأ جزمًا.

[3] داعي الرشاد ص (7).

[4] هذا الذيل مطبوعٌ في آخر "قلائد الزبرجد" للصيّادي.

[5] النفحات المحمدية ص 44.

[6] قلادة الجواهر ص (473)، ونور الإنصاف ص (3).

[7] الفرقان ص (80).

[8] انظر ترجمته لنفسه في كتابه "ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد" ص (59).

[9] داعي الرشاد ص (35).

[10] داعي الرشاد ص (42).

[11] داعي الرشاد ص (39).

[12] كذا، ويريد: للمحافظة على شرف...

[13] كذا، ويريد: المحافظة على المسجد...

[14] داعي الرشاد ص (25).

[15] كذا قال: منه.

[16] داعي الرشاد ص (4-6).

[17] داعي الرشاد ص (17).

[18] داعي الرشاد ص (24).

[19] داعي الرشاد ص (26).

[20] داعي الرشاد ص (43).

[21] هذه الفقرة أضفتها على المقال عام (2016م).

[22] هذه الفقرة أضفتُها على المقال عام (2014م).

[23] وهذا العنوانُ في ظاهرهِ غير سائغ، وإنْ كان يريدُ أنَّ هذه الرسالة المُسماة "النفخة المحمدية" هي في خدمة الخلافة العثمانية.

[24] ترجمته في "الأعلام" (١/ ٧٢).

[25] داعي الرشاد للصيّادي ص٤٦.

[26] داعي الرشاد للراوي ص 48.

[27] انظر: داعي الرشاد للراوي ص٤٨.

وسوم: العدد 687