من صور الحرب على الإسلام، وقضايا تاريخية أخرى

د. عبد السلام البسيوني

مقدمة

قال المستعين بالله البسيوني غُفر له ولمحبيه والمسلمين أجمعين:

يحفل التاريخ – بشكل عام – بالأحداث والأشخاص، واللطائف والطرائف والمآسي والمخازي، والانتصارات والانكسارات، وغرائب الأمور، كما أننا نأخذ منه العبر، ونقيس الحاضر على الماضي، نبني المستقبل على الكائن، ونستشرف الآفاق، ونرى بعيون العقل ما سيكون، وفي هذه الجذاذات أستنبط وقائع من التاريخ القديم، والقريب، والذي نعيشه (إذا كان تاريخاً) من هنا ومن هنا، أخلطه بشيء من جد موجع، وسخرية مرة، مع تعاليق وحواشٍ، ومداخلات واستطرادات، وسنتحرى إن شاء الله تعالى في ذلك الحق والنصفة، حتى للأعداء والخصوم، فما أسقط مصداقيتنا إلا المبالغة، أو المواربة، أو الإخفاء والمين، ومن تمام الصدق أن نعزو النقول لكاتبيها ومصادرها – وإن أطلت النقل أحياناً للأهمية – ونقدم الأحكام الصحيحة دون تهوين أو تهويل، كما تعلمنا من منهج القرآن ومدرسة السنة، ولتكن مساحتنا التاريخية في هذه الورقات بين القريب والبعيد!

وبالله الاستعانة، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

د. عبد السلام البسيوني

وثائق تاريخية فاضحة!

معذرة إلى الله تعالى:

هذه مساحة من الوثائق التاريخية أسجلها دون تعليق، لأعكس كيف يتحرك التاريخ، وكيف يعيد نفسه، وكيف لا تتعلم هذه الأمة من دروسه؟ وإلى أين يسار بها في تاريخها القريب.. ولولا أن الصفحات محدودة لأوردت عشرات الوثائق التي تجمد الدمع في العين، والدم في القلب.. فهل من مدكر!

نابليون بونابرت يسلم

في عام 1313 هجرية وخلال شهر رمضان وبعد معارك مع أحمد باشا الجزار والمماليك قرب العريش، وأثناء توجههم إلى الشام، استطاع الجيش الفرنسي أن يحتل العريش، وأراد قادته الدهاة أن يوهموا المصريين أنهم ما جاؤوهم محتلين غزاة، بل منقذين من ظلم المماليك، فكتب نابليون بونابرت يقول:

بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه. من طرف الفرنساوية، المبني على أساس الحرية والتسوية! السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته، يعرف أهالي مصر جميعهم أنه من زمان مديد:

الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية، يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، يظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي؛ فحضر الآن ساعة عقوبتهم، وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين، من بلاد الأزابكة والجراكسة، يفسدون في الإقليم الحسن الأحسن، الذي لا يوجد في كرة الأرض كلها، فأما رب العالمين القادر على كل شيء، فإنه قد حكم على انقضاء دولتهم.

يا أيها المصريون: قد قيل لكم: إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم؛ فذلك كذب صريح فلا تصدقوه! وقولوا للمفترين: إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين! وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه، والقرآن العظيم.

وقولوا أيضاً لهم: إن جميع الناس متساوون عند الله، وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط، وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب.. فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم، ويختصوا بكل شيء أحسن فيها، من الجواري الحسان، والخيل العتاق، والمساكن المفرحة؟! فإن كانت الأرض المصرية التزاماً للمماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم، ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم.. ولكن بعونه تعالى من الآن فصاعداً لا ييأس أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية، وعن اكتساب المراتب العالية، فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الأمور، وبذلك يصلح حال الأمة كلها.

وسابقاً كان في الأراضي المصرية المدن العظيمة، والخلجان الواسعة، والمتجر المتكاثر، وما أزال ذلك كله إلا الظلم والطمع من المماليك.

أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجربجية** وأعيان البلد: قولوا لأمتكم: إن الفرنساوية هم

الجربجية** رتبة ضمن ضباط المماليك وملزميهم.

أيضاً مسلمون مخلصون؛ وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في رومية الكبرى، وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة، وطردوا منها الكواللرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين!

ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني! وأعداء أعدائه أدام الله ملكه. ومع ذلك إن المماليك امتنعوا من طاعة السلطان غير ممتثلين لأمره فما أطاعوا أصلاً إلا لطمع أنفسهم!.

طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح حالهم، وتعلو مراتبهم. طوبى أيضاً للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين، فإذا عرفونا بالأكثر تسارعوا إلينا بكل قلب.

لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا، فلا يجدون بعد ذلك طريقاً إلى الخلاص، ولا يبقى منهم أثر.

المادة الأولى: جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية، فواجب عليها أن ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء! (قمة الاستهبال).

المادة الثانية: كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار (قمة التحضر).

المادة الثالثة: كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي أيضاً تنصب صنجاق السلطان العثماني، محبنا، دام بقاؤه. (قمة الولاء).

المادة الرابعة: المشايخ في كل بلد يختمون حالاً جميع الأرزاق والبيوت والأملاك التي تتبع المماليك، وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع أدنى شيء منها. (قمة الأمانة).

المادة الخامسة: الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة والأئمة أنهم يلازمون وظائفهم.

وعلى كل أحد من أهالي البلدان أن يبقى في مسكنه مطمئناً. وكذلك تكون الصلاة قائمة في

الجوامع على العادة. (قمة الحرص على راحة الناس)!

والمصريون بأجمعهم ينبغي أن يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عال: أدام الله إجلال السلطان العثماني، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك، وأصلح حال الأمة المصرية. (قمة الجهر بالولاء).

تحريراً بمعسكر إسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213، من إقامة الجمهور الفرنساوي، يعني في آخر شهر محرم سنة.. هجرية... (أه) بحروفه.

وسوم: العدد 697